الخشت يكشف أسباب تقدم جامعة القاهرة في التصنيفات الدولية    اليوم، اجتماع ل "أمناء الحوار الوطني" لمتابعة تنفيذ توصيات المرحلة الأولى    مجلس أمناء الحوار الوطني يناقش خطة تنفيذ توصيات المرحلة الأولى من الحوار    وفد من جامعة «كوكيشان» اليابانية يتابع الخطة التدريبية للمسعفين    مفتي الجمهورية يهنئ المستشار عبد الراضي صديق برئاسة النيابة الإدارية    الدولة وتطوير مصادر الطاقة المتجددة في مناقشات ثقافة سوهاج    كلنا واحد.. الداخلية توفر أغذية باسعار مخفضة    «المشاط»: تطوير سياسات الاقتصاد الكلي بهدف دفع جهود التنمية وزيادة الاستثمارات في قطاعي الصحة والتعليم وتوطين الصناعة    «إيمان» و«آيات» شقيقتان متطوعتان في «حياة كريمة»: «غيرت حياتنا وبنفيد غيرنا»    وزير الزراعة يؤكد ضرورة التيسير على منتفعي الإصلاح الزراعي وتقنين أوضاعهم    رئيس الوزراء يتفقد مشروع إعادة إحياء حديقة الأزبكية التراثية ومكوناتها    روسيا تحرر بلدة «سوكول» بجمهورية دونيتسك الشعبية    ستارمر: الدفاع والأمن على رأس أولويات الحكومة البريطانية الجديدة    بعد حادثة وفاة مستشارة الرئيس السوري.. معلومات لا تعرفها عن «لونا الشبل»| صور    وزير الشباب ومحافظ الجيزة يفتتحان العديد من المنشآت الرياضية بنادي الطالبية    هل نجح الزمالك في إنهاء أزمة إيقاف القيد ..مصدر يوضح    المصارعون الروس يرفضون المشاركة في الأولمبياد    المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لحداد تاجر في الهيروين بالقناطر الخيرية    بعد فيديو "الغش الجماعي".. التعليم تتوعد بإلغاء امتحان طلاب لجنة كاملة في الثانوية العامة    تأجيل محاكمة المتهمين باختلاس تمثال أثري من المتحف المصري الكبير ل7 أكتوبر    مصرع شخص أسفل حفرة أثناء التنقيب عن الآثار    «غير متزن وسكران».. مصدر خاص يوضح ل«بوابة أخبار اليوم» تفاصيل تعدي حسام حبيب على «شيرين»    إصابة شابين بالرصاص الحي خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في شرق نابلس    «الحزن والضغط النفسي» أسباب وفاة أحمد رفعت .. وخالد تاج الدين يوجه رسالة مؤثرة بعد رحيله    أحدث ظهور ل ياسمين عبد العزيز داخل الجيم..والجمهور: "خسيتي وبقيتي قمرين"    دعاء للأم في ليلة رأس السنة الهجرية    انطلاق أولى حلقات الصالون الثقافي الصيفي بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية    وفاة أحمد رفعت لاعب مودرن سبورت ومنتخب مصر.. احذر أعراض تكشف جلطة القلب    الكشف على 706 مواطنين في قافلة طبية مجانية بقرية الحلفاية بحري بقنا    بعد الانتهاء من المراحل ال3.. «الري»: الرفع المساحي للأحوزة العمرانية ل4200 قرية (تفاصيل)    وفاة عاملان صعقا بالكهرباء داخل مزرعة مواشى بالغربية    السعودية هوليوود الشرق!    أجواء مميزة وطقس معتدل على شواطئ مطروح والحرارة العظمى 29 درجة.. فيديو    رابط نتيجة تنسيق رياض الأطفال بالإسكندرية 2024    جهود التحالف الوطني في الدعم الاجتماعي والصحي خلال أول 6 أشهر من 2024    يورو 2024 - ناجلسمان: تعويض كروس سيكون صعبا.. وأقاوم الدموع    تجميل غرف الكهرباء بحرم جامعة حلوان    بالأسماء، وزير الداخلية يأذن ل 21 مواطنا بالحصول على الجنسيات الأجنبية    عاجل | ننشر أسماء المحكوم عليهم بالإعدام شنقًا في "حرس الثورة"    للاستشارات الهندسية.. بروتوكول تعاون بين جامعتي الإسكندرية والسادات- صور    "مات أحمد رفعت وسيموت آخرون".. مالك دجلة يطالب بإلغاء الدوري وتكريم اللاعب    الاتحاد الأوروبي يرفض قصف وإجلاء المدنيين صباحا ويدعم الاحتلال بالأموال ليلا    حكم صيام أول محرم.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس الوزراء يوجه بالإسراع في تنفيذ مبادرة «100 مليون شجرة»    استمرار غياب بيرسى تاو عن الأهلي في الدوري    لطلاب الثانوية العامة، أفضل مشروبات للتخلص من التوتر    وزير الخارجية: مصر تسعى لدعم دول الجوار الأكثر تضررًا من الأزمة السودانية    ما الحكمة من اعتبار أول شهر المحرم بداية العام الهجري؟ الإفتاء تُجيب    خبيرة فلك: ولادة قمر جديد يبشر برج السرطان بنجاحات عديدة    مصر وسوريا تشددان على الرفض التام لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين.. الرئيس السيسى يؤكد ل"الأسد" مواصلة الجهود الرامية لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية بصورة مستدامة    مفتى الجمهورية: التهنئة بقدوم العام الهجرى مستحبة شرعًا    ماذا يريد الحوار الوطنى من وزارة الصحة؟...توصيات الحوار الوطنى تضع الخطة    الصحة تطمئن على جودة الخدمات المقدمة بمستشفى عين شمس العام    قائد القوات الجوية الأوكرانية: إسقاط 24 مسيرة روسية من طراز شاهد    وفاة اللاعب أحمد رفعت إثر تدهور حالته الصحية    «في الساحل الشمالي».. شوبير يكشف عن أولى صفقات الأهلي (فيديو)    الداخلية الإيرانية: تقدم بزشيكان على جليلي بعد فرز أكثر من نصف الأصوات    احتفالات السنة الهجرية الجديدة 1446 في العراق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في السودان:أزمات متجددة
نشر في أخبار الأدب يوم 04 - 09 - 2010

تبدو أزمة النشر السوداني بأبعادها الثقافية والصناعية والتسويقية واحدة من أكبر الأزمات التي واجهت الكاتب السوداني والناشر السوداني وما تزال تواجههما، فالنشر الذي بدأ في السودان عقب الاستقلال في سنوات الدولة الحديثة والفتية حينها؛ بدا طموحاً ومقترناً بتطلعات النخب المثقفة التي قادت وحققت الاستقلال وبدأت قياد دولتها الفتية، طامحة في تحقيق الطفرات في كافة المجالات الحياتية والمجتمعية والتنموية، هذه النخب السياسوثقافية وهي تؤسس لدولتها الجديدة وضعت لبنات أولي كان يمكن أن تقود مسيرة النشر وصناعة الكتاب في السودان إلي رحاب وضفاف أكثر إشراقاً من ضفة السكون التي يرسو عليها في زمنه الآني. فحكومات ما بعد الاستقلال في نسخها الاشتراكية والمتقلبة ما بين الرأسمالية والاشتراكية وذات الصبغة الإسلاموية؛ كلها حاولت في فترات متباعدة أن تؤسس لدور نشر مؤسسية ترعاها الدولة وتمد أذرعها باتجاه الكتاب والمبدعين والمثقفين، لكن أغلب هذه المحاولات فشلت وقادت في النهاية إلي حالة النشر اللا مؤسسي التي يعاني منها الكاتب والناشر السودانيان الآن. فتلك المحاولات (القديمة) والتي بدت مبشرة (تجربة دار النشر جامعة الخرطوم - مشروع القراءة للجميع - مشروع المليون كتاب) كل التجارب فشلت إما لارتباطها برموز سياسية محددة تذهب بذهابهم أو لسوء الإدارة ولخروجها أصلاً - بعد انقضاء زمن الأحلام - من سلم أولويات الدولة السودانية، التي انشغلت بقضايا واشكالات أخري ورطت نفسها فيها ودفعتها لوضع الثقافة بكل مؤسساتها وثقلها - بما فيها النشر - في خانة التهميش أو النسيان.
إذن وعلي مدار العقود الماضية واجه الكاتب السوداني معضلة أن ينتج كتباً (مسودات) يتعين عليه مراكمتها داخل أدراج المكاتب انتظاراً لزمن تتحقق فيه شروط المقروئية والانتشار اللذين لا يمكن تحققهما إلا بتوافر دور نشر جادة وفاعلة تضع هم طباعة ونشر الكتاب السوداني علي رأس همومها التسويقية والصناعية ومن قبل ذلك الوطنية وهذا ما تحقق ولو بشكل جزئي مع بداية الألفية الجديدة.
تدفق فجائي للكتاب
مع بداية العام 0002 وما يليه من أعوام شهد سوق الكتاب في السودان نشاطاً فجائياً، حيث قُدر ما نشر من كتب خلال عام واحد بأضعاف ما نشر خلال العقود الخمسة التي أعقبت استقلال البلاد، هذا الانفراج الفجائي في سوق النشر يعود في تحققه لعدة عوامل أهمها اتجاهات الدولة الجديدة في منح الثقافة مساحات أكثر مرونة في الحركة بعد تضييق دام لسنوات عاني تبعاته الكُتاب والمثقفون والثقافة السودانية نفسها. عامل آخر ساهم بقدر كبير في هذا البروز الفجائي للكتاب السوداني المنشور داخلياً هو اتجاه الدولة نحو الخصخصة في كافة مؤسساتها ومنح رأس المال الخاص امتيازات كبيرة، مما شجع عدداً من الناشرين (الجدد) للدخول في هذا المجال باختلاف مرجعياتهم ومراميهم وأهدافهم (رجال أعمال، مثقفون، أصحاب خبرة سابقون في مجال النشر)، هذا إضافة إلي عامل آخر مهم تمثل في بروز جيل جديد من الكتاب ساهم في تكوينه التطور التقني الحديث وأوجدته ظروف مختلفة أبعدته عن طرق وأساليب إنتاج الكتاب القديمة، حيث اعتمد هذا الجيل علي تقديم نفسه مباشرة للقارئ دون أي وسائط؛ مستفيداً من (حمي النشر) التي اجتاحت البلاد دون التقيد بأي معايير سوي معايير الربح والخسارة بعيداً عن القيمة العلمية والأدبية، مما راكم كماً هائلاً من الكتب والكتابات الجديدة وأبرز عدداً مهولاً من الكتاب والمبدعين الجدد الذين لا يتوانون عن فعل أي شيء في مقابل نشر أعمالهم.
دور النشر الجديدة
بعد انقضاء موجة النشر الأولي التي استصحبت كل الكتابات المقدمة للدور الجديدة - بغثها وسمينها، انتبه الكتاب والمثقفون السودانيون والمؤسسة الرسمية إلي أخطاء مريعة صاحبت هذا النشر؛ أخطاء أشارت إلي افتقاد هذه الدور الجديدة إلي روح المؤسسية في النشر وإلي انعدام خبرتها في التعامل مع الكتاب (تحريراً وتدقيقاً وصناعة)، وإلي الضبابية التي تسم علاقتها بالكتاب (المنتجين) وبعدد المنشور والمطبوع من كتب (المنتج) وطرق توزيعه داخل السودان وكيفية ترويجه وعرضه داخل البلاد وقصورها في ايصال الكتاب السوداني للقارئي خارج السودان. هذه الأخطاء المتتابعة والمتوالية قادت عدداً من الكتاب إلي التخلص من طبعات كاملة بعد انجازها لهول الأخطاء التي رافقت طباعتها (الروائي يحيي فضل الله نموذجاً)، وإلي أن يعيد البعض قراءة العلاقة التي بدأت تنمو بينهم وبين هذه الدور. فقد اعتمدت أغلب هذه الدور في تنشيط علاقتها بينها وبين الكتاب علي أسلوب الدفع المقدم؛ مستفيدة من تلهف أغلب هؤلاء الكتاب الجدد للنشر، فتحولت الدور بصورة ما إلي وسيط ناقل، يحول المواد الخام (المسودات) إلي المطابع خارج السودان (سوريا - مصر - لبنان) لتطبع في طبعات محدودة لا تتعدي الألف نسخة غالباً وقد لا تصل إلي هذا العدد، هذا التعامل المجحف قاد الكثير من الكتاب إلي البحث عن أساليب وطرق أخري لنشر إنتاجهم سواءً داخل السودان (مبادرات المراكز الثقافية - مركز عبد الكريم ميرغني، مركز الدراسات السودانية، مركز قاف...الخ، المبادارات الشبابية الخاصة من خلال الراوبط والأندية - برانا- نادي القصة السوداني) أو خارج السودان بالتعاقد المباشر مع دور النشر العربية؛ وتلك معضلة أخري واجهت الكاتب السوداني في كيفية ادخال كتابه إلي السودان؛ مواجهاً بمعضلات المصنفات (قضية أخري) ومشاكل الترحيل وتنصل دور النشر العربية من إدخال الكتاب السوداني إلي داخل السودان والاكتفاء بارسال نسخ محدودة للكاتب يعمل علي توزيعها علي أصدقائه مكتفين باحتفالية مصغرة وقراءة محدودة.
أهم دور النشر الآن
العلاقة الملتبسة بين الكاتب ودور النشر وما نتج عنها من مشاكل متعددة قاد عدداً من دور النشر الفاعلة (عزة للنشر - الشريف الأكاديمية - الدار السودانية للكتب - مدارك - مروي بوك شوب.. الخ) إلي محاولة تفعيل المؤسسية في تعاملها مع الكاتب، وذلك بالاستعانة بلجان متخصصة في التحرير والاخراج الفني إلي جانب وضع خيارات واضحة في حال التعاقد ما بين الكاتب ودار النشر، حيث لا تخرج هذه الخيارات عن ثلاثة: تتكفل الدار بكافة عملية النشر وتمنح الكاتب عدداً محدوداً من كتبه لا يتجاوز الخمسين نسخة وهذا الشكل من التعامل نادر جدا. ثانياً أن تدخل الدار في شراكة مع الكاتب علي أن يتم اقتسام نسخ الكتاب بينهما ويتكفل الكاتب بتوزيع نصيبه، الخيار الثالث والأخير أن يتكفل الكاتب بكل المنصرفات المادية وما علي الدار إلا تسليمه الكاتب وهو منتهٍ وجاهز للتوزيع.
هذا الحضور (المرتبك) لدور النشر السودانية الجديدة وما تعانيه من اشكالات ومضايقات يجهر بها اصحاب هذه الدور، مثل الأدوار الرقابية المتصاعدة لمجلس المصنفات الأدبية وارتفاع مُدخلات الطباعة - في حالة الطباعة داخل السودان - وارتفاع تكاليف النقل في حالة الطباعة بالبلدان العربية الأخري أو في حالة محاولة المشاركة في المعارض الخارجية، إضافة إلي كساد سوق الكتب وعدم رواجها في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة بالسودان مما أوجد حيلاً جديدة مثل ظهور قراصنة الكتاب، والاهم عدم الالتفات وانعدام الاهتمام والرعاية الرسمية بالكتاب (اختفاء معارض الكتاب واهمال مدخلات الطباعة أو دعمها)، كل هذه الظروف المحبطة تجعل هذه الدور (الخاصة) تبدو وكأنها ترتد في كل مرة خائبة إلي ذات نقطة الانطلاق الأولي، غائصة وغارقة في ذات مشاكلها آنفة الذكر آخذة معها الكاتب في رحلة توهان يبدو الانفكاك منها في ظل ابتعاد الدولة ومؤسسات الثقافة الرسمية أشبه بالمستحيل.
خيارات أخري للنشر
في محاولة للافلات من دوامة التخبط التي تلف مشاريع النشر بالبلاد لجأت بعض مؤسسات الثقافة الأهلية والرسمية إلي ابتكار مشاريع متنوعة تسهم في دفع حركية النشر بالبلاد، فعلي سبيل المثال اسهم مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي من خلال مشروعيه في الترجمة ومسابقة الطيب صالح للإبداع الروائي؛ في رفد المكتبة السودانية بالكثير من الاعمال الأدبية الجديدة سواء في الرواية أو الترجمة أو الحقول المجاورة، كما نجد مركزاً آخر هو مركز الدراسات السودانية قد أخرج في السنوات الأخيرة عدداً كبيراً من الدراسات والبحوث والكتب الثقافية والعلمية والأدبية، إلي جانب بعض المؤسسات الرسمية مثل مؤسسة الخرطوم للنشر، ومنظمات مثل أروقة للثقافة والفنون والمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون وغيرها من المؤسسات الرسمية والأهلية التي تحاول اجتراح وسائل لعلاج أزمة النشر المستفحلة بالبلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.