وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان بقرية بخانس    فعاليات وعروض غنائية بشرم الشيخ فى «يوم السياحة العالمى»    السفارة المصرية في بيروت تطالب المصريين بلبنان الراغبين بالعودة بتسجيل بياناتهم    وزير الخارجية يشدد على الرفض الكامل لأن تكون هناك دولة فوق القانون    خبير تحكيمي: ضربة جزاء الأهلي صحيحة والشحات يستحق الطرد    عضو الزمالك عن التتويج بالسوبر الإفريقي: رد على المشككين    شيكابالا: ما قيل عنا في الإعلام أعطانا الدافع للفوز.. الواحد منا بعشرين    جوميز: الزمالك يستحق التتويج بالسوبر.. والفوز على الأهلي له بريق خاص    زيزو: الزمالك كبير وعيب ما يقال.. ورسالة لكل من قلل منا    الزمالك يشكر تركي آل الشيخ على مكافأة السوبر    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    خناقة ستات.. مقتل شاب على يد جاره بالمطرية    أحمد عزمي يكشف كواليس استغاثته بزملائه للحصول على عمل في «صاحبة السعادة»    توقعات الفلك وحظك اليوم| برج الجدي السبت 28 سبتمبر    صحة المنوفية: قافلة طبية مجانية على مدار يومين بقرية دكما بشبين الكوم    موسم الرياض يكافيء الزمالك ب 1،5 مليون دولار بعد فوزه بالسوبر الأفريقي    عيار 21 الآن يسجل تراجعا جديدا.. أسعار الذهب اليوم السبت «بيع وشراء» في مصر بالمصنعية    جيش الاحتلال: سنوجه ضربات جديدة لمبانٍ استراتيجية تابعة لحزب الله    «هتشوفوا الصيف والشتا».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم السبت (تفاصيل)    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    «زى النهارده».. وفاة الزعيم عبدالناصر 28 سبتمبر 1970    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    أول تعليق من أحمد العوضي بشأن تعرضه لوعكة صحية    "أحلى فرحة في الكون".. عمرو سلامة يحتفل بفوز الزمالك بكأس السوبر من لوس أنجلوس    حظ أوفر للأهلي.. أول تعليق من تركي آل الشيخ على تتويج الزمالك بالسوبر الأفريقي    «زي النهارده».. وفاة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس 28 سبتمبر 1989    مجلس بلدية صيدا بلبنان: آلاف النازحين يفترشون الطرقات ولا يجدون مأوى    برج الدلو.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: علاقة سابقة تسبب لك مشكلات    عباس شراقي يُحذر: سد النهضة قد ينفجر في أي لحظة    إضاءة أهرامات الجيزة وتمثال أبوالهول احتفالا باليوم العالمي للسياحة    وزير الخارجية: من غير المقبول إفلات دولة ترى نفسها فوق القانون من العقاب    حماس تندد بخطاب نتنياهو في الأمم المتحدة    إصابة طفلة بحروق نتيجة صعق كهربي بالواحات البحرية    حادث غامض.. سقوط طفلين من سيارة بالطريق السريع في العياط    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    جامعة كفر الشيخ تستعد لاستقبال طلابها في العام الجامعي الجديد    «مياه مطروح» تنظم الندوة التوعوية الثانية بالمسجد الكبير    افتتاح المسجد الكبير بقرية «التفتيش» في سيدي سالم    الوزارة فى الميدان    العمل والإتحاد الأوروبي يبحثان إعداد دليل تصنيف مهني يتماشى مع متغيرات الأسواق    القاهرة الإخبارية: أعداد النازحين إلى بيروت تتغير بين ساعة وأخرى    "الصحة" تطلق تطبيقًا لعرض أماكن بيع الأدوية وبدائلها    جراحة عاجلة للدعم فى «الحوار الوطنى»    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    سياسية المصرى الديمقراطى: نحن أمام حرب إبادة فى غزة والضفة    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    استشاري تغذية: الدهون الصحية تساعد الجسم على الاحتفاظ بدرجة حرارته في الشتاء    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    محافظ أسوان يؤدي صلاة الغائب على شهيد الواجب معاون مباحث كوم أمبو    محافظ الفيوم يعلن نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طامية المركزي    بدء تطبيق المواعيد الشتوية لغلق المحلات.. الحد الأقصى العاشرة مساءً.. زيادة ساعة يومي الخميس والجمعة.. وهذه عقوبة المخالف    بلغة الإشارة.. انطلاق النسخة الثانية من ماراثون يوم الصم العالمي بالإسكندرية (صور)    رئيس الرعاية الصحية والمدير الإقليمي للوكالة الفرنسية يبحثان مستجدات منحة دعم التأمين الشامل    غلق الدائري من الاتجاه القادم من المنيب تجاه المريوطية 30 يوما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استشراف إقامة ماضية
ومضات شعرية تتحدَّي الواقعَ

يُعتبر الشاعر محمد السيد إسماعيل واحداً من المبدعين القلائل الذين وُهبوا ناصية موهبتين اثنتين: موهبة الشعر وموهبة النقد. ولأنه كذلك فإنه هو بنفسه أول من ينقد/ ينتقد أعماله قبل ظهورها أمام عينيّ القاريء..ولذا يجيء نصه متماسكاً وخالياً إلي درجة كبيرة مما ينتقص قيمة أي نص شعري.
وها هو الآن يضع بين أيدي المتلقي ديوانه (استشراف إقامة ماضية) وقد صدر ضمن إصدارات سلسلة الإبداع الشعري المعاصر والتي تقوم بإصدارها الهيئة العامة للكتاب. وجدير بالذكر أن هذه السلسلة لا تُصدر سوي الأعمال التي حقق أصحابها أشواطاً متقدمة في مسيرتهم الإبداعية مما يشي بأننا أمام شاعر متحقق يقف علي أقدام راسخة فوق بلاط الشعر والإبداع.
بدايةً يلحظ قاريء استشراف إقامة ماضية أن الشاعر قد فضَّل أن تكون كل نصوص ديوانه نصوصاً قصيرة وأن يكون نصه مكثفاً ومركَّزَاً خاصة وهو لا يميل إلي الثرثرة الشعرية التي تُضْعف النص أكثر مما تقويّه:
(كيف انتهيتَ هكذا:/عينان تنظران للجدار/ويد تستأنس الكلام/أو تُجلسه بجانبي/كأننا وجهان ذاهلان/في فراغنا الوحيد؟!)
وهنا يمكن لي أن أنسب معظم قصائد هذا الديوان إلي ما تُعَارفَ علي تسميته بشعر الومضة والذي من أهم ما يميزه هو استخدام تقنية التكثيف واللجوء إلي توظيف أقل عدد من المفردات في الوقت الذي تؤدي فيه هذه المفردات علي قلّتها دور مئات المفردات الأخري.لقد جعل الشاعر إحدي ومضات هذا الديوان لا تتعدي سطرين شعريين وهي بعنوان أيام يقول الشاعر فيها:(يا الله!!/ما زال أمامي هذا اليوم؟!)
ربما يري بعضهم أن هذا النص مبتور وأنه في حاجة إلي تكملة غير أن الشاعر لو فعل هذا في نص كهذا لأفقده جمالياته والتي ترتكز في الأساس علي المساحة التي يتركها الشاعر للمتلقي ليركض فيها جوادُ خياله معطياً إياه حريته الكاملة في تأويل النص وتفسيره كما يحلو له..دون أن يضطره إلي السير داخل هذا النص وفق سيناريو قد أُعدَّ سلفاً.(كلما عاد طائر المتعة/انتظرت سحابة عجلي/(عدة) أيام فقط/وبعدها يكون الكون سابحاً/في الماء.)
يبدو الشاعر هنا حكيماً يتأمل الأشياء من بعيد ويقدم لنا قراءته لها ويتجلي ذلك واضحا في عدة نصوص منها:(الفراغ ليس لعنة كما يعتقد الكثيرون/فمن خلاله مثلاً يمكن محاسبة النفس/وأكثر من ذلك أنه يؤكد دائماً
(حلم) شغله بشيء ما.)
كما يتضح ذلك في هذه الومضة:(من منا ينتبه إلي (الظل)/الظل الذي يقاوم وحده هجمة الهجير/الظل الوفي الذي يلهث دائماً كي يلحق بخطواتنا/بعد أن ينزل من أعاليه وينبسط علي الأرض/الظل الجميل الفاتن/الذي يسكنه الزهاد وطالبو الحقيقة.)
وهنا نري تلويح الشاعر بحالة العزلة المفروضة إجباريا واضطرارياً علي مُريدي الحقيقة فيما تُترك الساحة بفعل فاعل خاوية لأولئك الأفَّاقين الذين يجيدون وبكل وضاعة إزاحة الجواهر الحقيقية ليحل محلها كل ما هو زائف ومُزيِّف.
وفي ومضة أخري يرصد الشاعر متقمصاً دور الذات الشاعرة الحالة التي يعيشها ذلك المنعزل الذي لا يجد سوي أن يتمسك بملابسه فاراً من الواقع الرديء الذي لم يعد يصلح لإقامته فيه ولم يعد له فيه مكان له بعد أن سيطرت عليه العقول المتخلفة بكل ما في حوزتها من غباء طبيعي وحيوانية منقطعة النظير:(لم يكن أمامه إزاء ذلك النباح الهائل المتقطع أسفل النافذة/غير أن يتشبث بالثياب/تاركاً فضاءه الصغير
كي يجول فيه عابدو الأصنام/والأشباح والموتي.)
من ناحية أخري نجد الذات الشاعرة في كثير من قصائد الديوان تعلن عن تحديها للواقع المأزوم الذي يُطبق عليها بأنيابه وبراثنه الخانقة وعدم قبولها لإملاءاته عليها التي يفرضها عليها حتي وإن كان هذا الفعل يُكلّفه الكثير:(لم أندهش أبداً/من ذلك الرجل القوي/الذي احتمل وحده ذبحة الصباح/وعاش بعدها أربعين عاماً/أربعين عاماً بتمامها/دون ان يذكر هذه الحادثة.)
وإذا كان اليوم ثمة من يفتش في كتابات المبدعين عن الإرهاصات التي تولدت عنها الثورة المصرية وساعدت علي قيامها فإننا نعثر لدي محمد السيد إسماعيل علي نص قصير كتبه تحديداً في 6/6/2001 وعنونه ب:مشهد محتمل يقول فيه:(سأفترض مثلما يفترض يائس صغير/أن هذه (البلاد) قد تآكلت صخورها/حتي خلا المكان من حياته/ولم يعد به إلا صفير الريح/عندئذ سوف أنتشي تماماً/وأنا أستحضر هذه الصورة/شيء واحد فقط يمكن أن يفسد هذا المشهد الرائع/هو احتمال أن تظل في المكان/بضعة أرواح خبيثة تبحث عن (قرار).)
بالطبع يتطابق هذا النص تقريباً مع المشهد الراهن بكل مفرداته من حدوث للثورة وما يحدث ضدها من ثورة مضادة تُمثلها هذه الحفنة من الأرواح الخبيثة التي لا تبتغي سوي خراب هذه البلاد ليعيشوا كما البهائم علي أنقاضها.
ولا يخلو الديوان من الحس الساخر الذي يعطي مذاقاً خاصاً ومختلفاً لنصوص الديوان:(حدث هذا من عشرين سنة/كانت أمامي فتاة/فانتظرت حتي عَبَرتْ/ومن يومها مرَّ أناس كثيرون:/.../وأنا في المكان ذاته/أضرب الحصي وأتذكر:كم لوناً لمحته في ثوبها القصير؟)
هنا يسخر الشاعر من صمته بل ومن عجزه عن التواصل والتفاعل مع الآخر/الأخري مما جعل الحال تنتهي به حالة يصورها في نص كهذا.
هذا وعلي الرغم من أن نصوص ديوان (استشراف إقامة ماضية) لم تحتل من مساحة البياض إلا القليل..إلا أنها تؤكد علي احتوائها علي قدر كبير من المتعة التي يحسها المتلقي أياً كانت درجة ثقافته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.