كثير من مؤسسات الإعلام المصري لم يتغير منها بعد الثورة إلا مظهرها. لقد سعت الثورة لتغيير المجتمع بشكل جذري، لكن ما أُنجز حتي الآن أقرب إلي تغيير الجلد منه إلي تغيير الروح. فالمؤسسات التي تشكل عقل أي مجتمع أي التعليم والإعلام والثقافة- ما تزال تُدار بآليات النظام السابق. بالطبع حدثت تغييرات إدارية لكن معظم السياسات لم يطرأ عليها تغيير كبير. ربما حدثت أشكال من الإزاحة مثل وضع المجلس العسكري محل مؤسسة الرئاسة قبل الثورة، لكن الطريقة التي يتم التعامل بها مع مؤسسات السلطة أو قضايا المجتمع هي هي. هذه الطريقة تعكس القناعة السائدة في الإعلام الرسمي بأن هذا الإعلام ليس إعلام الوطن بل إعلام المؤسسة الحاكمة أيًا كان مسماها أو شكلها. هذه القناعة كنا نأمل أن تتم مراجعتها ونقدها تمهيدًا لتغييرها بعد الثورة. لكن يبدو أن تغييرها سوف يحتاج لمزيد من الجهد، ولن يكون عملا سهلا؛ لأن المؤسسات الحاكمة ذاتها تحرص علي ثباتها. ووجود الرقيب العسكري في شكله الحالي علامة علي ذلك. هناك تفاوت نسبي بين الإعلام المقروء والإعلام المرئي والمسموع، وتفاوت آخر بين الأفراد في كلٍ منهما. لكن التيار العام ناقد للاحتجاجات الفئوية والمظاهرات الرمزية المتمثلة في الجمع المتوالية. بعض هذا الرفض ناتج عن قناعات شخصية بأن الوقت الحالي يتطلب مزيدًا من العمل وقليلا من الاحتجاج، لكن كثيرًا من هذا الرفض يمثل الموقف الرسمي الرافض للاحتجاج بشكل مطلق، وهو رفض يظهر بوضوح من خلال قوانين تجريم الإضراب والاعتصام، والخطاب الاتهامي الذي يواجه به الاحتجاج عادة. أما خطاب ماسبيرو بعد 25 يناير، فهو أداة مثالية لإضفاء الشرعية علي السلطة، وغالبًا ما تُمارس عمليات متوالية من إبراز المحاسن وإخفاء النقائص والعيوب، ورسم صور مثالية للأشخاص والمؤسسات لكي تظل محتفظة برأسمالها الرمزي بين الجماهير. وأظن أن الإعلام المصري يُنجز هذا بفاعلية فيما يخص الحكومة والمجلس العسكري وبقية المؤسسات التي تتحمل المسئولية، وبالتالي تمتلك مقاليد السلطة في الوقت الراهن. لكن الاحتفاظ بالسلطة مسألة تحكمها اعتبارات أخري بالغة التنوع والتعقيد، والإعلام في رأيي لن يكون أخطرها. ولنتذكر أن الإعلام كثيرًا ما يكون أشبه بالدبة التي تقتل صاحبها، وحالة الإعلام المصري قبل الثورة خير مثال علي ذلك. لقد استنزف التلفزيون المصري كثيرًا من رصيد مصداقيته لدي المصريين أثناء ثورة يناير، وكان إحجام المصريين عن متابعته أثناءها أحد عوامل نجاح الثورة. وآمل أن يكون هذا الدرس مستوعبًا الآن. فمواجهة الحقائق دون تهوين أو تهويل، وعرض الوقائع بشفافية، واتخاذ مسافة من الأحداث، ووضع أخلاق المهنة فوق اعتبارات المصلحة كلها أمور ضرورية لكي يكون للتلفزيون دورًا إيجابيًا في الفترة العصيبة التي تجتازها مصر الآن. لكنني أدرك كم يصعب تحقيق ذلك. فمؤسسة التلفزيون المصري، كانت خاضعة لهيمنة كاملة من الأنظمة الحاكمة منذ نشأ حتي ثورة 25 يناير، وكان رئيس الدولة عادة ما يتعامل مع التلفزيون بوصفه "تلفزيون الرئيس". وكان يسخره بشكل كامل لخدمة النظام. ويمكن بدون أية مبالغة القول بأن التلفزيون لعب أخطر الأدوار في الاحتفاظ بكراسي الحكام في معظم الدول الحديثة الاستبدادية منها وغير الاستبدادية. وأتخيل أن فك هذه العلاقة بين التلفزيون والسلطة لن يكون أمرًا سهلا. وطالما بقيت هذه العلاقة وترسخت فإن التلفزيون سوف يظل أداة سلبية وليس إيجابية في عملية تحول المجتمع نحو الديمقراطية والتحرر.