هل التعذيب حلال؟ السؤال ساذج بالتأكيد. يتجاوز البديهيات التي تري أن الأديان السماوية كافة هي أديان رحمة ومودة ...والحوار بالتي هي أحسن يتجاوز أيضا رغبتنا في الاحتكام إلي مبادئ ومواثيق عالمية تعبت البشرية كلها في وضعها، وكانت نتاج معاناة حقيقية. لكن السؤال ضرورة. لأن التعذيب لم يتوقف في أي وقت مضي داخل أقسام الشرطة. وأثناء التحقيق مع المتهمين سواء أكانوا مذنبين أو ضحايا ... بينما المؤسسة الدينية الإسلامية والمسيحية كلاهما لم ترفع صوتها لكي تعلن حرمة التعذيب، ظلت صامتة وكأن ما يجري في الأقسام صار فعلا اعتياديا.. صمت المؤسسة الدينية أغري الكثيرين باعتبار أن التعذيب لا حرمة شرعية فيه.. وإلا لرفع الأزهر ودار الإفتاء والكنيسة أصواتهما عاليا ... ولكن هذا لم يحدث. بالتأكيد ضابط الشرطة أو المسئول لا يري فيما يقوم به جريمة، كما أن هناك آليات نفسية تمارس مع الجنود البسطاء محدوي الثقافة والتعليم، بأنهم قمعهم للتظاهرات وتعذيب المعارضين لأن هؤلاء ضد »أعداء الوطن« ..هل ننسي رائعة عاطف الطيب »البرئ«؟ كتبت صديقة أن ضابط كبيرا كان يلقن جنوده في المتحف المصري: »عارفين اللي في التحرير دول عايزين ايه؟ . ليبرالية. عارفين ليبرالية يعني ايه؟ يعني راجل يتجوز راجل. عاوزين ده يحصل في مصر، فطبعا كلهم يهزوا راسهم و يقولوا لأ. و عارفين عايزين ايه كمان دولة مدنية، عارفين مدنية يعني ايه؟ يعني واحد مسيحي يحكم البلد. ترضوا بحاجة زي كدة. طبعا يهزوا راسهم ويقولوا لأ« بالتأكيد، قد يقتنع الجنود بما يلقنه الضابط الكبير. ولكن ما الذي يدفع الضباط الذين تلقوا قدرا لا بأس به من التعليم لكي يفعلوا ما يفعلون. هل أيضا يدركون أن المتظاهرين أو البلطجية هم مجرد » أعداء للوطن«؟ ماذا يدرسون في كلية الشرطة لكي يصلوا إلي هذه القناعات؟ كيف يتم مسح أدمغتهم بهذه الطريقة؟ هل يتم إقناعهم بأن ما يقومون به فعلا حلال؟ وخاصة أن الكثيرين منهم متدينون بالفعل..بل يصلي أحدهم الظهر في المسجد المجاور للقسم ثم يخرج ليكمل مهمته في تعذيب الآخرين. هل يتم تلقينهم أن التعذيب حلال؟ في أدبيات حقوق الإنسان ثمة افتراض يتم تدريسه للمتدربين. لو افترضنا أن الشرطة ألقت القبض علي إرهابي خطير، يمتلك معلومات هامة عن تفجير سوف يتم في مكان ما وفي وقت ما، هل يجوز استخدام التعذيب لانتزاع المعلومات الخاصة بمكان وموعد العملية؟ الإجابة التي تم الاتفاق عليها من جميع الأطراف لا يجوز ذلك مطلقا، حتي لإنقاذ ضحايا أو وقف تفجير. وأن هناك سبل أخري ينبغي العمل عليها للحصول علي المعلومات .. أي أن الغايات مهما كانت نبيلة لا تبرر اللجوء إلي التعذيب. ما المعيار الذي يستند إليه ممارسو التعذيب إذن؟ إذا كان الإسلام كدين يرفض التعذيب بل يؤكد الرسول أن أمرأة دخلت النار في قطة، حبستها لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض. فلماذا ينسب التعذيب إلي المسلمين.؟لعل القصة الشهيرة أن المخابرات الأمريكية التي تحرم التعذيب كانت ترسل معتقليها إلي الدول الإسلامية ، ومنها مصر لتقوم بالدور بدلا منها...بالتأكيد قد يكون هناك دلالة علي أن مصر تابعة أو كانت تابعة سياسيا لفترة طويلة لأمريكا، ولكن ألا يمكن أن يسئ ذلك إلي الإسلام نفسه كدين؟ الصحفي البريطاني ستيفين جراي تحدث في كتابه « »الطائرة الشبح»«عن مصر باعتبارها محطة لتعذيب المختطفين. وأن ذلك لم يأت لمصادفة فهناك تراث من التعذيب وأقبية له. ولعل القصة الشهيرة ذات دلالة : عندما وجدت المخابرات الأمريكية جثة لأحد ضحايا تنظيم القاعدة ..واشتبه في أن يكون هو أيمن الظواهري ، فأرسلت إلي عمر سليمان عينة من ال DNA لأحد أفراد أسرة الظواهري في مصر ، فقطع إصبع محمد الظواهري وأرسله لهم! الوقائع عديدة، آخرها ما نشر علي مواقع الإنترنت عن تعذيب عدد من أفراد الشرطة والجيش لبعض الأفراد وبرر لهم البعض ما يقومون به بأنهم » بلطجية«...وكأن تعذيب البلطجية يجوز في الأديان السماوية ..والمواثيق الدولية التي لا يعترف بها السادة الضباط. العبقري الراحل صلاح جاهين لم يدهشه أن يتحمل جسد شخص التعذيب ..ولكن ما أدهشه يطيق من يقوم بالتعذيب القيام بذلك: ( أنا كل يوم أسمع .. فلان عذبوه/ أسرح ف بغداد والجزاير واتوه/ ما أعجبش م اللي يطيق بجسمه العذاب / وأعجب من اللي يطيق يعذب أخوه) ظاهرة الضابط الفتوة تحتاج إلي تصحيح، لأن الثورة قامت فقط من أجلها ...ولا ينبغي أن تستمر بعد الثورة .. ولعل البداية أن نعود إلي سؤالنا الأول...هل التعذيب حلال؟ والسؤال إلي شيخ الأزهر ما بعد الثورة ، وإلي المفتي وإلي البابا أيضا ...ربما فتواهم تكون رادعا إذا كان الضباط لا يعترفون بمواثيق حقول الإنسان ...والفتوي سوف تنصف الإسلام مما يلصقه الغرب ظلما به.