سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هنا ثلاثة حوارات مع صاحب نوبل نشرت في أوقات متباعدة تمثل في مجملها بانوراما لرؤية الشاعر حول الكتابة والفن والحياة في حوار أمريكي مع ترانسترومر:أجد صعوبة في قراءة أعمالي المبكرة
عام 1987 قام ترانسترومر، والذي كانت ترجمت أعماله للإنجليزية، بجولة في الولاياتالمتحدة حيث القي عدة محاضرات وقراءات شعرية في جامعات متعددة، وعقب ندوته في جامعة بتلر، أجرت الكاتبة والناقدة ليندا هوفرث معه هذا الحوار حول ترجماته وتاثيرها عليه فضلا عن مفهومه للجمهور ومقارنته بين الجمهور الأمريكي والسويدي. أشرت الليلة الماضية أن ترجماتك غيّرت من طبيعة لغتك السويدية، وأن سويديتك لم تعد مثلما كانت وقت البدايات، هل هذا صحيح؟ حسنا، المرأة التي قامت بتقديمي هي التي اقتبست هذه العبارة من كلامي. ولكنك توافق علي هذا الرأي؟ من الصعب أن أعرف علي وجه الدقة لأن الأمر يحدث علي مستوي اللاوعي. أظن أنه حتي أكثر الكتاب انعزالا لديه قراء يشغلون ذهنه. إنه نوع من الجمهور غير المرئي والذي ربما لا يكون واعيا به لكنه يقبع هناك، في مكان ما بعيد من ذهنه، كثيرا ما أفكر أن هذا الجمهور يتكون من الأصدقاء، والأشخاص الذين يفهمونك بعمق، لكني أظن كذلك أنه إذا أتيحت لك هذه التجربة الرائعة أن تلتقي بثقافات أخري وأن تتم قراءتك بالخارج، فإن هذا الجمهور يتحول لجزء من الجمهور الخاص الذي يؤثر فيك. إنه لأمر محزن أن كثيرا من شعرائنا السويديين غير قابلين للترجمة نظرا لتركيب الكتابة الخاص جدا بالثقافة واللغة السويدية، بينما آخرون يمكن ترجمتهم بسهولة، مثلما هو الحال في كل اللغات. لنتحدث قليلا عن مسألة الجمهور هذه، حسبما رأيت يبدو جمهور الشعر ضيقاً، والمكان مغلقاً علي أصحابه وواعيا بذاته بشكل حاد. كأن الشاعر يكتب لشعراء آخرين وطلاب أقسام الكتابة الإبداعية فحسب. أتساءل ما إذا كان الوضع كذلك في السويد؟ الفارق الرئيسي هو أن الشعر هنا نشاط مرتبط بالجامعات بينما في السويد مرتبط بالمكتبات، المكتبات هي التي تقوم بترتيب اللقاءات والندوات الشعرية وهو ما يجعل عرضة لملاقاة جمهور من كافة الأعمار والثقافات. إذن، فجمهور الشعر لديكم أكثر اتساعا وتنوعا؟ نعم، أنتم هنا تقرأون الشعر في غرف الفصل المغلقة، تدعمون بعضكم البعض. تعبرون عن نفسكم بالقراءة والتعليق وما إلي ذلك، لكن الجمهور في مكان مدينة مثل أوبسالا حيث أعيش بالسويد قادم من أماكن مختلفة، لا يجمع بينهم سوي حب الشعر وقراءته. الجمهور لديكم إذن ليس قاصراً علي طلاب ومعلمي الكتابة فحسب؟ بعضهم، بالطبع لدينا ندوات للقراءة في الجامعات لكنها ليست ضمن البرامج التعليمية الرسمية كما هو الحال في أمريكا. ماذا يوجد من فروق غير ذلك؟ نعم، أريد أن أعلق أيضا علي طبيعة الجمهور السويدي الذي يتحفظ في التعبير عن انفعالاته. يجلسون بشكل تقليدي ولا تظهر أي انطباعات علي ملامحهم، بلا تنهد أو ضحك أو صياح، وهم يتصورون أن هذا سلوك مهذب ألا تظهر انفعالاتك إزاء الشعر. أحيانا ما يكون هذا محبطاً، فأنت لا تعرف ما إذا كانوا يشعرون بالملل أم الحماسة، بينما هنا - في الولاياتالمتحدة - تظهر المشاعر بشكل أكثر وضوحا، مع الأخذ في الاعتبار أن كل منطقة في أمريكا مختلفة عن الأخري ولا يصح التعميم. من أكثر الأشياء التي تجذبني في كتابتك هو وعيك العالمي، لكن كثيرا ما يراودني الشعور بكراهيتك للعالم، في قصيدتك "اسكتش لأكتوبر" كان تشبيهك لثمرات الفطر مؤثرا للغاية حيث تقول "كأصابع ممدة طلبا للمساعدة، لشخص ينتحب وحده في الظلمة الحالكة" شعرت بحاجة ماسة للسلام، فضلا عن أن اشعارك ليست سياسية، لكنها ذات طابع إنساني، هل يمكنك التعليق..؟ إنك تقولين اشياء رائعة جدا ولا أريدك أن تتوقفي (يضحك) نعم، لقد نشأت في زمن الحرب العالمية الثانية والتي كانت بمثابة تجربة مؤثرة للغاية. رغم أن السويد كانت علي الحياد إلا أنها كانت محاطة بالاحتلال الألماني، النرويج والدانمرك كانتا تحت الاحتلال. كانت السويد مستقلة، نعم، لكنها معزولة، وانقسم الناس في السويد، البعض مع الحلفاء والبعض مع الألمان وقامت مشادات لا يمكن تصورها، كان كل ذلك مؤثرا في حياتي كطفل صغير، وكنت وقتها أعيش مع أمي المُنفصلة عن والدي، كنت أحلم بهزيمة هتلر وكنت طفلا مختلفا، هوايته إلقاء المحاضرات وقراءة الجرائد طوال الوقت، أقرب لبروفيسور صغير (يضحك) ومنذ وقتها سيطر علي حلم ان أصير مستكشفا، ربما يفسر هذا شيئا حول كتابتي حسنا، نشرت كتابك الأول في الحادية والعشرين من العمر، هل مررت بتغيرات كثيرة خلال هذه الفترة الطويلة من الكتابة؟ أرجو ذلك (يضحك) لكن بعض النقاد يقولون أنني لم أتطور مطلقا أو أن تطوري كان بطيئا، يستحضرون نصوصا مبكرة لي ويجدون تشابها بينها وبين أعمالي الأخيرة، لكن بالنسبة لي، هناك تغير كبير بالطبع. هذا يجعلني أسأل عن التعديلات، هل أجريت تعديلات علي نصوص قديمة لك تم نشرها؟ لا إطلاقا، طالما نشر في كتاب لا أقوم بتعديله. كثيرا ما يخطر لي أن شعراء عظام - ييتس مثلا - علي فراش الموت يعيد كتابة أعماله الكاملة؟ هذه فكرة بغيضة. الأشعار القديمة علامات وظيفتها هي أن تتجاوزها، حتي أنني أجد صعوبة في قراءة أعمالي المبكرة. هذا بالنسبة للتعديلات، فماذا عن الإحراق، كما فعل بورخس مع كتبه الأولي؟ حسنا، الإحراق يبدو فكرة جذابة (يضحك) لكنها ستستغرق الكثير من الوقت.