باموك في الوقت التي تمر فيه تركيا بأحداث متقلبة تتصدر نشرات الأخبار العالمية، كان "أورهان باموك" الحاصل علي "نوبل" يكتب رواية ، رصد من خلالها حياة بائع متجول- ذلك حسب ما جاء في التقرير المنشور في هافنجتون بوست -في خضم كل ما يجري علي أرض "تركيا" الوقت الحالي، الرواية تحمل عنوان " غربة في عقلي"، تشرح بالتفصيل كيف انتهي الحال بهذا البائع البسيط أن يعيش بعيدا عن مسقط رأسه، من هم أصدقاؤه؟ وهل هو رجل محب لوطنه؟ أم رب عائلة؟ أم رأسمالي؟ في مخيلة "أورهان باموك" الإجابة علي تلك الأسئلة تمثل حجر الزاوية في الرواية الحقيقية لتركيا في الوقت الحالي: محاولة رجل تغيير مصيره ليصبح حكاية هجرة جماعية، عروسه المخطوفة حكاية حب شوهتها الأعراف التقليدية، حروب العصابات في الحي المقيم به حكاية عن التوترات العرقية والإرهاب الداخلي. الرواية تحكي كل ما يمكن تواجده في محبوبته "اسطنبول"، تجمع بين سيرة حياة، وعبرة التاريخ التركي، استغرق في كتابتها ثماني سنوات، طبقا لباموك، بدأها كرواية قصيرة، تطورت إلي ملحمة، نتاج العقل الموسوس الغريب يعلن عنه عنوانها "غربة في عقلي"، انها لا تشير إلي "باموك" مباشرة، أو إلي أنها جملة من صياغته، والمصدر هو لقصيدة "لويليام وردوورث" اقتبسها من بداية كتاب يقول فيه: راودتني أفكار كئيبة، غربة في عقلي، إحساس أنني لم أكن لتلك الساعة، ولا لذلك المكان. فهي تجسد الشعور بالوحدة لشخص يعيش بين ملايين الأغراب، وحيد مع خيال مغذي ومكبل بكل ما يحيط به من مدنية متحضرة، كما تكشف الرواية أن هناك الكثير من أوجه التشابه بين "باموك" والشخصية الرئيسية بالرواية" ميفليت"الذي يصحبنا معه طوال أربعة عقود بداية من 1969 حتي 2012 تماما مثلما اصطحب"ووردوورث" قراءة عبر مشهد متنافر في القرن التاسع عشر بكامبريدج، "ميلفيت" في المقابل، عوالمه بعيدة عن "باموك" وخلفيته التابعة للطبقة فوق المتوسطة: فتي القرية القادم من وسط الأناضول في أسطنبول، حين كان في الثانية عشرة، ليساعد والده في بيع اللبن الزبادي بمدينة تتوسع بسرعة كبيرة، ثم بعد ذلك في بيع البوظة التي لم تستطع استعادة الشعبية التي كانت عليها في العهد العثماني، أحد الأسباب العديدة التي جعلت من "ميلفت" ألا يكون لتلك الساعة أو لذلك المكان، أي شخص يعرف أن يصل »باموك« مر علي تلك الشوارع من قبل، وإن كان ذلك من خلال وجهات نظر الشخصيات الأخري، غرابة العنوان هي حقيقة "ميلفيت"، و"باموك"، وكل رقعة ممتدة، إنها لقطات لوحدة قاطني مدينة محاطين بملايين الغرباء، وانفراد بالخيال غذته وكبلته المدنية المحيطة. رحلة "ميفليت" بمثابة هدية لشخص انتقل للمدينة وبعد سنوات تساءل عما كانت عليه من قبل، وما الذي حل ذلك البرج الضخم مكانه؟ وما الذي تم تدميره لرصف ذلك الطريق؟ ولماذا في تلك المنطقة يعيش الأكراد القادمون من شرق البلاد، أو القرويون المحافظون من قلب الأناضول؟. رؤية أخبار هجمات السبت قبل الماضي تبين كيف لم تتغير اتجاهات الخطأ، و"باموك" لم يتنبأ، إنها مجرد تذكرة، وهي ليست رواية سياسية متعمدة، واذا كانت بها رسالة سياسية، فهي أن علي "تركيا" أن تتعرف علي ما بها من مسّلمات وليس ما بها من خلافات.