قطعنا شوطا في ملف "قضايا الترجمة". في الأعداد السابقة قدمنا ما يشبه النظرة العامة علي أبرز المشاكل، عبر تحقيقات موسعة مع القائمين علي الجهات الرسمية المختصة في مصر، عرضنا أبرز المعوقات التي كان أهمها العشوائية وغياب التنسيق التي تجعل المؤسسات كالجزر المنعزلة. ونستكمل في هذا العدد وفي الأعداد القادمة حواراتنا مع المترجمين أحد الأضلاع الأساسية في عملية الترجمة، من أجل قراءة أكثر دقة، وأيضا كمحاولة للبحث عن حلول. هنا يتحدث المترجم علاء الدين محمود أستاذ الأدب المقيم في الكويت عن تجربته مع مؤسسات الترجمة في مصر والعالم العربي، يتحدث عن الرقابة، ودور مؤسسات دعم الترجمة، وتأثير الأحداث السياسية علي حركة الترجمة. في ترجمة كتاب "ماذا تتوقعين عندما تكونين حاملاً" (لكن للأسف لم ير الناشر وقتذاك ضرورة لنشر أسماء المترجمين) أن إدارة النشر السعودية اعترضت مثلاً علي فقرات كاملة بخصوص تدخين المرأة الحامل أو ممارسة الجنس، بل وصل الأمر إلي اعتراض إدارة النشر تلك علي لفظ "الكريسماس" أو "الكنيسة" والاصرار علي استبدالها بكلمة "أحد الأعياد" أو "دار عبادة" كأنها أشياء لا وجود لها علي أرض الواقع! من عملي في الترجمة بتّ أدرك أن المترجم لابد أن يكون ملمًا بقدر لا بأس به من المعرفة القانونية لأنه قد يتعرض للمساءلة القانونية من حيث لا يدري لسبب أو لآخر. هذا أمر متوقع وقد حدث معي ذات مرة. طلبت مني دار سطور ترجمة كتاب رائع عما يسمي بتمويل الإرهاب وعلاقة الجماعات الإسلامية الجهادية بالعمل الخيري الإسلامي. أنجزت ترجمة الكتاب لاكتشف أن أحد الأشخاص الذين ورد ذكرهم في الكتاب (وهو رجل أعمال سعودي بارز) قد رفع قضية تشهير ضد ناشر الكتاب الأصلي في بريطانيا وقد كسب القضية. بناء علي ذلك الحكم الذي صدر لصالح رجل الأعمال السعودي، صار الكتاب ممنوعًا من التداول وأزيلت كل نسخه من علي أرفف المكتبات في جميع أماكن توزيعه، وصار بذلك نشر النسخة المترجمة من الكتاب غير ممكن والآن الكتاب حبيس أحد الأدراج بمكتبي. -ما هي المجالات التي تري أنها لا تجد اهتماما كافيا من المؤسسات القائمة علي دعم ونشر الترجمة؟ كانت إحدي أساتذتي وهي مترجمة كبيرة وقديرة تخبرنا أن من بين أهم أسباب تخبط نشر الكتب المترجمة في العالم العربي عدم وجود ببليوغرافيات شاملة ومحدثة مخصصة للأعمال المترجمة فقط بحيث يطلع عليها المترجم والناشر العربي حتي تُعرف الإصدارات المترجمة ويتم تفادي تكرار الترجمات سواء في البلد الواحد أو في بلدان عربية مختلفة. أري أنه لابد أن يكون هناك تنسيق بين ما يُدرس في الجامعات مثلاً ونشر الكتاب المترجم. لا ينبغي أن يكون هناك تباعد بين الجامعة والمؤسسات الحكومية الداعمة لنشر الكتاب المترجم. هناك أيضًا العلاقة بين المؤسسات البحثية والمؤسسات الحكومية المنوط بها دعم الترجمة. لدينا الكثير والكثير من الكتب المفيدة للغاية لطلاب الجامعات والباحثين لكنها للأسف لن تجد طريقها للنور بسبب الخصومة غير المبررة إن جاز التعبير بين المثقفين وبين الجامعة ومراكز البحث كما ذكرت. الطرف الثالث غير الموجود في المعادلة هو جمهور القراء العادي وغير المتخصص. ليس عيبًا أن تنشر مؤسسات دعم الترجمة الحكومية الروايات والكتب التي يحتمل أن تلقي رواجًا وسط القراء العاديين. ما العيب في أن ينشر المركز القومي للترجمة كتب المساعدة الذاتية مثلاً؟ لابد أن يتخلي القائمون علي دعم الترجمة عن تعريفهم للثقافة بأنها تقتصر فقط علي مل يسمي ب"الثقافة الرفيعة". كتب الطهي ورعاية الطفل واعملها بنفسكDIY وغيرها كتب محترمة أيضًا ومترجموها ليسوا أقل احترامًا أو احترافية من مترجمي ماركس أو دريدا في نهاية الأمر. لماذا الإصرار علي دعم ونشر الكتب ذات الطابع "المثقفيني" وكأن جميع إصدارات مؤسسات دعم الترجمة لابد أن تتوجه للقاريء الذي يطلق عليه "المثقف" دون غيره؟ -هناك إشارة في سيرتك الذاتية المنشورة علي ترجمتك لكتابك "عصور نهضة أخري" إلي وجود عدد من الروايات والكتب التي لم تنشر بعد، ما هي هذه الكتب وما هي أسباب عدم نشرها؟ ترجمت كتابًا مهمًا وشائقًا بعنوان "خط سكة حديد الحجاز" منذ حوالي 10 سنوات وإلي الآن لم يُنشر! كان من المفترض أن تنشره دار "التراث" بالرياض. لسبب لا أعرفه تحولت الدار إلي مؤسسة التراث الخيرية ويبدو أنها تخلت عن رغبتها في نشر الكتب رغم أنهم أخبروني عندما راسلتهم بأنه ليس أمامي خيار سوي الانتظار! ورغم أنني تقاضيت أجري كاملاً نظير ترجمة الكتاب منذ أوائل 2005، لكنني لا زلت لا أفهم السبب الذي يحول دون نشر الكتاب. ترجمت كتابين ضمن سلسلة "مقدمات قصيرة جدًا" هما كتاب "فوكو" و"الأسطورة المصرية القديمة"، وكان يفترض أن يصدرا عن دار الشروق المصرية (ضمن مشروع "كلمة"). أيضًا تقاضيت أجري مقابل ترجمة الكتابين منذ 6 سنوات تقريبًا، وظللت أراسل المسئولين عن النشر بالشروق الذين تغيروا الواحد تلو الآخر ولم يُنشر الكتابان حتي الآن. هناك رواية كلفتني إدارة دار سطور بترجمتها بعنوان "عِش حياتك" لنادين جورديمر، وأنجزت ترجمتها في 2009، وتم تأجيل نشرها إلي أن قامت ثورة 25 يناير. وقتها اعتذرت الدار عن النشر. توجهت بعد ذلك، إلي سلسلة الجوائز بالهيئة العامة للكتاب التي تديرها الأستاذة سهير المصادفة التي تحمست لنشر الرواية، وواجهنا صعوبة كبيرة في الوصول إلي حقوق الترجمة، لكن للأسف بعد وصولي إلي الوكيل الأدبي للروائية والذي يملك حقوق الترجمة إلي العربية، طلب الوكيل مبلغًا من المال أكثر بكثير من المبلغ الذي تعتمده الهيئة لحقوق ترجمة الروايات في السلسلة. -كمراقب لحركة النشر والترجمة، هل تري أن هناك تراجعا في حركة الترجمة نتيجة الأحداث السياسية في السنوات الأخيرة؟ هذا مما لاشك فيه. لكن لا ينبغي اختزال أسباب ذلك في "الأحداث السياسية" دون الخوض في التفاصيل. للقيادات السياسية في مصر والبلدان العربية دور أصيل لا يمكن إغفاله في تقوية حركة الترجمة أو إضعافها. سأحكي عن تجربة حصلت معي عندما ترجمت كتابي الأول "بلزوني في مصر" والذي كان يُفترض أن يُنشر ضمن مشروع الألف كتاب الثاني، لكن تعطل الكتاب لسنوات بسبب ما قيل لي وقتها إنه أزمة ورق الطباعة الذي كانت أولوية توفيره لمشروع "القراءة للجميع". قررت وبشيء أشبه بالمعجزة وبمساعدة الدكتور العزيز الراحل أحمد مستجير (الذي كان يعمل مستشارًا في إحدي اللجان العلمية بالمجلس الأعلي للثقافة قبل أن ينفصل عنه المركز القومي للترجمة) أن آخذ الكتاب من الهيئة العامة للكتاب لينشره المجلس الأعلي للثقافة في حوالي 3 شهور فقط، فقط لأن زوجة الرئيس كانت تريد إقامة احتفال بترجمة الألف كتاب الأولي من إصدار المجلس في أواخر 2004، ونتيجة لذلك رُصدت اعتمادات مالية ضخمة وغير مسبوقة لتحقيق ذلك. لحسن حظي طبعًا خرج كتابي للنور وكان رقمه من بين الألف كتاب 992. للأسف القيادات السياسية التي أعقبت مبارك لم تولِ الترجمة والنشر بوجه عام أي اهتمام لانشغالها بأمور أخري كانت تري أنها أكثر أهمية بكثير. هناك شيء آخر وهو انشغال الجمهور والمثقفين سواء القراء أو الناشرين والذين كان لعدد كبير منهم دور أساسي في الثورة كمشاركين فيها بأحداث الثورة نفسها والصراعات السياسية، حتي أن حركة النشر نفسها صارت تركز بشكل ربما مبالغ فيه علي الثورة. -من هو بول لورنس دنبار؟ ولماذا اخترته في رسالة الدكتوراة مع عبد الله النديم؟ بول لورنس دنبار شاعر أفريقي-أمريكي عاش في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وهو من الشعراء السود المهمين لأن إنتاجه الشعري يمثل إرهاصًا لشعر نهضة هارلم الشهيرة التي كان لانجستونهيوزوكاونتي كَلِن وكلود ماكاي من شعرائها البارزين. لفترة كبيرة من حياته القصيرة، كان دنبار معاصرًا لعبد الله النديم. أثبتّ في رسالتي للدكتوراه أن شعر عبد الله النديم (الذي قمت بجمعه في ديوان كامل لأن دواوين شعر النديم مفقودة) يمثل كذلك إرهاصًا لشعر النهضة العربية التي كان أحمد شوقي وحافظ إبراهيم واسماعيل صبري وبيرم التونسي من أعلامها. هناك أوجه تشابه بين دنبار والنديم من أهمها جمع الشاعرين بين الكتابة بالفصحي والعامية في حالة النديم أو الإنجليزية الفصيحة وإنجليزية السود في حالة دنبار، وربطت ذلك بما يعنيه ذلك في سياق كلٍ من نهضة هارلم الأمريكية والنهضة العربية الحديثة في مصر. -كيف يسير مشروع الأعمال الكاملة لعبد الله النديم؟ أعكف حاليًا علي الانتهاء من كتابة مقدمة طويلة لديوان عبد الله النديم الذي سوف يُنشر للمرة الأولي منذ وفاته في 1896. أخطط أن يكون هذا الديوان هو الجزء الأول ضمن جزئين؛ وسوف أخصص الجزء الآخر لكتابات النديم النثرية مثل رسائله ومقالاته الأولي التي نشرها في الصحف المصرية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر مثل صحيفة "المحروسة" و"مصر" وغيرها من الصحف، وهي المقالات التي سوف تنشر لأول مرة أيضًا.