لماذا اتهم قيادات الحزب أحمد حسن بالعمالة للأمن وتفجير الحزب من الداخل أسرار إطاحة ضياء الدين داوود بحمدين صباحى من بيت الناصريين هيكل ونجيب محفوظ كانا من أوائل الداعمين للحزب.. وشخصيات عربية تدخلت لتقريب وجهات النظر بين المتنازعين الأذرع الأمنية لنظام مبارك استغلت انسحاب كبار القيادات ودفعت برجالها في المناصب القيادية قبل أن تقرأ إقامة حياة ديمقراطية سليمة كان واحدًا من أهداف ثورة يوليو عام 1952م عندما قرر مجلس قيادة الثورة اغتيال النموذج التعددى في ذلك الوقت.. مضت السنوات تهضمها سنوات دون أن تقام حياة ديمقراطية سليمة وتحت وطأة الحرب لم يستطع أحد أن يذكر الثوار بما قطعوه على أنفسهم حتى جاء السادات إلى سدة الحكم. بعد انتصار أكتوبر المجيد كان الرئيس السادات قد فكر وتدبر وقرر أن يعيد التعددية إلى الحياة السياسية بتحويل المنابر الثلاثة إلى كيانات حزبية.. حزب مصر.. حزب التجمع.. حزب الأحرار.. هكذا عادت الحياة الحزبية قبل أن تطوى السبعينيات صفحاتها بثلاث سنوات وهكذا ولدت التجربة التعددية الثانية من رحم النظام.. ولدت مبتورة تشوهها عيوب خلقية بدت واضحة عندما قرر صاحب التجربة التعددية الثانية إقالة رئيس تحرير الأحرار مرددًا: "أنتم صدقتم ولا إيه؟"!! عبد الناصر اغتال التجربة الأعمق في تاريخ البلاد.. السادات قرر تصفية حزب مصر بتكوين الحزب الوطنى الديمقراطى.. مبارك وضع أصول اللعب الأمني في الأحزاب وعندما احتاج إليها بعد أيام من 25 يناير لم يجد إلا سرابا وتيارات ظلامية استطاعت أن تسيطر على الأرض وبدا أن محاصرة الأحزاب كان لحساب الإخوان وقوى الإسلام السياسي الأخرى عن جهل من النظام أو عمد، فكانت ثورة 25 يناير إشارة بدء النموذج التعددى الثالث والذي بدا واضحًا أنه ليس بعيدًا عن فكرة التفخيخ باستخدام نفس السيناريوهات القديمة التي ابتكرها مبارك وحافظت عليها الدولة العميقة.. ظهر ذلك جليًا في عدد من الأحزاب حيث تم استدعاء نفس الأساليب المباركية. اللعب في الأحزاب حلقات ترصد بدقة ما جرى في بحر السياسة منذ أيام السادات وحتى عهد السيسي. على مدى 16 عاما، ومنذ إعلان الرئيس الراحل أنور السادات قيام التعددية الحزبية، وتحويل المنابر إلى أحزاب سياسية حاول الناصريون المؤمنون بأفكار جمال عبدالناصر، تأسيس حزب يلم شملهم ويجمعهم تحت رايته، لكن محاولاتهم قوبلت برفض قاطع من السلطة، وكانت بداية المحاولات عام 1976، ووقتها رفض السادات محاولة القيادى الناصرى كمال الدين رفعت الذي تقدم بأوراق تأسيس حزب مع عدد من الناصريين، ولم تتوقف محاولات الناصريين وحاول النائب السكندرى كمال أحمد تأسيس حزب "تحالف قوى الشعب" في بداية الثمانينيات، والذي كان من وكلائه المؤسسين أبرز القيادات الناصرية لكن محاولته باءت بالفشل أيضا. ورغم أن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك حرص في بداية عهده على الانفتاح على كافة القوى السياسية، وفتح الباب أمام من يريد العمل السياسي إلا أن موقفه من تأسيس حزب ناصرى لم يختلف كثيرا عن موقف السادات، ورفض نظامه في بدايات حكمه المحاولة التي قام بها المناضل الاشتراكى فريد عبدالكريم لتأسيس "الحزب الاشتراكى العربى الناصرى". أمام إصرار نظام مبارك على رفض قبول تأسيس الحزب الاشتراكى العربى الناصري، الذي سعى فريد عبدالكريم لتأسيسه عقب خروجه من السجن، قرر عدد آخر من الناصريين جمع توكيلات لتأسيس الحزب بعيدا عن عبدالكريم ومجموعته التي كانت لا تلقى قبولا لدى كبار المسئولين في النظام، وتزعم المجموعة الجديدة القيادى الناصرى الكبير ضياء الدين داود، الذي أقام دعوى قضائية يختصم فيها لجنة شئون الأحزاب، ويطالب فيها بالموافقة على تأسيس الحزب العربى الناصري. حمل عام 1992 بشرى سارة لداود ولقيادات الحركة الناصرية جميعا، ففى ذلك العام أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما تاريخيا بأحقية مؤسسى الحزب الناصرى، ووكيلهم العام ضياء الدين داود، في أن يكون لهم حزب سياسي، وذلك في القضية المرفوعة من المحامى محمد بركات ضد قرار رفض الحزب من لجنة الأحزاب. كان واضحا منذ البداية أمام أغلب الناصريين أن النظام لن يوافق على تأسيس حزبهم لفريد عبدالكريم، وكانت هناك حالة من حالات التعبئة ضد عبدالكريم ومجموعته، التي هيمنت على القرار في الحزب الاشتراكى العربى الناصرى "تحت التأسيس"، الذي اتخذ مقرا له في منطقة عابدين، بينما اتخذ ضياء الدين داود ومجموعته مقرا لحزبهم في شارع طلعت حرب. وحين أصدرت المحكمة حكمها بحق الحزب الناصرى بقيادة ضياء الدين داود في الوجود السياسي، كان هناك اتفاق بين غالبية الرموز الناصرية من الشباب ومن كبار القيادات ممن عملوا بجوار جمال عبدالناصر على التخلص من مجموعة "عبدالكريم" التي حولت تجربة التأسيس إلى شللية، والتخلص من عبدالكريم نفسه، رغم ما كان معروفا عنه من نقاء سياسي وانتماء ثورى، بالإضافة إلى قدرته الخطابية الفائقة، وفور رفض لجنة شئون الأحزاب تأسيس الحزب الذي كان يقوده عبدالكريم تم التقدم بأوراق تأسيس الحزب الذي يقوده "ضياء الدين داود" كبديل قائم على رؤية أن "ضياء" يمثل نهجا إصلاحيا، مما قد يسهل الموافقة عليه، عكس فريد صاحب الأفكار الثورية. ووفقا لما يرويه الكاتب الصحفى سعيد الشحات في شهادته المنشورة في سلسلة مقالات عن بدايات الحزب، ورحلة صعوده في عالم السياسة:" قاوم عبدالكريم ومعه مجموعته في البداية بكل ضراوة محاولات تهميشهم وإبعادهم عن المناصب القيادية في الحزب الناصري، وحاولوا بكل الطرق اجتياز الانتخابات القاعدية في الحزب بكل المحافظات، لكن كان هناك اتفاق عام بين الفصائل الناصرية الأخرى على مواجهتهم، مما سهل عملية عدم تصعيدهم إلى المستويات القيادية الأعلى، وكان المشهد الفاصل في هذه الحالة هو المؤتمر الحاشد الذي عقد في الدراسة عام 1992 احتفالا بذكرى ثورة 23 يوليو، وحضره الآلاف، ففى المؤتمرات الجماهيرية السابقة جرت العادة أن يكون فريد عبدالكريم هو آخر المتحدثين، لكن في هذا المؤتمر لم يسمح لعبدالكريم ولا لأى من المحسوبين على جبهته بالحديث في المؤتمر، بل إن النائب البرلمانى محمد فريد حسانين المقرب من عبدالكريم حينما وقف يهتف باسمه تم طرده من المؤتمر، وهكذا مضت الأمور نحو بناء الحزب بقيادة ضياء الدين داود، والتخلص من فريد عبدالكريم". ويحكى الشحات عن حجم التطلعات والتوقعات المرتفعة التي صاحبت ولادة الحزب الناصري:" بدا أن خبر حكم المحكمة بالسماح بتأسيس الحزب قنبلة سياسية، وحدث غير عادى يقع في مصر، وبصدور الحكم ارتفعت التكهنات والاجتهادات بأن مصر على موعد مع حزب جديد سيقلب المعادلة السياسية، وتبنى هذا الاجتهاد كبار القوم من سياسيين ومفكرين وفنانين، من محمد حسنين هيكل الذي تحدث في مجلة "رزو اليوسف"، إلى نجيب محفوظ الذي كتب في "الأهرام"، وزاد من هذا الاعتقاد مشهد المؤتمر الصحفى الذي انعقد في المبنى القديم لنقابة الصحفيين، بعد صدور الحكم بأيام قليلة. وعن كيف بدأت الخلافات داخل بيت الناصريين يروى الشحات كواليس ما حدث: "بعد الانتهاء من الانتخابات الداخلية للحزب في كل المحافظات، انعقد المؤتمر العام في قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، بمشاركة تزيد على الألف عضو تقريبا، وبحضور شخصيات عربية، واهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية، وكان لاختيار قاعة المؤتمرات دلالة، فهى من وجهة نظر قيادات الحزب ممن عملوا بجوار جمال عبدالناصر، المكان الطبيعى واللائق لحزب سيكون رقما صعبا في الحياة السياسية المصرية". وأضاف:" قبل بدء فعاليات المؤتمر طرح مجموعة من الشباب اسم حمدين صباحى أمينا عاما، وذلك وفق صيغة تقوم على أن تكون قيادة الحزب عبارة عن رئيس وأمين عام، ويشغل ضياء الدين داود موقع الرئيس، وحمدين موقع الأمين العام، واستند الذين طرحوا هذه الفكرة إلى أن تكون القيادة ممثلة للتنوع الجيلى، فضياء من رجال دولة عبدالناصر، وحمدين رمز لجيل السبعينيات في الجامعات المصرية الذي حمل شعلة الفكر الناصرى في الوقت الذي كان فيه رجال دولة عبدالناصر في السجون ينفذون أحكاما ضدهم في قضية 15 مايو 1971، قوبل اقتراح وجود منصب أمين عام برفض شديد من القيادات المحسوبة على دولة عبدالناصر، ومعهم مجموعات أخرى تكونت منذ سنوات السبعينيات، ودارت معركة ساخنة من المناقشات داخل المؤتمر حول هذا الاقتراح، وبدا من سير المناقشات وكذلك قبل انعقاد المؤتمر أن هناك اصطفافا "ضد"و"مع" ومورست التربيطات والإغراءات لإجهاض هذا الاقتراح، وتم نسج الأكاذيب حول من يقفون وراءه، ويمكن القول إن هذا الاقتراح تحديدا والمناقشات التي دارت حوله حملت بدايات غير مبشرة داخل الحزب، فلم تتم إدارة الأمر بخيال سياسي يرمى إلى المستقبل، وتم الحشد ضد الاقتراح بطريقة «تعبئة المعارك»، وإثارة هذا ضد ذاك، كما كان اللافت في تكوين "صف الضد" أنه من مشارب شتى، وبعضهم كانوا على خلافات سابقة وتواصلت لاحقا، لكنها اجتمعت على رفض اقتراح منصب "الأمين العام»، لأن حمدين هو المرشح له ليس أكثر من ذلك. انتهى المؤتمر العام بانتخاب لجنة مركزية وأمانة عامة ومكتب سياسي، وبعدها بدأت حرب الاستنزاف، ويمكن القول إنها كانت الكبرى في الحياة الحزبية المصرية، فكل الأسماء والرموز الكبيرة التي انضمت إلى الحزب في بداياته بدأت في هجره، واللافت أن هناك من كان يطير فرحا بهذا، إلى درجة القول في كل مرة يخرج فيها أحد: "الحزب يعيش في أفضل حالاته»، وعلينا أن نتصور مدى دلالة هذا القول، فهو بالضبط كان نقطة التقاء بين نظام مبارك بذراعه الأمنية، وبعض قيادات داخل الحزب امتلكت ناصية التأثير فيه بشكل خفى، ومما يؤكد ذلك فشل كل المبادرات التي طرحتها أطراف عربية من أجل تقريب وجهات النظر بين الجميع. كان انعقاد اللجنة المركزية للحزب الناصرى في مبنى تابع لاتحاد عمال مصر بالإسكندرية عام 1995 بمثابة المحطة التي قصمت ظهر الحزب، خصوصا أنه جاء بعد انتخابات مجلس الشعب التي لم يفز فيها الحزب بأى مقعد، بما في ذلك خسارة ضياء الدين داود نفسه في دائرته بدمياط، وكذلك خروج حمدين من جولة الإعادة، وقيل إنه جرى تزوير الانتخابات ضدهما، وخسر سامح عاشور في ساقلتة بسوهاج رغم فوزه في انتخابات 1990. سبق انعقاد اللجنة خلافات حادة حول جريدة «العربى» برئاسة تحرير محمود المراغى، حيث رأى فريق من الحزب أن الجريدة لا تعبر عن الخط الناصرى بما فيه الكفاية، وأنها لم تصل إلى الطموحات الكبيرة التي توقعها الناصريون وغيرهم، وكان الشاهد على ذلك أن أرقام توزيع الجريدة بدأت في الانخفاض التدريجى. لم يكن حال الجريدة ضمن جدول أعمال اجتماعات اللجنة، لكن وبأغلبية الحضور تم وضعها كبند، ودارت المناقشات الساخنة، وفيها الصراع حول تفسير اللائحة حول أن رئيس الحزب وحده هو من يملك أحقية اختيار رئيس تحرير الجريدة، وتبنى سامح عاشور الأمين العام أن رئيس الحزب وحده هو من يملك هذا الحق، في حين تبنى القيادى بالحزب عصام الإسلامبولى تفسيرًا مختلفًا، وامتد الأمر إلى بنود لائحية أخرى، وفيما كان «عاشور» يتخذ موقف التأييد في كل شىء لرؤية ضياء الدين داود، كان الإسلامبولى يرد، وفى ردوده حذر مما أسماه بالالتفاف والنفاق. وانتهت المناقشات إلى طرح القضية للتصويت، وخسرت الجبهة التي يقودها «داود» ومعه أحمد حسن، وكان ذلك يعنى طرح بقاء محمود المراغى في رئاسة تحرير الجريدة، وهذا يعنى تنفيذ مطلب جبهة واسعة مضادة ل«داود». جاءت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد في إعلان ضياء الدين داود انسحابه من الاجتماع، وكانت خطوة بمثابة «ضرب كرسى في الكلوب»، وانسحب معه عشرات الأنصار، وأمام هذا الفعل جرى تصويت على استمرار الاجتماع من عدمه، وصوتت الأغلبية على الاستمرار، وقرروا إقالة «المراغى» وتكليف عبدالله السناوى برئاسة تحرير الجريدة. وفى مساء اليوم نفسه قرر ضياء الدين داود تجميد عضوية أربعة من أبرز قيادات الحزب، وأعضاء الأمانة العامة، وكانوا مشاركين في الاجتماع، هم حمدين صباحى، وأمين إسكندر، والدكتور صلاح الدين الدسوقى، وعلى عبدالحميد. في كواليس الاجتماع جرت تفاصيل كثيرة مورست فيها أكاذيب منها أن الفريق الذي يريد إقالة المراغى ينفذ تعليمات من الرئيس الليبى معمر القذافى، وللأسف كان ضياء الدين داود يردد هذا الكلام بنفسه، وزاد هؤلاء بذكر قصص من الخيال عن لقاءات لإبرام هذا اللقاء. في اليوم التالى لقرار «داود» بالتجميد جرى أغرب فعل قاده أحمد حسن وآخرون، حيث قاموا بتشكيل حراسة على الحزب من أعضاء في المحافظات، خوفًا من الاستيلاء عليه، وتم تحرير مذكرة تأييد لضياء الدين داود، وهو ما وصفه مراقبون وقتها بأن الحزب في طريقه إلى النفق المظلم بأيدى قياداته. مع وفاة ضياء الدين داوود صار الحزب مسرحا لمعركة ناصرية، وحاول كل طرف أن يستأثر بالحزب ولعب الأمن دورا مهما في استغلال ذلك الخلاف، وجره إلى ساحات القضاء حتى يتم قتل الحزب وتفتيته وانهاكه في القضايا المستمرة، وظهر الخلاف حينما بدأ الصراع على من الأحق برئاسة الحزب وقيادته خلفا لداوود. ويروى سامح عاشور نقيب المحامين الحالى وأحد المتصارعين على رئاسة الحزب وكان يشغل منصب النائب الأول آنذاك تفاصيل ما جرى قائلا: "عندما توفى الأستاذ ضياء الدين داود لم يكن رئيسا للحزب الناصري، بل كان رئيسا شرفيا، نظرًا لأنه قد تقدم باستقالته وعرضت على المؤتمر العام الذي عقد في 71 ديسمبر 2010 وتم قبول اعتذاره، وكلف النائب الأول بمهام رئيس الحزب" وليس الأمين العام أحمد حسن، وكان من الطبيعى أن أتولى بصفتى النائب الأول زمام الأمور، أما عن قرار فصل أحمد حسن فجاء لصلته بالنظام السابق، والأجهزة الأمنية فضلا عن اعتزازه بصلته بأحمد عز.