رئيس الأساقفة جاستين بادي نشكر مصر بلد الحضارة والتاريخ على استضافتها    أوروبا تعتزم تأجيل تطبيق أجزاء من القواعد الدولية الجديدة لرسملة البنوك    رؤساء مؤتمر الاستجابة الطارئة في غزة يدينون عمليات قتل واستهداف المدنيين    بينهم طالب عبد الله.. إسرائيل تغتال 4 من قادة حزب الله في لبنان (تفاصيل)    أورسولا فون دير لاين تحصل على دعم ممثلين بارزين بالبرلمان الأوروبي    رئيس لجنة المنشطات يفجر مفاجأة صادمة عن رمضان صبحي    أيمن يونس: أحلم بإنشاء شركة لكرة القدم في الزمالك    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    مشاجرة بين رضا البحراوي وشقيق "كهربا" والأخير يهشم سيارة المطرب    مفاجآت بالقضية.. «سفاح التجمع» أمام المحكمة اليوم    العثور على جثة شخص مشنوق بالطريق الصحراوي بالكيلو 17 العامرية بالإسكندرية    شيرين عبد الوهاب تتصدر "إكس" بخبر خطبتها، ولطيفة: يا رب ترجعي زي الأول ويكون اختيار صائب    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها في الأضحية والمضحي    هذا ما يحدث لجسمك عند تناول طبق من الفول بالطماطم    واشنطن بوست: عملية النصيرات تجدد التساؤلات حول اتخاذ إسرائيل التدابير الكافية لحماية المدنيين    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: شكوى للجنائية الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه    النمسا وقيرغيزستان تبحثان تعزيز التعاون في مجال الطاقة    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    بيمكو تحذر من انهيار المزيد من البنوك الإقليمية في أمريكا    أدنوك تقترب من الفحص النافي للجهالة لشركة كوفيسترو الألمانية للكيماويات    ترقي الممتاز.. سبورتنج يتحدى الترسانة في مباراة ثأرية بالدورة الرباعية    رئيس شركة مياه مطروح يكشف موعد انتهاء أزمة المياه بالمحافظة    عيار 21 الآن بالمصنعية.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 12 يونيو 2024 بالصاغة بعد الارتفاع الأخير    ليست الأولى .. حملات المقاطعة توقف استثمارات ب25 مليار استرليني ل" انتل" في الكيان    البنك المركزي المصري يحسم إجازة عيد الأضحى للبنوك.. كم يوم؟    طقس عيد الأضحى.. تحذير شديد اللهجة من الأرصاد: موجة شديدة الحرارة    ظهور حيوانات نافقة بمحمية "أبو نحاس" : تهدد بقروش مفترسة بالغردقة والبحر الأحمر    والد طالب الثانوية العامة المنتحر يروي تفاصيل الواقعة: نظرات الناس قاتلة    السيطرة على حريق نشب داخل شقة سكنية بشارع الدكتور في العمرانية.. صور    البنك الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في 2024    رسميًا.. تنسيق الثانوية العامة 2024 في 5 محافظات    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    هل الأضحية فرض أم سنة؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج ب عيد الأضحى: كل عام وأنتم بخير    الحق في الدواء: إغلاق أكثر من 1500 صيدلية منذ بداية 2024    تريزيجية: "كل مباراة لمنتخب مصر حياة أو موت"    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    أحمد عز: "أنا زملكاوي وعايزين نقلل حدة التعصب عشان ننتج ونبدع أكتر"    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    يوسف الحسيني: القاهرة تبذل جهودا متواصلة لوقف العدوان على غزة    حازم إمام: نسخة إمام عاشور فى الزمالك أفضل من الأهلي.. وزيزو أفيد للفريق    مصدر فى بيراميدز يكشف حقيقة منع النادى من المشاركة فى البطولات القارية بسبب شكوى النجوم    رئيس جامعة الأقصر يشارك لجنة اختيار القيادات الجامعية ب«جنوب الوادي»    63.9 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    رمضان السيد: ناصر ماهر موهبة كان يستحق البقاء في الأهلي.. وتصريحات حسام حسن غير مناسبة    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    وزير الخارجية الجزائري يبحث مع أردوغان تطورات الأوضاع الفلسطينية    رويترز عن مسئول إسرائيلي: حماس رفضت المقترح وغيّرت بنوده الرئيسية    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية بلة المستجدة ببني مزار    فضل صيام يوم عرفة 2024.. وأبرز الأدعية المأثورة    شيخ الأزهر لطلاب غزة: علّمتم العالم الصمود والمثابرة    يوافق أول أيام عيد الأضحى.. ما حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة؟    نقابة الصيادلة: الدواء المصري هو الأرخص على مستوى العالم.. لازم نخلص من عقدة الخواجة    وكيل «صحة الشرقية» يناقش خطة اعتماد مستشفى الصدر ضمن التأمين الصحي الشامل    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر الفصل الثانى من رواية "ونسة" للكاتبة سامية بكرى
نشر في اليوم السابع يوم 25 - 08 - 2014

فى أمسيات مقمرة كانت ونسة تتركنا وتتسلل إلى حجرة نوم والديها، وهى تتلفت حولها، وكأن أحدهما قد يفاجئها متلبسة بدخول الحجرة، تسمع من بعيد صوت أمها تؤنبها بعد أن كسرت زجاجة عطر، أو استخدمت الملقاط فأزالت نصف شعر حاجبها الأيمن.
تنظر إلى السجادة وقد غاصت أقدامهما فيها، وتركت آثاراً لآلاف الخطوات ما بين الباب والسرير وما بين السرير والتسريحة أو الدولاب.
حين تفتح الدولاب لتلقى نظرة بداخله يهتز مفرش ذهبى صغير مطرز على الكومود كانت أمها قد اشترته فى أحد الأعياد وتمنت لو كان فى حجرتها مثله، تتحسس المفرش ثم تشم رائحة يدها ؛هل هذه رائحة أمها أم أبيها؟ أم أن مرور الزمن وطول المعاشرة جعل لهما نفس الرائحة؟
ملابسهما مازالت كما هى فى الدولاب، ترفض حتى إعطائها لفقير يحتاجها.
تقول لم يبق من رائحتهما غيرها.
تقف أمام مرآة التسريحة الكبيرة، وقفوا هنا آلاف المرات حتى أن المرآة قد تكون اختزنت صوراً لهما فى حالات شتى.
تخجل من نفسها حين تباغتها صورتهما وقد اشتبك جسداهما أمام المرآة المثبتة فى مواجهة سريرهما بزاوية محسوبة تماماً.
الآن تستطيع أن تخزن صورا خاصة بها لتستحضرها وحدها كل مساء، ولا يطلع عليها غيرها.
الفكرة تتسحب إلى رأسها فى البداية بنعومة، وكلما قاومتها كلما ازدادت قوة وشراسة وتشبثاً بالحياة وبالقفز من رأسها الى حيز الوجود.
تخلع ملابسها قطعة قطعة، تستعرض تفاصيل جسدها أمام المرآة الكبيرة المذهبة ذات المهابة الغابرة.
تتلمس نهديها متأملة جمالهما، تتعجب للون الحلمتين، لماذا البنى بالذات؟
تتخيلهما بلون وردى يروق لها كثيرا.
تراقب فخذيها وما بهما من شعيرات دقيقة لم يحن بعد اقتطافها بالحلاوة
وعلام التعجل؟
تستدير قليلا وتلتوى لتتمكن من رؤية ردفيها ثم تهمس لنفسها: "جامدة ياونسة والله اللى بيعاكسوا معذورين برضو"
تنهش الفكرة فى دماغها لكى تستكمل خطة تنفيذها، فتمد يديها إلى الرف الخاص بملابس نوم أمها، تستخرج قميصاً من الساتان باللون الأحمرالقانى.
كانت أمها قد هجرت هذه القمصان من قبل وفاتها بما يزيد على عشرة سنين.. رائحة العرق القديمة مع العطر تصنع مزيجا من كمكمة التخزين.
ترتدى ونسة القميص الذى طالما داعب خيالها، وتمنت أن ترتديه وهى طفلة.
من جهازها المحمول تنطلق أغانيها المفضلة، تبدأ فى الرقص على صوت عدوية ثم شيرين وإليسا كل حسب كلماته ولحنه ثم تنهى بأنت عمرى لأم كلثوم.
الرغبة تقلق الروح، وليس الجسد فقط حتى لو كانت رغبة مجردة غير مرتبطة بشخص بذاته.
يبدأ الجسد دائما بالطلب الحثيث، ثم تسانده الروح القلقة المتوحدة بخجل ودون أن تتورط فى تشجيعه يكفى أن تصمت إزاء مطالبه.
صلاة العشاء؟ مش هاتفوتنا حمام سخن بعدها ونصلى.
- مش كده حرام؟
- وإيه الحرام فى كده؟
لاتترك ونسة لروحها فرصة التراجع فهى تعلم أن تلك اللذة التى سيحظى بها جسدها قد تسكنها قليلاً.
تخلع القميص وتحدق طويلاً فى تضاريسها الشابة ونهديها البارزين والنهر المحفور بينهما،
تضغط على حلمتيها برفق، فيجن جنونها ثم تجرى لتختبئ تحت البطانية، رغم دفء الجو.
حين تنتهى من العادة السرية تكون قواها قد خارت، يلتف ذراعاها حول روحها المنهكة الصامتة ونهديها المتعرقين، فيما ترفع فخذيها لتلامس بطنها
ركبتيها، وتستسلم للنوم حتى الصباح.
********
ذات مرة زارتنا نعمة صديقة ونسة التى لم تتوقف عن البكاء والنهنهة والزن طوال جلستها معها.
كانت نعمة تتوسل لونسة أن تساعدها، وتستر عليها.
ردت ونسة بخشونتها المعهودة عليها سائلة إياها:كان فين عقلك يابايظة؟
يبدو من سياق الحديث أن نعمة صديقة مقربة لونسة، فهى تكاد تلطم لفرط صدمتها وفقدان البنت لشرفها، ثم ما تلبث أن تحنو عليها محاولة إيجاد مخرج لها من تلك المصيبة.
حاولت ونسة أن تعرف من السبب فى ضياع شرف نعمة وحملها سفاحًا لكنها فشلت فقالت لها والدموع تغلبها طيب هاتعملى إيه فى المصيبة دى؟
ردت نعمة: تعالى نروح لدكتور نسا وولادة واحدة صاحبتى قالت لى على عنوانه، ساعدينى ياونسة. أنا ممكن أتقتل فيها.
ونسة طبطبت على البنت واحتضنتها، لا أقول أنها وضعت نفسها مكانها فونسة وإن كانت طيبة وساذجة بعض الشىء لكن "كله إلا الشرف ".
إنما ونستنا كانت ضعيفة ياناس أمام أية صديقة، لذا كانت تختارهن بعناية فائقة لأنها تعلم جيدًا أنها وقت الشدة لن تتخلى عن فتاة أو امرأة تقاسمت معها العيش والملح، ولو كلفها ذلك مشقة كلام الناس الذى يسم البدن أو تلقيحهن فى الجيئة والرواح.
ورغم صديقاتها القليلات كانت أمها تنصحها دائما قائلة: ياعبيطة بصى لى أنا لا مصاحبة ولا متصاحبة، وأما يفيض بى الكيل من اخواتى أشكى لأبوكى وأما "يتملعن"أبوكى أشكى لاخواتى.
كان يحق ذلك لأمها، أما هى فبمن تستعيض عن الصديقات؟ لازوج ولا حبيب ولا أخ حنون ينصفها، ولا أخت تستمع لها، فلتكن وسطا لا تكثر من الصديقات ولاتقطع صلاتها بهن تماما، ولتكن نعمة وهدى بنت أم شريف وإيمان زميلتها القديمة فى المدرسة الثانوى هن صديقاتها وموضع أسرارها، لكن إيمان تزوجت وسافرت السعودية، وهدى أيضا تزوجت وألبسها زوجها النقاب، ومنعها من زيارة الصديقات، والأقارب، ولم يبق سوى نعمة حبة أخيرة من عنقود الصديقات القصير.
ألحت ونسة فى معرفة تفاصيل اغتصاب نعمة، وتسمعت أنا الحكاية من تحت كنبة الأنتريه.
حكت نعمة ورأسها فى الأرض قائلة، إنها نامت حزينة فى تلك الليلة، تفكر فى ابنة عمها التى تزوجت من شاب وسيم رغم أنها تصغرها بخمسة أعوام، شعرت أن قطار الزواج فاتها، نامت بكمدها وغلّها وإذا بها تفاجأ بشخص ضخم الجثة ذى شارب عريض يزورها فى الحلم، ويغازلها برقة ونعومة حاولت الهرب منه لأنه لا يشبه البشر لكنه كان يحيط بها من كل جانب ويجدها بسهولة كلما حاولت أن تهرب، وفى النهاية تكورت فى مكانها فيما اقترب منها لينزع عنها ملابسها قطعة قطعة، لم تشعر بأية لذة وهو يرقدها تحته ويدخل فيها شيئا يشبه آلة حفر أو شنيور كبير، وعندما استيقظت من نومها كانت ملابسها الداخلية مبلولة بسائل أبيض لزج، بعدها انقطعت الدورة الشهرية وأجرت تحليلًا عرفت منه بمصيبتها السوداء.
ثم انطلقت تتوسل وتبكى: ساعدينى يا ونسة أنا بريئة والله أنا مغتصبة، ومحدش هايصدق حكايتى
تسألها ونسة:
والجنى دا ماظهرش ثانى طفش يعنى؟
تشردالفتاة قليلا قبل أن تجيب مؤكدة لونسة أنها حلمت به بعدها وقد احترق فى فرن كبير، واختفى أثره بعد أن تحول إلى رماد أسود انتثر فى الجو ولم تعد تراه فى الأحلام بعدها.
راحت الفتاتان لطبيب أمراض نساء تخصص فى هذا النوع من العمليات.
جلستا قبالته ونظراته تتفحصهما، العملية تتكلف 2500 جنيه تخرج نعمة 1500 وتكمل ونسة الباقى.
بعد أن يتم تخذير نعمة تتوسل ونسة للطبيب: خللى بالك منها يادكتور البنت ممسوسة وحامل من جنى مش بنى آدم، أوعى تفتكر إنها لا مؤاخذة بنت كده ولا كده.
يبتسم الطبيب ساخرًا :جنى؟ ماجنى إلا بنى آدم.
تبتلع ونسة تلميحه وتروح تنتظر صديقتها بالخارج، تمر عليها الدقائق كشهور طويلة، تبكى، تبتهل إلى الله أن يمر الموضوع على خير، وأن يستر الله على صاحبتها وعليها من الفضيحة.
تهمهم بقلق وخوف: سواء جنى أو بنى آدم استر يا ستار، اشملنا برحمتك يا عليم بحالنا، احمينا يا رب من ذنوبنا، خليك ستر وغطًاء على ضعفنا وخيبتنا وخطايانا.
تعلم هى أن نعمة بنت جدعة وطيبة وعلى نياتها، تعلم أن روايتها قد تكون كاذبة، لكنها قد تكون صادقة أيضا، ألم يذكر الله الجن فى القرآن؟
ألم يحذرنا منهم ومن أفعالهم؟ وإلا لماذا ينصحنا الشيوخ بالاستعاذة من الخبث والخبائث لدى دخول الحمام؟ ولماذا تنهى المرأة عن التعرى والوقوف أمام المرآة معجبة بجسدها أو فاحصة إياه؟ أليس لأن الجن يتربص بها؟ وقد يقع فى هواها ويجرى ماجرى لنعمة؟
فى كل الأحوال عليها أن تتحمل الموقف حتى نهايته.
خرجت نعمة من التخدير وقد تخلصت من الجنين، واستدعى الطبيب ونسة قائلا: خلاص وهو يشير إلى سلة القمامة، حيث يقبع هناك بجوار القطن والشاش وأمبولات الحقن المستعملة ما أخرجه من بطن نعمة، الدماء فى السلة ورائحة التخدير المنبعثة من فم نعمة أثارا قرف ونسة، فجرت إلى الحمام لتفرغ ما بمعدتها.
تماسكت لتصطحب نعمة فى تاكسى إلى البيت.
ضائعتين حزينتين دخلتا شقة ونسة لتستريح نعمة قليلًا، وبعد أن أفاقت أعطتها ونسة الفوط الصحية التى وضعتها منفذة نصيحة الطبيب: قولى لأمك، إن الدورة نزلت أخيرا، الدم هاينزل لمدة ثلاثة أو أربعة أيام.
خرجت نعمة وهى تقبل ونسة وتشكرها فيما تشعر ونسة بمرارة فى حلقها وهى تربت على كتفها: بس خدى بالك من نفسك بقى.
عادت ونسة بعد هذه الحادثة إلينا أكثر حبًا ورغبة فى تعويضنا عن أيام غيابها وانشغالها بمشكلة نعمة.
أكثر من مرة كانت تحدث كبسة؛ حين يأتى لزيارتها بعض الأقارب فتخبئنا تحت السرير، أو فى بلكونة حجرة النوم، حيث كنا نتسمع ما يقال بالخارج.
فى إحدى المرات اقترحت زوجة أخيها الأكبر أن تباع الشقة لكى يحل كل منهم مشاكله المادية.
ردت ونسة بخشونة: وأنا أروح فين؟
هى دى هى وصية أبويا وأمي؟
حتى عضم التربة نسيتوه؟
كانت أمها قد أوصت ببقاء الشقة، حتى لو تزوجت ونسة، لكى يجتمعوا بها فى الأعياد كما اعتادوا أثناء حياتها.
تساءلت ونسة عن تلك المشاكل المادية التى تصيب فجاة أسر طبيب ومهندس وتاجر.
ليلتها عادت ونسة لتخبرنا فى حزن أن لا أحد يفكر فى ونسة، لا أحد يسأل ماذا يوجعك يابنت
اااه بنت 32 سنة ولسه بنت!
نساء شارعهم فى الحى الشعبى قراشانات؛ طالما ثرثرن حولها وكانت الحكاوى تصلنا، كن يقلن أنها "عانس فاتها قطار الزواج"
والحق أن البنت كانت لها طباع صارمة بعض الشىء مع الناس من حولها، كانت لا تجيد الضحك فى الوش والمحلسة والنميمة، كانت بوجه واحد تقول رأيها دون مواربة وكما حكت لنا وهى فخورة بنفسها: "أقول للأعور فى عينه ياأعور"
ربما اكتسبت هذه الصفة من جدتها لوالدها التى كانت تسير فى الدنيا كالقطار، لاتعرف طريقا للمجاملات الاجتماعية، أو الكلام المذوق، فلاحة مائة بالمائة تشققت بشرتها فى شمس الغيطان، فكستها سمرة محببة، وهبتها الحياة مظهراً أنثوياً مع صوت رجولى خشن، حتى أنهم أطلقوا عليها "وفدية الدكر" لكن جدها زوج الست "وفدية" كان موالًا آخر، وحكاية مختلفة تماما. ونسة كانت تحب جدها "الحاج على" كثيرا، تسترجع معنا ذكرياتها معه قبل أن يتوفى عن عمر يناهز التسعين فيما كانت هى فى الثالثة عشر، الجد كان متصوفا كبيرا هكذا تؤمن ونسة ككل العائلة، ألايكفى أنك حين توقظه فجأة ينتفض ويصرخ:"حيّ" ا؟
أليس معنى ذلك انشغاله الدائم بذكر الله نائمًا وصاحيًا؟
كان الجد أيضا يقرأ لابن عربى وجلال الدين الرومى ويطرب لإنشاد الشيخ ياسين التهامى حين يقول:
أكاد من فرط الجمال أذوبُ
هل يا حبيب فى رضاك نصيبُ
كان جدها يحضر حلقات الذكر فى القرية، ويصاحب دروايش السيدة زينب والحسين.
ذات مرة غاب جميع من بالبيت إلا الجد وونسة التى جاءته باكية معتذرة لأنها أكلت نصف كمية الجبن القريش خالى الملح المخصص للجد صاحب الضغط العالى، ضحك الجد كثيرا ومازحها بأن من يأكل جبن المرضى يدخل النار وفى فمه طبق جبن لا يخرج منها حتى يطعم إبليس وزبانية النار منه.
تبكى ونسة لأن عملتها ستعرضها لخدمة إبليس، ويضحك الجد ويفهمها أنه يمزح، يأخذها فى حضنه يباركها ويقرأ آية الكرسى على رأسها، يقول لها أنت فتاة مباركة، ضميرك صاحى والخير يجرى فى دمك.
هالة من النور والرضا كان يراها الجد وحده فوق رأس ونسة أينما راحت، أما الأم وبقية العائلة فلم يكونوا يلقون لكلام الجد بالا، تسميها الأم هلوسات، ويسميها الأب دروشة.
يروح الجد فى تسبيحاته وتهويماته من بعد عودته من صلاة الفجر متعكزًا على ونسة التى تجلس تتساءل أمها ساخرة: هالة مين؟ وضمير إيه؟
البنت كانت خايفة أن حد يكتشف أكلها جبنة جدها المريض فنوبخها فاعترفت بنفسها آدى كل الحكاية.
وتراقبه وهو يردد أسماء الله الحسنى، ويسبح، ويحوقل ثم يحكى لها عن كلمات مولانا جلال الدين الرومى: المؤمن الذى غذاؤه التقوى المتقدة يستلهم بدموعه معرفة لم تدرسها المدارس قط
ربما فهمت نصف الكلام وربما حفظته لجرسه الجميل ولطريقة الإلقاء المنغمة التى كان يقوله بها الجد، لكنها مازالت تحفظه وتردده حتى اليوم.
معنا كانت ونسة تحكى وتحكى وهى تطعمنا وتحممنا، نسمع الأغانى ونرقص سويا أمامها، ننثر أوراق الورد على وجهها، نعد لها الشبشب لكى ترتديه فى الصباح ونحمل لها الروب الحريرى ونساعدها فى تنظيف المنزل والطبيخ.
وفى المساء تفتح قنوات الأفلام الأجنبية؛ فتزورنا "جوليا روبرتس"، و"أنجلينا جولى"، ونرى ونسة تتحدث مع "توم هانكس"، وتبكى على صدر "ريتشارد جير"، وتراقص "آل باتشينو".
لم تعدم ونسة لحظات من الفرح زارتها ونحن معها كان مايفرحها غير مايفرح بقية البنات لا الذهب ولا الملابس ولا الفلوس.
مرة رأت عصفورًا وحيدا يقف على سور بلكونتها، يلتقط حبوبًا وقعت سهوًا منها وهى تنقى الأرز.تعمدت بعد ذلك أن تترك طبقا مليئًا بالحبوب المنوعة، واعتاد العصفور أن يرتاد بلكونتنا يوميا ليلتقط الحبوب، ويومًا بعد يوم زاد وزن العصفور، وصار غير كل العصافير.
رأى العصفور ونسة مرة تبكى وحدتها واحتياجها لحضن دافئ، فبكى حتى أغرقت دموعه أرضية البلكونة، وسرحت على الصالة الكبيرة حيث تجلس ونسة التى لامست قدماها بركة المياة الساخنة، انتفضت مندهشة وتوقفت عن البكاء كان الوقت صيفا وهذه ليست أمطار.
خرجت إلى بلكونتها لتجد العصفور يذرف الدمع لأجلها، اقتربت منه وقبلته فى فمه، وسط ذهولنا انقلب العصفور إلى شاب وسيم طويل ذى عينين عسليتين واسعتين، كان يشبه الممثل عمرالشريف فتى أحلام ونسة الذى حفظت أفلامه عن ظهر قلب.
فؤاد ونسة الذى انخلع لم يكن على قدر المفاجأة، أغشى عليها، فجرينا إليها لننقلها إلى سريرها، وبينما قام بعضنا بإسعافها وإفاقتها، كان آخرون يبحثون فى البلكونة عن العصفور وبركة المياه لكنهم لم يجدوا شيئا سوى قلوب ورقية صفراء ووردية ملقاة على كرسى البلكونة البلاستيكى، وبعض الحبوب التى كانت تقدمها للعصفور.
فى أمسيات أخرى كنا نستمع إلى أم كلثوم تشدو بأغانيها على قناة روتانا كلاسيك أو الإذاعة، تسرح طويلا فى معانى قصائدها وأغانيها، تتذكر جدها المتصوف حين كان يؤكد لها أن أم كلثوم لاتغنى لمحبوب رجل فان، يأكل الطعام ويدخل الحمام مثلنا، إنها تشدو وتهيم فى حب الله ورسوله.
أليست القائلة: دعانى لبيته لحد باب بيته؟سيدة محترمة فى مقامها أتزور رجلا فى بيته؟طبعا تقصد زيارة بيت الله الحرام، وهكذا فى بقية أغانيها وقصائدها إنما تناجى الله وتتغنى بعشقه، ويحسبها العامة والجهال تغنى لمشاعر فانية كأجسادهم البشرية.
ذات مغربية عاد الولد الوسيم الذى كان عصفورًا مرة أخرى وهى تسمع أم كلثوم فى أغنية أغدا ألقاك، اقتربت منه ونسة وقبلته فى فمه، عاد لطبيعته عصفورًا، ربتت ونسة على ظهره وأطلقته يطير فى الهواء مخلفا وراءه رائحة زكية وبعض القلوب الورقية الوردية.
تبتسم ولا يحزنها فراقه، وتروح تطبخ لنا ألذ الأطعمة، فقد انفتحت شهيتها بعد عشرتها معنا، وصارت تعد لنفسها أطباق الخضار واللحوم والأرز، ونأكل نحن الجبن الرومى واللانشون، وأحيانا الفراخ والسمك الذى نعشقه
أخوة ونسة الرجال مختلفون عنها تماما، ونسة كانت حبة كريز سمراء ملتهبة بالمشاعر حانية القلب، فيما كان إخوتها يشبهون الخيار أو القرع "يمدون لبرا" كما كان الجد يردد دائماً
كنت أسمعها تشكو لصديقتها نعمة جفاء أخوتها، وقسوتهم، وانكفاء كل منهم على بيته وزوجته تماما كما كانت تقول أمها متندرة بالمثل الريفى: اللى أحطها تحت فخدى أحسن من أمى وأختى.
الواحد منهم لايستمع لشورى أو رأى إلا من زوجته الخبيثة ذات الرغبة الدائمة فى السيطرة على ونسة وعلى الشقة ومحتوياتها.
تستكثر عليها زوجات الأخوة ماتركه لها الأب والأم من أثاث وأجهزة كهربائية ومعاش شهرى، رغم أنهن يعشن عيشة مستريحة ولاينقصهن شىء، إلا أن فلوس ونسة، والبيت الكبير المطل على ميدان السيدة زينب العريق يحلو دائما فى عيونهن.
الشقة تساوى الكثير فلماذا لاتنتقل ونسة للإقامة مع أسرة أحدهما؟ وتؤجر الشقة ليحصل كل أخ على نصيب من الإيجار أو يتم استغلالها فى أى مشروع تجارى؟
تلك الأفكار كانت تدور دائما فى رأس ونسة، ربما كانوا فعلا يفكرون هكذا، وربما لم يكن أحد يأبه بكل ذلك، ربما كانت مجرد مخاوف وأوهام، من يعرف؟
معارف ونسة قليلون لكنهم مميزون من أهمهم الكونتيسة أم عزة؛ صاحبة محل لمستلزمات بدل الرقص ودلالة وبائعة ملابس.
والكونتيسة ليس اسمها فى دفاتر الحكومة وكمبيوتراتها، ولا حتى لديها ابنة اسمها عزة فاسمها الحقيقى أمورة.
و"أمورة" حكايتها طويلة؛على أنغام أم كلثوم وهى تغنى، والبخار يتصاعد من أكواب الشاى باللبن الساخن كانت دردشتها الصاخبة المرحة مع ونسة كل يوم خميس.
كانت كل بيوت الحى تتعامل معها بتحفظ من بعيد لبعيد، تجلب لهم قمصان النوم والملاءات لجهاز العروس، ولا يخلو الأمر من بدلة رقص أحيانا تطلبها الفتاة المدندشة سرًا من خلف ظهر أمها وتتيحها لها أم عزة بسعر متهاود، وقد تكتشف أم الفتاة وجود البدلة فى جهاز ابنتها فتلقى بها فى وجه الدلالة إذ أن البيت محترم، والبنت لا يجب أن تخرج منه ببدلة رقص، ألا يكفى قمصان النوم والملابس العارية للبيت؟
فليشترى العريس بدلة رقص إذا كان له مزاج، وإذا لم يكن فلتوفر الأسرة ثمنها المرتفع، وما قد تجلبه من مصمصة شفاه أم العريس التى ولابد سوف تتفقد جهاز العروس وملابسها قطعة قطعة ليلا بعد أن تفرش العروس وأهلها وأصحابها الشقة.
فى تلك الليلة وكما هومتعارف عليه فى الاحياء الشعبية تروح أم العريس وبعض قريباته وبعض سيدات الحى من الجيران إلى شقة الزوجية،
يبدأن أولا بفحص طريقة فرش الجهاز، ورائحة المكان، ثم يتجهن إلى المطبخ للفرجة على أجهزته من ثلاجة وخلاط ومفرمة، ويفحصن الملاعق والاطباق، والحلل، وأطقم الصينى والجيلي، والأكواب والكاسات، ثم يأتى دور الدولاب فيفتحنه ليشاهدن ملابس العروس وقمصان نومها قطعة قطعة
وياويل العروس وأهلها من السنتهن الحادة لو لم ترق الرفائع للحماة
تستمع ونسة إلى حكايات الكونتيسة مبهورة، فلولاها ماعرفت الكثير من دقائق أسرار البيوت، بل ونفوس أصحابها تلك الدروب المتعرجة المستعصية على الفهم والمثيرة للشفقة أحيانا، وللإحباط أحيانًا أخرى وللسخرية ثالثة.
أم جويا كانت حكايتها دائما هى الأكثر إثارة وهى تلك الجارة التى تسكن العمارة المجاورة مباشرة لعمارة ونسة.
تزوجت أم جويا" أو "كريستين" من عماد صاحب محل الذهب بالصاغة وعاشا حياة هادئة أنجبا خلالها "جويا وأليس"إلى أن تعرف عماد على فتاة لعوب بدأت تنصب شباكها حوله، لم تكن ترغب فى الزواج منه لاختلاف الأديان كانت فقط تريد أمواله، ولأن عماد كان قليل الخبرة تصرف كزوج فى منتصف الثلاثينات انشغلت زوجته الشابة بعملها فى مكتبة الكنيسة صباحا وبابنتيها بقية النهار، وبالنوم ليلاً مرهقة ومتعبة.
تصوم أم جويا وتصلى كثيرًا وتتصدق، وتقول أن الجسد فان، تكره أن تستجيب ليلا لما يلذ للنساء، لاتحب العطر، والقمصان الوردية والسلاسل وخلافه كما تحكى الكونتيسة وهى تشفط رشفات الشاى أبو لبن الساخن، ثم تتكرع وهى تحكى لونسة الغارقة فى الدهشة لأذنيها
البنت اللعوب ظلت تخايل الجدع فى محل عمله، تدوخه بعطرها تارة وأخرى بتثنى أجزائها السفلى المحشورة فى جيب أسود قصير ضيق يكشف عن ساقين بلوريتيين، تتمايص فى الكلام وتصوب نظراتها اللعوب إلى عينيه.
العجيب أن أم جويا لم تكن وحشة أو منفرة أبدًا، على العكس كانت بيضاء ناعمة البشرة، متواضعة، حلوة الروح، لكنها كانت مشغولة لشوستها فى العمل والبيت، والرجل من هؤلاء يريد من تناغشه، وتهتم برجولته وتدلله خاصة فى السنة السابعة من الزواج كما أكدت خبيرة العلاقات الزوجية الخاصة أم عزة التى تضحك وتدارى سنتها الذهبية وهى تقول لونسة أنها لاتريد أن تفتح عينها على هذا الكلام، ثم تواصل، مع الأيام دبت مشكلة كبيرة بين عماد وزوجته بسبب البنت اللعوب، فقد ظلت كريستين تتجاهل كلام الناس الذى وصلها عن خروج عماد مع الفتاة واصطحابه لها فى سيارته وأحيانا فى شقق أصدقائه المهاجرين إلى كندا والتى أستأمنوه على مفاتيحها، أو شقته الخاصة فى الشيخ زايد، لم تعد تصبر على كل ذلك وبعد أن كانت تداوى قلبها بالصلاة والصيام انفتحت عيناها رغما عنها على الجحيم حين رأت دليل الخيانة، فقد بلغ به الاستهتار أن يشيل ملابس نسائية داخلية تخص غيرها فى جيوبه.
انفجرت فى وجهه وهو عائد يتطوح فى الثانية صباحا، والحق أن صوتها لم يعلو ليسمع الجيران، لكنها أنذرته بالفضيحة لو لم يعد إليها وإلى بيته مستقيمًا تائبًا
بعد أن أفاق من سكره بكى عماد كثيرًا بين يديها، استعطفها ألا تفضحه وألا تتركه، قال إنه لايستطيع أن يقطع علاقته بالبنت، ولا يستطيع أن يترك زوجته وأم أولاده، اعتذر ومرمغ أنفه تحت قدميها ذات الكعبين المتشققين.
قالت له أنها مصدومة فى حبيب عاشت له وأب وزوج كانت تراه مثالا للرجل المحترم العاقل.
قال لها إنها السبب وأن ماتحرمه منه وجده لدى أخرى.
كبرياؤها كان يقع قطعة قطعة متناثرًا على أرضية الحجرة، ثم قامت لتنام فى حجرة البنتين وتركته وهو استلم السرير ليفرد جثته عليه.بعدها خرجت إلى الحمام أكثر من مرة لتتبول حتى أنها شكت أن يكون أصابها السكر على أثر الزعل، كما حكت لى المقدسة تريز والدتها، مرت على حجرة النوم ونظرت إليه فوجدته وقد راح فى نوم عميق، بدا وجهه كطفل مطمئن عرفت أمه بعملته فلم يعد يخشى افتضاح أمره. ينام عماد قرير العين، لايخشى أن تأتيه ضربة أذى أو حتى قرصة أذن من كريستين، فهو يعلم كم تحبه، ويعلم كم هى طيبة ومسالمة، قد تؤذى نفسها ولاتؤذيه، وربما كان هذا هو مادفعه لخيانتها بكل تلك الجرأة والاستهتار والطيش. قال يافرعون مين فرعنك؟ قال مالقيتش حد يلمنى.ويعود بعدها عماد لينغمس فى الخيانة مرات ومرات، بلا أية محاولة لإصلاح حاله أو إصغاء لنصائح الأهل والأصدقاء، أصبح يفعلها عينى عينك لا خوف ولا مدارة.
ليالى طويلة من الوحدة والأسى قضتها كريستين قبل أن تقرر اللجوء إلى الطلاق، سنوات طويلة ضاعت من عمرها بين طرقات المحاكم ومكاتب المحامين، لكن الأمر شبه مستحيل؛ الكنيسة تصعب الأمر والطلاق أسهل منه الموت، وهى لن تلجأ الى اتهامه بالزنا.
ماحدث ذات يوم أن الجميع صحا على خبر وفاة كريستين، لا أحد يعلم إذا كانت ماتت مقهورة بعد أن هددها عماد باستعادتها عنوة إلى بيته
أم ماتت لأنها كرهت الحياة وزهدتها، فصعدت إلى الله علها تجد العدل فى مكان آخر، المهم أنها ماتت ياولداه وارتاحت، لكن الذى لم يرتح، ولن يرتاح بقية عمره هو الموكوس عماد كما تسميه أم عزة، لايعلم أحد من أين طلع له الضمير على كبر، فيقولون أن ضميره يعذبه ويؤنبه ليل نهار بذنب كرسيتين، ويقولون أنه زهد النساء جميعًا، وأنه يزور قبرها يوميا.
ترى أم عزة أن كريستين كانت أولى بكل هذه الدموع فى حياتها، كانت أحوج لكلمة حنونة، وحضن زوج مخلص ووردة واحدة من تلك الباقات التى يطلع بها القرافة عليها
تسرح ونسة فى كلام أم عزة، تفكر فى زوج حنون مخلص، تخشى أن تتزوج من رجل وتنجب منه ثم يخونها أو يطلقها
تشرد فى أهمية حضن رجل دافئ فى ليلة شتاء كتلك تقول لنفسها :ربما كان هناك رجال أوفى وأكثر إخلاصا ومودة من عماد جارهم
تطمئنها أم عزة :لا؛ صوابعك مش زى بعضها.
تعرفى ياونسة؟
نعم يا أم عزة
- فيه رجالة مايملاش عينهم غير التراب
وتنسج أم عزة خيوط حكاية جديدة مع كوب شاى جديد سادة تصبه لها ونسة،
وتنصت ونسة لحكاياها حتى تتثاءب وهى تسألها :
هيه وبعدين ؟
- ولاقبلين، أسيبك بقى دلوقت أنا قربت أنام على روحى.
الجدير بالذكر أن الرواية صدرت مؤخرًا عن دار روافد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.