وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان بقرية بخانس    فعاليات وعروض غنائية بشرم الشيخ فى «يوم السياحة العالمى»    السفارة المصرية في بيروت تطالب المصريين بلبنان الراغبين بالعودة بتسجيل بياناتهم    وزير الخارجية يشدد على الرفض الكامل لأن تكون هناك دولة فوق القانون    خبير تحكيمي: ضربة جزاء الأهلي صحيحة والشحات يستحق الطرد    عضو الزمالك عن التتويج بالسوبر الإفريقي: رد على المشككين    شيكابالا: ما قيل عنا في الإعلام أعطانا الدافع للفوز.. الواحد منا بعشرين    جوميز: الزمالك يستحق التتويج بالسوبر.. والفوز على الأهلي له بريق خاص    زيزو: الزمالك كبير وعيب ما يقال.. ورسالة لكل من قلل منا    الزمالك يشكر تركي آل الشيخ على مكافأة السوبر    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    خناقة ستات.. مقتل شاب على يد جاره بالمطرية    أحمد عزمي يكشف كواليس استغاثته بزملائه للحصول على عمل في «صاحبة السعادة»    توقعات الفلك وحظك اليوم| برج الجدي السبت 28 سبتمبر    صحة المنوفية: قافلة طبية مجانية على مدار يومين بقرية دكما بشبين الكوم    موسم الرياض يكافيء الزمالك ب 1،5 مليون دولار بعد فوزه بالسوبر الأفريقي    عيار 21 الآن يسجل تراجعا جديدا.. أسعار الذهب اليوم السبت «بيع وشراء» في مصر بالمصنعية    جيش الاحتلال: سنوجه ضربات جديدة لمبانٍ استراتيجية تابعة لحزب الله    «هتشوفوا الصيف والشتا».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم السبت (تفاصيل)    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    «زى النهارده».. وفاة الزعيم عبدالناصر 28 سبتمبر 1970    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    أول تعليق من أحمد العوضي بشأن تعرضه لوعكة صحية    "أحلى فرحة في الكون".. عمرو سلامة يحتفل بفوز الزمالك بكأس السوبر من لوس أنجلوس    حظ أوفر للأهلي.. أول تعليق من تركي آل الشيخ على تتويج الزمالك بالسوبر الأفريقي    «زي النهارده».. وفاة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس 28 سبتمبر 1989    مجلس بلدية صيدا بلبنان: آلاف النازحين يفترشون الطرقات ولا يجدون مأوى    برج الدلو.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: علاقة سابقة تسبب لك مشكلات    عباس شراقي يُحذر: سد النهضة قد ينفجر في أي لحظة    إضاءة أهرامات الجيزة وتمثال أبوالهول احتفالا باليوم العالمي للسياحة    وزير الخارجية: من غير المقبول إفلات دولة ترى نفسها فوق القانون من العقاب    حماس تندد بخطاب نتنياهو في الأمم المتحدة    إصابة طفلة بحروق نتيجة صعق كهربي بالواحات البحرية    حادث غامض.. سقوط طفلين من سيارة بالطريق السريع في العياط    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    جامعة كفر الشيخ تستعد لاستقبال طلابها في العام الجامعي الجديد    «مياه مطروح» تنظم الندوة التوعوية الثانية بالمسجد الكبير    افتتاح المسجد الكبير بقرية «التفتيش» في سيدي سالم    الوزارة فى الميدان    العمل والإتحاد الأوروبي يبحثان إعداد دليل تصنيف مهني يتماشى مع متغيرات الأسواق    القاهرة الإخبارية: أعداد النازحين إلى بيروت تتغير بين ساعة وأخرى    "الصحة" تطلق تطبيقًا لعرض أماكن بيع الأدوية وبدائلها    جراحة عاجلة للدعم فى «الحوار الوطنى»    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    سياسية المصرى الديمقراطى: نحن أمام حرب إبادة فى غزة والضفة    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    استشاري تغذية: الدهون الصحية تساعد الجسم على الاحتفاظ بدرجة حرارته في الشتاء    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    محافظ أسوان يؤدي صلاة الغائب على شهيد الواجب معاون مباحث كوم أمبو    محافظ الفيوم يعلن نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طامية المركزي    بدء تطبيق المواعيد الشتوية لغلق المحلات.. الحد الأقصى العاشرة مساءً.. زيادة ساعة يومي الخميس والجمعة.. وهذه عقوبة المخالف    بلغة الإشارة.. انطلاق النسخة الثانية من ماراثون يوم الصم العالمي بالإسكندرية (صور)    رئيس الرعاية الصحية والمدير الإقليمي للوكالة الفرنسية يبحثان مستجدات منحة دعم التأمين الشامل    غلق الدائري من الاتجاه القادم من المنيب تجاه المريوطية 30 يوما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجليات "القناة" في شعر العامية
قراءة في أعمال شعراء السويس .. الإسماعيلية .. وبور سعيد
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 10 - 2015

يظل البحث عن مفردة في في الشعر بمثابة اللعبة الخطرة، لأنها قد توقع الباحث في خضم بحر واسع متلاطم الأمواج دون الوصول إلي بر يأمن إليه، لكن علي قدر الخطورة تكمن المتعة حينما تتكشف العلاقات التي تجتذبها تلك المفردة وعلائقها التاريخية أو الجمالية أو حين تتصدر السياقات الشعرية في أغنية أو زجل أو قصيدة، أو عندما تذوب في النص لتأتي صراحة أو ضمنا، وهل "القناة / القنال / الكنال" مجرد مفردة علي الواحد تتبعها، أم مكان له تعينه وتاريخه وبشره وأيقونته، أم عالم تتعالق به مجموعة من الحقول الدالة (تصورات ما قبل الاستعمار الحلم الجدود الطموح الاستبداد الاستغلال السخرة المكان التاريخ النضال الحروب الأثر البشر الطبوغرافية السلطة الإدارة الاتصال بالعالم الخارجي العالم الداخلي الخاص الحاضر المستقبل...إلخ) وإذا تتبعنا مايتعلق بهذه المفردة التي تفتح أفقا بحثيا مهما متصلا بدورة حياة القناة بداية من المشروعات والأحلام التاريخية مرورا بالحفر والسخرة ووصلا بالتأميم والحروب التي مرت علي المنطقة وانتهاء بحاضرها ومستقبلها، بل بمستقبل البشر الذين يعيشون عليها سنجد أنفسنا أمام سراديب متصلة لم يقم الشعر بمتابعتها ورصدها بشكل يليق بالحدث التاريخي / الجغرافي / السكاني المهم، وظني أن النماذج المقدمة للدراسة هي ما توافرت لدي علينا استكمال تجلي القناة في شعر العامية بشكل عام وهي في كل الأحوال ليست دالة بشكل كاف، لكنها تصلح كعينة ممثلة لعدد من الشعراء الذين ينتمون مكانيا لمنطقة القناة.
تتحلق هذه الدراسة حول مجموعة من نصوص الشعر الذي يتوسل بالعامية كلغة، ويتوزع من حيث النوع في ثلاثة أنواع هي : شعر الغناء القصيدة الزجل، وقد آثرنا ضم الزجل لقلة قصائده إلي الأغنية.
وينطق هذا الرصد عن عدة ملاحظات جديرة بالنظر لعل منها :
إن السويس تمثلها 28 قصيدة في الإطار المغني يستقل كابتن غزالي ب 26 منها، بينما يشارك كامل عيد رمضان باثنتين، أما بورسعيد فتشارك ب 13 قصيدة، منها سبع قصائد للشاعر كامل عيد وحده، وواحدة مجهولة المؤلف سوف نستبعدها من الدراسة لكونها تنتمي إلي الشعر الشعبي، بينما تأتي مساهمة الإسماعيلية ب 8 قصائد منها ست قصائد لحافظ الصادق» .1«
تعكس هذه التمثيلات بروزا في مشاركة ثلاثة شعراء هم : كابتن غزالي (السويس) كامل عيد رمضان (بورسعيد) حافظ الصادق (الإسماعيلية)
إن الشعراء الثلاثة ينتمون، بل هم قواد فرق منظمة تواصل غناءها بين الجنود في مواقع حربية مع أفراد القوات المسلحة ومع قوات الدفاع الشعبي، فكابتن غزالي هو قائد فرقة أولاد الأرض وكامل عيد قائد شباب النصر وحافظ الصادق قائد فرقة الصامدين، لاحظ دلالة كل اسم، كما أن كل شاعر منهم له كتاب يضم أشعار التجربة، بينما لم يقدر للشعراء الآخرين جمع شعرهم في كتاب، وربما لأن عددها أقل من أن يطبع في كتاب مستقل.
إن هذه الأشعار أنتجت لتغني، أو هي مساهمة اجتماعية /سياسية للمشاركة في المقاومة عبر وسيط الغناء وهو ما يعكس إيمان هؤلاء الشعراء بدور الشعر في المجتمع، للدرجة التي وصل فيها بعض هذا الشعر ليصطبغ بالشعبية، أي أنه يعد شعرا شعبيا ينتمي للجماعة التي آمنت به وصدقت عليه وأدخلته ضمن ملكيتها رغم تصدر اسم الشاعر عليه، وقضية شعبية النصوص الشعرية في منطقة القناة بحاجة إلي درس ميداني يكون دوره التنقيب عن النصوص، ودراسة حفظة ونقلة هذه النصوص ليظهر لنا قدر التواتر الذي يتحرك فيه كل نص ومدي إيمانات الجماعة الشعبية به .وتمنحنا هذه المجموعة من القصائد عددا من الإشارات الدالة منها:
عرج الشعراء علي القناة كفكرة في التاريخ قبل حفرها الفعلي كما في قصيدة الراحل محمد رشاد، ورمضان سنوسي، بينما أشار بعض الشعراء إلي مشروع دليسبس لحفر القناة مشيرين إلي السخرة وما حدث للمصريين من إهانات واستبداد وتسخير دون مراعاة لإنسانيتهم، وهو ما نلمحه في قصائد : خالد الكيلاني محمد عبد القادر - عبد الناصر
حجازي، بينما يزيد عدد القصائد المتعلقة بتأميم القناة وتنتشر المجتزأت التي تتعلق بهذا الأمر لنجدها في قصائد : كابتن غزالي ،كامل عيد، محمد أبو يوسف ، سيدة أحمد الشولي، بينما تجوب باقي القصائد علاقة القناة بالحروب، فضلا عن الوصف والامتداح، أو التشكيل الجمالي بحيث تصبح القناة ضمن بنية النص، أي في عمقه لا علي سطحه، وهو ما تؤكده قصائد : محمد عبد القادر، شوقي عبد الوهاب ، عبد الناصر حجازي، مدحت منير.
إن معظم الكتابات (قصائد أزجال - أغان) تتباهي بالمباشرة التي تصل عند البعض لدرجة التسطيح، ويبدو أن الأحداث المتعلقة بالقناة ومادار حولها وفيها من حروب ومقاومة لم تكن ترضي بالتقنع بالرمز، لكنها آثرت المواجهة عبر الكلمة المباشرة التي اعتمدت علي الغناء لتضمن سرعة وصولها وتواترها، وكذا تحقيق الهدف منها بوصف الكلمة رصاصة تعرف الهدف ولا تلجأ للتشفير أو ارتداء أقنعة الرمز، ولا يعني هذا أن هذه القصائد تأتي خلوا من رموز، فقد استخدم الشعراء الرمز بشكل "بسيط" وغير مركب أو متداخل إذا يلجأ الشاعر إلي إيراد الرمز ليوفر علي نفسه وعلي مستمعيه الشروح والفضفضات القولية التي قد تثقل النص، فتعبيره يقوم علي التوصيل المباشر وحصيلة التفريغ لابد أن تتكافأ مع حصيلة شحن المتلقي".»2«
تتخذ القصائد أشكالا وتتوسل بطرائق صياغية تتفاوت من شاعر لآخر، فجيل الرواد يراوحون بين الكتابة عبر الأشكال التقليدية التي تتوجه للغناء كما نلمح عند كابتن غزالي وكامل عيد وحافظ الصادق، بينما تتفعل القصيدة لتجتذب عوالم ومفردات تتسع لأبعد من المباشرة عند الشعراء الذين جاءوا بعد جيل الرواد كما نجد عند محمد عبد القادر- كامل عيد رمضان وشوقي عبد الوهاب وعبد الناصر حجازي، ومدحت منير الذي يخرج متمردا علي الانتظام الكمي للعروض فيكتب قصيدة النثر ليعلي من شأن التفاصيل، ويدخلنا إلي الذات التي تتعين في المكان ويكاشف علاقته بالقناة ليس بوصفها مفردة، بل بوصفها عالما يسكنه لا يقبع خارجه.
أولا : حلم الحفر وتسخير المصريين
ينهي الشاعر الراحل محمد رشاد قصيدته "الإسماعيلية كمان وكمان" رافضا التاريخ الحديث للقناة، متسائلا لماذا يتم تسجيل هذا التاريخ
القريب مع أن تاريخها قديم قدم المصريين :
"يا موصله البحرين علي مر العصور
سنوسرت حدد مطرحك للنور
ما اعرفشي ليه بيسجلوكي من قريب
وانتي هنا قبل التاريخ بدهور"
بينما يداعب الشاعر عبد الناصر حجازي المقولة التاريخية المعرفة للقناة التي تقول "إن قناة السويس تربط بين البحرين الأبيض والأحمر" فهو يراها صحيحة، لكن الأكثر صحة بالنسبة له أنها تربط بين الحاضر والماضي ؛ بين الأولاد والجدود، بين تواريخ القهر المتصلة التي تحتاج إلي إعادة النظر في تاريخنا المتواتر :
" في المدارس وفي كتب مادة تاريخنا
قالوا عنك يا قناه إنك بتمشي في أرض مصر وتربطي
(الأبيض ) ب (الأحمر)
والأصح إن انتي ماشيه في دمنا وبتربطي
ولادنا بتراب أرض الجدود
يمكن الكرباج معلم لسه في ضهورنا العفيه
أو تكون السخره لسه مأثره فيهم وفيا
أو يكون حفل افتتاحك
ضيع القرشين في حبة بهرجه
بس يكفي إن انتي يوم التار غسلتي بميتك
بقعة زمان"
هكذا سنري التحقق الفعلي للقناة والانتصار علي العدو وقد "غسل" بقع التاريخ وجراحاته التي تركها في أرواح الأولاد الذين تربطهم بأجدادهم قناة أخري من القواهر والعبودية والسخرة .
وعبر تفعيلة قفازة (مستفعلاتن أو فعلن / فعولن /5/5//5/5 أو /5/5 - //5/5) البحر الذي كتب منه والد الشعراء فؤاد حداد قصائد المسحراتي يصطاد الشاعر محمد عبد القادرعبر آلية التداعي الحر الموتيفات المتعالقة بقهر الجدود وتسخيرهم عنوة في حفر القناة، رابطا ذلك بقهر الحكام آنذاك، والشاعر يسرد عبر تداعيه المفردات كأنه يحكي الحكاية ممهدا بعتبة حكائية متواترة :
"أول كلامي
صياد ورامي في حبال غرامي
أول حبالي
كان حبل غالي
أيام ما "سبس" جرجر أهالي
تاكل في صبر من غير تحالي
كان يومها جدي طارح شبابه
بعت الخديوي للعمده جابه
بالجلابيه والفاس بتاعه"
أما الشاعر خالد الكيلاني فيعزف علي نفس الوتر؛ وتر "جرجرة" و "سلسلة" الجدود ليذكرنا مخاطبا القناة مناديا لها "يا حضرة الأخت القناه"، ويذكر من سيأتي بعدنا بما حدث لجدودنا من مهانة وذل :
"فاكره زمان
لما السلاسل جرجرت جدي وجدك من بعيد
لما المقاطف جرحت كتف البحيره والصعيد
لما المعاول ورمت فيكي إيدين الفلاحين
إياكي تنسي للدخيل ظلمه ولا تنسي أذاه "
بينما يقودنا كابتن غزالي عبر قصيدة كاملة بعنوان "أبوح" حيث تتناول السخرة دون إشارة لمفردة القناة، لكنها تتضمنها، وهي تلزم نفسها بقفل في نهاية كل مقطع مستلهمة أكثر من موتيفة من مطالع الأغنية الشعبية مثل أبوح يا أبوح ، ويا طالع الشجره:
أبوح يا أبوح
دم البلد مسفوح
يا صاحب البقره
يا زارع الشجره
تطرح وتديهم
ولا تمر فيهم
باعونا للكفره
......
يازارع الشجره
جوه الغيطان سخره
مرضان ولا بتقرا
شقا الجدود يا شيخ
ضيعوه في سهره
ثانيا : تأميم القناة
إذا كان حفر القناة وماكابده المصريون من عنت وقهر لم يتعين إلا في عدد محدود من قصائد شعراء منطقة القناة فإن تأميم القناة قد نال حظا أوفر ربما لأن حدث الحفر كان ضد الإرادة بينما التأميم تعبير حقيقي عن امتلاكها واستخدامها، كذا تنمية الشعور الوطني الذي التقي فيه رغبة السلطة وطموح الشعب، لذا سنجد قصائد : كامل عيد رمضان كابتن غزالي محمد أبو يوسف كامل عيد سيدة أحمد الشولي، فها هو كامل عيد رمضان يكتب "الكنال تغني" 1962بمناسبة الاحتفال بالتأميم، وفيها يؤنسنها حين رفعت رأسها وكأنها التمثيل الحقيقي لعزة وإرادة النصر :
"رفعت راسها في عز الشده
غزلت شمس الحق موده
عزفت .. غنت
غني القلب سلام ومحبه
محلا الغنا والمدفع صاحي
محلا صباحها ومحلا صباحي
محلا زحام الناس علي بابها
عايشه كنالنا الشمس الصابحه
عايشه الفرحه وناصبه الزينه "
هذه قصيدة احتفالية تزخم بالموسيقي عبر التقفية والجناسات والإيقاع الصافي للمتدارك حين يجتذب المفردات الفرحة ليعبر عن فرحة المصريين المتصلة بتأميم القناة، وهو في طريقه لهذا فإنه يستدعي من مقدمات أغنية العمل "هيلا هيلا هيلا " ليطالب بعدم التوقف عند الفرحة :
"خلي دراعك جنب دراعي
دوّر .. موّر .. اطلع يا اسطي
ازرع بسمه وخير لعيالي
فنك عالي وبحرك سكه
زي النجمه في ليل العتمه"
بينما نري الشاعر البورسعيدي محمد أبو يوسف وهو يكتب ويلحن ويغني مع أقرانه "في بورسعيد الوطنية" في مواجهة العدوان الثلاثي الذي حدث إثر قرار التأميم، وهي إحدي أغنيات المقاومة الشهيرة التي يردده أهل منطقة القناة حتي الآن وهي تمثل تأريخا للحدث، وهو ما يحتاج لدرس يتتبع النصوص المختلفة للجماعة الشعبية وللشعراء الأفراد ودورها في التأريخ للأحداث الوطنية المختلفة وكيف فارق بعضها التاريخ صانعا الفن وكيف اتسقت بعضها ليسرد الوقائع دون مفارقة جمالية، بل كيف جمعت بعضها بين التاريخ والجمال لتعلن عن وجهيهما دون إبانة أو تسطيح :
في بورسعيد الوطنيه
دافعوا بشهامه ورجوليه
شباب مقاومه شعبيه
وحاربوا جيش الاحتلال
مبروك يا جمال
إيدن وبن جوريون وموليه
طارت عقولهم ولا إيه
جايين يحاربونا علي إيه
عشان ما أممنا القنال
مبروك يا جمال
هوَّ القنال دا في أراضيهم
ده قنبله وضربت فيهم
ولا احنا خدناه منيهم
واللي ضربها رئيسنا جمال
مبروك يا جمال
فرنسا كانت سلبانا
وباريس بتاخد إعانه
ولانجليز مصوا دمانا
قال إيه لأسهم القنال
ما قطعها جمال
ويستكمل الشاعر المقاوم كامل عيد حلقة الغناء مشيدا ومنتصرا بما فعله جمال عبد الناصر، وفرحا بحركة البواخر في القناة، فتأتي عبر رباعيات ذات أقفال أغنيته "محلا البواخر في المينا" لتعكس الفرحة باسترداد الحق ورفرفة الرايات المصرية علي السفن العابرة وتولي المرشدين المصريين أمور إدارة الملاحة في القناة، وها نحن نري الشاعر وهو يباهي بهذه التفاصيل ليعلنها لجماعته التي صدقت عليها وتولن الإنشاد معه قائلة :
"محلا البواخر في المينا
ورايتنا فوق كل سفينه
والمرشدين لحرار يا سلام
ع الدفه ليل ونهار يا سلام
محلا البواخر في المينا
لما القناه أممناها
كانت حقوقنا وخدناها
أمنيه غاليه ونلناها
وخيرها كله رجع لينا
محلا البواخر في المينا "
وتأتي قصيدة "سيدة الشولي" بعنوانها الفكه الذي يشير إلي حس أنثوي "كيداهم" بما يشير إلي التشفي من المستعمر، وقصيدتها تبدأ بمغازلة القناة ومبادلة الحب عبر صور بسيطة لكن بعض صورها تكتسب عمقا مضيفا لتراكيبها ، فحين تخاطب ببراءة "المراكبيه" ألا تكون أحمالهم زائدة حتي لا تقسو علي عظام الأجداد التي دفنت تحت مياه القناة :
"يا مراكبيه .. حنوا شويه
أوعوا تكون أحمالكو زياده
تحت المجري عضام السخره
شايله المجري بكل سعاده
حراس تحت القاع زنهار "
وتواصل مادة الخيط من الغزل في القناة وتفاصيلها إلي العابرين لها ومخاطبتهم بمراعاة عظام أجدادهم مرورا بمن يعيش علي خيرها ويتقوت منها، إلي أن تعاودها ذكري السخرة لتعبر منها للتأميم :
والله يا مجري يا شايل ذكري
الكراسه كمان بتقول .. دم السخره حق قنالنا
وديسن بالفطره يدوم علي طول
واما جمال أعلن ولا خاف
بالتأميم والعالم شاف
طق الغرب وقالك فيها
قالك فيها يا إما اخفيها
ويختتم كابتن غزالي سلسلة الأفراح المصرية بتأميم القناة عاكسا ما جلبه التأميم من خير :
" أممنا قنالنا
وخيره جالنا
ومنه عملنا
السد العالي للسلام
يا سلام " (قصيدة يا سلام ، كابتن غزالي ، ص 19)
ثالثا : الحروب
إن القاريء لأشعار شعراء العامية في منطقة القناة سيجد أن معظمها يتحلق حول الحرب وتداعياتها، وهنا نستطيع أن نرصد القناة بوصفها جزءا في المعارك التي دارات بين مصر وأعدائها بداية من العدوان الثلاثي مرورا بحرب الاستنزاف وانتهاء بالعبور، وسنجد انتشارا للمجتزأت المتعلقة بالقناة في علاقتها بالحروب المتواصلة عند الشعراء: كابتن غزالي حافظ الصادق كامل عيد عبد الرحمن عرنوس إبراهيم الباني كامل عيد رمضان محمد أبو يوسف، ومعظم هذه القصائد كانت فاعلة علي الجبهة فهي ابنة لفرق الغناء التي كانت تجوب المنطقة، ويمكن تصنيف المجتزأت ذات العلاقة الوثيقة بالقناة علي النحو التالي :
(كابتن غزالي)
تدنيس القناة
"ياراية الاحتلال .. يا شاقه قلب بلدي .. يا مدنسه القنال (قصيدة ملعون، كابتن غزالي، ص 18)
- الدفاع عن القناة
(1) " كنالنا وبلدنا وبلدنا
حالفين لنفديها بحياتنا
ونفني أعاديها لأخرهم
واللي يخطيها يا ويله
راح ندفنه فيها
ده يمين بالله
ده يمين بالله (قصيدة سجل يازمان ، كابتن غزالي ، ص 21)
(2) وفي السويس أبطالك
واقفين حارسين قنالك
حالفين ليجيبوا نصرك
بالدم وبالأرواح (قصيدة حالفين لنجيب النصر، كابتن غزالي ، ص 26)
- وفي قصيدته "برهوم" الذي نراه يتشكل ليكون مرة برهم الذي يوقظ الناس ويمدهم بالوعي بعد أن كان حشاشا وهو السويسي والصانع وهو برهوم البحري الذي عرك ركوب سفينته الملآنة بالصواريخ ليعلن عن دور البحارة من أبناء البلد في الزود عن القناة (ص 39)
(3) متسلحين علي القنال لعدوك
متربصين
شعب وجيش .. يد واحده
ع الكفاح مصممين (قصيدة متسلحين ، كابتن غزالي ، ص 45)
(4) آن الأوان يا حرب
أهلا ومرحب بيك
مشتاق يا جوف المدافع
ع الشط واقف بيك (قصيدة بكره ، كابتن غزالي ، ص 49)
(5) سهران أنا سهران
علي القنال سهران
سلاحي في يميني
وايماني
ماليني
لجلك يا نور عيني
حالف لاخوض النار (قصيدة سهران ، كابتن غزالي ، ص 50)
وها هو كامل عيد رمضان يواصل كتابة واحدة من أجمل القصائد التي أنشدت في "البحرية"، فحين كنت أقرأها لم تفارقني موسيقاها ولا صوت أولاد الأرض حين يرددونها بأصواتهم الخشنة الرجولية :
"هات الدراع جنب الدراع "
هاتلي دراعك هات
ده بحرنا
وابن البلد صياد
قول للقمر لوفات
إيد للبنا
وإيد ع الزناد تصطاد "
استلهام روح القناة
لا تركن مجموعة من القصائد إلي القناة كمفردة أو تاريخ، لكنها تأخذ عالمها لتتوكأ عليها صانعة نصا يتداخل معها وتكون المحرضة عليه، فالشاعرة رجاء عيد تكتب قصيدة "الدومان"، وهو مقود السفينة لتعبر بنا من السفينة التي نعهدها في البحر إلي الوطن ومن القبطان للقائد، فتوسع عبر زجليتها المعني المتواتر للقناة لتسألنا في نهاية قصيدتها :
"ومنين نجيبك يا مينا
ونعيد معاكي اللي كان
قباطنا تاه بالسفينه
ضيع أماني الزمان" أما رمضان إبراهيم محمد فيترك لخياله العنان مستدعيا ذكرياته مع القناة وفنارها ليستدعي صوت البارود والمدافع لنجد أنفسنا أمام حرب أكتوبر وتحقق النصر، وعلي الرغم من البداية الحميمة التي تتسم بالعمق إلي أنه استسلم للمتواتر عن الحرب والسلام لتنتهي القصيدة معلنة عن حكايته كما يقول :
"وآدي حكايتي قولتها
بعينيا يومها شفتها
فوق القنال
ويا الرجال
من الهزيمه للعبور حتي السلام
يا سلام"
يأخذنا سعيد طاهر في قصيدته "العزف علي خيوط العنكبوت" بعيدا عن القنال وأجواء الحروب لينقل لنا شعوره النفسي الخانق من البحر الذي أغلق شطوطه والعدل الذي كبلته القيود ونلمح الغدر والدم والنزيف والتوهة التي ربما يراها الشاعر أثرا بعد أن أصبحت القناة لا تمد أهلها بما كانوا يتوقعونه من خير :
آه من خيوط العنكبوت
يا بحر مقفول الشطوط
يا عدل مخنوق بالقيود
ضاع الدليل ماتوا الشهود
والشمس حالفه لم تعود
وعكس الرؤية القاتمة للقصيدة السابقة تأتي قصيدة الشاعر السويسي رمضان سنوسي لتأخذنا عبر بحرها الموالي ليتغزل في القناة وخيرها العميم الذي غطي علي الآلام التاريخية للمصريين ممن ماتوا تحت ترابها، وعبر خمسة مقاطع يستعرض وصفها "شريان حياه جوه الجسد ممدود " وخيرها وذهاب الليالي الكؤود التي ولت بلا رجعة، ليدخلنا في القناة بوصفها المعبر إلي الحج، إلي عالم التوبة من الذنوب حين تحمل أفواج الحجيج إلي بيت الله ليعودوا من جديد علي صفحاتها بقلوب جديدة، ثم يجوب بنا في جنبات التاريخ ليؤكد أن القناة ورسمها من عهد الفراعنة وعبر هذا المقطع يمر علي التاريخ بداية من الحلم للحفر للمستعمر المستغل لينهي نصه بالتأميم والعدوان الثلاثي، وتأتي القصيدة بمقاطعها الخمسة متماسكة قابضة علي البسيط بتفعيلته لتعلن عن شاعر عارف بقوانين لعبة الشعر :
شوفناكي يا أمنا في لحظة الطوفان
في الكف سيف الخلاص شغاله بيه تمزيق
ضمانا تحت الجفون نزحف علي الميه
وقت الضلام والسكون نزحف كما الحيه
ونطير نشعلل بارود يتفجر السجان
ننسج خيوط النيران للنصر بنيه
أما الشاعر مدحت منير فهو شاعر "مغرم برصد التفاصيل اللصيقة" بتجربته المعيشة/ الآنية، بعيدا عن الغرام باللغة وتشكيلها، والانشغال بألعابها، جريا وراء اللعب في حد ذاته، فالقاريء له سيتأكد أنه شاعر منحاز لهم أيديولوجي، لكنه ليس الهم الكلي/الجمعي، فهمه يتخفي دوما في سياقات شعرية، غير مستسلم للشعار، فالأيديولوجي في قصائده ينحل في مفردات وسياقات وبني تخص ذاته، فقد كان الانحياز الأيديولوجي من أسباب تخلي قصيدة بعض شعراء الستينيات عن اصطياد الحس الإنساني، فقد كانت تصورات بعضهم خاصة الذين تبعوا السياسي رافعين الشعار دوجمائية بكل ما كرست له من مقولات نحَّت الشعر جانبا لتستسلم للشعار، وجنبت الإنسان لصالح "المقولة"، ولم تكن هذه السمات عامة عند كل الشعراء، وكل الشعر آنذاك، ونري أن جميع الشعراء الذين كتبوا قصائد عامية منحازة لتصورا ت، أو أفكار أيديولوجية سادت انتصارا للسياسي علي الشعر كانت نظرتهم للبشر كتلية(العمال الفلاحين الناس الغلابه المقهورين الغلابه الفقراء)، هذا الانحياز الطبقي بالمفهوم السياسي والاجتماعي، لم يكن ليجعل الشاعر المدفوع، والمندفع وراءه أن يميز بين عناصر هذه الجموع، بما لكل فرد فيها من خصوصيات، وبما في كل نموذج من نزوع نحو الفرادة في المكان، أو في الحلم، حتي لو كان هذا الحلم يمثل كابوسا للآخر، أو خروجا علي أعراف الحلم الجمعي الذي ينطوي علي تصور سياسي صدره السياق العام، وإذا كانت هذه الفترة /المرحلة قد انشغلت بهذا النوع من القصائد إلا أنها لم تكن خلوا من قصائد عظيمة ومهمة عند بعض شعرائها لذا سنجد أن المكان أحد أهم العناصر الفاعلة في تجربة مدحت منير، ولن يجد القاريء لديوانه صورة للمكان معزولة عن زمان حدوث الفعل الذي يتشكل في صور عدة، ليعلن عن أزمة الذات بكل ما يحوطها من حروب حقيقية، وصراعات لبشر، وأحزان متواصلة علي من فقدهم، من أحبة، وأصدقاء، وأقارب، فالمكان والزمان كعنصرين فاعلين يتجليان بامتياز في هذا الديوان؛ هذا التجلي الذي يأتي كاللحمة والسدي في نسيج القصائد، بحيث لا يبين فيها التداخل بين الأماكن، والعلائق المرتبطة بها، فالمكان لا يأتي خلوا من ذكريات عاشها، وتعلقت بجسده، فالشاعر / الذات تصوغ لنا عالمها في مشهدية رائعة، مصورة لحظات الوداع، الذبول، الانطفاء، الهجرة، الرحيل، والموت، وهو يدرك أثر الأشياء، يمسك باللحظات في تجسدها، بعد أن ترحل الأشخاص، والأشياء من المكان، وترحل معهم العلاقة، وبالتالي يرحل المكان المتعين، ليصبح مكانا أثيرا / حزينا داخل كهوف الذات التي بدورها تعيد "تسكينهم"، بعد أن تبني لهم أماكن جديدة تضع فيها آثار من رحلوا، في هذه الرحلة بداية من الرحيل مرورا بمعاينة مشاهده، وانتهاء بخلق عالم "مريح للحزن" يعاد إضاءة المشهد؛ مكانا وشخوصا بإضاءات تتباين خفوتا وقوة حسب حالة كل مكان، وكل هذه الأماكن تشير إلي منطقة القناة دون إشارات واضحة :
أي ريح كانت بشرح للحدود ضهري
وتجهزِك للشوك
وترمح بيكي من بيتنا لبيوت الغرب
مين اللي هز الغصن ع الميه
بركة دعا الأشجار
ولا هديل الحرب
أنا اللي طالع من صباع رجلك
سلمت روحي للكنال
وفضلت مش فاهم من الشط
غير الوفق بين البدن والصمت (قصيدة أيام سميه ، مكان مريح للحزن ، 15)
أما قصائد عبد القادر مرسي وما تحمله من استدعاء لسياقات ومفردات المكان وما يحمله من عادات وتقاليد ومفردات فهي تمثل خروجا عن النسق المباشر الذي تناول القناة كموضوع شعري فهي تسعي لكتابة الذات عبر ما تعرفه لا كتابة المعروف والمتواتر، وتأتي قصائد ولاد البلد لمحمد خضير والشاعر فتحي نجم (في حب الاسماعيلية) و (رمال الكنال) لتعكس المحبة عبر كتابة بسيطة لكنها تركن في بعض أجزائها للمتواتر من كتابات وتبدو دعائية في بعض سطورها :
"بحب بلدي اسماعيليه
بحب شوارعها الرايقه
بحب فرقه للدراويش
ولاعيبتها المتعايقه"
وفي نهاية هذه الدراسة اقترح علي مثقفي وباحثي منطقة القناة أن يتكاتفوا لإعداد معجم القناة ليضم مفردات القناة، علي أن يتم تصنيفها موضوعيا وتصنف المفردات تحت كل موضوع ألفبائيا ، وقد قمت باستقصاء المفردات التي تخص القناة أو تختص بها لتكون نواة نفتح الحوار حولها ، وأثق أن جمع هذا المعجم سوف يوفر للباحثين والشعراء مادة تعينهم علي الكتابة وقدرة علي الاستلهام خاصة وأن البعض أمام تواتر المفردات قد فقدوا فضيلة الدهشة .
الهوامش
»1« قام الدارس بالاطلاع علي أعمال الشاعر حافظ الصادق والشاعر مدحت منير والشاعر عبده المصري وهي التي لم تتوافر من خلال أمانة المؤتمر لذا لزم التنويه .
»2 « راجع، بورسعيد أنغام النصر، إعداد كامل عيد، دراسة وتقديم، قاسم مسعد عليوة، إقليم القناة وسيناء الثقافي، ع (20) ، 2000.وراجع النص الشعري الشعبي في منطقة قناة السويس وحس المقاومة (دراسة ميدانية) قاسم مسعد عليوة ومسعود شومان، مجموعة باحثين، ثقافة المقاومة، دراسات وبحوث مؤتمر أدباء مصر، السويس، كتابات نقدية، ع (55) 1996.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.