تسعي جمانة حداد في كتابها "هكذا قتلت شهرزاد .. اعترافات امرأة عربية غاضبة" إلي ما تسعي إليه الكتابات المشابهة، أن تضعك "في خانة اليك"، كما نقول بالمصري؛ وبعيدا عن العنوان ذي اللغة النزارية المتحفزة للمقاتلة، فهي تسير مسرعة باتجاه التصادم مع القارئ. لسنا بحاجة إلي دليل، يكفي حديثها الدائم عبر الكتاب عن الصدمة، وإصرارها الدائم علي نفيها. اللافت للأمر هو كتابة الكتاب (150 صفحة) باللغة الإنجليزية، ثم ترجمته للعربية عبر مترجم هو نور الأسعد. وكتابة مقدمة من المؤلفة للطبعة العربية، باللغة العربية، مكونة من 38 صفحة. وإذا كان هذا يعطي مؤشرا لشيء، فهو يدل علي الاهتمام بهوية القارئ، بل إن الكاتبة تخاطب القارئ في بداية نص الكتاب، وليس المقدمة، فتقول عزيزي القارئ الغربي! ثم تملأ الغلاف الخلفي بتصريحات حول الكتاب لعدد من كتاب، كلهم غربيون، إلا كاتبا واحدا هو ربيع علم الدين، مع ملاحظ أن الكتاب الغربيين يتقدمهم الروائي الأبرز ماريو فارجاس يوسا. نحن إذًا أمام رسالة من كاتبة عربية إلي الغرب، وربما كان الأمر يتجاوز الرسالة إلي ما يشبه شاشة العرض ل"كاتبة عربية" من زوايا مختلفة، وهو ما يتضح من عناوين الفصول: امرأة عربية تقرأ الماركيز دي صاد .. امرأة عربية لا تنتمي إلي أي مكان، امرأة عربية تكتب شعرا إيروتيكا، امرأة عربية ......، ومن هذا التركيب نفهم أن هناك أشياء لا ينبغي للمرأة العربية فعلها، لكن جمانة تفعل! لا، ليست جمانة نسوية (فيمنست)، هذه موضة أو موجة قديمة، الكتابة الآن ما بعد نسوية، تتعرض فيه النسوية نفسها لقدر من الهجوم عبر الكتاب، باعتبارها غير كافية للحصول علي حقوق المرأة، وباعتبارها داعمة لتسليع الأنثي من مدخل آخر. وتهتم حداد عبر كتابها بما تعتبره "تصحيحا" لصورة الكاتبة العربية لدي القارئ الغربي، فتقول: "يؤسفني حقا أن القسم الأغلب من اهتمام الغرب بكتاباتنا، مثلا، غير موجه ضمن الاتجاه الصحيح، بل تراه يقبل علي النصوص المضللة أو الحافلة بالدراما والإثارة، علي حساب الأدب الحقيقي: ذلك الأدب الذي يخاطب الحقيقة الجوهرية للإنسان، مهما كان انتماؤه وأينما وجد، لأنه هو حامل الحقيقة الكلية". غير أن "خانة اليك" التي تسعي الكاتبة لوضعك فيها، تصبح كالسحر الذي ينقلب علي الساحر، فهي تسعي لوضعك أمام خيارين، هما التأمين علي أطروحاتها. أو انتقادها، ومن ثم، تصنيفك باعتبارك رجعيا تقف أمام "الثورة" التي تصر الكاتبة علي وصف نفسها بها. غير أن ما يحدث هو أن الكاتبة نفسها هي التي تقع في هذا الفخ، ومن هنا فإنها تلجأ إلي الاستدراك في كل فقرة تقريبا، فهي دائما مترددة بين "أصول" تسعي لإثباتها، من حيث كونها عربية، ونوع معين من التحديث تفترض مبدئيا تناقضه مع تلك الأصول. وتبرر جمانة هذه الرحلة من الشرق للغرب بإعادة تعريف المرأة، ورفضها ل "تحويل جسد المرأة إلي سلعة بخسة أو لحم رخيص". وما نراه أن ما يخدم القضية النسوية، هو عدم الكتابة عن النساء، المطلوب هو التحرر من الجنس، وليس التحرر في الجنس، لأن أي نوع من الكتابة عن النساء، ينتهي بنا في النهاية إلي تسليع المرأة، إن لم يكن بتسليع جسدها، فبتسليع فكرها وروحها، وهو ما يتضح عبر سطور الكتاب الذي يريد أن يقول للغرب في كل سطر، اشتروني، ساعدوني، ادعموني، فأنا كاتبة عربية مستعدة لاختراق كل الحواجز أيا كانت.