يعتمد هذا الكتاب علي أمرين، لبيان خطورة الموضوع الذي يتناوله، الأمر الأول هو لغة الأرقام، والأمر الثاني اللغة العلمية في توضيح وبيان انعكاس لغة الأرقام علي أرض الواقع، الكتاب الذي أتحدث عنه هو " أطلس الماء: من تأليف ماجي بلاك، وجانيت كينج، ترجمة هالة علي حسنين، ويهدف إلي فكرة رئيسية، وهي ضرورة تغيير طريقة تفكرينا تجاه الماء، الذي يشهد حاليا أزمة علي المستوي العالمي تتمثل في استمرار انخفاض منسوب المياه الجوفية، وفي تلوث الماء بنسب خطيرة، وكذلك في تلاشي بحيرات وموارد مائية من علي سطح الأرض. فهناك نحو 70 نهرا يؤدي الإسراف في استخدام مائها إلي جفافها، مما يعني أننا لا يمكن أن نستهلك المزيد من مياهها، وفي الوقت الذي يحرم ما يقرب من مليار نسمة حول العالم من إمكانية الحصول علي مصدر يوفر لهم مياه الشرب بشكل ثابت، هناك 5.2 مليار نسمة تنقصهم خدمات الصرف الصحي، الأمر الذي يهدد صحتهم وكرامتهم، ويهدد- أيضا- الموارد المائية بهم في أغلب الأحيان. وتشير الاحصائيات إلي أنه بحلول عام 2025 سيعيش 2 مليار في مناطق تعاني نقصا في الماء، ولا يرجع ذلك إلي انخفاض إجمالي كمية الموارد المائية، فلا يزال حجم الماء العذب الذي يسقط في اليابسة في صورة أمطار ليعيد ملء المجاري المائية والأنهار ثابتا لا يتغير، لكن تبدو المشكلة في عدم التوافق بين المناطق التي تتساقط عليها الأمطار والمناطق التي يسكنها البشر، مما يؤدي إلي سحب الماء من الأنهار والطبقات الحاملة للمياه الجوفية بمعدلات غير دائمة، وهناك أسباب أخري لنقص المياه منها الزيادة السكانية، توسع المدن، تضخم أعداد الذين يتمتعون بأنماط حياة تفرط في استهلاك الماء لتصبح ضمن أسباب نقص المياه محليا بشكل خطير، وكذلك الجفاف الذي يحدث في بعض الأماكن، مثلما وقع في كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية، مما دفع بحاكم الولاية في فبراير عام 2009 حالة الطوارئ من جراء استمرار الجفاف لمدة ثلاث سنوات علي التوالي مما خوله سلطة تنفيذ مبدأ ترشيد المياه، وقد دعا السلطات المسئولة عن المياه إلي خفض الأثر الاقتصادي للجفاف من خلال حفظ الماء ونقله وبالتشجيع علي رفع كفاءة ممارسات الري، وقد دعا أيضا سكان الحضر إلي تقليل استخدام المياه إلي الخمس، وتعاني كذلك قارة أفريقيا من مشكلة الجفاف، إذ يعيش ثلث سكان القارة أي 300 مليون نسمة- في ظروف تعاني ندرة الماء، وفي مناطق عديدة من القارة تقف وعورة التضاريس وغير ذلك من العوامل المقيدة، حائلا دون إمكانية تخزين المياه السطحية وإعادة توزيعها عن طريق إنشاء السدود والنيات الأساسية. وتلعب المياه دورا في تغيير شكل المدن، التي تعتمد علي المياه الجوفية، فهي أفضل للشرب عن المياه السطحية، لأنها أقل عرضة للتلوث، لكن علي الجانب الآخر، فإن الإفراط في السحب من المياه الجوفية قد يؤدي إلي تعرض هذه المناطق لهبوط أرضي خطير، كما قد يؤدي ذلك في المناطق الساحلية إلي تسرب المياه المالحة للمياه الجوفية فتحولها إلي ماء مالح غير صالح للاستخدام. وبسبب الصراع علي مصادر المياه، أصبح لدينا ما نطلق عليه ب" حروب المياه"، حيث تعتمد الكثير من الدول عند توفير كمية كبيرة من إمداداتها المائية علي أنهار عابرة للحدود تتدفق من دول أخري، وعندما تقام السدود علي هذه الأنهار أو يتم تحويل مسار تدفقها، فقد يؤدي ذلك إلي احتمال نشوب صراعات بين الأطراف المعنية، كما أن تصريف الملوثات في الأنهار قد يثير حفيظة سكان مصبات الأنهار ضد سكان المنابع، وأدت هذه الضغوط إلي الحديث عن " حروب الماء" وعلي الرغم من أن السيطرة علي الماء لعبت دورا مهما في خلق عداوات، وشمل ذلك تجفيف أهوار جنوب العراق عام 1993، في عهد صدام حسين، وأدي إلي قطع مصادر الرزق عن 50000 مواطن، ووقعت أعمال عسكرية وأخري إرهابية كانت تستهدف تدمير السدود أو قطع الإمدادات المائية، أو تلويث مصادر المياه، لكن هذه الأعمال كانت جزءا من حملات أوسع نطاقا تسعي إلي تعطيل الأنشطة الاقتصادية أو لتحقيق أهداف سياسية، وهناك أيضا صراعات أخري علي الماء تتفرع من المنازعات الإقليمية. وإذ كانت المياه تلعب دورا سلبيا في العلاقة بين الدول، وتتسبب فيما يعرف بحروب المياه، فإن لها دورا سلبيا آخر، بتهديدها الصحة العامة للإنسان، إذ تعد إفرازات جسم الإنسان الخارجية من أخطر أسباب تلوث المياه، ففي الدول النامية يتم تصريف ما يقرب من 09٪ من مياه المجاري في الأنهار دون معالجة، وجزء منها يكون محملا بمواد قذرة في المواسم الجافة مما أدي إلي اختناق الحياة المائية، وبما أن الأنهار لا تزال تستخدم في كثير من البيئات للاستحمام، وغسل الملابس، وحتي الشرب، فإن الفشل في معالجة هذه الإفرازات المحملة بالكائنات المسببة للأمراض قبل تصريفها، أو الفشل في التوصل إلي طرق أخري لعزلها بشكل يضمن عدم اتصالها بالإنسان، يمثل تهديدا رئيسيا للصحة العامة. وتفرض الحقائق السابقة علي الدول أن تتعاون لتحقيق الإدارة السليمة والتوزيع العادل لهذا المورد المحدود الذي تسيطر عليه، فهذا هو المحور الأساسي الذي تدور حوله جميع سياسات إدارة الماء، ومع تزايد الضغوط التي تعمل علي مواجهة التغير المناخي وإنتاج المنتجات المترتبة علي عمليات التوسع في أنماط الحياة الصناعية فإن الأولوية تحتم علي المستخدمين والموردين للمياه أن يجلسوا معا ويتفاوضوا للوصول إلي التوزيع العادل لحصص المياه، مما يتطلب مزيدا من الدبلوماسية المائية.