عندما تشاهد أحد أعمال الفنانة شيماء علاء تشعر وكأنك دخلت عالما موازيا حيت كل تلك التفاصيل التي تعرفها في حياتك ولكن بترتيب مغاير، وكأنك داخل دفتر الحكايات، فربما تجد أميرة هاربة من إحدي اللوحات أو عازفة كمان محلقة في الهواء يتطاير رداؤها الأبيض بينما ما يمنعها من استمرار التحليق هو أنها مشدودة إلي الأرض بقيد ثقيل، أو فتاة جميلة تجلس حافية القدمين لتقرأ بإحدي الحدائق، بينما تتطاير الأوراق من حولها. لكل لوحة قصة تنبع فقط من روح صانعها.. فكل صورة مصنوعة بحرفية من نسيج خيال مبدعها.. وتعتمد الصور علي مدي اتساع رؤية المبدع وعلي قدرته علي إيجاد علاقات بين عناصر بصورة تخرج عن المألوف.. ولكنها تعني شيئا ما بالنسبة له. ويعرف هذا النوع من التصوير باسم "التصوير المفاهيمي"، حيث يعتمد علي أن يترجم المبدع فكرة ما تجول بخاطره إلي رؤية بصرية.. ولكن المنتج في النهاية يختلف كلية عن التسجيل المباشر للواقع.. فقد يضع مثلا مصباحا في موضع الرأس.. قد يتحول الإنسان إلي خيال مآتة في صحراء شاسعة وغير ذلك. وينتمي هذا النوع من الفن إلي الفنون المعاصرة، وهو أقرب إلي الفن السريالي، حيث يعبر الفنان عن فكرة ما تشغله بطريقة ابتكارية لا علاقة لها بالواقع، ويترك التفسير للمتلقي. وقد تخصصت شيماء علاء في هذا النوع من التصوير المعروف باسم التصوير المفاهيمي، حيث تستغرق في العمل بكل حواسها حتي يخرج في صورته النهائية. وبالرغم من أن مشوار شيماء مع التصوير قصير نسبيا حيث بدأته منذ ثلاث سنوات إلي أنها خطت خطوات سريعة غير مسبوقة في هذا الاتجاه، من خلال التدريب المكثف والإطلاع والتجارب المتعددة، وقد خلقت لنفسها بصمة متميزة تستطيع معها أن تدرك أعمالها بمجرد مشاهدتها. وقد نالت شيماء العديد من الجوائز أهمها المركز الأول في مسابقة الشارقة للصورة العربية عن محور التصوير المفاهيمي والتي تعتبر نقطة تحول في مشوارها الفني، إضافة إلي جائزة الاقتناء في صالون الشباب الرابع والعشرين. وقد تخرجت شيماء في كلية التجارة جامعة عين شمس سنة 2004 ودخلت عالم التصوير الاحترافي سنة 2012 ، وشاركت في العديد من المعارض منها معرض ساقية الصاوي، ومعرض نادي إنفوكس السنوي، وصالون الشباب الرابع والخامس والعشرين. اقتربنا من عالم الفنانة الشابة وكان لنا معها هذا الحوار.. شيماء.. تخرجين في أعمالك عن المفهوم الشائع للتصوير الفوتوغرافي أنه تسجيل للواقع ، فهل تخلقين عالما من خيالك؟ كل شيء أقوم بتصويره له جذور في الواقع وله علاقة بحياتي.. أو ربما بقصة قرأتها أو مشهد من فيلم أبيض وأسود .. ولكنه واقع مختلف بعد أن يدخل إلي عالمي الداخلي ويمتزج بأفكاري.. فهناك دائما مؤثر خارجي.. دعيني أضرب لك مثلا.. كنت أشاهد ذات مرة فيلم "المستحيل" لكمال الشناوي، حيث يعيش البطل في بيت روتيني ويخضع لتحكمات الأب ولذا هو لا يشعر بالسعادة، في أحد المشاهد التي شدتني بقوة كان أثاث البيت كله مغطي بملاءات بيضاء وكأنه بيت مهجور.. وكأنه داخل تابوت.. وقد دارت الكاميرا في الصالة ثم قام البطل هو أيضا باللف في الصالة.. وكأنه يشعر أن حاله من حال ذلك البيت وكأنه يعيش في تابوت.. وهنا قررت أن أجسد هذه الحالة في عمل.. حيث قدمت فتاة تجلس علي كنبة مغطاة بنفس الملاءة القديمة، وكانت تجلس في المنتصف وكأنها ملتصقة بها، وهي ترتدي رداء من نفس القماش.. فستان أبيض قديم مكسر.. حتي تكون جزءا من المكان .. شعرها وملابسها توحي وكأنه مر عليها مائة عام.. وكان العمل بالنسبة لي هو خير تعبير عن الشعور بالوحشة، ومدي ارتباط الإنسان بالمكان وارتباط المكان به. ما المقصود بالتصوير المفاهيمي ؟ وكيف يختلف عن التصوير الشائع؟ التصوير المفاهيمي يختلف عن التصوير المباشر المعروف كلية، في أنه تسجيل لفكرة ما، ولكنه يحتاج إلي تخطيط مسبق بحيث يكون كل شيء معدا مسبقا ومحسوبا بدقة شديدة ، المكان والملابس والموديل والمكياج والأزياء والإكسسوار، واختيار الأشياء الأخري الموجودة داخل الكادر، لوحة قديمة، تليفون أو أي شيء، وفي هذا يختلف هذا النوع عن أي تصوير آخر لأن الأنواع الأخري يلتقط فيها المصور مشاهد جاهزة ولكن طبقا لرؤيته في اختيار الكادر، والزاويا، والعدسة وغير ذلك ولكن يجب أن أشير إلي أن التصوير المفاهيمي أيضا يحتاج دراية كافية بعلم التصوير وكيفية استخدام الكاميرات والعدسات والتحكم في الإضاءة.. الاختلاف هنا يكون في طريقة ترتيب الكادر. درستِ التجارة رغم عشقك للتصوير فلماذا لم تدرسي التصوير ؟ وكيف كانت البداية؟ في مصر نحن لا نختار في الغالب ما ندرسه، إضافة إلي أن اهتمامي بدخول مجال التصوير واحترافه بدأ متأخرا، وهذا لا يمنع أن اهتمامي بالتصوير بدأ منذ طفولتي، حيث نشأت والكاميرا في يدي أصور بها التصوير كهواية المعتاد، وكانت الكاميرا من أساسيات البيت .. كنت دائما أشعر أنها آلة مهمة جدا ، حيث تسجل كل الأحداث التي تمر بحياتنا. ولكن نقطة التحول في مساري بدأت فعليا بعد ثورة يناير، فعندما وقعت أحداث الثورة ، كانت الصور لاعبا أساسيا، شعرت وقتها أنني أريد أن أتعلم التصوير، وبدأت البحث حتي وجدت دورة في التصوير، ومن وقتها بدأت أتعلم ، ولم أكتف بالدورة بل بدأت مشاهدة أفلام تعليمية كثيرة علي الإنترنت وقرأت الكثير من الأشياء. بدأت بالتصوير المباشر، لكن مع الوقت اكتشفت أن هناك شيئا مفقود، شيئا أريد أن أعبر عنه بالصور التي أقدمها، وبدأت البحث حتي وصلت أن نوع التصوير الذي يلفت انتباهي يسمي تصويرا مفاهيميا، فوراء كل صورة فكرة ومفهوم. وهو نوع غير شائع في مصر حيث ليس هناك مشاهير فيه سوي الفنان المبدع أيمن لطفي ثم بعض التجارب الفردية . وعلي أن أؤكد أن الموهبة وحدها ليست كافية لهذا النوع من التصوير، لابد من التعلم، وأنا مؤمنة جدا بقيمة العلم.. في النهاية الموضوع ليس له علاقة بالكلية .. ولكن له علاقة بأن تعمل ما تحب شريطة أن تتعلم أسسه وتنمي معارفك فيه .. ما هي الإعدادات التي تقومين بها قبل تقديم أي عمل جديد؟ التصوير المفاهيمي يقوم علي شقين الأول يتعلق بالمفهوم أو الفكرة التي ما إن تتبلور داخلي حتي أبدأ الإعداد لها، وأنا أجد الكثير من الأشياء الداخلية التي أريد أن أعبر عنها ، فالحياة مليئة بالأحداث والدراما، كما أحرص طول الوقت علي تغذية الشحنة الداخلية بمشاهدة السينما والاستماع إلي الموسيقي ومشاهدة فنون وبالية وأوبرا. كذلك أركز في التفاصيل من حولي، أتأمل الأشياء، فمثلا المفتاح.. أمسك به وأسأل نفسي عما يمثله بالنسبة لي.. فالمفتاح رمز الأمان، حيث يغلق الأبواب علي، أو ربما مفتاح للمعرفة ، فهو يفتح كثير من الأبواب. فمثلا الوسادة ألهمتني فكرة عمل.. حيث إنها أكثر من يستمع إلي أسرارنا في المساء ، هي كاتمة أسرار مثلها مثل البحر، عندما نجلس جواره لنلقي به أسرارنا، كانت هذه الفكرة تشغل تفكيري ، كنت أريد أن أقدم عملا يعبر عن هذا الرابط بينها باعتبارهما كاتمي أسرار، هناك موضوعات تتبلور من أبسط الأشياء. بعد اختيار الفكرة تأتي مرحلة الإعداد للصورة وهي تنقسم إلي مرحلتين الأولي قبل المعالجة الرقمية وهي عملية التصوير وتكون محسوبة بدقة كما ذكرت قبل ذلك بما في ذلك اختيار المكان داخلي أو وخارجي والإضاءة والموديل وكل شيء، أي رسم الكادر في خيالي، وبعد الانتهاء من التصوير تأتي مرحلة المعالجة والتي تتطلب مجهودا كبيرا قد تصل إلي 12 ساعة. فزت بجائزة الشارقة عام 2014 وهي جائزة مرموقة في التصوير؟ كيف كان استقبالك لهذا الفوز؟ وما هو العمل الذي فزت به؟ جائزة الشارقة جائزة مرموقة ، وفي العام الذي فزت فيه تقدم ما يقرب 5000 عمل في خمسة محاور، حيث يتم اختيار ثلاثة فائزين في كل محور.. وما لا شك فيه أن اختيار عملي ضمن 15 عملا فائزا من أصل كل تلك الأعمال المقدمة هو شيء عظيم، خاصة عندما أحصل علي المركز الأول في التصوير المفاهيمي الذي أعشقه، والذي يؤكد أن المرء عليه أن يؤمن بأحلامه ويبذل كل الجهد لتحقيقها، وكذلك لأول مرة أشعر ما الذي يعنيه أن ترفع اسم بلدك فعليا. أما العمل الذي فزت به فقد استوحيته من مسرحية لتوفيق الحكيم "أهل الكهف"، وبطلة العمل الأميرة بريكسا التي مات حبيبها، بدأت الحكاية بأن ابتعت تابلوها قديما من سوق الجمعة لروميو وجوليت في مشهد أخضر مفتوح ، وظل التابلوه عندي 3 شهور.. عندما قرأت المسرحية شعرت أن تلك المرأة هي الأميرة بريسكا.. يصور العمل امرأة وحيدة تقف أمام التابلوه بنفس ملابس الفتاة داخل التابلوه وكأنها خرجت منه وتحاول أن تشد خيوط الماضي من التابلوه وكأنها تريد أن تستمد من الماضي ما تكمل به المستقبل.. تريد أن ترجع للماضي ولكن ما فات لا يعود أبدا. كيف تختارين الأعمال التي تشاركين بها في المسابقات؟ دعيني أخبرك أن المسابقات ليست هي الأساس.. فأنا ضد أن نركز في التصوير علي المسابقات.. طبعا شيء مبهج أن يقدر الناس عمل الفنان جدا.. ولكن الأهم أن يركز المصور في فنه أولا وأخيرا سواء حصلت أعماله علي جوائز أو لم تحصل.. وأنا مقلة جدا في المشاركة في المسابقات حيث أحاول أن أنتقي المسابقات التي أشترك بها.. وأن تكون مسابقات مرموقة وليست تجارية، وما أكثرها الآن. ولكن كيف يبدو استقبال الجمهور لهذا النوع من التصوير؟ طبعا في البداية كان هناك انتقادات لهذا النوع من التصوير في مصر، خاصة وأن هذا النوع غير شائع حيث لا يراه البعض ينتمي للتصوير الفوتوغرافي من الأساس، وعموما الوطن العربي عنده أزمة مع الأعمال غير المباشرة وغير المعتادة. كذلك أنا لدي جرأة في تصوير أعمالي، وعموما شغلي فيه جرأة أنثوية بما لا يخرج عن الأعراف والتقليد بالطبع .. وقد لا يعجب هذا بعض الناس، ولكن منذ البداية قررت أن أقدم ما أؤمن به فقط ويكفيني شرف المحاولة والتعبير الصادق عن نفسي. ومع الوقت بدأت رؤية الناس تتغير، وبدأت الأعمال تصل لجمهور أكبر وتلقي استحسان كثير منهم.. وبدأت كثير من الأعمال تحصد جوائز.. والآن أتلقي الكثير من الدعوات للحديث عن تجربتي، وعن التصوير المفاهيمي. والحقيقة إن أكثر ما يسعدني أن يري الناس الصورة التي أقدمها بطريقة مغايرة وأن تؤثر فيهم، وأنا لا أحب أن أشرح الصورة إلا إذا اضطرتني الظروف لذلك لأن ذلك يقلل من العمل الفني، ولكن أحب أن يري كل إنسان العمل بطريقته. ما الصعوبات التي تواجهك في مجال التصوير؟ أولا التصوير في الشارع موضوع مرهق للغاية خاصة في المجتمع المصري ، وأنا أحب أن أصور خارجي كثيرا، هو ما يتسبب في تعرضي لمضايقات خاصة مع نوع التصوير الذي أقوم به ، حيث يجد الناس فتاة ترتدي ملابس غريبة تقوم بشيء غير مفهوم بالنسبة لهم ، ولكن مع الوقت تعلمت كيف أتفادي المشاكل وأتجنبها حيث أعد كل شيء قبل التصوير بحيث لا يستغرق الأمر وقتا طويلا حين ألتقط الصورة، كذلك من الصعوبات التي تواجهني التكلفة خاصة مع هذا النوع من التصوير الذي يحتاج لملابس، وديكورات، وغير ذلك . من هم أهم المشاهير في هذا المجال؟ ومن أكثر من أثر بكِ؟ طبعا في مصر الفنان المصري العظيم أيمن لطفي، وأنا من المعجبين جدا بأعماله وهو فنان عالمي ، كذلك أنا من المعجبين بأعمال الفنانة بروك شادن وهي فنانة متميزة، وأنا في الغالب أحب مشاهدة أعمال الجميع دون أن أتأثر بأسلوب أحدهم، إن ما أعنيه هنا استنساخ الأسلوب، فسهل جدا أن يقلد الإنسان ، لكن الصعب أن يكون صاحب الفكرة من البداية وأن يكون له بصمة متفردة. كيف تساعدك الفوتوغرافيا علي اكتشاف ذاتك الأنثوية؟ التصوير نعمة من ربنا.. وهي اللغة التي أجيدها والتي أعبر بها عن كل مشاعري وأحلامي.. وأنا أعبر عن ذاتي الأنثوية دون قصد.. حيث تخرج في أعمالي بفطرية. ولكن لماذا لم تقيمي معرضا فرديا حتي الآن؟ بالفعل أن أفكر في معرض فردي قريبا، حيث أعمل علي معرض مستوحي من أحد الأعمال لأحمد مراد.