عيد سعيد.. جملة دائمًا ما يرددها المصريون لتنهئة بعضهم البعض، بقدوم مواسم الأعياد وانتشار البهجة والسعادة في الأجواء، ولكن العيد ليس سعيدًا دائمًا على الجميع، فهناك من يطاردهم البؤس حتى في أيام البهجة، فيحول بينهم وبين تذوق طعم السعادة في أيام العيد، ويظل بيت المتنبى الشهير "عيد بأية حال عدت يا عيد.. بما مضي أم بأمر فيك تجديد" هو خير معبر عن حالة هؤلاء الذين تعانى قلوبهم من بؤس لا ينضب. فبهجة الثياب الجديدة وفرحة مجافاة النوم ليلة العيد، اشتياقًا إلى بداية اليوم، وحشو الجيوب بالعيدية، جميعها تفاصيل لا يعرفونها، كل ما يعرفونه هو أن العيد ليس سعيدًا، كما يقول لهم البعض، فالظروف المادية البائسة قد وصلت إلى أقسي صورها، وضغوط الحياة ومتطلباتها سلبتهم القدرة على مواصلة الحلم بغد أفضل ومستقبل قد يكون سعيدًا يومًا ما. نام وقد طرح همومه بعيدًا.. فلم يتعب ذهنه يومًا بالتفكير في الشعور بفرحة العيد كغيره من رفقاء وطنه. عجوز لا يشبه غيره من المحتفلين بالعيد، فقد يفكر الآخرون في العدة اللازمة لقضاء العيد والمكان المناسب للاستمتاع بفرحته وبهجته، أما هو فما يسكن بخاطره ويرافق بصيرته سؤال واحد.. كيف سأقضي يومي؟.. كيف سأطعم أطفالى الجوعى؟ يرافقه بصيص أمل، ولكن قد تفتت بين جنبيه غصة وهو ينظر للكثيرين من حوله يهنأون ويحلمون بالعيد.. متسائلًا في قرارة نفسه..عيد؟..أي عيد وأنا أشقي لأجد قوت يومي خلاله.. وصغاري حزاني في سجن الفقر ولم يتذوقوا يومًا حلاوة فرحة العيد. التجهم وشتات الفكر رفيقاه، الأسئلة تصارع ذهنه وتهاجمه "أصحيح أنه عيد أم أنني أتوهم؟"، يعقب سيل الأسئلة نظرة أسي من عين دامعة جراء ثورة داخلية عارمة على واقع لم يقبله يومًا ودنيا لم تكشف له أبدًا عن وجهها الباسم. جلست بكل بساطة وقد افترشت هي وذووها جزءا صغيرا من الرصيف.. تلخصت فرحة صغارها بالعيد في سباق على بالون وحيد مفقود من أحد الأطفال المحتفلين بالعيد وبهجته. أبيع الفرحة فهل من مشتر؟.. كلمات على لسان صغير أثقلته هموم الدنيا بشقائها وحملته فوق كاهله ما لا يحتمل، يطوف بين الشوارع والحوارى مناديًا على من يشترى فرحة لم تستشعرها روحه من قبل. صغير لم يتجاوز الخامسة، تعكس ملامحه الدقيقة حزنا يتنافى مع ما يشيعه العيد من بهجة في نفوس الصغار، أغلق عينه لعله يري في أحلامه ما لا يجده في واقعه القاسى، لعله يحلم بملاك يمنحه عيدية وملبسا جديدا ويحقق له أحلاما يصعب تحقيقها في حياته الحقيقية. الشارع لنا.. وطننا وملاذنا.. وفى العيد لا يحتضننا سواه، كلمات تتردد بداخل السيدة الثلاثينية التي لا ترى في العيد إلا موسمًا قد يساعدها على جنى المزيد من الجنيهات لسد جوع وحاجة صغارها الذين لا يعرفون أن العيد قد أتى إلا عن طريق الحلوي والبالونات التي يوزعها المارة السعداء المحتفلون بالعيد.