وزير التربية والتعليم يهنئ معلمي مصر بمناسبة اليوم العالمي للمعلم    أسعار الذهب اليوم السبت 5-10-2024.. اعرف آخر تحديث    بورصة الدواجن اليوم السبت 5-10-2024.. تحديث في أسعار الفراخ البيضاء    الطماطم ب20 جنيهًا.. أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ    ارتفاعات جديدة.. سعر الحديد والأسمنت اليوم السبت 5 أكتوبر 2024    انفجار ضخم في قوة مشاة تابعة لجيش الاحتلال جنوبي لبنان    "يديعوت أحرونوت": إسرائيل تخطط لهجوم قوي على إيران قريبا    قوات الاحتلال تعتقل 4 فلسطينيين من الخليل بالضفة الغربية    "اليونيفيل" تقول إن قواتها ما زالت في مواقعها في جنوب لبنان رغم طلب إسرائيل نقل بعضها    الولايات المتحدة تضرب 15 هدفا للحوثيين في اليمن    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| الهلال ضد الأهلي في الدوري السعودي.. وظهور محمد صلاح مع ليفربول    اليوم.. الأهلي يبدأ استعداداته لبطولة السوبر المصري    القنوات الناقلة لمباراة الهلال والأهلي في الدوري السعودي.. والموعد    سيد عبد الحفيظ يكشف موقفه من تولي منصب مدير الكرة في أهلي طرابلس    حالة الطقس اليوم السبت 5-10-2024.. انخفاض درجات الحرارة ونشاط للرياح    قبل محاكمته.. ماذا قال ضحية الضرب من اللاعب إمام عاشور إمام جهات التحقيق؟    تعديل تركيب قطارات الوجه البحري: تحسينات جديدة لخدمة الركاب    استعجال التحريات في ضبط سائقي ميكروباص بتهمة أداء حركات استعراضية بالقاهرة    اليوم.. نظر محاكمة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية بالجيزة    محافظ أسيوط يتفقد مجمع المحارق للوقوف على أعمال التطوير تمهيدًا للافتتاح    "ثقافة مطروح " تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر    الجيش السوداني يغير معادلة الحرب.. وترحيب شعبي بتقدم القوات في الخرطوم    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 5 أكتوبر    حقيقة وفاة الإعلامي اللبناني جورج قرداحي نتيجة الغارات الإسرائيلية    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    للراغبين في الزواج.. تعرف على سعر جرام الذهب اليوم    مباراة الزمالك وبيراميدز بكأس السوبر المصري.. الموعد والقنوات الناقلة    ابنتي تنتظر اتصاله يوميا، عارضة أزياء تطارد نيمار بقضية "إثبات أبوة"    بعد عودة تطبيق إنستا باي للعمل.. خبير مصرفي يكشف سبب التحديثات الجديدة    حريق فى عمارة سكنية بدمياط والحماية المدنية تكثف جهودها للسيطرة    سلوفينيا تقدم مساعدات عينية لأكثر من 40 ألف شخص في لبنان    أرسنال يخشى المفاجآت أمام ساوثهامبتون فى الدوري الإنجليزي    "إسلام وسيف وميشيل" أفضل 3 مواهب فى الأسبوع الخامس من كاستنج.. فيديو    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    أوركسترا القاهرة السيمفونى يقدم أولى حفلات "الموسيقى الغنائية" اليوم بالأوبرا    ميدو: أكبر غلطة عملها الأهلي هي دي.. والجمهور حقه يقلق (فيديو)    مصدر يكشف أزمة جديدة قد تواجه الزمالك لهذه الأسباب    سهر الصايغ "للفجر": بحب المغامرة وأحس إني مش هقدر أعمل الدور...نفسي أقدم دور عن ذوي الاحتياجات الخاصة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    حرب أكتوبر.. أحد أبطال القوات الجوية: هاجمنا إسرائيل ب 225 طائرة    صحة المنوفية: تنظم 8365 ندوة على مستوى المحافظة لعدد 69043 مستفيد    الكشف ب 300 جنيه، القبض على طبيبة تدير عيادة جلدية داخل صيدلية في سوهاج    أعراض الالتهاب الرئوي لدى الأطفال والبالغين وأسبابه    تفاصيل مرض أحمد زكي خلال تجسيده للأدوار.. عانى منه طوال حياته    عمرو أديب عن حفل تخرج الكليات الحربية: القوات المسلحة المصرية قوة لا يستهان بها    الكويت.. السلطات تعتقل أحد أفراد الأسرة الحاكمة    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    تناولتا مياة ملوثة.. الاشتباه في حالتي تسمم بأطفيح    بعد تعطله.. رسالة هامة من انستاباي لعملائه وموعد عودة التطبيق للعمل    البابا تواضروس الثاني يستقبل مسؤولة مؤسسة "light for Orphans"    «مش كل من هب ودب يطلع يتكلم عن الأهلي».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا ناريًا على القندوسي    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    «ممكن تحصلك كارثة».. حسام موافى يحذر من الجري للحاق بالصلاة (فيديو)    عظة الأنبا مكاريوس حول «أخطر وأعظم 5 عبارات في مسيرتنا»    رشا راغب: غير المصريين أيضًا استفادوا من خدمات الأكاديمية الوطنية للتدريب    بمشاركة 1000 طبيب.. اختتام فعاليات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرايس ومسرحيات أخري:المرأة كآخر!
نشر في أخبار الأدب يوم 26 - 05 - 2018

تعد مسرحية »العرايس»‬ للكاتبة الشابة دينا سليمان نموذجاً للأدب ما بعد الحداثي، فهي تحكي عن عشر لوحات تعرض عشر مشكلات لعشر عرائس منها عروسة المولد والماريونيت والبحر والنيل والحسد وغيرها وكلها مستوحاة من مفاهيم لعادات متعارف عليها في المجتمع العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص. والعرايس هي لعب مصمتة قد تكون من خشب أو من ورق أو من قماش، لكن الكاتبة أعطتهن الحياة ليتم تجسيدهن من خلال فتيات هذه اللعب في الأصل تعبر عنهن. تتسم المسرحية بأهم سمات أدب ما بعد الحداثة لكونها لا تتقيد بمكان معين أو زمن معين كما هو متعارف عليه في التراجيديا التقليدية التي وضح الفيلسوف أرسطو أنها لابد أن تتسم بوحدة الزمان والمكان لتكون واقعية. وفقاً لأرسطو فإن »‬هيكل العمل التراجيدي لا ينبغي أن يكون بسيطا بل معقدا وأن يمثل الحوادث التي تثير الخوف والشفقة.» ويري أرسطو أن البناء الدرامي يجب أن يحتوي علي بداية بها تمهيد للأحداث الخاضعة لقانون »‬الضرورة والاحتمال»، و يليها »‬وسط» به عرض لهذه الأحداث وتفصيل دقائقها، ثم نهاية بها ذروة هذه الأحداث وحلها وهو ما أطلق عليه المحدثون »‬الخط الدرامي».أما »‬العرايس» فتعتبر ثورة علي الكتابة الكلاسيكية التي تعرف بالمنطقية، وذلك لعدم وجود خط درامي منطقي به بداية ووسط أو ذروة وعقدة وحلها. كما أنه لا يوجد تحول أو اكتشاف.
فالعرايس مكتوبة باللغة المصرية العامية البسيطة وتبتعد كل البعد عن المصطلحات المعقدة والتركيبات اللغوية الفصحي أو حتي الأسلوب الشعري في البيان، وذلك لأن طريقة تناولها للمواريث المجتمعية باللغة العامية تجعلها أقرب للقارئ العادي. والأسلوب الذي تبنته دينا سليمان يتسم بالتجزؤ، فكل لوحه تعرض علي حدي ولا يوجد ترتيب للأحداث ولا عقدة بل يترك الأمر لرد فعل القارئ أو المشاهد الذي يعد عنصر فعال في المعادلة الأدبية. المسرحية - كما هو موضح في مقدمتها - تصلح لأي زمان أومكان وذلك لكونها تتبع المدرسة الرمزية. وبالرغم من أن المسرحية تدور حول هدف عالمي يستطيع القارئ في أي مكان في العالم أن يتفاعل معه وهو القهر الذي تعاني منه المرأة، في ظل هيمنة المجتمع الذكوري ونظرته لها باعتبارها لعبة وليست بشرا من لحم وعظم وعقل ومشاعر إلا أن الكاتبة استطاعت أن تحافظ علي المذاق الشرقي وتناولت نموذجا من الأدب النسوي المتعارف عليه في كل أنحاء العالم بطريقة شرقية تنبع من مشاكل المجتمع المصري العربي. فنجد أن هناك إشارات متعددة لبعض التقاليد والعادات المصرية التي تعطي الحرية للشاب أن يفعل ما يحلو له قبل الزواج ثم تعطيه الحق أن يختار تلك التي لم تحظ بنفس الحرية ليعطها شرف المصاهرة. كتبت المؤلفة علي لسان العروسة المانيكان:
عروسة 3:إحنا عرايس زيك، بس مش للبيع، إحنا للعرض بس.
عروسة 4: يعني إيه؟
عروسة 3: يعني إحنا اللي بنتحط ورا الفتارين، الزبون يقعد يبحلق فينا، يمسكنا، يعاين... يحسس كمان لو حب.
عروسة 1: وبعدين يختار واحدة مننا، بعد ما يفرز كل اللي ع الرف، ويقلب فينا من فوق لتحت.
عروسة 2: يقول أنا عاوز واحدة زي دي بالظبط، بس بسلوفانتها: محدش يكون لمسها.
ومن الجدير بالذكر أن الكاتبة لم تعط الشخصيات أسماء بل ظلوا مجهولين بلا اسم، وذلك لأنهم لا يشيرون إلي أشخاص معينين بحد ذاتهم، بل هم نماذج للمرأة الشرقية العادية من مختلف الطبقات فقيرة كانت أو غنية، مثقفة كانت أو جاهلة. تشير اللوحة إلي قضية المرأة التي تشبه المانيكان وراء الفاترينات. للمارة حق التعليق علي اختياراتها للملابس والإشارة إلي جسدها مغذية خيال المارة المريض حاملة يافطة »‬للعرض فقط».
تناقش اللوحة النقد الذي تتعرض له الفتاة حول ملابسها متهمين إياها بإثارة الفتن، ولومها علي التحرش بها. تتناول لوحة أخري، العروسة الماريونيت والتي بها خيوط للتحكم بها وهي تمثل الفتاة العادية التي يتحكم بها أهلها فتفقد القدرة علي الحكم ومعرفة الصح من الخطأ لتصبح أم جاهلة وتساهم في إنشاء جيل غير قادر علي أخذ قرار، مكررة بذلك أخطاء الأم التي بدورها عاشت نفس التجربة، وتنتقل الكاتبة إلي لوحة أخري تظهر بها عروسة المولد الشهيرة بألوانها وزيها ومروحتها التي يتم تخبئتها في المخازن حتي لا تصبح »‬فرجة للرايح واللي جاي» خوفا عليها كما يقال كعذر للفتاة حتي يتم إبعادها عن الضوء والحد من إمكانياتها وطموحها. وتظهر عروسة الحسد في لوحة جديدة تعبر عن واقع من الخرافات يعيشه المجتمع المصري حول تأخر سن الزواج لدي بعض الفتيات. كتبت دينا:
»‬عروسة 2: من عين أمك وأبوكي. وكل اللي شافوكي ولا صالوش ع النبي. من عين الكتب والأقلام والورق وكثر الكلام. من عين الحب والعشق وكلام الأفلام. من عين الفرحة والضحكة. من عين المستقبل وبكرة والأحلام. من عين كل اللي يقولك انجحي».
ومن الجدير بالذكر أن العلام أو التعليم كما جاء في النص يعد من أسباب تأخر سن الزواج ومعوقاته وليس العكس وذلك لخوف بعض الرجال من ثقافة زوجاتهن وتفتح أعينهن وقدرتهن علي الحكم علي الأشياء وإعطاء رأي مما يهدد رجولة الأزواج وقدرتهم علي فرض السيطرة الكاملة.
وتنتقل بنا الكاتبة إلي نموذج آخر وهو عروسة الظل التي تعيش لتبهر الآخرين وتحصل علي موافقتهم في كل ماتفعل. هي الفتاة البسيطة التي تنخدع من الرجال لسذاجتها واحتياجها لكلمة عطف تسد الجوع العاطفي الناتج عن حصار الأهل. تمثل عروسة الظل الفتاة التي تثور نتيجة الضغط والحصار والشك المستمر.
»‬عروسة الظل: طول عمرها محسساني إني بعمل جريمة من وراها: اتأخرت يبقي كنت مع واحد، جيت بدري يبقي خلف معاده معايا، سهرت أكيد بفكر فيه، نمت علشان أحلم بيه، والكحل لما ساح، يبقي لازم أكون معيطة بسببه: ماكنتش بتصدق إني مش بديله فرصة يكلمني، بس خلاص من بكرة مفيش كحل وهخرج أقابله».
وفي اللوحة التالية، تقدم لنا الكاتبة ثلاث عرائس للبحر بشكل مختلف: فمنهن من ترتدي نضارة طبية وأخري تميل إلي البدانة وأخري أقلهن جمالا ليلقين الضوء علي قولبة المرأة وفرض معايير محددة للجمال من قبل المجتمع، مما يضطرها إلي المخاطرة بحياتها في بعض الأوقات لمضاهاة هذه المعايير المتشددة التي وضعها صانعو الموضة وتظهر بها النجمات والعارضات علي مجلات الأزياء والجمال فينبهر بها الرجال وتصبح هي العرف دون احترام لاختلاف أجسام النساء.
ومن خلال الحوار بين عرائس البحر اللاتي قدمتهن الكاتبة في شكل يختلف عن القالب المتعارف عليه لعرائس البحرالتقليديات ذوات الأجساد الممشوقة، تؤكد الفتيات أن المعيار الأهم في الحكم علي المرأة كان ولايزال هو الجمال الخارجي. فتقول عروسة 3 »‬عارفين مهما كانت البنت ذكية، شاطرة ومميزة. بيفضل الجمال هو الأساس في الحكم عليها». وذلك بالرغم من تقدم العصر وحصول المرأة علي الكثير من الحريات ودخولها سوق العمل واعتلائها أعلي المناصب إلا أنه يظل الشكل الخارجي هو المعيار الأساسي في الحكم علي المرأة حتي أنها لا تعطي فرصة لإظهار إمكانياتها في أي مجال ويظل الشكل الخارجي هو المؤشر الأول لنجاحها في العمل أو في الزواج. تقول إحداهن في وصف معاناة الفتاة الأقل جمالا »‬حتي لو مش حلوين... اعرفونا الأول وبعدين احكموا». تصيح العرائس بصوت واحد »‬أجمل بنات الأرض أجمل بنااااات الأرض» لتنتقل بنا الكاتبة إلي لوحة أخري أخيرة بطلتها أجمل بنات الأرض »‬عروسة النيل» التي ليست أوفر منهن حظا بل كان جمالها سبب نكبتها. يتم اختيار عروسة النيل لتقدم في عيد وفاء النيل كأضحية وتخسر حياتها وأحلامها ثمنا لجمالها والعادات والتقاليد. وتظهر المرأة الجميلة كامراة عادية مقهورة يحتم عليها الآخرون وأدها وتخبئتها وربما تكون إشارة إلي ظاهرة ختان البنات التي لاتزال منتشرة في مصر اعتقادا من البعض أنها تحد من الإثارة الجنسية لدي الفتيات البالغات قبل السن.
تنتهي المسرحية بلوحة مجمعة للعرائس وكل منهن تقول أهم عباراتها وتنتهي لعبة الكراسي المتحركة التي تخرج منها عروسة في كل مرة ليغيروا موضع الكراسي ويضعونها في مواجهة الجمهور ويجلسن بكبرياء وهن يضعن ساقا علي ساق ويضحكن بسخرية في مواجهة الجميع. لا تنتهي المسرحية بحل لمشكلات الفتيات كما هو الحال في المسرح الكلاسيكي بل تنتهي بعرضهن لها ومواجهتهن للجمهور الذي يمثل المجتمع في أول خطوة تجاه الحل ولكن يظل الأمر مفتوحا للمناقشة والتحليل من خلال القراءة بين السطور واكتشاف المزيد من المعاني مع كل قراءة.
اللبؤة
منذ البداية اعتمدت مسرحية »‬اللبؤة» علي الرمزية الواضحة فتوضح التعليمات أن المسرح ينقسم إلي منظرين موازيين بين عالمين وهما عالم البشر والحيوان يتحدث فيها الحيوانات كما يتحدث البشر ويتصرف فيها البشر كالحيوانات، بل ربما تأتي نهاية المسرحية صادمة عندما يتبين للقارئ أوالمشاهد أن عالم الحيوان به رحمة وعدل لا تتوفر بين البشر. يجد المشاهد نفسه في مقارنة مستمرة بين العالمين وتعتمد الكاتبة في أسلوبها علي الانتقال بين شخصية وأخري وكأنهما يكملان حديث بعضهما البعض. وفي أول مقارنة بين العالمين، نجد أن الأب كره خلفة البنت بينما تقبل الحيوان ولادة لبؤة ورأي أن فيها العوض بينما رأي الأب أنها ستجلب العار لأهل بيتها لذا وجب ختانها بمجرد ظهور أول معالم النضج عليها. و تبدأ قصتي إعجاب بين فتي وفتاة وذئب ولبؤة. يحاول الفتي إيقاع الفتاة في شباكه عن طريق الخديعة لإيقاعها بينما يحاول الذئب استغلال ذكائه في النجاة بحياته من براثن اللبؤة وفي نهاية المشهد يشعر الشاب بالانتصار ويطلق صوت عواء مما يجعل الذئب يتعجب وينظر إليه في شك حول طبيعته التي هي أدهي من الحيوان. يقول الضبع للذئب:
الضبع: جينا لشغل قطاعين الأرزاق... شكلك خايف إني أكشف ألاعيبك.
الذئب: مش أنا اللي أعمل ألاعيب يا إنسان.
الضبع: أهو إنت اللي إنسان وستين إنسان.
وعند بدء المشاكل بين اللبؤة وعمها نجد أن الذئب يدافع بشراسة عن حبيبته بينما يهم الشاب بأخذ شنطته والسفر عند سماعه أن الأب علي وشك قتل ابنته في الغابة وإدعاء أن أحد الحيوانات افترسها.
تختلف العلاقتين بين الذكر والأنثي في عالم البشر وعالم الحيوان كل الاختلاف. فالذئب يمنع اللبؤة من افتراس الفتاة قائلا إنه لاذنب لها كما إنه يدعم ويساعد حبيبته علي تحقيق هدفها والوصول إلي كرسي الحكم بدلا من عمها، أما الشاب فبعد خداعه للفتاة المغلوبة علي أمرها والتي عانت طويلا من حرمان وقسوة أبيها ينتهي بها الأمر في استعراض جنائزي حزين تظهر فيه مسلوبة الإرادة، بينما في عالم آخر موازٍ يظهر احتفال سعيد بتتويج اللبؤة ملكة للغابة. لا يخجل الذئب من مساعده حبيبته في خطتها رغم خطورتها وتعريض حياته للخطر، كما ظل يدافع عنها باستماتة ويحفزها للاستمرار نحو الأمام والنجاح وتحقيق الذات دون غيرة قائلا: »‬ملك الغابة هتبقي لبؤة». بينما تعيش البنت المسكينة ضائعة وسط التقاليد والتحكمات التي فرضها عليها المجتمع البشري منذ البداية للحد من قدراتها.
خاتم العميان
تعد مسرحية »‬خاتم العميان» نموذجاً لأدب ما بعد الحداثة لكونها نموذجاً لل Intertextuality واعتمادها علي ظاهرة الpastiche وهي محاكاة عمل سابق وتبني فكرته الرئيسية دون السخرية منه أو التقليل منه. وتقوم قصة المسرحية علي قصة الكاتب الكبير يوسف إدريس »‬بيت من لحم» (1971). تحكي القصة الأصلية عن امرأة شابة في الخامسة والثلاثين، لديها ثلاث بنات في سن الشباب، مات عنهن الرجل الوحيد الذي استمر مرضه سنتين، فأطبق الصمت علي البيت وتمرأيامهن في انتظار وأمل، علّ أحدا يأتي خاطبا إحدي الفتيات ووسط هذا الصمت،صوت واحد يقطعه شاب مقرئ، يأتي عصر كل جمعة، يقرأ الآيات علي روح الفقيد، وبعد فترة من الزمن، تقرر الفتيات أنه يجب علي إحداهن أن تتزوج هذا الشاب الأعمي، وينتهي النقاش بينهن إلي الاتفاق علي أن أمهن هي من ستتزوجه، ليجلب إلي البيت الحظ والنصيب، وتبدأ البهجة والضحكات والنكات إلي البيت، وزاد عدد الأنفس نفساً، إلا أن الصمت يعود ويصبح سيد الموقف أيضا إلي النهاية، بعد أن تقرر الفتيات أن يكن لهن نصيب في هذا الأعمي، وبصمت تتواطأ الأم علي قبول هذا الحال، تضحية منها ورأفة في بناتها الجائعات أبدا، وبصمت أيضا يستمر الأعمي في العيش معهن، مقنعا نفسه أنه أعمي، وليس علي الأعمي حرج.
احتفظت الكاتبة بالقالب الأساسي للقصة والشخصيات الخمسة الرئيسية وكذلك مكان وزمان كتابة القصة موضحة الفقر المادي المدقع الذي تعانيه الأسرة والذي يؤثر بدوره علي الاحتياج العاطفي لدي الأم والثلاث فتيات. إلا أن الكاتبة أضافت بعداً جديداً لشخصية قارئ القرآن الشاب الكفيف الذي ظهر في القصة الأصلية في شكل المخدوع والذي ربما شعر بتغير إلا أنه لم يملك من دليل ما يثبت خداع الفتيات الثلاث له خاصة مع تواطؤ الأم معهن رأفة بحال بناتها.
كما هو واضح في العنوان الذي اختاره يوسف إدريس لقصته القصيرة وهو »‬بيت من لحم»، جاء التركيز علي احتياج الفتيات الثلاثة مما دفعهن لخداع الشيخ أما في مسرحية »‬ خاتم العميان»، بدأت الكاتبة بالإشارة إلي دخول الأم ضريرة تتحسس طريقها ومن خلفها البنات الثلاثة معصوبات الأعين يسرن في طابور يد كل منهن علي كتف الأخري. وكما جاء في اختيار عنوان المسرحية، العميان هم الفتيات وليس الشاب. ويظهر الشاب بكامل أناقته يتحكم بهن ممسكا بعصاه التي تشبه العصا السحرية ويقف في ثقة مبتسما. ويبدو أن الأوضاع انقلبت فبالرغم من أن الشاب هو الكفيف إلا أن الكاتبة أضافت لشخصيته بعداً لم يكن موجودا في القصة الأصلية فكان هو المتحكم والمستغل لضعف الفتيات واحتياجهن العاطفي والذي ظهر في كلماته المعسولة لكل منهن. يقول الرجل للبنت الوسطي بعد أن أصبح زوجا لأمها .
الوسطي: طب ومشكلتنا اللي ملهاش حل، محدش عايز يغسل هدومه عندنا... الكهربا هتاكل قوتنا.
الرجل: بالعكس، الحاجات الغالية ماينفعش تأمني للكهربا عليها. مفيش أحن من إيدك تحس بنسيجها وملمسها وأنتي في حالة عشق معاها عشان تطهريها وتديها من روحك تحسي بدرجة النظافة وتشوفي الماية وهي بتتكرر مع كل شطفة، مش مجرد غسيل
( عدم رد الوسطي وارتباكها لتأثير الكلام عليها)
وفي مشهد آخر تشكو الفتاة كمن تشكو لوالدها فتقول الوسطي »‬أنا تعبت خلاص وعاوزة أرتاح، هفضل لامتي مستنية الإيد اللي تتمدلي علشان أخلص من الضلمة دي»؟ وهنا يظهر من الحوار أن الفتاة تتخبط وتشعر بالعمي بينما الرجل الكفيف يقود الحوار آخذا منعطفاً آخر.
الرجل: واحدة في جمالك ماينفعش تقول كده.
الوسطي: جمالي!! وده عرفته من سحبة عينيا ولا جمال خطوتي؟
الرجل: جمالك في قوتك، في جرأتك... انتي بتعرفي تاخدي موقف وتكوني قده، انتي مش بنت عادية زي باقي البنات.. أما عن الشكل فأنا عارف أنك جميلة.
الوسطي: (بسخرية) لتكون مفتح وإحنا مش عارفين.
ويبدو من الحوار أن الشاب الكفيف علي دراية كاملة بما يقوم به من استغلال لمشاعر الفتاه التي تعاني من جوع عاطفي وتشتاق إلي سماع كلمات اهتمام وغزل حتي أنها تصفه في سخرية أنه »‬ مفتح» بينما تصف نفسها أنها تتخبط في الظلمة. ومرة أخري يعيد كلمات الإعجاب والهيام علي مسامع الكبري واصفا إياها بأنها تختلف عن باقي الفتيات متأملا في جمال يديها شاعرا باحتياجها المتزايد للدفء والأمان. تقول الكبري:
الكبري: طول عمري نفسي ألاقي اللي يحضن إيدي... ويدفي روحي... ألاقي الحضن اللي اترمي فيه ومخافش.
الرجل: علشان الدفا ممكن تحرقي روحك.
وهنا يؤكد الرجل علي تحكمه وفهمه الكامل لتوابع الاحتياج الذي تمر به الفتيات مستغلا إياه لمصلحته محققا متعة شخصية. وفي مقارنة بينه وبين الأب المتوفي، توضح الأم أن الصغري كانت تحظي بدلع والدها وحرمت من حنانه عند وفاته. فيجد الشيخ مدخلا جديدا لفريسته الصغيرة وهو الحنان.
الصغري: الصغيرة دايما مش متشافة.
الرجل: واحدة في جمالك ماينفعش تقول كده.
الصغري: (بفرحة) أنا جميلة!!
الرجل: انتي أميرة... وفي يوم هتبقي ملكة.
وبعد أن يصل القارئ إلي غايته، يؤكد في مشهد درامي أن »‬الأعمي معلهوش حرج» أي أنه لا يلام تماما مثل الصياد الذي يلقي باللوم علي فريسته ويعف نفسه من المسئولية. ومن الملاحظ أن الكاتبة فضلت استخدام كلمة »‬رجل» عن الشيخ أو القارئ أوالكفيف وذلك لأن محرك الاحداث الرئيسي هو استغلال هذا الرجل لمجموعة من الفتيات الفقيرات المغلوبات علي أمرهن. ومن الأمور التي أضافتها الكاتبة إلي القصة والتي أثرتها هي التناقض الواضح في شخصية الشيخ. فمن المفترض أن الرجل هو رجل دين حيث أنه قارئ للقرآن يحافظ علي مواقيت الصلاة وصلة الرحم إلا أنه يوقع بنات زوجته في زنا المحارم ويتودد إليهن مستخدما العبارات الجذابة شاغلا تفكيرهن وشاحنا لعواطفهن بدلا من هدايتهن ودعوتهن للصبر. ويشير هذا التناقض في الشخصية بين الظاهر المتشدد والباطن الذي لا يمت للدين بصلة الي أهم سمات أدب ما بعد الحداثة. ويظهر هذا التناقض عاكسا لطبيعة المجتمع في الوقت الحالي والذي يتسم بالتشدد والتدين الظاهري فيما ترتفع نسب الجريمة والفسق وتتعدد مظاهر الفجور والتحرش والاغتصاب. وهي مشكلة لم يكن متعارف عليها بالشكل الحالي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي حين كانت المرأة تخرج الي الشوارع آمنة بملابس قد تكون اكثر تحررا من ملابس المرأة الشرقية الحالية في القرن الواحد والعشرين.
أخيراً، تعد »‬العرايس ومسرحيات أخري» نموذجاً للأدب النسوي الذي لا يرتبط بمكان أو زمان ويناقش قضية عالمية لكن بمذاق شرقي مصري جميل نابع عن عاداتنا وتقاليدنا ومشاكل مجتمعنا. »‬العرايس» كتبتها امرأة تشعر بمعاناة المرأة التي رغم أنها قطعت طريقاً طويلاً في الوصول إلي الحرية والحصول علي الكثير من الحقوق إلا أنها خسرت في المقابل حقوقاً وحريات أخري كانت تتمتع بها من قبل لتؤكد أن المرأة لم تحقق الحرية والمساواة الكاملة مع الرجل بل لايزال الطريق أمامها طويلاً لتثبت نفسها في مجتمع ذكوري يحكم عليها ويقولبها ويلقبها ولا تزل المرأة تلعب فيه دور »‬الآخر».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.