ربما لم يصاحب أحد، باستثناء الله عز وجل، رحلة عقل وقلب الإنسان منذ كان في الجنة، وحتي العودة إليها، أكثر من الشيطان. من يومها وإبليس يتنقل بخفة، بعد أن منحه الله الإذن، بحثا عن هذا القلب والعقل اللذين سيستجيبان له. لقد شارك إبليس في طرد آدم من الجنة، بدافع الغيرة، لكون الله طلب منه أن يسجد له وهو المخلوق من الطين، بينما إبليس مخلوق من نار، وهي الأنفس في كتاب الخلق لهشاشة كتلتها وقوة تأثيرها وأثيريتها. أول محاولة عصيان وتمرد قادها إبليس، وكانت سببا في شقاء آدم. لقد أصبح شريكا في لحظة التأسيس تلك، والتي سيطول أمدها لتصبح شراكة؛ ومطاردا لآدم في كل مناماته، وأحلامه، حتي وصل إلي تمرده، بعد أن تقنع إبليس بقناع المتمرد الأبدي. أصبح إبليس مصاحبا لآدم في كل خطواته. وآدم من ناحيته، يريد أن ينقي حياته وأفعاله وأحلامه، يريد أن يستبعده، ويستعيذ بالله منه في كل صلواته وتمتماته اليومية. أي كان موقف آدم استسلاما، أم مقاومة لإبليس، خلال هذه الرحلة، وهذه الشراكة حتي بالخيال؛ أصبح إبليس كالقرين، له مكان محدد في القلب والعقل، سواء كان مملوءا بالذنب أو فارغا بالاستعاذة والدعاء والإيمان. أصبح نشأ التمرد الشرقي، كأحد أصوات الذات العميقة، الصوت الفردي وليس الصوت الجماعي. التمرد الغربي وقف ضد سلطة الدين، في عصور تنويره، ولم يقف ضد الشيطان. كالصوت الداخلي بالمعني الحديث، والذي من الصعب التخلي عنه. لقد تم استهلاك آدم في لحظة أكله من الشجرة المحرمة وخروجه من الجنة، مطرودا إلي حين، وإبليس في لحظة رفضه السجود؛ في ثقافة التمرد الشرقي. لقد تضخما بشكل ملفت، خاصة إبليس، ليصير زعيما. التمرد الغربي لم يجعل من الشيطان زعيما، بعكس التمرد الشرقي الذي جعل منه أيقونة في طريقه لتثبيت ثنائيات الله / الشيطان، الخير / الشر. إذا كان هناك نموذج للشر في التمرد الغربي، فهو يظهر في الثقافة كقناع لسلطة أو لسلطات عدة متخفية تحته. أما التمرد الشرقي فأصبح الشيطان نفسه هو القناع، والمعني بداخل هذا القناع، كأنه صورة أخري للذات، الجزء المذنب الحميم، الذي يجب طرده، بالصلاة وجهاد النفس. وكلما أوغلنا في طرد هذا الجزء المذنب الحميم، كلما أوغلنا في درجات انقسام وانفصام هذه الذات التي تود التوبة. أين سيذهب هذا الجزء المطرود؟ ربما سيختفي إلي حين. التمرد الشرقي، كإنسانه، يشعر بالذنب في قرارة نفسه. كان أسهل للتمرد الشرقي أن يأخذ مكان الشيطان، وليس رمزيته، القريب فيزيائيا من هذه النفس؛ بدلا من أن يري ويبحث فيمن يقع وراءه. كانت المسافة بين النفس وإبليس قريبة، المسافة التي تقاس بصوت الوسوسة المكتوم. وعندما تأتي لحظة التمرد، تنتقل النفس، والثقافة من وراءها، إلي هذا المكان الشاغر سلفا، والذي يشغله إبليس منذ تتبعه وشراكته لآدم في رحلة الخروج من الفردوس. تأخذ النفس المكان الآخر، المخالف للمكان المثالي للمؤمن، المكان الدوني الهامشي، لأنها تبحث عن العدالة، ولاعدالة مع السيطرة والسلطة. تأخذ المكان الذي يجب التعاطف معه، ورفعه لمرتبة المكان الأصلي، ليحل محله. الوسوسة عادة تحدث من نقطة قريبة جدا للأذن وللنفس وللدم. من كثرة استغراق النفس داخل تجاويف هذا الصوت ومتاهاته، تقوم هي بعد ذلك بالوسوسة المجانية، لتعيد الحياة لهذا الصدي لأصوات قديمة، كأنها تخشي غياب هذا الآخر الذي رافقها في رحلة طويلة. أي صداقة عدائية هذه ؟!!! أحيانا تأخذ الوسوسة شكل الصوت الداخلي. نشأ التمرد الشرقي، كأحد أصوات الذات العميقة، الصوت الفردي وليس الصوت الجماعي. التمرد الغربي وقف ضد سلطة الدين، في عصور تنويره، ولم يقف ضد الشيطان. لم يقف مع نموذج ضد آخر، لم يصب تمرده داخل قالب كما حدث في التمرد الشرقي. تمرد بلا ضفاف، ربما يسحب صاحبه لعدمية قاسية لابد أن تقتل أي سلطة تقف في طريقها لتتخلص من أي صداقات تتسلط علي النفس. بعكس التمرد الشرقي الذي تاه في النموذج، وأصبح مقيدا بحدود نموذج إبليس وفاعليته وسلطاته في الثقافة والدين.