أسعار الدواء نار تلهب جيوب الغلابة رغم جهود الدولة في توفير كثير من الأدوية عقب الأزمة التي حدثت في سوق الدواء بعد قرار الحكومة بتحرير سعر الصرف في نوفمبر من عام 2016 إلا أن جهودها لم تسفر إلا عن تخفيض رقم النواقص من 1100 إلي 800 صنف ومازاد المشكلة حدة أن العجز لم يقتصر علي الأدوية التكميلية بل وصل الأمر لاختفاء عقاقير لعلاج الأمراض مزمنة، كالانسولين المستخدم في علاج السكري وأدوية الشلل الرعاش والسرطان ومذيبات الجلطات والربو وغيرها.. من جانبهم يري أصحاب الشركات أن تحرير سعر الصرف كان السبب الأول، وخاصة في ظل عدم تقديم دعم من الدولة لتعويض هذه الشركات عن خسائر لحقتها بعد اتخاذ الحكومة لهذه الخطوة وتأكيدهم أن الفرق في الأسعار كان يمثل خسارة مؤكدة وهو ما جعل بعضها تقلل كمية المنتج أو تتجه لآخر أكثر ربحية.. يري الصيادلة أن المشكلة يشترك فيها كثير من الأطراف ومنها سعر الصرف مؤكدين أن الأمر يتطلب خطة تتبناها الدولة لتنظيم هذا السوق لإنقاذ مرضي في أشد الحاجة لدواء ربما يكلفهم نقصه حياتهم.. بينما يعيش المرضي واقعا مؤلما، بعد أن تأكدوا أن التصريحات لم تفلح ولو كمسكنات مؤقتة، ولا تصلح أبدا.. أن تكون أقراصًا للتعافي من المرض، فيهربون منه لجحيم غلاء يلتهم جيوبهم، خاصة مع عدم وجود بديل محلي. »أخبار اليوم» تطرح القضية علي المختصين في جوانب متعددة لتقف علي حل يريح ملايين المرضي. يعول سوق الدواء المصري علي الشركات القابضة ومصانعها لانتاج الأدوية باعتبارها مؤسسات يمكن أن تخفف من حدة أزمة النواقص الأخيرة ولكن باستقراء لأحوال هذه الشركات نجد أن انتاجها تراجع إلي 5٪ وهو ما يعني عدم الاعتماد علي مصانعها في تخفيف حدة الأزمة خاصة أن هناك 11 شركة للدواء تابعة لها لم تطور نفسها لتنافس الشركات الأجنبية. تحقق شركات إنتاج الدواء خسائر كبيرة سنويا نتيجة سياسات خاطئة تتعلق بأساليب البيع والتسويق وعقبات الانتاج وهو ما انعكس علي أرقام نصيب الشركات من »كعكة» سوق الدواء المصري والتي لا تزيد علي 3 مليارات من إجمالي 46٬5 مليار جنيه سنويا. ويقول د. محمد رءوف حامد، أستاذ علم الأدوية بالهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية ورئيس الهيئة السابق، إن دور هذه المصانع تراجع بعدما تحولت من شركات قطاع عام داخل هيئة الأدوية، إلي ما سمي بالشركة القابضة، وذلك بعد عام 1991، عندما بدأ قانون قطاع الأعمال العام، حيث كان لهذه المصانع في السابق خطة عمل وسياسة إلي حد ما جيدة، تعتمد علي تشجيع المنتج المحلي الذي يأتي من خامة دوائية مصرية حتي وإن كان نظيرها الأجنبي أقل في السعر، لكن للأسف تم التخلي عن هذه السياسة بعد التحول الذي جعل الشركات تتجه إلي السعي وراء تكبير المحفظة المالية لها بأي طريقة. وأوضح حامد، أن قانون قطاع الأعمال جعل مصانع الشركة القابضة تتخلي عن سياسة دعم وتشجيع غيرها من الصناعات المحلية لصالح الشركات الأجنبية التي كانت تمدها بالمواد الخام بسعر أقل، مشيرا إلي أنه علي غرار ذلك بدأ التحول السلبي لصناعة الدواء يتزايد، في الوقت الذي قللت فيه الدولة من فرص التطور المأمول وكان به سوء اختيار للكفاءات الإدارية، ما أدي إلي الانهيار الموجود حاليا، وفي ظل ما سمحت به الحكومة للقطاع الخاص من الدخول في هذه الصناعة دون تحديد سياسة خاصة بها، وهي السياسة التي كان من المفترض أن تكون تكميلية لدور القطاع العام، وليست بديلا أو منافسا لها. وتابع رءوف: بدأ حجم القطاع الخاص في الزيادة وقل حجم القطاع العام، وفي ظل فرحة القطاع الخاص دخل القطاع الأجنبي أيضا إلي السوق المصري وتمكن من السيطرة علي نسبة أكبر من القطاع الخاص، وأصبح المشهد حاليا أن 60% من حجم السوق يتبع شركات أجنبية، و35% لشركات قطاع خاص، وما بين 4 و5% لشركات القطاع العام، بحيث أصبح لا يمكن التعويل علي القطاع العام في صناعة الدواء، الأمر الذي يحتاج بشدة إلي سياسة عامة للدولة خاصة بصناعة الدواء لعودة القطاع العام، مع ضرورة حسن اختيار القيادات، ووجود درجة من المرونة في إدارة هذه الشركات لإيجاد حالة من التكامل والتنافس مع الشركات الخاصة والأجنبية. يقول مدير إحدي شركات الأدوية »الذي رفض ذكر اسمه» ان تحرير سعر الصرف كان له أضرار سلبية شملت كل الشركات سواء تجارية أو إنتاجية، علي سبيل المثال الشركة المصرية لتجارة الأدوية 50٪ من مستحضراتها تعتمد علي الاستيراد و50٪ محلية، والمستورد معظمه مستحضرات حيوية للمريض المصري، وخاصة ما يخص الأورام والأمراض المستعصية، وبعد التحرير فوجئت الشركة بتحمل فروق أسعار للبنوك في ألبان الأطفال فقط تصل إلي 229 مليون جنيه للسنة المالية المنتهية، كما حققت الشركة ايضا خسائر كبيرة نتيجة استيراد أدوية الأمراض المزمنة والخطيرة تقترب من 30 مليون جنيه، وإذا تم إضافتها علي ألبان الأطفال يصبح مجمل خسائر الشركة المصرية 259 مليون جنيه، موضحا انه إذا استمرت أسعار المستحضرات الطبية كما هي دون تحريكها ستتسبب في مزيد من نزيف الخسائر، ورفع سعر الدواء ضرورة ملحة للشركات من الناحية الاقتصادية، ولكن الدولة لها منظور آخر وهو عدم تحميل المواطنين اعباء مالية جديدة، واضاف ان شركة الجمهورية ايضا تأثرت بتحرير سعر الصرف، لأن عملها مرتبط بفتح اعتمادات لاستيراد المعدات والخامات، والشركات الخاسرة ارتفعت خسائرها، فصناعة الدواء دائرة متكاملة، لذلك الحصول علي تعويضات من الدولة يتسبب في ضبط المنظومة، وحل المشكلة الهيكلية للشركات، كما ان شركة النصر هي الأخري حققت خسائر 127 مليون جنيه، بسبب أنها لم يطلها التطوير والتحديث إلا في الحدود التي تنفق للحفاظ علي الماكينات، ولكن لا تعمل بالكفاءة المطلوبة. ويقول رئيس شركة أخري ان هناك مطالبات عديدة بتحرير سعر الدواء سواء للقطاع الخاص أو قطاع الأعمال، خاصة بعد قرار تحرير سعر الصرف، وارتفاع أسعار الخامات، الأمر الذي أدي لأزمة متفاقمة وارتفعت خسائر شركات الأدوية المملوكة للدولة، مما اضطر الشركات للسحب علي المكشوف من البنوك ليصل السحب لشركة واحدة مثل الشركة المصرية للأدوية إلي 3 مليارات جنيه خلال العام المالي المنتهي، الأمر الذي قد يتسبب في انهيار حقيقي لشركات الأدوية المملوكة للدولة، لذا لا بد من تدخل مباشر من الدولة لحماية هذا القطاع والذي يعتبر أمنا قوميا، والتي تعتبر هذه الشركات رمانة الميزان التي تحافظ علي الأسعار المناسبة للمصريين البسطاء. الجدير بالذكر انه تم اجراء حركة تغييرات واسعة مؤخرا داخل شركات قطاع الأعمال العام حيث قرر خالد بدوي وزير قطاع الأعمال العام، تعيين الدكتور أحمد حجازي، رئيسا لمجلس إدارة الشركة القابضة للأدوية، قادمًا من الشركة المصرية لتجارة الأدوية خلفًا للمحاسب محمد ونيس، وإعادة تشكيل مجلس إدارة الشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية، إحدي شركات وزارة قطاع الأعمال العام، وذلك لمدة ثلاث سنوات، بمناسبة انتهاء مدة المجلس في 16 فبراير الماضي. وشمل القرار تخفيض عدد أعضاء مجلس الإدارة من 10 إلي 7 أعضاء وفقًا للحد الأدني لتشكيل المجلس المنصوص عليه في قانون شركات قطاع الأعمال العام رقم (203) لسنة 1991، برئاسة حجازي وإضافة خمسة أعضاء جدد إلي جانب أحمد فؤاد طه ممثل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر. ووفقًا للقرار فإن الأعضاء غير المتفرغين الجدد ومتوسط أعمارهم في الأربعينيات هم رامي البرعي، محام حر يتمتع بخبرة قانونية واسعة في مجالات عدة، محمد عباس فايد العضو المنتدب لبنك عودة ولديه خبرة بنكية ومالية واسعة، معتز فاروق رئيس القطاع المالي لمجموعة شركات »القلعة» وعضو مجلس الإدارة الخبير في مجال التمويل والمحاسبة. بالإضافة إلي عضوية كل من تامر وجيه رئيس مجلس إدارة شركة »برايم» ويتمتع بخبرة واسعة في مجال إدارة الأعمال، نيفين عبد العزيز أستاذ مساعد بقسم الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ولديها خبرة في مجالات الاقتصاد وتمويل الأعمال التجارية وتحليل الاستثمارات.