1 هذا ما يكتبه ابن تغري بردي ، ننقله بتصرف يقتضيه تغير الحال وتغير الزمان (وفي فجر السبت 22 صفر سنة 647 ه - الموافق في 5 يونيو 1249م - بدأت عملية إنزال القوات الصليبية علي بر دمياط. وكانت القوات تضم نحو خمسين ألف مقاتل وفارس. ضُربت للويس - لويس التاسع - خيمة حمراء كبيرة علي الشط، ونشب قتال عنيف بين المسلمين والصليبيين انتهي بتراجع المسلمين. وفي المساء انسحب الأمير فخر الدين يوسف إلي معسكر السلطان في "أشموم طناح" بعد أن ظن أن السلطان قد فارق الحياة لأنه لم يرد علي رسائله التي بعث بها إليه بالحمام الزاجل. ترك فخر الدين دمياط خلفه بكل مافيها من سلاح ومؤونة وأقوات، ففزع السكان وفروا هم أيضاُ منها وخلفهم العربان الذين كانوا قد وضعوا في المدينة للمشاركة في حمايتها. فعبر الجنود الصليبيون إلي المدينة المهجورة، سيراً علي الجسر الذي نسيت الحامية الأيوبية تدميره قبل انسحابها، واحتلوا دمياط بدون أن يواجهوا مقاومة، حتي أنهم قد ظنوا في بادئ الأمر أنها مكيدة من المسلمين. استولي الصليبيون علي المدينة بكل ما فيها من سلاح وعتاد ومؤونة، وحصنوا أسوارها.) هذه هي حكاية دخول الصليببين دمياط وهذا هو الموضوع الذي جاءت من أجله الروائية والصحفية الأمريكية شيري جونز إلي مصر ، روايتها الكبيرة القادمة عن الملكات البرو_انسيات الأربع ، إليانور وسانشيا وبايتريس ومارجريت ، والأخيرة زوجة لويس التاسع ، الذي جاء مصر فوجد دمياط خالية ووجد نجم الدين أيوب قد مات ووجد السلطانة عصمة الدين أم الخليل شجر الدر في انتظاره ، ستدور المعركة و سيأسره المصريون في بيت ابن لقمان ، سيسلم المسلمون لويس للفرنسيين في بساطة لا يمكن للعقل الغربي أن يتصورها ، سيدور الزمن دورته وسينشد أمل دنقل بعد ذلك في ديوانه العهد الآتي : رأيتها شجرة الدر / ترد خلفها الباب علي جثمان نجم الدين / تغلق صدرها علي الطعنة والسكين / فالجند في الدلتا / ليس لهم أن ينظروا إلي الوراء / أو يدفنوا الموتي / إلا صبيحة الغد المنتصر الميمون. أترجم للأمريكية ما كتبه أمل دنقل فتصيح علي عادة قومها ، Wow, this is wonderful ، ولا يبدو لي أنها فهمت تماما ما أعنيه ، أترحّم علي أمل وشجر الدر ونجم الدين وأواصل رحلتي مع الصحفية والكاتبة الأمريكية ، شيري جونز. 2 يُبدي الأمريكان استعدادا دائما للبهجة ، وللانبهار. بعد جولة استغرقت يومين في المنصورة لمشاهدة دار ابن لقمان وفي دمياط لمشاهدة ما نتصور أنه المكان الذي حلّت فيه سفن حملة لويس ، ويوم آخر في الإسكندرية. صديقها الذي جاء معها (للأسف!) يبدو مولعا بالتصوير ، هو قائد أوركسترالي ومؤلف موسيقي بالأساس ويبدو مما قرأته عنه علي الإنترنت أنه علي قدر من الأهمية هناك ، يحرص علي تصوير كل شيء ورفعه علي الفيسبوك أولا بأول ومتابعة تعليقات أصدقائه. أحاول أن أفلت من ضعف معارفي الموسيقية فأحدثه عن الشيء الوحيد الذي أفقهه في الموسيقي الغربية ، فيلم أماديوس ، الفيلم الذي يحكي قصة موتسارت فيهتف أيضا علي عادة قومه Wow , that was great.. أحاول أن أناقش ما طرحه الفيلم ، الخلود الفني ، الموهبة ، كيف يستمر الفنان ولماذا يستمر ، لا يبدو مهتما تماما ، يؤكد لي أنه يحاول أن يستمتع لأن الأمور أبسط من ذلك ، أقارن بين رغبتهما الملحة في الاستمتاع والابتهاج مقابل ما عرفت من المصريين ، الحنين للحزن والشعور الدائم أن ما تبقي أقل مما مضي وأنها "خلاص خلصت " ، أبحث في ذاكرتي عن المرادف الإنجليزي لكلمة " نكد" فلا تسعفني اللغة ، أترك هذه المناقشة برمتها وأتكلم مع شيري فيما يهمني شخصيا ، النشر وطبيعته وفرصة الكاتب الأول هناك ، تحدثني عن البحث عن وكيل أدبي وعن كيفية تواصل الكاتب الجديد هناك مع هذا الوكيل ، تحدثني عن جشع الوكيل وعن قسوة دور النشر ، خصوصا الكبري ، وعن ظروف الكتّاب السيئة ، تقول كيف أنها لم تحصل من روايتها الأولي إلا علي ثلاثين الف دولار " فقط " بالإضافة لنسبتها في المبيعات وحقوق الترجمة ، أشفق علي نفسي فلا أسأل عن مقدار هذه الحقوق ، تهزّ كتفيها تعبيرا عن انزعاجها من حقوق المؤلف الضائعة ، أنزعج معها وأنا لا أزال أبحث عن المرادف الإنجليزي لكلمة " نكد " فلا أعثر عليه. 3 ينطلقان إلي الأقصر وأسوان ليومين ، أفرغ قليلا لتدوين ملاحظاتي وأعود بالذاكرة للوراء قليلا ، للطفولة ولذكريات التسعينات الجميلة