تنتظر مصر.. أمرين مهمين, سيشكلان شكل مصر, والمجتمع المصري, خلال العقود القادمة : الأمر الأول هو الانتخابات الرئاسية, التى سيفتح باب الترشح لها يوم العاشر من مارس المقبل , أما الأمر الثانى فهو البدء فى وضع الدستور المصري الجديد, وهذا هو موضوع مقالنا اليوم . يعد وضع دستور جديد للبلاد ,أحد المطالب الرئيسية التى رفعها الثوار, منذ انطلاق أحداث الثورة المصرية, و ذلك لرؤية الكثيرين أن دستور 1971 لم يعد صالحا للبلاد , خاصة بعد تعديلات 2007, التى ساهمت بشكل كبير فى ترسيخ الاستبداد فى التربة المصرية التشريعية, وهو ما كان يخدم مشروع التوريث , ولعل معظمنا يعلم أن الدستور القادم , هو الذي سيؤسس للجمهورية الثانية, التى يتطلع جموع الشعب المصري إلى أن تكون جمهوريه مختلفة عن سابقتها من حيث البناء الاقتصادى, والسياسي, وغيره من الامور, والتى أظهرت مصر فى عهد الجمهورية الأولى تراجعا فيها, خاصة على مستوي الحريات, والديموقراطية ، و لكى يتحقق لنا الدستور المؤسس ,لابد وان يكون معبرا عن تطلعات المصريين, وهو ما يقودنا الى القول بأنه لكى نضمن أن الدستور المنتظر سيقوم بالدور الذي نرومه, لابد وأن نؤكد على مفهوم التوافق العام كمدلول على مدى صلاحية هذا الدستور, فى إحداث نقلة كبيرة على المستويات السياسية والاجتماعية , وكما يعلم القاصى والدانى فإن الدستور القادم سيقوم بوضعه لجنة مكونة من مائة شخص, يختارهم الأعضاء المنتخبون فى البرلمان بغرفتيه, طبقا لاستفتاء مارس العام الماضى, وما تلاه من الإعلان الدستورى , و هنا تاتى الاشكالية من أنه لكى يكون هذا الدستور دستورا توافقيا معبرا عن المخزون القيمى والحضارى للمجتمع المصري, لابد وان تكون لجنة المائة تعبر عن هذا التوافق بمعنى ان تضم اللجنة التنوع الدينى, والجغرافى و.. والسياسي للمجتمع المصري, و ألا يكون هناك اتجاه غالب داخل تلك اللجنة حيث إن الأغلبيات وهى متغيرة بطبعها, تضع البرامج ,والتشريعات, ولكنها لاتصنع القيم التى يعبر عنها دستور اية دولة ، لكن المشكلة الحقيقىة هنا ان البرلمان له اغلبية من تيار الإسلام السياسي, وهو ما يضفى كما كبيرا من المخاوف علي شكل الجمعية التأسيسية, وهو ما يتطلب وقفة جادة وتحذير شديد للتيارات الإسلامية من اية محاولة للانفراد بتشكيل اللجنة, او وضع الدستور, وهو الامر الذي لو حدث لدخل مجتمعنا فى أتون مشكلة كبيرة, وصراع وجودى وقانا الله إياه . وبالتالى لابد ان يدرك الجميع ان الدستور وهو العقد الاجتماعي للامة المصرية لابد ان ياخذ وقته من النقاش الحيوي, والجاد داخل المجتمع, ولا يتم سلقه, وانجازه فى وقت قصير يخل بمضمونه, و يخل بمبدأ التوافق ، فنحن نحتاج الى فتح نقاشات جادة فى المجتمع حول الدستور من خلال الندوات والاندية ومنظمات المجتمع المدنى و خلافه . و على ذلك فالحديث عن وضع الدستور قبل اجراء الانتخابات الرئاسية ضربا من العبث, هذا ناهيك عن مشكلة وضع الدستور فى ظل وجود المجلس العسكري فى ادارة شئون البلاد مما قد يؤدى الى إصابة الدستور بعوار ..و يعكس اجواء القمع, والتقييد على الحريات, وحالة اللاستقرار السائدة فى مصر الآن.