كتبت الناشرة والكاتبة بروك وارنر مقالاً قصيراً في "هيفينجتون بوست"، نصحت فيه الكُتاب، خاصة المبتدئين منهم، بألّا يكتبوا أعمالاً ضخمة الحجم، وأن يجعلوا من حجم ال80 ألف كلمة الحد الأقصي لأعمالهم مبررةً اقتراحها هذا بثلاثة مبررات. ما لفت نظرنا في "بستان الكتب" لما كتبته بروك وارنر رغم إشكاليته، هو أنه مثال واضح علي كيف تختلف نظرة الناشرين إلي الكِتاب عن نظرة الأدباء، يستوي في هذا الناشر العربي مع الناشرين الغربيين، فنظرة الناشرين، في معظمها، تجارية بحتة، تضع حسابات المكسب والخسارة في المقدمة. وحتي إن اهتمت بالقيمة الفنية، فهي لا تُسكِرها بحيث تنسي الأرقام والحسابات الباردة. تباري كثيرون في مدح "الكتابة بممحاة"، وشددوا علي أن جودة كاتب ما تتبدي في قدرته علي الحذف أكثر مما تتبدي في قدرته علي الإضافة، وعدّ النقاد الرشاقة وعدم الترهل بين أهم مزايا العمل الجيد، لكن بروك وارنر غير مشغولة بهذا في كلماتها التالية، فهي تنظر بعين الناشر العملي لا عين المبدع المشغول بالمعايير الأدبية دون التفات لما يقع خارج حدود عمله. اقتل حبيبك. عبارها سمعها الجميع، لكن كم منكم كان شجاعًا كفاية ليكون قاسياً بدرجة حقيقية تجاه كتابته، ليختصر منها بقوة وجرأة إذا لزم الأمر؟ كم منكم كتب مخطوطة طويلة جداً وسمح لمحرر أدبي أن يقتطع أجزاءً ضخمة من عمل احتاج أسابيع وربما شهوراً من الجهد والدأب ليُكتب؟ الكتاب الشجعان يفعلون، وكذلك الكتاب الذين يفهمون "بيزنس" الكتابة، ويفهمون أن الكتب الطويلة جداً تُباع بصعوبة. هناك، في الواقع، قراء، ناشر، واعتبارات تكلفة تبرر لماذا 80 ألف كلمة هو معيار الحجم الأفضل للكتاب. وسوف أجادل بأنه في مناخ النشر اليوم، الأقل هو الأكثر، وهذا هو السبب: مدي الانتباه أقصر. الناس تقرأ أكثر من أي وقت مضي، لكن هناك منافسة أكثر من أي وقت مضي علي اهتمام هؤلاء القراء- والمنافسة ليست فقط مع الكتب الأخري. فككاتب أن تتنافس مع المحتوي الإلكتروني كالمدونات والمواقع الإخبارية، ومع أي شيء يقرأه القرؤء. إذا كان هذا بإمكانك، ضع أقل من 80 ألف كلمة هدفاً لك! عملت مع روائيين وكتاب سيرة ذاتية يكتبون كتبًا في حدود 60 ألف كلمة، وهو شيء لم أكن لأشجعهم عليه قبل عشر سنوات. الكتاب سوف يتجادلون معي حول هذه النقطة، أعرف هذا، سوف يذكرونني بكتب بِست سيللر طويلة بدرجة جنونية، مشيرين إلي كتاب نجحوا بكتب طويلة (جي كي رولينج، كارل أوفه كينسجارد، كين فوليت) لكن هؤلاء الكتاب استثناء، ومعظم القراء ليس لديهم ببساطة التركيز المطلوب للسرد الطويل. لذا إذا كنت تبدأ مسيرتك الأدبية، اكتب أعمالاً قصيرة، إذا كان العمل قد طال منك ولا تزال بعد في مرحلة ما قبل الطباعة (ويمكنك تقبل هذا) احذف، احذف، احذف مع محررك! الكتب الطويلة بشكل مبالغ فيه أعلام تحذير حمراء للوكلاء الأدبيين ومحرري دور النشر. بينما سيكون هناك مجال دوماً في الساحة الأدبية للأعمال العظيمة للمؤلفين، يجب ألا تشعر بأن عملك الأول سيكون بين هذه الأعمال. في الواقع، من الأفضل لك ألّا يكون. وضع نفسك علي الخريطة بعمل معقول، يعد استرتيجية جيدة. الكتب الطويلة مخاطرة كبري، ومن الصعب بيعها. الناشرون، في معظمهم، لا يرغبون في التعامل مع التكلفة الأعلي لنشر الكتب الضخمة، ومعظم المؤلفين يمكنهم اللجوء لتحرير عنيف. أخبرتني إحداهن مؤخراً أنها رأت أن محرر الكاتبة جودي بيكو أصبح رفيقاً بعض الشيء. وأظن أن هذه ملاحظة مثيرة للاهتمام، لكنها قادتني للتفكير في أن معظم المحررين الأدبيين يتجهون للتعامل برقة مع مخطوطات الكُتّاب لأنهم لا يُمنَحون الصلاحيات لأن يكونوا عنيفين. من السهل أن تثمِّن عملك، والأكثر صعوبة أن تثق في أن عيناً موضوعية (متبوعة بجهد أكبر منك) يمكنها أن تكون ما يحتاجه وليدك بالضبط كي ينجح. كلما زاد طول الكتاب، ارتفعت تكلفة انتاجه. معظم الكتاب لا يفكرون في طول كتابهم وعلاقته بالتكلفة المادية، لكن الناشرين يفكرون في هذا. وإذا كنت تنشر نشراً ذاتياً، أو تدفع فاتورة طباعة عملك فأنت تحتاج للتفكير في هذه النقطة أيضاً. كلما زاد طول الكتاب، كلما ارتفعت تكلفة: تحرير المخطوطة، التصميم، والطباعة. إذا كان لديك كتاب من 400 صفحة فأنت تخصم من أرباحك حتي يكون سعر الكتاب معقولاً. ومع هذا أنت تريد لسعر الكتاب أن يكون تنافسياً حتي تنافس الآخرين بشكل جيد. سوف تكتشف إذا انتهي بك الأمر بطباعة كتابك حسب الطلب (طريقة المستقبل) أن الكتاب المفرد غالٍ، وهذا يجعل من الضروري أن يكون عدد صفحاتك ليس كبيراً. الفرق في التكلفة بين كتاب من 60 ألف كلمة وآخر من 100 ألف كلمة حوالي 20 ساعة عمل، وقرابة مليون ونصف وحدة طباعة. فارق ضخم بغض النظر عمّن يدفع الفاتورة. بروك وارنر مديرة دار نشر She Writes أو (هي تكتب) المتخصصة في النشر للكاتبات حصراً.