مبنى البوسطة الفرنسية واحدة من أفضل حسنات الإنترنت تفتيته للمركزية الثقافية الخاصة ببعض المدن، ودعمه أكثر للامركزية. والسبب أن الإنترنت هذا الفضاء الواسع يتمدد بلا مركز. لذلك فقد كانت النتيجة ظهور الكثير من المواقع المصرية التي تعمل علي الاهتمام بالحراك الثقافي والتاريخي بعيداً عن سطوة العاصمة القاهرة، ومن هذه المواقع موقع تاريخ بورسعيد. الموقع ظهر نتيجة لعدة أسباب يوضحها مؤسسوه: "البعض يتصور أنه أصبح مؤرخاً، لأنه شارك في حرب ما، وأنه يستطيع من موقعه، الحكم علي نتائج حروب وانتصارات وانكسارات، ونجاح سياسات أو فشلها، وكان أجدي من ذلك لو أنه روي ذكرياته من موقعه المحدود، فكتابة التاريخ علم يحتاج إلي دراسات معمقة في أقسام التاريخ بالجامعات _ وهو ما لم ندعيه - ، وليست هواية يشغل بها نفسه كل من وجد لديه وقت فراغ، فيتصدي بجراءة للمؤرخين الأكاديميين يتطاول عليهم بما يعرف من معلومات قاصرة، ويحاول تلقينهم أسلوب البحث العلمي الذي يجهله بالضرورة ويحاول أن يسوق الأحداث بما يري هو ومع ما يتوافق مع أهوائه. وعندما يتحول الحوار، من حوار علمي بين الأكاديميين حول القضايا التاريخية المختلفة، إلي حوار بين المؤرخين المحترفين وهواة كتابة التاريخ، فهنا نطلب من الله الرحمة للقراء الذين يتصور بعضهم أن كل ما يقرأونه لأدعياء كتابة التاريخ هو تاريخ أيضاً! ومن هنا جاءت فكرة إنشاء موقع تاريخ بورسعيد لتوثيق التاريخ من مصادره الأصليه ومؤرخيه وليس من أدعياء وهواة كتابة التاريخ، فتاريخ بورسعيد ذاخر بالأحداث، فبرغم صغر عمر المدينة ، إلا أن تاريخها مليء بالأحداث وذلك لقدرها الذي وضعها في موقعها المفصلي بين الشرق والغرب والشمال والجنوب من العالم، ولوجودها علي البوابة الشمالية من قناة السويس أهم شريان مائي صناعي في العالم". وبرغم هذه المقدمة الحماسية التي تظهر اهتمام القائمين علي الموقع بإعادة رصد وقراءة التاريخ بشكل موضوعي بعيداً عن المبالغات البطولية، إلا أنهم يؤكدون في الوقت نفسه علي أن أحد أهداف الموقع هو إبراز البطولات الوطنية لشباب بورسعيد الذين نموا وهم لا يعرفون شيئاً عن تاريخ بورسعيد المليء بالملاحم والبطولات المجيدة. يحتوي الموقع علي عدد من الأقسام المتنوعة تبدأ بقسم مخصص لتاريخ بورسعيد ينقسم بدوره إلي تاريخ بورسعيد الرياضي، الفني، الحديث، القديم. وهناك قسم آخر لتاريخ مصر، وقسم ثالث للتاريخ الإسلامي، وقسم للتاريخ العربي، ودفتر أحوال بورسعيد المخصص لتسجيل يوميات المدينة وأهم الأحداث التي تشهدها، وهناك قسم بعنوان صالون تاريخ بورسعيد والمخصص لتسجيل شهادات المناضلين القدامي الذي شهدوا الحروب وعاصروا التغيرات المتباينة للمدينة، إلي جانب القسم المخصص لمقالات كتاب الموقع في مختلف الموضوع. كما يحتوي الموقع علي مكتبة ثرية من الصور التي توثق لتاريخ المدينة، وقسم آخر مخصص لتسجيلات الفيديو. أبرز نقاط القوة في الموقع أنه لا يركز علي التاريخ السياسي والعسكري للمدينة، بل يمتد ليشمل الجوانب المختلفة للحياة الاجتماعية والثقافية بها. فسنجد قسم مخصص لتاريخ بورسعيد الرياضي حيث التوثيق لتاريخ نادي بورسعيد وإنجازاته منذ التأسيس وحتي الآن وأبرز النجوم الذين لعبوا فيه. وفي قسم تاريخ بورسعيد القديم نجد مقالات عن تاريخ المقاهي في بورسعيد ومنها مقال عن تاريخ مقهي "البسفور"، كما نجد بعض المواضيع والتحقيقات الصحفية القديمة التي نشرت في الصحافة المصرية عن بورسعيد ومنها تقرير صحفي منشور سنة 1958 بعنوان "علي شاطئ بورسيعد: أرقص كاليبسو وتناول عشاء فاخر بخمسين قرش." وفي قسم "صالون تاريخ بورسعيد" نجد لقاءات مع بعض أبطال بورسعيد منهم العميد يسري عمارة الذي آسر عساف ياجوري في حرب الاستنزاف. لا يهتم الموقع فقط بتاريخ بورسعيد بل يحاول تسليط الضوء علي التراث المعماري والحضاري للمدينة والذي يبدو واضحاً أنه لا يلقي الاهتمام اللازم من الجهات الرسمية. حيث يقود الموقع حملة لوقف معاول هدم التاريخ التي امتدت بالهدم والتخريب نحو معظم المباني القديمة ذات الخصوصية المعمارية الفريدة في بورسعيد، حيث يسعي أصحاب معظم العقارات القديمة إلي تركها دون أي صيانة أو رعاية حتي يسقط المبني وحده، ويمكنهم بعد ذلك بيع الأرض أو بناء أبراج سكنية ضخمة مكانها. الإهمال لا يطول فقط المباني السكنية ذات المعمار المميز، بل يمتد إلي بعض المباني ذات الأهمية التاريخية الكبيرة كمبني "البوستة الفرنسية" والواقع علي ناصية شارعي ممفيس وصفية زغلول بالقرب من قناة السويس ويرجع تاريخ بنائه إلي عام 1867 ويعتبر من أقدم المباني في هذه المنطقة ، لكن منذ سنوات أصبح المبني مهجوراً وطاله الإهمال الذي أصبح يهدد بسقوطه في أي لحظة. يحاول القائمون علي الموقع أيضاً إكساب هذه المباني بعداً إنسانيا من خلال تتبع قصص بنائها وحكايات مالكيها الذين هجروها. يظهر ذلك في مقالهم عن فيلا فرناند المعروفة أيضاً بفيلا ديليسبس وهي من أهم التحف المعمارية ببورسيعد حيث قام مجدي العدوي مؤسس الموقع بزيارة الفيلا والتقوا بجارة تسكن بجوارها وهي السيدة صافينازالتي أوضحت أن ديليسبس لم يسكن بها وإنما أتي إليها في أكثر من زيارة حيث كان يسكنها بعض المهندسين وتوراثتها الجالية الفرنسية كسكن لأبنائها في بورسعيد وبعد تأميم القناة وخروج معظم الفرنسيين العاملين في هيئه قناة السويس انتقلت ملكيتها إلي السيد لويس طورباي لبناني الجنسية الذي عاش مع زوجته وابنته حتي اشتراها شخص يدعي ميشيل ب 250 ألف جنيه، ميشيل كان رجل أعمال أخذ قرضاً من البنك ب 19 مليون جنيه ثم هرب من مصر، ليقوم بنك السويس بعد ذلك بالحجز علي الفيلا محاولاً إزالتها بشكل تدريجي، حيث نجح في إزالة دورين منها. موقع تاريخ بورسعيد: http://portsaidhistory.net