وكيل الأزهر يستقبل وزير الأوقاف الصومالي السابق ويهنئه بتكريم رئيس الجمهورية    الموافقة على زيادة أعداد المقبولين بمدرسة التمريض في الوادي الجديد    أول رد فعل من ناصر عبدالرحمن بشأن صورته المتداولة مع صلاح التيجاني    956 شهادة تراخيص لاستغلال المخلفات    استشهاد وإصابة 7 فلسطينيين جراء اقتحام قوات الاحتلال لجنين بالضفة    تزايد الضغط للدعوة إلى انتخابات مبكرة في أيرلندا عقب ارتفاع شعبية رئيس الوزراء    رئيس الوزراء: لا عودة لتخفيف الأحمال وأمنا احتياجاتنا من الوقود    الدكتورة رشا شرف أمينًا عامًا لصندوق تطوير التعليم بجامعة حلوان    التحالف الوطني للعمل الأهلي يوقع مع 3 وزارات لإدارة مراكز تنمية الأسرة والطفولة    حسن نصر الله: شن إسرائيل حرب برية على لبنان فرصة تاريخية لنا    "مجلس حقوق الإنسان": المجتمع الدولى لا يبذل جهودا لوقف إطلاق النار فى غزة    مصر بجوار المغرب.. تعرف على قرعة أمم أفريقيا للكرة الشاطئية    مباحث الدقي تكشف حيلة عاطل للاستيلاء على مبلغ مالي من مالك مطعم شهير    ورشة للمخرج علي بدرخان بالدورة ال40 لمهرجان الإسكندرية السينمائي    جيش الاحتلال: مقتل ضابط وجندى فى استهداف بصاروخ مضاد للدروع على الحدود مع لبنان    مرصد الأزهر يحذر من ظاهرة «التغني بالقرآن»: موجة مسيئة    مستشفى "حروق أهل مصر" يعزز وعي العاملين بالقطاع الصحي ضمن احتفالية اليوم العالمي لسلامة المرضى    مهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما يُكرم «هاني رمزي» في دورته السابعة    مركز الأزهر للفتوى: نحذر من نشر الشذوذ الجنسى بالمحتويات الترفيهية للأطفال    محافظ كفرالشيخ يوجه بالتيسير على المواطنين في إجراءات التصالح على مخلفات البناء    الأزهر للفتوى الإلكترونية يعلن الإدعاء بمعرفة الغيب يؤدى إلى الإلحاد    القوات البحرية تنجح في إنقاذ مركب هجرة غير شرعية على متنها 45 فردا    رسميا.. موعد صرف معاشات أكتوبر 2024 وطريقة الاستعلام    تقرير يُكشف: ارتفاع درجات الحرارة بريء من تفجيرات " البيجر " والعملية مدبرة    محافظ بني سويف: إزالة 272 حالة بحملات المرحلة الثالثة من الموجة ال23    "صحة أسوان": لا يوجد بمستشفيات المحافظة حالات تسمم بسبب المياه    بينها التمريض.. الحد الأدنى للقبول بالكليات والمعاهد لشهادة معاهد 2024    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    فيلم عاشق على قمة شباك تذاكر السينما في مصر.. تعرف على إيراداته    الحكومة تستعرض الخطة التشريعية خلال دور الانعقاد المقبل لمجلس النواب    بنك إنجلترا يبقى على الفائدة عند 5 %    توقعات برج الحمل غدًا الجمعة 20 سبتمبر 2024.. نصيحة لتجنب المشكلات العاطفية    أول ظهور لشيرين عبدالوهاب بعد أنباء عن خضوعها للجراحة    برلماني عن ارتفاع أسعار البوتاجاز: الناس هترجع للحطب والنشارة    أخبار الأهلي: بعد تعاقده مع الأهلي.. شوبير يعلن موعد بداية برنامجه    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    فانتازي يلا كورة.. ارتفاع سعر لويس دياز    "الموت قريب ومش عايزين نوصله لرفعت".. حسين الشحات يعلق على أزمتي فتوح والشيبي    أبرز تصريحات الشاب خالد ف«بيت السعد»    "بداية جديدة".. تعاون بين 3 وزارات لتوفير حضانات بقرى «حياة كريمة»    "ناجحة على النت وراسبة في ملفات المدرسة".. مأساة "سندس" مع نتيجة الثانوية العامة بسوهاج- فيديو وصور    "خناقة ملعب" وصلت القسم.. بلاغ يتهم ابن محمد رمضان بضرب طفل في النادي    مركز الأزهر: اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها افتراء وتدليس    لبحث المشروعات الجديدة.. وفد أفريقي يزور ميناء الإسكندرية |صور    خبير سياسي: إسرائيل تريد مد خط غاز طبيعي قبالة شواطئ غزة    انتشار متحور كورونا الجديد "إكس إي سي" يثير قلقًا عالميًا    جامعة الأزهر تشارك في المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان»    محافظ الإسكندرية يتابع المخطط الاستراتيجي لشبكة الطرق    إخماد حريق نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مصنع فى العياط    حزب الله يهاجم تمركزا لمدفعية إسرائيلية في بيت هيلل ويحقق إصابات مباشرة    «لو مش هتلعبهم خرجهم إعارة».. رسالة خاصة من شوبير ل كولر بسبب ثنائي الأهلي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفا على موناكو وآرسنال يواجه أتالانتا    «الرقابة الصحية»: نجاح 11 منشأة طبية جديدة في الحصول على اعتماد «GAHAR»    ضبط عنصر إجرامى بحوزته أسلحة نارية فى البحيرة    مأساة عروس بحر البقر.. "نورهان" "لبست الكفن ليلة الحنة"    دورتموند يكتسح كلوب بروج بثلاثية في دوري الأبطال    لو عاوز تمشيني أنا موافق.. جلسة حاسمة بين جوميز وصفقة الزمالك الجديدة    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين هيكل.. والتابعي
يوميات الأخبار
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 04 - 2018

اللفظ الصحفي في عرض خبر أو قصة إخبارية لابد له أن يكون رفيقاً رقيقاً مع قاريء يريد أن يعرف ما يجري حوله ليزيد اطلاعه علي ما يهمه..
ليس جديداً القول أن أمير الصحافة محمد التابعي، هو صاحب الفضل الأول والوحيد، في تطور الصحافة المصرية الحديثة، وفيما وصلت إليه الآن علي مستوي اللغة والشكل وطريقة الكتابة والتناول.
هذا الدور، حاول آخرون تجاهله عمداً، وإغفاله، وإهالة تراب التاريخ عليه، وقد بادرت مجلة »آخر ساعة»‬ طوال الفترة التي شرفت برئاسة تحرير المجلة بالاحتفاء بالاستاذ محمد التابعي، وتعريف القاريء والأجيال الجديدة من الصحفيين معاً بفضل هذا الرجل، عبر نشر تراثه الصحفي والاستفادة من أرشيف المجلة التي أسسها هو مع الشقيقين مصطفي وعلي أمين، وما أحوجنا اليوم لاستعادة قيم ومهنية هؤلاء العمالقة.
ومحمد التابعي لم يكن صحفيا موهوباً فقط، بل إنه أيضا كان كاتبا شجاعاً، كما يجب أن يكون صانع الرأي العام.. عارفاً بدور الصحافة الحقيقي في المواجهة والكشف، مؤمناً بقدرة الكلمة المكتوبة علي تقويم المعوج وتصحيح الخطأ.
ففي عددها الصادر يوم 11 اكتوبر 1950 نشرت »‬آخر ساعة» مقالا لأمير الصحافة العربية محمد التابعي تحت عنوان »‬يحيا الظلم».. يحيا الظلم، ظلم كل جبار عاتية مغتر بسلطانه وسطوته، يدوس القوانين ولايبالي نعم يحيا الظلم.. ظلم كل مطالب باحترام القانون ولايحترمه وكل قادر علي حماية القانون ولا يحميه.. وظلم كل عابث بالقانون.
نشر المقال، في عز سلطان فاروق، وعنفوان حكمه، وحمله المخبرون إلي الملك، فأشر بقلمه علي عباراته، ثم سأل رجال ديوانه »‬من العظيم الفاجر الذي يسرف ويعتدي علي الأعراض؟» وسكت الجميع، فعاد يسائلهم.. من الذي يعنيه التابعي؟ ومرة أخري لم يجب أحد وابتسم فاروق لأنه عرف أنه المقصود!
اعتذار هيكل لاستاذه!
هذا المقال، أشار اليه التابعي نفسه في كتابه الأشهر من أسرار الساسة والسياسة، الذي أصدرت دار الشروق طبعة جديدة منه، بمقدمة لمحمد حسنين هيكل، وصفها هو بأنها »‬ليست بالمعني التقليدي مقدمة لطبعة جديدة لواحدمن كتب الاستاذ محمد التابعي، وإنما هذه السطور من القلب تقديم اعتذار له عن درجة من النسيان لاسمه وقيمته لحقت ذاكرة أجيال جديدة من القراء، بغير ذنب عليهم، لأن المسئولية فيه واقعة بالحق علي ناحيتين: أطراف ظلمت الرجل من جهة، وعوائد ترسبت بهجوم علي جهة أخري.
وأضاف هيكل في المقدمة الاعتذار من ظلم الأطراف مثلا ان بعض تلاميذ المدرسة الصحفية: للاستاذ التابعي ولاسبابهم، آثروا السكوت عن دوره أو القفز عليه. ومن ظلم الأطراف أيضا أن كثيرين أخذوا عما كتب التابعي دون أن ينسبوا له، رغبة في اظهار أمرهم، والنتيجة إخفاء أمره، أما العوائد التي ترسبت فأولها ظاهرة لها سوابق في تاريخنا، خصوصا أزمنة الفراعنة والمماليك، ومن هذه العوائد أن كل نجم طالع في أي مجال يريد نسبا موصولا بالشمس، يستكبر أن يكون ابنا شرعيا لأب، وإنما يطلب أن يكون مولوداً بذاته ولذاته بداية ونهاية.
ومع مثل تلك النوازع يتبدي تعاقب الأجيال صفحات باهتة، أو صفحات ممزقة، أو صفحات مزوقة، وعليه لايصبح التعاقب تاريخاً موصولا ومتواصلا، وإنما يصبح غرضا وهوي، أخطره هوي السلاطين قريبا وبعيداً. سلاطين القرب: يبغون محو أثر، وقطع ذكر لمن سبق، كي يبقي زمانهم وحيدا.
وسلاطين البعدُ: يهاجمون ذاكرة ويبعثرون ترتيبا، كي يضيع الزمان كله من اصحابه ومعه وعيهم، وهو مكمن إرادتهم!
ويواصل الاستاذ هيكل في تقديم »‬من أسرار الساسة والسياسة».. قلت أنني لا أقدم كتابا للاستاذ التابعي وإنما أتقدم إليه باعتذار، وذلك بالفعل شعوري إزاء رجل أعتبره من أساتذتي الكبار، وأستاذا لكثيرين غيري من نفس الجيل الذي خطا إلي عالم الصحافة العربية أعقاب الحرب العالمية الثانية وبالتحديد مع مطالع الأربعينيات من القرن العشرين..
مدرسة آخر ساعة
وقد كان من حسن حظي أنني عملت مع »‬التابعي» وهو وقتها صاحب ورئيس تحرير مجلة »‬آخر ساعة» أيام عزها قادما إليه من جريدة »‬الاجيبشيان جازيت» بتوصية من رئيس تحريرها في ذلك الوقت »‬هارولد إيرل» وأظنني ولعل ذلك كان رأيه ايضا كنت آخر قائمة طويلة من الشباب وقتها تتلمذوا عليه.
ويقال عن رجل أنه صاحب مدرسة في علمه أو فنه إذ وصل تأثيره في مجاله إلي درجة يختلف بها ما بعده عما قبله، بمعني أنه إذا حذف دوره من المجري العام للتطور، انقطع الخط علي فجوة واسعة. وذلك نموذجي في حالة »‬التابعي» فقد اختلف مجال الكتابة الصحفية بعده عما كان قبله، وفي هذا الاختلاف بين السابق واللاحق يتبدي حجم تأثيره، مثله في ذلك مثل غيره من مستواه في مسيرة أي علم أو فن.
ولكي أكون واضحا ومنصفا، فليس المقصود أن الكتابة الصحفية قبل »‬التابعي» كانت أقل وزناً أو أدني قيمة، فذلك بعيد عن القصد لأنه كان هناك قبل وغير »‬التابعي» كتاب لهم شأن ومقام، لكن »‬التابعي» أضاف شيئا آخر إذ صاغ أسلوبا مختلفا في التناول الصحفي، وهذا الاختلاف الذي أحدثه »‬التابعي» هو نعومة الكلمة، وانسياب الكلام.
أي أن هناك إضافتين تحسبان ل »‬التابعي» إحداهما في اللفظ، والثانية في السياق، وبالنسبة للاضافة الأولي: فإنه يبدو وكأن الألفاظ كانت علي نحو ما في حالة عشق مع قلم »‬محمد التابعي» فما أن يضع سن القلم علي صفحة الورق حتي تذوب المعاني والصور لينة سائلة علي السطور، وبالنسبة للسياق: فإن أي قاريء لكتابات التابعي سوف تكشف له قاعدة سمعته يكررها علينا كثيرا، مؤداها: أن القصة في التفاصيل.
وملخص هاتين الاضافتين: الأولي أن اللفظ الصحفي في عرض خبر أو قصة إخبارية لابد له أن يكون رفيقاً رقيقاً مع قاريء لايجلس علي مقاعد الدرس والتحصيل يستعد لامتحان آخر السنة وانما هو قاريء يمسك الجريدة وسط مشاغله، وهدفه أن يعرف ما يريده فيما يجري حوله ليزيد اطلاعه علي ما يهمه ويعنيه بينما هو يمارس حياة كل يوم، وإذن فهو ليس طالبا في نظام تعليمي مع منهج مقرر ومفروض، وإنما قاريء يختار لنفسه وبرغبته وشهيته!
والاضافة الثانية: أنه اذا كانت القصة في التفاصيل، فإن أهم لوازم أي قصة أن تستوفي حقها بزيادة البحث في وقائعها، وبالاقتراب اكثر من ناسها وأهلها، والاهتمام بدوافعهم ومشاعرهم، وتلك ترجمة صحفية للقول المأثور، بأن كل قصة في دنيا الأدب هي في المحصلة النهائية حكاية رجل وامرأة، وربما دخول طرف ثالث بينهما أي امرأة أخري أو رجل آخر، لكن الفارق بين قصة وأخري في الادب وفي الصحافة ايضا هو التفاصيل ونبضها بالحياة وبالانسانية، وتدفقها مع الرواية الواصلة بالتحقيق إلي أدق التفاصيل.
مأساة أمير الصحافة
ولقد حاولت وحاولنا جميعا جيلا بأكمله أن نتعلم من »‬التابعي» وقلت إنني أسعدهم حظاً، ربما لأني كما أسلفت آخر من تتلميذ علي يديه والسبب غالبا أنني وصلت إلي صحبته قرب آخر النهار، في مرحلة من الحياة لها خواصها مع الناس وفي الطبيعة، وهي مرحلة ما بين الاصيل والغروب. وعندما حضرت الاصيل في حياة »‬محمد التابعي» فقد لفتني الوهج المهني والسياسي والاجتماعي المحيط بجوانبها، وكان ذلك حظي. ثم كان لسوء الحظ أنني حضرت نزول الغروب أيضا حين قرر »‬محمد التابعي» ان يبيع »‬آخر ساعة» إلي دار »‬أخبار اليوم» وصحابيها الاستاذين »‬مصطفي» وعلي أمين وكان البيع لنفس الاسباب التي ضاعت بها من قبل حصة »‬التابعي» في جريدة »‬المصري» وقد باعها إلي شريكيه في إنشائها وهما الاستاذان »‬محمود ابوالفتح» »‬وكريم ثابت». كان السبب في الحالتين ان الرجل فنان لايعرف قواعد الحساب أو يتجاهلها، بظن أن مواهبه فوقها، وكذلك راحت أعباؤه تزيد عن طاقته، أو بمعني أكثر صراحة راحت ديونه تضغط علي دخله بشدة تزداد وطأتها كل يوم، لكنه طول الوقت يرفض النظر إلي العواقب في عينيها كما يقولون.
وفي الحقيقة فقد كانت هناك علاقة التوهج والغروب، وهي علاقة مرئية بوضوح سواء في الطبيعة أو في الناس فهي في الطبيعة سابق ولاحق، وهي في حياة الناس سبب ونتيجة، وفي حياة »‬التابعي» بالذات فقد كان التوهج الاجتماعي والرغبة في الحفاظ عليه، خصوصا مع تقدم السن وتباين الظروف معاناة باهظة. وبمقدار ما حاولت وحاول غيري في مرحلة الغروب أن نعبر للرجل عن عرفاننا بفضله فأن نور الحياة انطفأ عن »‬محمد التابعي» رجلا ثقيلة همومه كسيرا قلبه، جريح كبرياؤه، برغم أنه ملك في لحظات الازمة شجاعة، أن لا يرمي المسئولية علي غيره، بل يلوم نفسه، واحيانا بمرارة كما تكشفت أوراقه.
فاروق من الضحايا!
لعل صفحات هذا الكتاب صور من أحوال التوهج الاجتماعي للاستاذ »‬التابعي» وفي نفس الوقت شهادة علي التكاليف الباهظة لذلك التوهج، ومع أن موضوع هذا الكتاب ملامح من القصة الحقيقية للملك »‬فاروق» ومأساته التي جعلت منه كما قلت وكررت دائما من ضحايا التاريخ، قبل أن يكون من مذنبيه فإن نفس الصفحات تظهر لمحات من حياة »‬محمد التابعي»، وكذلك ايضا مأساته، وهي تكشف دون قصد عقدة معروفة ومرصودة في قصة صعود الصحافة إلي استحقاق الامارة، وما هو أكثر بأوصاف مثل »‬صاحبة الجلالة».
وفي مجتمعات سبقت إلي التقدم في أوروبا وامريكا، ومع صحافة استحقت الامارة، فقد وصل رجال مثل »‬هيرست» و»‬ليبمان» و»‬نور كليف» »‬وبوف ميري» إلي مخالطة القوة والثروة والسلطة، ومن درجة التكافؤ والتساوي، ولم تتعقد الأمور لأن المواقع كانت أكثر جلاء، وبالتالي اكثر توازنا. لكن المشكلة في الصحافة العربية ان الاستاذ »‬التابعي» كان ظاهرة مستجدة علي العلاقة بين الصحفي والامير ولذلك كان الخلط واردا.
فقد كتب التابعي عن الملك »‬فاروق»، وعن الملكة »‬نازلي» وعن »‬احمد حسنين» وعن غيرهم من موقع المعايشة، وفي بعض المشاهد فإنه هو نفسه كان جزءاً من الصورة.
وكان المأزق في تجربة »‬التابعي» انه وهو يعايش الامراء بظن أنه ليس اقل منهم، ولم يكن بالفعل أقل منهم، بل لعله كان افضل فهو أمير بالقيمة، والآخرون ودون تعميم أمراء بالالقاب، لكن التعامل مع هذا الوضع يقتضي حدوداً واضحة، وانضباطا لاتساهل فيه، ومراعاة للحدود بين المظهر والجوهر.
هذا نص مقدمة الاستاذ هيكل التي وصفها ب »‬الاعتذار» لكتاب محمد التابعي الذي كتب هو نفسه مقدمة له، هي في حد ذاتها درس صحفي مهني وأخلاقي في الصحافة.
فالمدرسة الصحفية التي أرسي التابعي دعائمها قبل ثورة يوليو، هي مدرسة تنحاز للمعلومة، وتضعها فوق أي اعتبار آخر.. ثم تحولت الصحافة في فترة الستينيات إلي بوق دعائي ضخم بحجم مصر كلها للنظام الحاكم.
هكذا أقول ان اعتذار أحد الكبار القلائل لأستاذه التابعي ولو أنه جاء متأخرا لكنه إبراء ذمة أمام التاريخ!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.