مصدر أمني يكشف حقيقة منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي    الإسكان: لا تصالح على هذه المخالفات ال3.. واستثناء 40% من البدرومات كجراجات    الأردن يحمل إسرائيل مسئولية تبعات العدوان على لبنان    لافروف يرفض الدعوات المنادية بوضع بداية جديدة للعلاقات الدولية    صلاح يضيف الهدف الثاني لليفربول في شباك وولفرهامبتون    حي الطالبية يتابع الغلق التجريبي الجزئي بالطريق الدائري hسفل محور عمرو بن العاص    الرئيس الأمريكي: مقتل نصر الله يدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها    "منصورة روبوتوكس" يحصد المركز الثاني في تصفيات مسابقات المشروعات الخضراء والمستدامة    كيف هزم الزمالك الأهلى وكيف هزم جوميز كولر؟!    عضو غرفة شركات السياحة: طلب متزايد لزيارة سانت كاترين من مسلمي أمريكا قبل أداء العمرة    خبير أمن معلومات يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    الدعم العيني والنقدي.. "الحوار الوطني" ينشر قاموسًا يهم المواطنين    "قتلته وسرقت 10 آلاف جنيه وهاتفين".. اعترافات المتهم بقتل ثري عربي في أكتوبر    الكرملين: التصريحات الغربية حول صراع مسلح محتمل مع روسيا بمثابة "موقف رسمي"    المجر تنضم إلى منصة "أصدقاء السلام" بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية    رياض محرز عن خسارة أهلى جدة: لم نتلق دعما مثل أندية الدوري السعودي    رئيس الطائفة الإنجيلية: الله منحنا الغفران ونحن مدعوون جميعًا أن نكون رحماء تجاه إخوتنا    وزير التعليم يشدد على استخدام المعامل غير المستغلة وتخصيص حصة داخلها أسبوعيًا    تذكرتي تهنئ الزمالك بلقب السوبر الأفريقى    حسام حسن يخطر اتحاد الكرة بالموافقة على المشاركة فى بطولة العرب حال إقامتها    اختيار باسم كامل أمينا عاما للتحالف الديمقراطي الاجتماعي    الضرائب: تحديث موقع المصلحة الإلكترونى لتيسير سُبل التصفح وتقديم خدمة مميزة    الخريف حاضر بقوة على شواطئ الإسكندرية.. أجواء خريفية رائعة مع إقبال ملحوظ رغم بدء العام الدراسى.. وانخفاض تدريجى فى درجات الحرارة الأسبوع المقبل.. وفرص لهطول أمطار خفيفة.. فيديو وصور    رئيس مياه القناة يعلن خطة استقبال فصل الشتاء بالسويس والإسماعيلية وبورسعيد    وكيل صحة الشرقية: حالات النزلة المعوية بقرية العروس سببها "جبن قريش" منزلى    معرض بورتريه عن الفنان فؤاد المهندس في مئويته ب"الصحفيين" (صور)    محافظ المنيا يزور البقيع الثانى ويوجه بسرعة تطوير البهنسا لتصبح وجهة سياحية عالمية    عصام السقا ينضم لأبطال مسلسل فهد البطل ويجسد شخصية ريكو والتصوير نوفمبر المقبل    ذكرى ميلاد علاء ولى الدين.. سناء منصور: أطيب قلب ووش برىء وضحكة مالهاش حل    إنذار محمد عبد المنعم فى شوط سلبي بين لانس ضد نيس بالدوري الفرنسي    اليوم العالمى للمسنين.. الإفتاء: الإسلام وضع كبار السن بمكانة خاصة وحث على رعايتهم    رئيس التخطيط بمشروع مشتقات البلازما: اعتماد 8 مراكز لمشتقات البلازما دوليا    وزارة الصحة توجة 4 نصائح هامة يجب اتباعها عند الخدش من حيوان مصاب بالسعار    وكيل صحة البحيرة يشدد بتطبيق معايير الجودة ومكافحة العدوى بالوحدات الصحية    نبيل الحلفاوي بعد إخفاق الأهلي: لابد من شد الفريق وضبط وربط صواميله المفككة    الجريدة الرسمية تنشر قرارًا جديدًا لرئيس الوزراء (التفاصيل)    توقعات مواليد برج الميزان.. اعرف حظك وأبشر بانفراجة    وزير الرياضة يفتتح عدة مشروعات استثمارية في ههيا وأولاد صقر    الرئيس السيسي يدعو مجلس الشيوخ للانعقاد الأربعاء المقبل    «الإفتاء»: المشاركة في ترويج الشائعات حرامٌ شرعًا    عضو بالبرلمان السويدي: لا يوجد ديمقراطية كاملة في العالم أجمع    السجن عامين لخادمة بتهمة سرقة شقة بالساحل    ضبط 15 ألف قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    محافظ الإسكندرية يتابع مع نائب وزير الصحة معدلات تنفيذ مبادرة ال1000 يوم الذهبية    لاوتارو مارتينيز يقود هجوم إنتر ميلان أمام أودينيزي    رئيس الوزراء يوجه بضغط البرنامج الزمنى لتنفيذ مشروع "التجلي الأعظم" بسانت كاترين    جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية على رأس اهتمامات مبادرة «ابدأ»    «الفريق يحتاج ضبط وربط».. رسالة نارية من نبيل الحلفاوي لإدارة الأهلي بعد خسارة السوبر الأفريقي    رئيس هيئة الدواء يكشف سر طوابير المواطنين أمام صيدليات الإسعاف    بعد واقعة النزلات المعوية.. شيخ الأزهر يوجه ب 10 شاحنات محملة بمياه الشرب النقية لأهل أسوان    علي جمعة: سيدنا النبي هو أسوتنا إلى الله وينبغي على المؤمن أن يقوم تجاهه بثلاثة أشياء    تحرير 1341 مخالفات للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    وزير الخارجية والهجرة يلتقي مع وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديموقراطية    الخارجية السورية: جرائم الاحتلال ستؤدي إلى جر المنطقة نحو تصعيد خطير    "لا تقلل من قوته".. لاعب الزمالك الأسبق يحتفل بالتتويج بكأس السوبر الأفريقي    فيديو.. مزايا التصالح على المباني المخالفة والمستندات المطلوبة    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالاسواق اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مطروح البهيّة مع الثورة الليبية
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 04 - 2011

في لحظات تحولت كلمة ثورة التي كانت مقترنة بتاريخ الفاتح من سبتمبر 1969 م لتنقذ نفسها من الزيف ومن السجن و من القالب المؤدلج الذي وضعها القذافي فيه خلال 41 سنة إعتبارا من عام 1969 م وهو العام الذي شهد الانقلاب العسكري لملازم المخابرة معمر القذافي بصحبة مجموعة من العسكريين أسماهم الضباط الوحدويين الأحرار وهم من الحرية براءة ، براءة الذئب المظلوم من دم يوسف لتنزرع هذه الكلمة في مكانها اللائق أمام يوم 17 فبراير 2011 م اليوم الذي تفجرت فيه ثورة الشباب الليبية .. وفي لحظة نائرة تغير وعي الناس وصارت كلمة ثورة ما عادت تعني الفاتح من سبتمبر1969 م لا من قريب ولا من بعيد ، و إنما تعني 17 فبراير 2011 م .
صار شهر الفاتح هو شهر الانقلاب الدكتاتوري الذي وضع ليبيا في سجن مظلم طيلة 41 سنة وسبب لها الكثير من المشاكل علي الصعيد المحلي والدولي وورطها في حروب وفي عمليات إرهابية وفي حوادث خطف وذبح وتغييب قسري واغتيالات وإسقاط طائرات مدنية آمنة وتدبير انقلابات في دول أفريقية وغيرها من دول العالم الثالث و في كثير من العمليات الأخري القذرة وغير القانونية و التي سيكشف عنها التاريخ كعادته فور غرق النظام إلي شفشوفته نهائيا .
لقد انتزعنا كلمة ثورة من الفاتح بفضل شجاعتنا وحبنا للحرية وتضحياتنا وزرعناها في حديقة يوم انتفاضتنا في 17 فبراير لتتألق أكثر وتتعالي وتسمو وتجعل حياتها وحياتنا أكثر جمالا وسلاما .. وككل دكتاتور كشف الشعب تفاهته فصار لا يصدق أنه قد فقد جبروته وأن السلطة قد تسربت من يده .. وأن قبضته ما كانت تقبض إلا علي سراب هش .. ولم تكن تسيطرإلا علي وهم وعلي كومة من رمال وليس علي شعب ليبي حر أبي حي لا يرضي أن يضعه كائن من كان تحت تصرف بنانه القذر .. فما كان من هذا الدكتاتور الدجال إلا أن أطلق نيرانه الحارقة علي الشعب الأعزل المطالب بحقه في الحرية كبقية الشعوب الحرّة .. أطلق باروده النتن علي الشعب ، لا يفرق بين شاب أو طفل أو عجوز أو حتي شاة ضأن أو ماعز أو جمل أو قط أليف .. لقد أطلق ناره لتدمر وتحرق وتغتصب هذا الشعب الذي رفضه وأخرجه من رأسه نهائيا وأراد أن يكون حرا .. قصف المدن والقري والمصانع والمساجد والمخابز ومحطات الوقود وأبراج الكهرباء والموانئ والمطارات والمزارع والحدائق وحقول النفط .. حجب خدمة الهواتف والنت ومحطات التلفزيون .. قطع عن الناس في المدن الثائرة الماء والكهرباء ، قتل الجرحي علي أسّرة المستشفيات ، ونبش القبور لخطف جثث الشعب الثائر ليستخدمها في أغراضه الدنيئة .. فكلما تم قصف هدف عسكري من قوات التحالف المناصرة لقضية الحرية أخرج هذه الجثث وصرح إعلامه الكذاب بأن هناك ضحايا مدنيين .. فعل كل ما في وسعه من قمع,وقهر وتدنيس للمقدسات .. مارس بكل صفاقة سياسة »الأرض المحروقة« ليجعل الناس تترك بيوتها وتفر ناجية بما تبقي لها من حياة ، خائفة علي شرفها العفيف وشرف بناتها من مرتزقته الحشاشين والسكاري والمجرمين ليصل بعض أولئك الفارين من القصف ومن جرائم القذافي وانتهاكاته السخيفة إلي عدة مدن حدودية في تونس ومصر والجزائر ، ولقد عايشت أثناء رحلة قصيرة إلي مصر عبر الحدود البرية ما يعانيه هؤلاء الناس النازحون من مدن إجدابيا والبريقة ورأس لانوف ومصراتة والواحات وأطراف بنغازي وغيرها
من المدن التي شهدت القصف الوحشي المجنون من كتائب القذافي من شعور بالألم والحزن للذي يحدث في ليبيا بسبب رعونة وجبن وعنجهية القذافي وزمرته المجرمة الذين يصرون علي أن يحكموا شعبا لا يحبهم ولا يريدهم ولا يستطيع هضم تخلفهم ودكتاتوريتهم وجهلهم ولو تجرع معهم مصنعا من البيبسي كولا، يصرون علي أن يجثموا فوقه ويركبوا فوقه ويسرقوا مقدراته ويستغلوا كامل حياته ويحكموه بقبضة من حديد ونار أو يقتلوه فردا فردا فردا .
مشاهد كثيرة عايشتها صحبة هؤلاء النازحين وحكايات بشعة سمعتها منهم يندي لها الجبين .. وفي الوقت نفسه سمعت منهم ثناء وشكرا ودعاء من القلب لأهالي مطروح الذين احتضنوا هذه الحالات الإنسانية وأشعروهم أنهم في بيوتهم وبين أسرهم فمنحوهم السكن المجاني والغذاء والرعاية الاجتماعية والصحية والنفسية ووفروا لهم كل الخدمات التي لن توفرها بصورة حميمية أي منظمة إنسانية معروفة كالمنظمات التي نجدها بخيامها علي الحدود .
السفر من بنغازي إلي مصر الآن صار رحلة ممتعة ، يمكنك أن تقوم بالرحلة في أمان ، سيارات الأجرة تجدها في المحطة القريبة من الفندق البلدي .. وكالات كثيرة تستقبلك بود وتوفر لك السيارة المناسبة التي تقلك إلي طبرق أو مساعد أو مصر بكل مدنها ، وبالطبع حسب ظروفك وإمكانياتك الاقتصادية ، فبأي سعر يمكنك أن تتحصل علي وسيلة مواصلات ، وبعد ثورة 17 فبراير عادت الرحمة والمودة إلي مدينتي فيمكنك أن تجد سيارة تنقلك مجانا إن كنت محتاجا ولا تملك مالا الآن ، تجد وكالات كثيرة ، منها وكالة المقعم و وكالة الخشمي التي دائما أتعامل معها في إرسال الكتب واستلامها من أصدقائي الأدباء في مدن ليبيا .. تركب السيارة أنت وأسرتك في أمان .. ليس الطريق إلي مصر محفوفا بالمخاطر كأيام القذافي الله لا يعيدها .. الآن ينعشك منظر علم الاستقلال الجميل بنجمته المتألقة .. البوابات كلها محترمة .. لا رشاوي ولا مضايقات .. ولا قف وترجل .. يحترمون العائلات وكأنها أسرهم هم .. الطريق سرعان ما تمضي .. وكلما يقف السائق علي استراحة ينزل الركاب ويشاهدون نشرة الأخبار ليطمئنوا علي الثوار في كل مدن ليبيا الشامخة .. الإجراءات في الحدود الليبية المصرية سريعة .. المصريون رائعون .. يقدمون لليبيين كل التسهيلات .. ليس ضروريًا أن يكون معك جواز سفر .. فحتي البطاقة الشخصية يتم قبولها .. وحتي كتيب العائلة يتم قبوله .. يستقبلك الجيش المصري البطل بحب .. وضابط الجوازات يسجل أوراقك علي الحاسوب ويختم لك .. أنت ليس معك سيارة .. إذن ما عليك إلا أن تمشي خطوات قليلة علي الطريق المؤدي إلي هضبة السلوم .. لن تمر دقائق حتي تتوقف عليك سيارة من سيارات أولاد علي .. وغالبا ما تكون سيارة نصف نقل .. يخاطبك السائق بلهجة ليبية بدوية شبيهة بلهجة أبناء طبرق الرائعين محطمين أنصاب الكتاب الأخضر في أول أيام الثورة ، تفضّل أو نوصّلك تحت (إلي قرية السلوم أسفل الهضبة حيث محطة السيارات والاتوبيسات العامة) ، كان في السيارة كرسي واحد أمامي يحمل السائق ونفرين معه، وكنت وزوجتي وابني جبير وابنتي مهجة، نزل الراكبان اللذان إلي جانب السائق وقفزا في الصندوق الخلفي للسيارة مع البضائع، أخذا مني حقيبتنا وحقيبة الطفلين إلي صندوق السيارة وركبنا أربعتنا إلي جنب السائق، كان الوقت ليلا وكان الجو باردا ، وصلت بنا السيارة سريعا إلي تحت ، هناك رأينا خيمة كبيرة ، ما إن نزلنا حتي ركض نحونا بدوي شاب قفز إلي الصندوق وأنزل حقيبتينا قائلا: " تفضلوا ورائي " ، تبعناه فأدخلنا إلي غرفة كبيرة مفرشة بالأكاليم تنتشر في أرجائها عدة طاولات أكل منخفضة (تسمي طبلية ) وكل طاولة إلي جانبها علبة محارم ورق وقنينة ملطف جو .. وفوق الأكاليم تناثرت بنظام طنافس مستطيلة من الإسفنج وإلي جانبها عدة بطاطين دافئة من التي نسميها في ليبيا بطاطين نمر .
غاب البدوي قليلا و عاد داخلاً علينا بسفرة عليها علب تونة وجبن وزيتون وحلوي طحينية وطماطم أخضر وخيار وفلفل وعصائر ومياه غازية وماء معدني .. جلسنا حول السفرة وأكلنا حتي شبعنا ، وجلب لنا البدوي براد شاي ساخن ومعه طاسات زجاج صغيرة شربنا منه حتي اعتدل مزاجنا ، والصغيران امتصا من العصير حتي ارتويا ، أما بقية الزاد فجمعناه في كيس كي نأخذه معنا تقليصا للنفقات .. لا ندري من القائم بهذا العمل الخيري النبيل ، لكن لمحت علي الجدار ورقة دعائية لعمل الخير تابعة لجمعية خيرية مسجل عليها عدة أرقام هواتف وعناوين .
قلت للبدوي ورفاقه نريد أن نواصل طريقنا إلي مطروح أو الإسكندرية ، أحتاج إلي وسيلة مواصلات أكتريها إلي هناك ، ألح علينا البدوي أن نبيت الليلة في السلوم ، فتوجد أغطية وفرش وطعام وحمامات والصباح رباح ، لكن أصررنا علي مواصلة الطريق فنصحني البدوي آنذاك أن أذهب إلي مطروح وزودني برقم هاتف للجنة إغاثة توفر لليبيين خاصة العائلات سكنا مجانيا ، جاءت حافلة صغيرة فركبنا فيها وانطلقت بنا إلي مطروح .. لقد كانت عيوننا تدمع عندما استقبلنا البدوي فور وصولنا إلي السلوم واحتفي بنا وضيفنا ووقف قرب الباب ليكون رهن إشارتنا كي يخدمنا .. وزادت دموعنا أكثر عندما وصلنا إلي مطروح واستقبلتنا اللجنة بحفاوة وود وكرم قائلا أحدهم ونحن ندخل العمارة الأنيقة القريبة من البحر في منطقة علم الروم التي بها الشقة التي خصصت لنا : ولا يهمك بكل .. نحن أخوة .. أي شيء ينقصك مااديرش غيبة ( لا تجعل بيننا أي كلفة أو خجل أي اطلب كل ما تحتاجه ).. نحن هلك .. نحن شعب حر واحد .. شكرت أعضاء اللجنة ودخلنا الشقة .. غرف نظيفة .. صالة واسعة .. تلفاز مع منظومة بث .. فرن كهربائي .. ثلاجة .. حمام صحي به مياه ساخنة .. أغطية نظيفة .. شرفة واسعة تطل علي البحر .. بعد قليل أحضروا لنا بعض السلع التموينية والماء والخبز .. كنا منهكين قليلا من السفر .. نمنا ليلتنا .. وفي الصباح استيقظت وذهبت إلي دكان قريب اشتريت كبريتاً وبعض الأشياء الناقصة .. وعندما خرجت من جديد كي أذهب لوسط المدينة القريب من أجل الجرائد والنت وبعض المستلزمات للمدام والعيال وجدت عضو لجنة الإغاثة أسفل العمارة سألته أين يمكنني أن أصرف خمسين دينار ليبيا ، قال لي : خلي افلوسك في جيبك .. وأخرج من جيبه ربطة مال عد لي منها عدة أوراق حوالي 100 جنيه مصري .. قال خذها وعندما تحتاج إلي نقود كلمني .. اعتذرت عن قبولها ، لكن ألح كثيرا فقبلتها بود و شكرته كثيرا ، ثم ذهبت إلي المدينة مكتريا سيارة أجرة بيضاء ذات رفارف زرقاء ، في الطريق تجابت مع سائق الأجرة أطراف الحديث عن أحوال الحياة وخاصة الوضع في ليبيا .. و كان من المناصرين لثورة شباب ليبيا ، أوصلني إلي الشارع الرئيسي في مطروح واسمه شارع الإسكندرية ورفض أن يتقاضي الأجرة .. بل عرض علي أن يوصلني لأي مشوار مجانا ومدني برقم هاتفه .
مطروح كلها مع الثورة الليبية علي الرغم من التحفظ الحالي بخصوص الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي رسميا من قبل الدولة .. علم الاستقلال الليبي تجده مرفرفا أمام الكثير من الدكاكين أو ملصوقا علي زجاج وأبواب السيارات المصرية .. تراه يرفرف من الشرفات .. تراه وكل ملحقاته التذكارية من قبعات وميداليات وأعلام صغيرة وأوسمة ( بروشات ) معروضا للبيع والإهداء في الميادين ، الكل يشتري منه ويقتنيه بحب ولا يفاصل البائع في الثمن فالسلعة هي الحرية ، هي علم الاستقلال الليبي .. فالسلعة هي علم الثورة المصري في 25 يناير .. تجد أيضا الكثير من الأعلام والتذكارات المزدوجة .. وجه لعلم الاستقلال الليبي ووجه لعلم الثورة المصرية .
مطروح كلها مع ثوار ليبيا .. لا تري في الشوارع إلا أعلام الاستقلال الليبية .. كما قلت في واجهات الدكاكين .. في المطاعم .. في المقاهي .. في شرفات شقق العمارات .. في سوق الخضراوات .. ودائما ما تجد سيارات مصرية ملصقاً عليها صورة لعلم الاستقلال الليبي وصورة لعمر المختار .. وفي أغلب المحلات والشوارع تجد ملصقا جميلا مكتوب عليه بخط أنيق : اللهم سلم ليبيا و أهلها .. تجد أيضا في بعض المطاعم والدكاكين والأسواق ملصقات أخري تدعو إلي التبرع من أجل إغاثة إخواننا الليبيين .. وللتاريخ هناك تجاوب كبير من قبل أهل الخير .. فالتبرعات لا تتوقف .. وليس بالضرورة مال .. أحيانا خضراوت .. أحيانا دجاج .. أحيانا ملابس .. أحذية .. أي شيء يصل إلي اللجنة يتم تقسيمه علي المحتاجين له .. الليبيون أيضا لا يقبلون إلا ما يحتاجون إليه فعلا بصورة ملحة .
الكل في مطروح يتابع التلفاز خاصة نشرات الأخبار وعندما تهل المتابعة الخاصة بليبيا الجميع في المقهي يصمت ويستمع لآخر الأخبار ويمكنك أن تلاحظ علامات الارتياح والفرح والحبور إن كانت الأخبار تصب في مصلحة الثوار ، وإن كان الثوار قد تراجعوا بسبب القصف فتلحظ بوضوح علامات الحزن وترتفع الأيادي فورا بالأدعية النابعة من القلب لنصرة ثورة الشباب المجيدة .. التلفزيون لا تتغير قنواته عن الجزيرة
والعربية والقنوات المصرية الإخبارية إلا إن كانت هناك مباراة كرة قدم مهمة في الدوري المصري أو العالمي لكن بعد انتهاء المباراة يعود التلفاز لقناة الجزيرة لمتابعة آخر تطورات الثورة الليبية وبقية الثورات المجيدة في بلاد العرب .
الناس في مطروح يتابعون الأخبار بعاطفة قوية يتأثرون من الهزيمة ويفرحون بالنصر .. تشعر أن الثورة الليبية ثورتهم ربما أكثر من الليبيين .
أحيانا يعانقك مطروحي عناقا حارا ويطلب لك قهوة أو عصيرًا لأن الثوار دمروا بعض الآليات في الزنتان أو مصراتة أو البريقة .
كل أهل مطروح تشعر أنهم يقاتلون معنا ببنادق القلب وصواريخ الروح ومدافع الإيمان الراسخ في وجدانهم .. تشعر أن القضية قضيتهم .. وأن القذافي وزمرته أعداءهم .. وبالمناسبة لم أر في مطروح أي علم أخضر حتي الآن .. علم الاستقلال بألوانه الثلاثة أحمر أسود أخضر وبنجمته وهلاله الأبيض واكل الجو .. يلاقيك في معظم الشوارع والميادين .. يلاقيك ليحييك .. ويرفرف لك مواسيا واعدك بنصر مبين قريب .. فغيابه أكثر من 41 سنة ليس مشكلة .. كان يثق في ليبيا وشبابها الذين دفعوا دماءهم رخيصة كي يعود مرفرفا في كل العالم .
تراهم منصتين مركزين وكأنهم يتابعون مباراة لكرة القدم شبابا وشيبا .. وفي كل الحالات يمكنك أن تلاحظ تفاؤلهم بالنصر الوشيك علي المجرم القذافي باديا علي الوجوه الملتحية وعلي الجباه المشرقة ، والحقيقة أن أهل مطروح وكل أهل مصر موقفهم مشرف من ثورة الشباب في 17 فبراير فمنذ تفجرها ظهر انحيازهم للثورة معتبرين الثورة الليبية مكملة للثورة المصرية في 25 يناير ، فلم يقفلوا الحدود ، وأرسلوا إلي ليبيا الأطباء والأدوية والمواد الغذائية والخضراوت والفواكه وكونوا لجان إغاثة للشعب الليبي الثائر في معظم مدن مصر ، رأيت أحدها في الإسكندرية بجانب مسجد القائد إبراهيم قرب محطة الرمل .. سرادق به مكتب ولجنة متواجدة وأمامه ملصقات تعرض الجرائم التي ارتكبها القذافي في حق الشعب الليبي .. صور لأشلاء ممزقة ومتفحمة .. صور لقتلي شباب في عمر الزهور .. وبالمناسبة الثورة الليبية محظوظة جدا .. حيث سبقتها ثورة تونس ثم ثورة مصر .. والمعروف تاريخيا أن الثوار ينحازون للثوار .. ولو بدأ الليبيون ثورتهم قبل تونس ومصر ما حققت كل هذه النجاحات .. فبكل تأكيد كان سيضغط نظام زين العابدين ونظام حسني مبارك علي ثوار ليبيا ويساهمون في وأد ثورتهم بإغلاقهم الحدود وتقديمهم للإمدادات .. فالآن ثغرة النظام الفاشي الدكتاتوري في ليبيا من جهة الجزائر .. وهذه الثغرة سيقفلها ثوار الجزائر قريبا أو تقتنع السلطات في الجزائر أنه لا جدوي من الوقوف مع الإرهابيين والطغاة القذافي وزمرته وأن الوقوف مع الشعب الليبي الثائر أشرف لبلد المليون شهيد .. الذي شاركته أناس ليبيا إبان ثورته كفاحه ومدته بكل ما تملك من عتاد وسلاح ومال علي الرغم مما تعانيه من فقر .. فتحرير بلد ونيل حريته هو الواجب المقدس لكل الشعوب الحية .
في مطروح تلمح في بعض الميادين مدرعات وعربات للجيش المصري .. الجيش العظيم الذي كسب ثقة شعبه واحترام العالم .. تحيي الضباط والجنود الواقفين يحيونك بابتسامة ويعرضون خدماتهم عليك .. لا مشاكل في مطروح من قبل النازحين الليبيين .. حوادث طفيفة جدا غير مؤثرة .. يتم التعامل معها من قبل لجنة الإغاثة بحكمة معللين سببها بسبب الظروف التي يعيشها النازح الليبي والتي أجبرته علي مغادرة بيته .. أهل مطروح يحترمون ويقدرون الليبيين .. ولا يمكن أن يجد الإحسان غير الإنسان مهما كانت نفس الإنسان سيئة .. حوادث طفيفة جدا تنتهي في وقتها ويتم احتواؤها حفاظا علي مشهد التلاحم الجميل بين الشعب الواحد في مصر وليبيا وقت الشدة .
لم تقتصر مساعدات أهالي مطروح ومحافظتها النبيلة للنازحين من ليبيا علي عملية الإيواء والتغذية والعلاج ، إنما تجاوزتها لتشمل جوانب إنسانية أخري .. عند الأصيل تطرق فتاة شابة الشقة ومعها طفلان صغيران .. تزور العائلة وتسجل احتياجاتها في ورقة .. في اليوم الثاني تعود ومعها بعض الملابس للأطفال وبعض الألعاب ، وقطن نسائي .. وملابس داخلية نسائية .. وحذاء .. تسأل عن الزوج ماذا يحتاج .. تقول لدينا بدلاً عربية وجلابيب فتعتذر الزوجة وتشكرها فزوجها يلبس الجنز والملابس الأفرنجية .. فتتفضل الفتاة بإحضار ملابس داخلية للزوج .. تقول نحن أهلكم ولا يمكنكم أن تشعروا بيننا بأي احتياج .. نقطع لحمنا ونمنحكم .. تصرفات كريمة تحدثها اللجنة النسائية المحتشمة وهي تزور شقق الليبيين عارضة ما تيسر من خدمات .. في يوم آخر يحضرون حافلة ويأخذون كل أطفال الليبيين وأمهاتهم إلي منتزه به ألعاب أطفال ، وبعد قضاء وقت ممتع يعيدونهم إلي الشقق .. أحيانا يرنون جرس الشقة ويقدمون لك كيس بطاطس أكثر من 5 كيلو .. الشقة امتلأت بقناني الزيت وبرطمانات الطماطم المعجون وعلب الجبن المالح والمربي وأكياس الأرز والمكرونة والسكر وعلب الحلوة المعجونة حتي يمكن للنازح أن يبيع من هذه المواد الغذائية الفائضة للدكاكين من أجل توفير سيولة يشتري بها بعض الكماليات التي يخجل أن يطلبها من أهالي مطروح الذين سيلبون طلبه ويحضرونها علي الفور .. تريد أن تملأ رصيد هاتفها صاحب محل الهاتف عن تقاضي ثمن الرصيد .. كي تدفع عليك أن لا تتكلم .. عليك أن تفصح عن كونك ليبيًا .. صديقي مرض ابنه فجاءته سيارة وحملته إلي مستشفي مطروح العام ، عولج مجانا ثم منح قائمة الدواء الذي عليه أن يشتريه له من الصيدلية ، عضو اللجنة الذي حمله للمستشفي أخذ منه الروشيته واشتري له الدواء وأعاده إلي الشقة بكل حب ورحابة صدر .
وعندما أخذت زوجتي للعلاج في عيادة خاصة دفعنا 40 ديناراً ثمن الكشف لكن بعد أن عالجها الطبيب وكتب لها قسيمة الدواء وخرجنا من غرفته نادت الممرضة المختمرة زوجتي وأعادت لها الأربعين دينارًا .
بصراحة هناك كرم غير عادي وأخوة رائعة تجاوزت المتعارف عليه .. في يوم جمعة تمت دعوة العائلات الليبية إلي حضور حفل ترحيب نظمته لجان الإغاثة في مسجد الفتح والوقت بعد صلاة المغرب ، جاءتنا حافلة نقلتنا إلي مكان الاحتفال المنظم تحت شعار من أجل شد أواصر المحبة والود مع أشقائنا الليبيين .. كان هناك في المسجد مكان مخصص للنساء والأطفال ومكان للرجال وبعض صلاة المغرب بدأ الحفل وألقيت الكلمات المناصرة لثورة الشباب في ليبيا من قبل شيخ جليل اسمه " فرج العبد " حيث دعا إلي نصرة إخواننا الليبيين ومتحدثا عن الظروف التي يعاني منها بسبب حكم القذافي القمعي وما يرتكبه من جرائم يومية في حق الشعب الليبي والدين ، بعدها التقي الحضور بالشيخ الشاعرالبدوي الكبير عبدالكريم بوجديدة الذي ألقي عدة قصائد شعبية باللهجة البدوية وهي لهجة ليبية مفهومة تتحدث عن كفاح الشعب الليبي ومدينة نظام القذافي ومنادية بشد أواصر الأخوة والصداقة بين الأشقاء في ليبيا ومصر وقد اكتست قصائده الجميلة بنفحة من السخرية البليغة التي جعلت الجمهور في المسجد يبتسم بين الحين والآخر .. وحان موعد صلاة العشاء .. وصلي الجميع صلاة العشاء ودعوا جميعا إلي نصرة الشعب الليبي في ثورته .. أدعوا لإخوانكم في ليبيا .. ويرتفع الدعاء صافيا شفافا مضيئا للروح باعثا فيها الاطمئنان والسكينة .. وبعد صلاة العشاء تواصلت القصائد وتواصل الحفل ووزعت المرطبات والحلويات ، ولقد كان المسجد المتكون من عدة طوابق مكتظا بالمناصرين وبالليبيين وبالمصلين وفي نهاية الحفل عادت الحافلات بالعائلات الليبية إلي شققها معززة مكرمة وقد ارتفعت معنوياتها عاليا وشعرت أنها لم تغادر وطنها المناضل من أجل الحرية .. فأهل مطروح .. ما تركوا ليبيًا مجروحًا .. والآن عندما نقول أن مصر هي امتداد لليبيا لا نخطئ .. وعندما نقول أن مصر وليبيا شعب واحد لا نخطئ .. ونتوقع بعد هزيمة القذافي وقيام دولة الثورة الجديدة أن تكون هناك وحدة حقيقية بين الشعبين الليبي والمصري .. وحدة قلب قبل أن تكون وحدة سياسة .. وحدة لا تجارة ولا أغراض سياسية فيها .. وحدة ثوار .. وحدة بين ميدان التحرير في كل مدن مصر وميدان التحرير في كل مدن ليبييا .. شكرا مطروح .. شكرا مصر العظيمة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.