غيب الموت مساء الثلاثاء الماضي المفكر الجزائري الكبير محمد أركون بعد معاناة مع مرض السرطان حيث كان يتلقي العلاج في واحدة من مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس. ولد الراحل في الجزائر عام 1928، حيث تلقي دراسته الجامعية بكلية الفلسفة، وانتقل بعد ذلك لإكمالها في جامعة السوربون التي عين بها أستاذاً لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة، بعد حصوله علي درجة الدكتوراة. تنقل أركون بين عدد من الجامعات الأوربية كأستاذ للتاريخ الإسلامي وشغل منذ العام 1993 منصب عضو في مجلس إدارة معاهد الدراسات الإسلامية بلندن. صدر له العديد من المؤلفات التي تناولت تاريخ الفكر والحضارة الإسلامية، وترجمت إلي عدد كبير من اللغات، ومن أبرزها "الفكر العربي"، "الإسلام: أصالة وممارسة"، "تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، "الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد"، "العلمنة والدين: الإسلام"، "نزعة الأنسنة في الفكر العربي" وغيرها العديد من المؤلفات الأخري. حصل علي عدة جوائز علي مدار حياته منها: ضابط لواء الشرف، جائزة بالمز الأكاديمية، جائزة ليفي ديلا فيدا لدراسات الشرق الأوسط في كاليفورنيا، دكتوراه شرف من جامعة إكسيتر عام 2002 ، جائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2003. وحسبما يوضح د.نبيل عبد الفتاح فقد تميز مشروع أركون الفكري بعدد من السمات علي رأسه التسلح بالمنجزات الفكرية والعلمية التي ظهرت في مجال العلوم الاجتماعية في القرن العشرين وخاصة مجالات "السوسيولوجيا" و"الانثربيولوجيا" إلي جانب الاطلاع علي الفكر الإسلامي بكافة فروعه من فقه وحديث وتأويل النصوص.. الأمر الذي مكنه من إحداث صدمة مزدوجة في العديد من الدوائر، فعلي المستوي الخارجي كان أركون أحد الشخصيات الرئيسية في العديد من الحوارات السياسية والثقافية الكبري حول الإسلام قبل وبعد 11 سبتمبر، وكان أحد الباحثين الكبار الذين حاولوا تبديد الصورة الاستشراقية عن الإسلام التي توارثها الوعي الغربي عن الكنيسة، وبوفاته سيفقد الإسلام أحد الشخصيات القادرة علي الدفاع عن الأصول والقيم النبيلة في الحضارة والتاريخ الإسلامي. ويضيف: أما علي المستوي الداخلي فقد مثلت أفكار أركون صدمة لبعض الدوائر التقليدية الإسلامية، لأنه كان يقف بعنف ضد أفكار جماعات الإسلام السياسي التي تحاول أن تفرض القناع الديني علي مجموعة من الأراء الشخصية والمصالح الاجتماعية والاقتصادية، حيث كان أركون يفكك بمهارة أطروحات جماعات الإسلام السياسي كاشفاً التناقض بين ما يطروحنه وبين جوهر الحضارة الإسلامية.