ليس أقل من "البغاء الصحفي" يمكن أن يصف ما قام به صحفيون، دلسوا ونافقوا وداهنوا وزوروا، لا لشيء إلا ليكونوا بالقرب من جنة النظام البائد. حسنُ.. لن نتحدث عن رؤساء تحرير الصحف القومية الذين تغنوا بمفاتن المخلوع، وذكاء الوريث، الذي كان العالم يُجمع، وقتها، علي أنه شخص يفتقد إلي الكاريزما، فقد كان شيئاً عادياً ومفهوماً أن يفعلوا ذلك مع أولياء نعمتهم، الأولياء الذين أجلسوهم في مقاعد عظماء، وجعلوهم أثرياء في لمح البصر، ولكن سنتحدث عن صحفيين مستقلين ومعارضين كانوا يتفننون في عرض أعضائهم علي النظام، لعل وعسي. أشرف عبد الشافي، في كتابه الذي يحمل نفس العنوان "البغاء الصحفي"، ارتكب (فعلاً فاضحاً) بحق هؤلاء، من خلال جهد توثيقي، وسخرية مبطنة. تتبع رحلتهم وعنوانها النفاق، وسخر من نفسه، متهماً ذاته بأنه يتطاول علي الرموز، وطلب من الله، بامتداد الكتاب، أن يسامحه علي ما ارتكبت يداه. وبالطبع كلما زاد أشرف سخريته من نفسه ستتذكر جزءاً من الآية القرآنية "واللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ". تحدث عن مجدي الجلاد، (خفيف الروح)، الذي كتب عشرات المقالات (عن) و(إلي) نجل الرئيس، مستحدثاً تعبيراً توافقياً (ابن جيلي). يعلق أشرف بسخرية "بدا الأستاذ مجدي الجلاد كأنما يصرخ في جمال مبارك: خذني إليك"، ويضرب مثالاً بمقاله (العظيم) وهو "الحياة علي أكتاف جمال مبارك". يقول الجلاد، الذي لا يعرف طبعاً أن الثورة ستقوم "الرجل الطموح والمؤدب يسير في طريقه السياسي حاملاً علي كتفيه كائنات متوحشة تتغذّي علي دمه، والأحجام متفاوتة، من الديدان إلي الخراتيت، والوحوش الكاسرة، معظمهم لا يُحبّون جمال مبارك بقدر ما يسعون إلي تحقيق أكبر المكاسب السياسية والمادية من لحمه الحي". وعلي درب رئيس التحرير يسير نائبه (الفلتة) محمود مسلم، الذي خصص كثيراً من أخباره للترويج لروح الفكاهة واللغة المستحدثة لدي الوريث، كتب محمود مسلم "الميه هتشحر.. خد المعلومة دي ونام عليها.. ركبوا له سوستة في الكرسي علشان يقعد، هذه نوعية من المصطلحات التي بدأ جمال مبارك استخدامها في حواره ومداعباته في قاموس جديد له، مع أهالي قرية أنشاص الرمل". يكتب مسلم أيضاً عن حي العجوزة الذي أصبح جنة الله في الأرض، بعد أن قرر مبارك الابن أن ينهض بعشوائياته. يعلق أشرف كالعادة "اسمه إذن محمود مسلم، ولا تستهن بالخبر السابق، فالسيد مسلم أصبح بعدها وقبلها رئيساً لتحرير شبكة تلفزيون الحياة، إضافة إلي منصبه كرئيس تحرير برنامج الحياة اليوم"! قامت الثورة، وبالطبع سنكتشف أن الجلاد ونائبه قاما بدور (فظيع) فيها، وإلا بماذا تفسرون الصعود الرهيب للإثنين؟!.. البانرات التي تحمل صورة مجدي علي الكباري وفي الشوارع وواجهات المباني، ومن فرط ظهوره علي الفضائيات سيخال سكان القاهرة أنه قد ينزل إليهم من الحنفية، أما مسلم (الثائر العظيم) فسيكون من ضمن العشرة المبشرين بالمجلس العسكري. حضر مسلم لقاء مع رئيس الأركان سامي عنان ضمن وفد الكتاب والصحفيين وعاد ليكتب، واصفاً طريقة الندية في تعامله مع رئيس الأركان، ونصائحه إليه، يقول أشرف "أرأيت تلك اللغة التي تجعل صاحبها جنرالاً يتحدث فيسمع الجميع، بينما السيجار يتدلي من بين شفتيه؟! فتح الله عليك يا أستاذ مسلم.. وحماك الله يا مصر وحمي حُرّاس ثورتك"!! يكتب أشرف عن مصطفي بكري (كوليكشن المواهب الصحفية)، المهدد دائماً بالبلطجية، أليس هو أحد المعارضين الكبار. كتب بكري مقالاً جريئاً، ليس علي طريقة المنافقين الكلاسيكيين بل علي طريقته ككاتب مستقل لا يُداهن ولا يُساوم، عنوانه "كل عام وأنت بخير يا ريس"(!!)، كما كتب عن فهمي هويدي (رأس الحربة)، الذي يبدو، في أحد مقالاته، وكأنه يقول للجزار بشار الأسد "عذراً.. مُجبر علي كتابة كلمتين". تري ماذا سيكتب الأستاذ فهمي في الوقت الذي يواجه فيه الشعب السوري الرصاص بصدر عار؟!.. يكفي أن تقرأوا ذلك الاستهلال "هناك الكثير الذي ينبغي أن يُحسب للنظام السوري، والكثير الذي يُحسب عليه، إذ لا يستطيع أحد أن ينسي له احتضانه للمقاومة الفلسطينية، التي لولاه لكان قادة فصائل المقاومة إما في السجون العربية، أو الإسرائيلية، أو مشردين في أصقاع الأرض"، ويضيف "يحسب لذلك النظام أيضاً أنه لم يفرط ولم يساوم ولم يشترك في صفقات بيع القضية الفلسطينية، يحسب له دعمه للمقاومة الوطنية اللبنانية التي لولاها لسقط لبنان في فخ الاعتدال وفي قبضة الحلف الأمريكي الإسرائيلي"، ويقفز أشرف كالعادة صائحاً "الله عليك يا أستاذ هويدي يا عظيم". العرض يضيق بما احتواه الكتاب. كتاب صغير الحجم، ولكنه مع ذلك يضم عجينة النفاق في صورتها النقية، والنصيحة واجبة، امسك الكتاب بحذر، خوفاً من وقوع العجينة عليك، فليس هناك منظف معروف للنفاق حتي الآن!