سيدات الصعيد عرفن الطريق إلى الإنترنت لم يعد استخدام الإنترنت والتدوين كوسيلة تعبير مقصوراً علي الشباب من خريجي الجامعات، فيوماً بعد يوم تكبر دائرة مستخدمي الإنترنت وتنضم قطاعات جديدة إلي فضاء التدوين المصري، وآخر المنضمين إلي ذلك الفضاء النسوة العاملات في الصعيد. التجربة سردتها المدوّنة نادين أبو الدهب علي مدونتها زنزانة، فنادين إلي جانب كونها مدوّنة تعمل كمدربة علي استخدام وسائل الإعلام الجديد بما تشمله من تدريب علي التدوين، إلأمان الرقمي، التصوير الديجتال، وغيرها من وسائل النشر والتعبير علي الإنترنت. تقول نادين أنها طوال عملها تعودت علي فئة محددة من المتدربين وهم الشباب الجامعي الذي بطبيعة الحال يمتلك خلفية معرفية عن استخدام أجهزة الكمبيوتر والإنترنت، لكن الظروف قادت نادين إلي شريحة أخري حينما سافرت إلي محافظة المنيا تحديداً قرية "الداودية" حيث عملت لفترات متقطعة علي مدار عام مع نساء "الدوادية" لتدريبهن علي تقنيات التعبير الرقمي من التدوين بالكتابة وحتي التدوين باستخدام الصور وأفلام الفيديو. تذكر نادين علي مدوّنتها أول مرة التقت بنساء الداودية "الشغف كلمة كنت أقرأها في الروايات لكن عمري ما شفتها، لحد ما رُحت الداودية، معظمهم وصل بالكتير لدبلوم صنايع، وفيه اللي مرحش غير محو أمية، كان جوايا فزع من انهم ميفهموش كلمة اقولها، او انهم يتخضوا من المعدات، لمدة خمس دقايق مكنتش عارفة اقول ايه، غير اني واحدة منهم قالت لي انا نفسي اتصوّر، خلاص هصورك، وقلت لها ممكن انتي كمان تصوريني ؟ خدي الكاميرا دي ويلا ، بدأنا كده".. بعد أول لقاء استمر التواصل بين بنات الداودية ونادين. من خلال الإيميل كانت تصلها باستمرار قصصهن التي كشفت لها عن الواقع المأساوي للمرأة المصرية بداية من نادية التي تحمل "قصعة" الطوب والرمل والزلط، وحتي مديحة التي حجزوا ابنها في المستشفي العام لأنه لم يكن معها ثمن الخياطة والشاش والقطن. جهود نادين تضافرت معها جهود منظمات جمعية بنت الريف، مؤسسة المرأة الجديدة، ومؤسسة أصوات صاعدة، حيث كانت النتيجة إنشاء مدونة "أرزقيات الصعيد.. مدونة تحكي واقع المرأة الريفية" وهي المدوّنة التي تكتب فيها وتحررها مجموعة من نساء قرية الداودية. يحدد المشاركون في تحرير مدونة "أرزقيات الصعيد" الهدف منها بالعمل علي تمكين فئة جديدة من النساء المستبعدات في صعيد مصر، وهم فئة العاملات في سوق العمالة غير الرسمية في المجتمعات الريفية سواء كانت طبيعة أعمالهن ترتبط بالزراعة أو الصناعة الريفية البدائية إضافة للمشتغلات بالعمالة الخطرة، لذلك فمدونة أرزقيات الصعيد، تحكي عن واقع المرأة الريفية، فهي تعد نافذة للتعبير عن مطالب النساء في ريف مصر، تعكس واقع التعليم والصحة والعمل والعمالة الخطرة والزواج وأوضاع النساء الريفيات داخل الأسرة وخارجها، وطفل القرية وغيرها من سمات العيش في الريف. تتنوع التدوينات علي المدونة بين القصص الذاتية لنساء قرية الداودية وبين آرائهن السياسية وتعليقاتهن علي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حيث تكتب واحدة من المدونات ونحن ننقل كتابتها كما هي: "حد يصدق إن بلد القمح ما فيهاش عيش؟! لينا اكتر من سنتين دلوقتي، نطلع كل يوم علي الساعة 6 الصبح نقف في طوابير علي فرن علشان نجيب العيش، وصلنا إلي ان كل اسرة تدفع 2 جنيه كل شهر علشان يوصل عيش لبيوتها، ومافيش فايده بردو، حصة الدقيق ضعيفة ما تقضيش عدد الأهالي، بقينا نروح نزلة حسين والعزب اللي حولينا علشان نجيب عيش الفرن، وفي الأخر إن عطرنا علي العيش نأخد اقل من طلبنا، ويكون محروق ولا غامق، وبنأكله بردو." بينما تفضل أخريات كتابة أحلامهن وقصصهن الخاصة كما تقول إحدي المدونات: "أنا نفسي اكمل تعليمي زي بنات المدينة، لكن بيقولي لازم تطلعي من التعليم وكفاية عليكي تقري وتكتبي لان التعليم بيضر مش بيفيد!!! وبيعرضك لمعاكسة وقلة الادب من الشباب في المدينة، وبنات بتعلم بعضها الحب وكلام فاضي، وتخلي البنت تفتح وتناقش ابوها واهلها ، وكل شيء وكل حاجة تتدخل فيها، ويمسكو سيرتنا علي كل لسان." رغم أهمية مشروع وتجربة مدونة "أرزقيات الصعيد" لكن ربما يكون عيبه الوحيد هو غياب أسماء النساء الكاتبات، فرغم أن المدونة جماعية بمعني أنه يشترك في تحريرها أكثر من واحدة، لكن التدوينات تظهر دون أن يكون واضحاً اسم كاتبتها. مدونة أرزقيات الصعيد: http://orzqyat.wordpress.com/