علي ضفاف بحيرة قارون بالفيوم لمحت هذا الصياد يقف علي الشاطئ ينظف شبكته .. أعجبني منظر الشبكه الممتد من أسفل الفلوكة وأمام الصياد وهو يهزها لإسقاط العالق من بقايا الأسماك والعشب - تجاذبت معه أطراف الحديث فأخبرني أن حصيلة ليلة الصيد لم تتجاوز خمسة كيلوات من الأسماك الصغيره وأن حصيلة بيعها ربما لن تكفي لإشباع عائلته وإصلاح الشباك ومع ذلك كان إيمانه قويا حيث أخبرني أن غدا سيكون أفضل .. والرزق علي الله.. كانت هذه واحدة من الحكايات التي رواها لي الفنان جلال المسيري.. ضمن حكايات كثيرة خفية وراء كل صورة فوتوغرافية يلتقطها .. بعضها أخبرني به وبعضها فضل أن يترك الصورة تثير فضولي. يقول الفنان: علي شاطئ بحيرة البرلس بكفر الشيخ مثلا شاهدت تلك الفلوكة المهملة ممددة علي الشاطئ محاطة بالأحجار والنباتات الشيطانية فأحسست أنها لسيدة عجوز تركها أبناؤها تنهش فيها الشيخوخة والأمراض بعد أن أعطتهم شبابها وصحتها . وإذا كانت تلك المشاهد الملهمة قد أسرت انتباه الفنان المهندس جلال المسيري لاقتطاعها من المشهد الكلي الواقعي في لوحات فوتوغرافية بديعة، فإن تلك الأعمال الفوتوغرافية ألهمت الفنانة سماح إمام لإعادة تقديمها برؤيتها الفنية من خلال وسيط فني وخامة مختلفة، ليقدماها معا في معرض مشترك تحت عنون "فلوكة". وتقوم فكرة معرض فلوكة الذي استضافه المركز المصري للتعاون الثقافي الدولي مؤخرا علي أساس تكامل الفنون وتقديم العمل ذاته من خلال عدسة فوتوغرافي وفنانة تشكيلية باختيار صور متنوعة عن الفلوكة من جميع أنحاء مصر منها القاهرة والإسكندرية وأسوان والمنصورة ودمياط ورشيد والبرلس والفيوم.. يقول الفنان جلال المسيري: بدأت الفكرة منذ عامين عندما التقيت بسماح في معرض مرور 50 سنة علي إنشاء السد العالي وكانت مشاركة بعمل عن الفلوكة وعرضت عليها أن أرسل لها نماذج من صوري عن الفلوكة والتي التقطتها علي مدار عشر سنوات من خلال تجوالي بين محافظات مصر واختارت منها حوالي 20 عملا وبدأت في عمل اللوحات متخذه من الصور الفوتوغرافية مصدر اللوحة مع إضافة تصورها وفكرها في العمل . وعن تلك التجربة تقول الفنانة سماح : كان هذا المعرض هو الرد علي من يقولون إن الفنان لا يستطيع أن يرسم من صورة فوتوغرافية فقط ، وأنا عادة ما اعتمد فقط علي الأوت لاين مع تغيير الألوان تماما .. وقد ترك لي الفنان جلال المسيري حرية اختيار الصور وقد حرصت علي التنوع قدر المستطاع بحيث يتضمن المعرض شخصية الصياد والفلوكة والفلوكة المكسورة والأطفال الذين يلعبون بتسلق الساري .. وخلال المعرض كانت كل صورة فوتوغرافية معروضة بجوار اللوحة الزيتية التي قدمتها الفنانة سماح حيث اعتمدت في لوحاتها علي الزيت عدا لوحة واحدة قدمتها بخامة الإكريلك، كما قام الفنانان بالاشتراك في عمل واحد مزج ما بين التصوير الفوتوغرافي و التصوير الزيتي حيث تمت طباعة الصورة الفوتوغرافية علي قماش كنفاس بمقاس كبير ثم قامت الفنانة باستكمال الصورة بالرسم بالزيت ليحمل العمل في النهاية رؤية فنية مشتركة تعكس تكامل الفنون. ويعتبر هذا المعرض رقم 109 للفنان جلال المسيري عبر مسيره 11 عاما مع التصوير الفوتوغرافي نال فيها أكثر من 37 جائزة دولية وعربية ومحلية ، كما شاركت الفنانة سماح إمام في أكثر من 25 معرضا جماعيا ، ولها تجربة وحيدة في العرض الفردي، وهو المعرض الذي أقامته بمستشفي الأطفال 57357 لمدة يوم واحد ، حيث قامت برسم صور واقعية تم التقاطها داخل المستشفي، لتحولها من خلال رؤيتها الفنية واستخدام الألوان المبهجة إلي لوحات بديعة تعكس روح الأطفال وقدرتهم علي تحويل حياتهم التي تبدو كئيبة إلي طاقة مفعمة بالسعادة.