نجحت ثورة الشعب المصري العظيمة بقيادة الشباب في إسقاط النظام الفاسد و إنهاء حكم الديكتاتور و طغمته الفاسدة إرتكازا إلي جملة من المطالب السياسية و الاجتماعية المحددة و الواضحة تتمحور جميعها حول قيم الحرية و العدالة الانسانية بين جميع أفراد الشعب. غير أن للثورة مطالب ثقافية ذات معني أوسع و أبعد، يجب بلورتها و تجذيرها، حتي تتكرس و تترسخ عوضا عن قيم ثقافية قديمة روج لها مثقفو النظام البائد، الذين استمدوا وجودهم من وجوده و نجحوا في تهميش كل مثقف معني و منحاز لما هو انساني و لديه ضمير ثقافي يؤمن بدور الثقافة في تغيير الوعي علي إعتبار أن الثقافة هي واحدة من أهم عوامل التنمية الانسانية و ألف باء أي مشروع نهضوي. طغمة الفساد الثقافي التي سادت، و استمدت وجودها من الفساد السياسي الذي كان يجب محاكمتها و مساءلتها، ليس فقط علي نهب المال العام الذي ارتعت فيه، و لكن أيضا علي ما كرسته و رسخته من قيم ثقافية رجعية معوقة تحت مسميات و شعارات و أفكار ظاهرها حداثي مستنير و باطنها متخلف رجعي لا يستهدف إلا تكريس ثقافة السوق و تسليع الإبداع في كل مجال من مجالات الثقافة. اللحظة الراهنة و ما سوف يتلوها من متغيرات مجتمعية، يجب أن تستهدف قيما ثقافية جديدة يصنعها مثقفون مهمومون بإلتباسات هذه اللحظة و قضاياها، لتخليق وجدان ثقافي جديد منحاز لقيم الحرية و العدالة الاجتماعية. لقد سعي مهندسو ثقافة السوق إلي إقصاء كل المثقفين الجادين من المشهد الثقافي، و أصروا علي أن يخدموا علي تغييب الوعي مكرسين بذلك كل فساد سياسي يأباه الضمير تحت مسميات حداثية ذات طابع براق، متغنين بحريات ذاتية وهمية لا يمكن أن تتحقق أبدا طالما ظل الاستبداد السياسي العامل ضد الكرامة الإنسانية. مثقفو و نقاد حرية الجسد الذين هللوا لأعمال يبحثون فيها عن حرية أجسادهم لا غير، لم يتحدثوا عن حرية العقل التي هي ألف باء حرية الجسد، لأنهم يدركون أن حرية العقل لا يمكن أن تكون تحت ذلك السقف المنخفض جدا و الخانق للإستبداد السياسي. إهدار الوجدان و تزييف الوعي، و العبث بالضمير الثقافي لأجل حفنة دولارات و مناصب و وجاهة ثقافية، هو ما يجب أن تساءل الجماعة الثقافية المنتفضة عليه أعضاء الطغمة الثقافية البائدة بينما تسعي هذه الجماعة نحو قيم ثقافية جديدة.