علي طول كورنيش الإسكندرية من الصعب أن تجد ضابط شرطة أو أي ممثل للسلطة. ربما لأن البحر لا يحتاج إلي شرطة لتنظيمه، أو ربما لأنه يقع خارج حدود اختصاص المسئولين. دائماً كان شط وكورنيش الإسكندرية مساحة مفتوحة للحرية. موضوعاً لعشرات الأغاني والأعمال السينمائية والأدبية. الحب بفروع شجرته المتعددة مربوط دائماً بالبحر وبكورنيش الإسكندرية، حتي أنه أصبح تيمة معروفة عربياً من خلال أغنية فيروز "شط إسكندرية يا شط الهوا". لكن اليوم كل شيء تبدل، ففيروز التي كانت صوتاً وقيمة لبنانية وعربية أصبحت ممنوعة من الغناء بأمر من المحكمة. وشط إسكندرية الذي كان شطاً للهوا والغرام أصبح اليوم مساحة للصراع تعكس الجدل الدائر داخل المجتمع المصري بين مختلف التيارات لا عن التعذيب، أو الانتخابات، أو حتي الديمقراطية.. بل عن الحب، الذي أصبح مساحة للاختلاف بين رافضين ومؤيدين ووسطيين. البداية كانت بسيطة جداً، فكل صيف اعتاد الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية المختلفة في إسكندرية علي القيام بحملة في الشوارع وجدران البيوت والمؤسسات تحمل بعض الشعارات التي تحذر من معصية الله، والنظرة التي هي سهم من سهام إبليس. تحولت حملات الإخوان إلي أمر عادي. تفصيلة صغيرة من المشهد العام للمدينة. لكن سنة بعد سنة تقدمت ملصقات الإخوان نحو الكورنيش مكان لقاء معظم العشاق. شط الهوا بتعبير السيدة فيروز. والهوا كما نعرف من الشيطان، لهذا فقد بدأ الأصوليون في مهاجمة الشيطان في عقر داره علي الكورنيش، حيث انتشرت علي طول الكورنيش عبارات من نوع "أترضاه لأختك؟" وبجوارها رسم تجريدي لكرتين تحتضنان بعضهما، أو عبارة أخري تتكرر بكثافة "ألم يعلم بأن ... يري" حيث لسبب غامض يري الأصوليون في كتابة لفظ الجلالة "الله" علي الصخر أمراً مرفوضاً لذلك يكتفون بكتابة العبارة دون لفظ الجلالة. إلي هنا والأمر عادي جداً، فالشارع في مصر دائماً مقسم بين الحزب الوطني والأصوليين بتياراتهم المتعددة من جهة. والإثنان يتصارعان دائماً علي فرض أكبر قدر من القوانين علي المواطن. لكن ما حدث بداية من هذا الصيف، هو ظهور تيار جديد علي ما يبدو لم تعجبه حملة الأصوليين ذات شعار "أترضاه لأختك؟!". تيار لا توجد فرصة للتعرف عليه إلا من خلال الشعارات التي يكتبها رداً علي حملة الأصوليين. بدأ الأمر علي استحياء فبجوار كل صخرة كتب عليها الأصوليون "أترضاه لأختك" كتب أحدهم عبارات من نوع "نعم أرضاه"، "يا ريت"، "أنا حره". ثم انتقل الأمر من مجرد الرد علي سؤال "أترضاه لأختك؟" إلي الهجوم مستخدمين سلاح السخرية، فبجوار عبارة أترضاه لأختك، رسم أحدهم صورة لوجه شخص ملتح سعيد، وبجواره قلب أحمر ثم صورة أخري لامرأة منقبة! توالت بعد ذلك الأسلحة الثقيلة دفاعاً عن الحب "حبو بعض"، "أري الله في عينيك يا حبيبتي" لفظ الجلالة هذه المرة كان مكتوباً لكن أحدهم رأي فيه أمراً مرفوضاً فقام بمحاولات لمسحه، ثم تتوالي الجمل المقتبسة من أشعار أمل دنقل وأغاني محمد منير "مش محتاج أتوب حبك مش ذنوب"، "شرط المحبة الجسارة"، "دائماً أنتِ في المنتصف/ أنت بيني وبين السكوت.. وبيني وبين الكلام". ولأن الحب هو الجزء الظاهر من جبل الجليد الذي يحمل منظومة متكاملة من الأفكار الرجعية التي تري في الحب جريمة فقد جاءت بعض العبارات تدعو إلي "الثورة الملونة"، "المجد لمن قال لا"، أو تحمل استنكاراً "امتي آخر مرة قريت كتاب؟!". في منتصف هذه المعركة بين التيارين برز تيار آخر وهو التيار الذي رفع شعاراً "بالحب الحرام تسقط المرأة من أعين الرجل" وكتبت هذه العبارة بخط أنيق جداً، وبنفس الخط تكررت عبارة "الحب مش عيب الحب الحرام هوّ اللي عيب"، والرد علي هذا التيار كان ساخراً حيث كتب أحدهم بجوار العبارة الأخيرة "عيش وسيب الناس تعيش" بينما فضل آخر كتابة عدد كبير من عبارة واحدة "بحبك يا شيرين" مع العديد من القلوب الحمراء. في وسط كل هذه الفوضي التي تبدو كمعرض فني ممتد علي طول الكورنيش، ظهر شخص آخر قام برسم صورة صغيرة جداً لحيوان "الكوله". يتكرر ظهورها بين طوفان الشعارات والعبارات المتصارعة.