شاب يتقيّأ لأعلي يبدو كأنّه يضحك، لوحة لشهيدين مستوحاة من أعمال الجرافيتي تُجاورهما شخصيّة مجنّحة كذلك ترتدي زي "البيسبول"،عُلب كوكاكولا رقمية ومازينجر في تصميم هندسي، أحذية كونفرس الشبابيّة الباقية دائما ولا يتغير تصميمها، ولقطات أخري في معرض رسوم "الطيّب والشرس والحذاء القرمزي" افتتح مؤخرا وتستقبله قاعة مدرار حتي العشرين من أغسطس الجاري، تطرح نكاتا غير بسيطة، عبثية وقاتمة في آن. تستدعي فكرة المعرض المزدوج بين الفنانين محمد مغربي وأحمد توفيق الذاكرة البصريّة، بحيث يمكن للجمهور تلقّي اللوحات التي توظّف تقنيات مختلفة للبوب آرت عبر ذكرياتهم الشخصية عن حكايات الجدّات وقصص الكوميكس في مجلات الأطفال، وعددٍ آخر غير متناهٍ من الرموز والمفردات اليوميّة التي شكّلت وجداننا وتربّينا عليها وكبرت معها توجّهاتنا وتصوّراتنا، يضعها صاحبا المعرض تحت المجهر لنري ما لم نره؛ شيء غير معتاد، ساخر غالبا، مخيف ومؤلم أحيانا. يُحيل العنوان "الطيب والشرس والحذاء القرمزي" إلي الفيلم الشهير، والتصرّف الحاصل هُنا من الممكن استنباطه من تلك المقابلة التي يبتغيها مغربي وتوفيق بين عناصر قصص الخيال وعوالمها وشخوصها مثل "أليس في بلاد العجائب" وبين الصورة التي تكون عليها تلك الحكايات الآن. ولأن المعرض نفسه يطرح معاني متعددة الطبقات، نكتشف بسؤالهما أن الطيّب والشرس لقبان بديلان عن وضع إسمي مغربي وتوفيق عنوانا لمعرضهما المحفّز. وربما للقبين دلالة علي رؤية الفنانين كل علي حدة للخيال. أمّا النص المُصاحب للمعرض فيحكي حكاية موازية عن سلمي التي تضع الأشياء تحت المجهر لتستطيع قراءتها وفهم ما تكون. عن العلاقة بالمجهر كوسيط معرفي، العين التي تبصر حقيقة الأشياء من حولنا. تحت المجهر كانت تظهر لسلمي خطوطٌ دقيقة تشكّل بنيانا هيكليا، حركة ميكانيكية غير منتظمة وفي تغاير مستمر، وهذا ماتؤدّيه لوحات مغربي (تعتمد المنظور الهندسي). تمتلك سلمي لوحة زيتيّة قديمة للحذاء القرمزي، في إشارة إلي التوافق مع أعمال توفيق، تُريد أن تراها تحت المجهر، حصلت علي الحذاء الأصلي من صانع الأحذية مقابل اللوحة، وكانت المفاجأة أن ظهرت لسلمي أرقامٌ غير مفهوم دلالتها تعكس صورة الحذاء تحت المجهر. بالنسبة لمحمد مغربي فهو يولّي اهتماما خاصا في الرسم بعناصر الإنترنت كعالم افتراضي، بما في ذلك الصور الفوتوغرافية التي يقوم مغربي بتجميعها وتنزيلها من المواقع المختلفة للشبكة العنكبوتية. يتعامل مغربي الآتي من خلفية هندسية حيث درس الهندسة المعمارية مع العناصر التي تتيحها الشبكة بشكل معماري: "تهمّني فكرة البناء والخطوط الهندسية في نقل صور للرموز التي تعارفنا عليها" يقول. من هنا نجد استخدامات عديدة لرموز الرسوم المتحركة وشخصيّات الكارتون الشهيرة وقصص الكوميكس المعروفة (مازينجر وغرايندايزر) في لوحات مغربي بطريقة التصميمات الهندسية المطبوعة والمنقوطة (الرقميّة)، لوحات موحية بأنها تخطيطات للوحات، دراسات لأعمال لم يبدأ بعد الاشتغال عليها، يشرح: "هناك قدر من الدراسة يسبق عملية الرسم لديّ، أحاول الوصول للعلاقة بين البناء والشكل الهندسي وبين العناصر والرموز التي يمتليء بها عالم الإنترنت، من بينها أيضا العناصر الآدميّة". أمّا النص المصاحب للمعرض فيوضّح محمد مغربي أنه بديلٌ عن المنشورات التقليدية التي توزّع لتشرح فكرة المعرض الفني، جاءت الفكرة من كتابة نص موازٍ لفكرة المعرض، قصة تحمل الثيمة الرئيسيّة للّوحات، وتعتمد علي بعض عناصر الأعمال المعروضة وبلغة مقاربة، "قصّة خارجة من الأعمال لكنها ليست ترجمة مباشرة لها". يلتقط شريكه أحمد توفيق ثيمة "المجهر" التي يُعبّر عنها النص، اشتغل بها علي حكايات الجدّات وقصص زمان وخيالات وأساطير الحكايات الشعبية القديمة من بينها مثلا "أبو رجل مسلوخة"، كلها عناصر حاضرة بقوّة في لوحات توفيق الطريفة (الهازئة جدا) المفعمة بألون البوب آرت الزاهية، يقول توفيق الذي يدرس الفنون التطبيقيّة: "وضعت حكايات الطفولة تحت المجهر وأعدّت صياغتها بصريّا، كيف نراها اليوم بعدما كبرنا، كيف سيخرج شكلها، هذا ما وجدناه". اللوحات في المعرض تحمل إشارات متفرّقة من تاريخ الفن ومن مصر المعاصرة كما علّق محمد فتحي (كلفت) علي صفحة إيفينت المعرض علي فيس بوك. من بين اللوحات عمل يُحاكي لوحة "الرجل الفيتروفي" لدافينشي: "كأن المعرض فكرته وموضوعه هو فكرة وتاريخ الفن نفسه، يُناقش قضيته وإشكالياته الآن" يقول كلفت المدوّن والمترجم. تقترب الرسوم التي رآها محمد فتحي هناك بشدّة من فن الكوميكس، بل إنه يعتبرها "نقلة" ل"الكوميكس المصريّة" باتجاه أن تُصبح لوحة مستقلّة منزوعة من السياق القصصي المعتاد، لوحات حاضرة بقوّة الألوان وحرارتها ليست ك "شريط كوميكس" وإنما بتأثيرات "سوريالية" واضحة. ويستعيد فتحي خبرته عن ارتباط البوب آرت بالخفة الكوميدية السائدة، لكنها هنا تُعلن بألوانها المبهجة عن حس عال بالتسلية والثقافة الشبابيّة. لعلّ الإشارة إلي اللهو والحس الساخر من الجائز أن تنسحب بداية من استخدام أحمد توفيق لاسمه الحركي وفي الإمضاء "توفيج" بحسب ما تنطقه اللهجة الصعيدية حيث تنحدر أصوله. لا تخدع "قتامة" ما أو "ظُلمة" عين زائر المعرض. يتجلّي هذا في اللوحات خاصة تلك التي تستحضر عناصر من الجرافيتي الذي انتشر علي جدران الميادين مع الثورة، ربما لأن الجرافيتي فن ارتبط بأجواء الاستشهاد والقتامة والفاشية. لكنها "قتامة ضاحكة" - الكلام لمحمد فتحي - خوان كورنيلا كمثال، يضيف إلي انطباعاته عن المعرض: "أجواء المعرض غنيّة ومعقّدة لا تخلو من اتساق تُذكّر بقوّة ببدايات البوب آرت، أظن باستحضار واع، كوكاكولا مثلا، هذه بالتحديد تُحيل في بعض تصميماتها المستخدمة أيضا في المعرض إلي عُلبة "شوربة آندي وارهول". ويؤكّد: "هناك تطوّر واضح في الصنعة، يتجاوز السهولة المستهترة التي ارتبطت بالفن المعاصر وما بعد الحداثة".