الكاريكاتير للفنان حجازى حينما يصدر العدد الحالي من أخبار الأدب يتوجه الناخبون المصريون إلي اللجان الانتخابية للتصويت في الجولة الأولي لانتخابات مجلس الشعب. وطوال الأسابيع الماضية عاشت الشوارع المصرية حالة من الاستنفار والضوضاء البصرية والسمعية في إطار حملات الدعاية المختلفة للمرشحين. دعاية المرشحين لم تحتل الشوارع فقط بل امتدت لشاشة التلفزيون ومحطات الإذاعة وحتي الفيسبوك ومواقع الإنترنت المختلفة، لتشهد الانتخابات هذه المرة ظهور عدد من وسائل الدعاية الجديدة وتطور الوسائل القديمة.
النجم الأول في هذه الانتخابات كان برنامج تعديل الصور الفوتوغرافية "الفوتوشوب". بسهولة يمكننا أن نلمح أثره وبصمته في صور جميع المرشحين. (م.ف) أحد العاملين في مجال التصميم رفض الإفصاح عن اسمه اعتبر موسم الانتخابات أهم "مواسم الرزق" بالنسبة لأصحاب مهنته. يعمل (م.ف) الطالب بكلية الحقوق في أحد "استوديوهات" التصوير الكبري، دوره في الغالب يقوم علي تعديل الصور بعد التقاطها، تدخلاته تكون تحديداً في صور الزفاف، وضع الخلفيات ويبّيض وجه العروسه والعريس ويزيل حبوب الوجه والنمش من أجل إضفاء بعد ملائكي علي الصورة، أو تركّب بعض الخلفيات والمناظر الطبيعية علي حسب رغبة العميل. في الانتخابات يرغب كل مرشح أولاً في إزالة تجاعيد الوجه ثم يترك الباقي له، حيث يقوم (م.ف) بتفتيح لون البشرة، أو تكثيف اللون الأسود في لحية المرشح أو شاربه إذا كان لديه لحية أو شارب. أما أكثر التعديلات الفنية التي يطلبها المرشحون منه فهي "زبيبة الصلاة". ينفي (م.ف) تهمة التزييف أو الغش عن مهنته، ويقول بسخرية "نحن لا نكذب ولكننا نتجمل، معظم المرشحين يكون لديهم "زبيبة الصلاة" لكنها تكون صغيرة أو غير واضحة عند التصوير، وأحياناً تكون ضخمة وتصنع تشوهاً في الصورة، ووظيفتي هي تجميلها لإظهار صورة المرشح في صورة لائقة. زمان كانت الصور تتم طباعتها بالأبيض والأسود، الآن الجميع يعتمد علي الصور الملونة كبيرة الحجم، لذلك فالتفاصيل الصغيرة إذا لم تتم معالجتها بالفوتوشوب، ستظهر بوضوح علي الصورة"! بعد مرحلة تنقية الصورة من الشوائب وتجميلها وتبيضها، تأتي المرحلة الأخري وهي وضع الخلفية والشعارات الانتخابية، وهي تفاصيل يقوم المرشح بتحديدها بدقة، غير أن السائد في هذه الدورة هو علم مصر الذي يحرص كل مرشح بمن فيهم مرشحو الإخوان المسلمين علي وضعه في الخلفية.
إلي جانب برنامج "الفوتوشوب" فقد شهدت دورة الانتخابات هذا العام الاعتماد علي الإنترنت وتطبيقاته المختلفة في الدعاية للمرشحين. فموقع الحزب الوطني الديمقراطي يضع إلي جانب متابعته لأخبار مرشحيه وقيادته خريطة كاملة لكل مرشحيه في جميع الدوائر، لكن لن نجد علي الموقع سوي البرنامج الانتخابي لكل مرشح. في المقابل فجماعة الإخوان المسلمين هي أنشط التيارات السياسية في استخدام الإنترنت للدعاية لمرشحيها، فعلي موقع الجماعة توجد صفحة مستقلة لكل مرشح، تحتوي علي صور متعددة للمرشح وهو يقبل بعضاً من أهالي دائرته أو يصافحهم أو يلعب "البلياردو" مع شبابهم وأطفالهم. كما يرصد الموقع لحظة بلحظة ما يعتبره "انتهاكات وتجاوزات ضد مرشحيه". وإلي جانب موقع الإخوان الرسمي فهناك موقع آخر مستقل بذاته مخصص لنواب الإخوان. وهو الموقع الذي تبث من خلاله إذاعة راديو صوت مصر، وهي الإذاعة المخصصة لبث الدعاية الإخوانية المسموعة، وإنتاج بعض الأغاني الساخرة المنفذة علي طريقة أناشيد الإخوان، والتي تحذر طوال الوقت "لا تعطي صوتك لمن يلهفه، بل امنحه لمن يخاف الله". أما موقع حزب الوفد فيكتفي بعرض تصريحات أعضائه ومرشحيه بشكل مبسط، ونفس السياسة اعتمدها الوفد في دعايته الانتخابية علي التلفزيون، فالإعلان التلفزيوني الذي أنتجه حزب الوفد عبارة عن مجموعة من العبارات التي تظهر بحجم كبير جميعها تهاجم فقط الحزب الوطني دون أي معادل بصري وكأن الإعلان أشبه بتترات الأفلام، الأمر الذي يكشف هذا الفقر المدقع في الخيال لدي القائمين علي حملات الدعاية لا في الوفد وحده بل في معظم الأحزاب والتيارات السياسية. يتبدي هذا الفقر في الخيال والابتكار بقوة في موقع حزب التجمع غير الموجود أساساً، فعلي الإنترنت يوجد فقط موقع لجريدة الأهالي يبث أخبار الجريدة وتتصدر الصفحة الرئيسية للموقع لافتة ضخمة جدا في منتصفها صورة لخالد محي الدين مؤسس وزعيم الحزب، ثم اسم رفعت السعيد رئيس الحزب، وبحجم كبير فريدة النقاش رئيس التحرير، أمينة النقاش مدير التحرير، أما أخبار مرشحي الحزب فتأتي في حجم صغير وتكون موزعة في أنحاء الموقع.
الفيسبوك كان أيضاً حاضراً بقوة في معارك الدعاية الانتخابية سواء من خلال دعم المرشحين في بعض الدوائر، أو ضرب المرشحين المنافسين. علي سبيل المثال يضع مرشح الإخوان عن دائرة منوف إبراهيم حجاج صورته علي الفيسبوك، وفي الخلفية صورة منافسه أحمد عز، وعلي حائط الجروب يكيل أنصار المرشح الإخوان الاتهامات المتعددة لأحمد عز. مجموعات الفيسبوك تم استغلالها أيضاً كمنبر لإطلاق الشائعات اللائقة وغير اللائقة بين النساء المرشحات اللواتي يخضن الانتخابات علي مقاعد الكوتة المخصصة للمرأة. وضمن سياسة استخدام التكنولوجيا في التشهير بالمنافسين شهدت دورة انتخابات هذا العام تنامي ظاهرة "السيديهات". أشهرها حينما بدأت المعركة الانتخابية بين الوزير سيد مشعل ومصطفي بكري، حينما هاجم الأخير مشعل واتهمه بالتقصير في حق دائرته وضعف الخدمات التي قدمها لهم، فما كان من مشعل إلا أن أعلن أن لديه "سيديهات" موثقة بالصورة والصوت لمصطفي بكري وهو يكيل له المديح ويشكره علي الخدمات التي قدمها لأهالي حلوان.
إلي جانب ما سبق فوسائل الدعاية التقليدية من سيارات تطوف الشوارع حاملة مكبرات الصوت تبث الأغاني الدعائية والشعارات الانتخابية بصوت عال مزعج دون أدني احترام للخصوصية لا تزال مستمرة، جنباً إلي جنب مع اللافتات القماشية الدعائية. لكن أبرز العبارات الدعائية التي حملتها اللافتات هي عبارات المرشحين المستقلين خارج الأحزاب الرسمية، ففي مدينة العبور استعار أحد المرشحين شعاره الانتخابي من أغنية للمطرب الشعبي أبو الليف قائلاً "انتخبوا الكنج كونج، مش عضو مجلس خرونج". أما الكاتب الساخر جلال عامر والذي يخوض انتخابات مجلس الشعب في الإسكندرية أمام مفيد شهاب، فلم يتخل عن سخريته حتي في اللافتات والشعارات الانتخابية. فبعدما تعرض عدد من لافتات جلال عامر للتمزيق، رفع لافتة قماشية مكتوب عليها "مفيد شهاب حالياً.. جلال عامر سابقاً، أين العدل من تقطيع اللافتات"؟ تمنحنا نوعية الدعاية الانتخابية والوسائل المستخدمة في تنفذيها صورة دقيقة حول الطريقة التي ينظر بها المرشحون لأنفسهم والصورة التي يرغبون في عكسها لاجتذاب الناخبين.