قبل شهرين، في رمضان الماضي، وأمام ساحة مسرح الهناجر، كنت أشاهد مسرحية (فلان الفلاني) من إخراج عبير علي.. يومها أخطأ الممثل وهو يسرد حكايات مواطن مصري في ميدان التحرير، كيف دهست المدرعة الشباب المتظاهرين، وكيف اشتبك الجنود مع المواطنين؟.. كدت أن أوقف العرض، لأصحّح خطأ المعلومات في العرض المسرحي.. وهكذا أيضاً أكدت المخرجةُّ، موضحةَّ علي خطأ عفوي في تلك الليلة، بدلاً من أن يتحدَث الممثلُ عن سيارة، تحدَث عن مدرّعة.. كنت ضيَقة بخطأ الممثل، أفسد عليّ متعة العرض، كيف له أن يطعن المؤسسة العسكرية، ويقلب المعني والقيمة الوطنية في ضمائرنا دائماً، المؤسسة الحماية، المؤسسة الضمير؟ كنت معجبة دائماً ولا أزال، بعبارة الجيش خط أحمر، لاينبغي تجاوزه، أو التجاوز معه.. قبل شهرين أخطأ الممثل، حين أصاب الضابط وأصاب تاريخه الناصع.. اليوم ينقلبُ المشهدُ تماماً، ينقلبُ بصورة تصيبني بالوجوم والارتباك، خرج الجميع علي النص، من دون قدرة إبداعية، أخطأ الجميع، لكن خطأ الضابط أفدح وأشد.. اليوم ينقلبُ المشهدُ، أخطأ الضابط، وأصاب الممثل.. ما حدث أمام ماسبيرو قبل يومين، ليس مجرد مجزرة، فالمدرعة التي دهست الشباب من المتظاهرين، دهست معها المعاني كلّها، دهست الناس، والوطن، والتاريخ، والرحمة.. بدا الخطاب الإعلامي في أدني حالاته، فضيحة تليق بتاريخه من حجب الحقائق، وتزييف المعلومات، والتحريض المباشر علي الفتنة (صرخت المذيعة علي شاشة التليفزيون المصري تطالب الناس بالنزول إلي الشارع لحماية الجيش من الأقباط)..!! نفس الدور، ونفس الوظيفة التي قام بها الإعلام علي امتداد تاريخه، ارتبط دائماً بالخطاب الأمني، أو كان دائما أداة من أدواته، وإذا كانت الداخلية في سنوات سابقة، لعبت دور مشعلي الحرائق والكنائس لحسابات سياسية (غير مفهومة) فقد فعلها الإعلام في أحداث ماسبيرو، في خطاب أمني، استخدم خلاله لغة العنف والتحريض والكذب والتزييف، وأشعل فتنة ليست في حاجة إلي إذكائها، الأخطر والأكثر فداحة، هو المواجهة بين الجيش والشعب، سابقة أولي لم تحدث من قبل، وعلي أرضية دينية أو فتنة طائفية، تساقطت فيها المعاني كلها.. المدرعة التي دهست شباب المتظاهرين، دهست معها شرف العسكرية، وأصابتنا جميعا في مقتل. [email protected]