المخرج هاني خليفة يُقدّم لنا هذا العام واحدة من كلاسيكيات دراما رمضان، في مسلسله "ليالي أوجيني"، مُجسدًا مجموعة من العلاقات الإنسانية والاجتماعية، التي تُحيط ب"تياترو أوجيني" في قلب بورسعيد الجميلة الآبية، من خلاله يُعيش المشاهد زمن أفلام الأبيض والأسود بصورة جذابة وألوان شيقة وديكور متقن وتفاصيل دقيقة، وإلى حقبة تتسم بقدر كبير من الهدوء وفيض المشاعر، مستغلًا حالة الحنين إلى الماضي، التي تعُم أرجاء المعمورة هروبًا من واقع صعب. "ليالي أوجيني" من بطولة ظافر العابدين وإنجي المُقدّم وأسماء أبو اليزيد وكارمن بصيبص وانتصار وليلى عز العرب ومراد مكرم وآخرين، مأخوذ عن رواية إسبانية، تحمل اسم "أوجيني دي مونيتو كوتيسة"، ومن تأليف إنجي القاسم وسما عبد الخالق، والعمل تدور أحداثه في حقبة الأربعينيات، حيث الاختلاف في كل شيء، في طريقة التعامل مع الآخرين، الرقي الشديد هو الحاكم الأول، حيث التحية "سعيدة"، والتعبير عن الشكر ب"أكون ممنون لك"، ونفس الرقي ينطبق على الملابس والموضة، حيث كان يرتدي الرجل البدلة والطربوش، والمرأة ترتدي الفستان والجورب والقبعة. الفنان ظافر العابدين، بطل العمل، يواصل تقديمه للأدوار الرومانسية الاجتماعية نظرًا لوسامته، ويُجسد دور الطبيب "فريد" الذي توفي شقيقه منذ عام تاركًا من خلفه زوجة وطفلة صغيرة، فيتزوج "فريد" من زوجة أخيه للم شمل الأسرة والمساعدة في تربية ابنة أخيه. الممثلة أمينة خليل تواصل إجادتها هذا النمط من المسلسلات والقصص القديمة، وتؤدي دور "كاريمان" التي هزمها زوجها بخطف ابنتهما وإرسالها بعيدًا إلى باريس، ما يدفعها دون قصد، من الحلقة الأولى إلى جريمة قتل الزوج، ثم تهرب من القاهرة إلى مدينة بورسعيد، ويتحول اسمها ل"كريمة"، وتبدأ برسم خطتها كي تفوز وتسافر إلى فرنسا، بحثًا عن طفلتها، وفي تلتقي "فريد"، وتنجذب إليه. الفنانة إنجي المقدم تُعيد اكتشاف نفسها، وتخطو بدور "صوفيا" خطوات ناجحة في مشوارها الفني، وتلعب دور امرأة من أصول إيطالية تسكن مصر، وتُنشئ مقهى، هو محور معظم أحداث المسلسل، وتجدها متماسكة مرحة رغم طلاقها وفقدانها لابنها، وخسارتها حبيبها الأوليّ، وتُقدّم دورًا مميزًا مختلفًا تمزج فيها ما بين "بنت البلد المصرية" والسيدة الإيطالية راجحة العقل. الفنانة الشابة أسماء أبو اليزيد، الفتاة الصعيدية التي أحبت الفن منذ صغرها فتركت أسرتها من خلفها لتُبدع في دور "جليلة" مطربة "تياترو أوجيني"، وهي التي تأوي "كريمة" في بيتها بعد أن وصلت هاربة إلى بورسعيد، وبملامح مصرية جذابة وعفوية تُقدّم "أسماء" أداءً رائعًا مرحًا بسيطًا يرقص على أنغام: يا وردة قولي متخافيش متخافيش.. بيحبني بيحبني مايحبنيش.. بيحبني مايحبنيش بيحبني مايحبنيش.. حبيته من روحي وقلبي.. يا ريته يبادلني حبي.. تفاصيل "ليالي أوجيني" مدهشة، لعلها تلعب دور البطولة الحقيقي، بسيطة وأنيقة من حيث الديكور والألوان والشخصيات وطريقة التحدث والأزياء، تنقل لنا رومانسيات من زمن تحكمه المشاعر بسلاسة، تلك المشاعر التي تُسيطر على الأداء، الخوف والأمل والتمني والتمرد، تعبيرات الوجه والحركات والإيماءات في الفرح والحزن والانكسار، ذروة الأحداث تحدث بإيقاع هادئ، لا يتصاعد، وهذا ما يعيب العمل. هاني خليفة يواصل تألقه من خلال العمل، ويستحق الإشادة في عنايته بالديكور والأزياء اللافتة، كذلك لم يدخر مؤلفا العمل إنجي القاسم وسماء أحمد عبد الخالق جهدًا في تقديم لغة حوار منضبطة وملائمة لتلك الحقبة الزمنية، وأغنية "حبي ليك" لنسمة محجوب، وكتب كلماتها الشاعر أمير طعيمة، ولحنها هشام نزيه، مناسبة تمامًا لتكون تترًا للعمل. "ليالي أوجيني" وجبة تماس إنسانية بين شرائح مختلفة من النسيج المصري، وأرواح تائهة تبحث عن السعادة من خلال الحب، عمل رومانسي اجتماعي امتدادًا لأعمال تعود إلى الزمن الماضي مثل "طريقي" لشيرين عبد الوهاب عام 2015، و"جراند أوتيل" عام 2016، و"لا تطفئ الشمس" عام 2017، والأعمال الثلاثة من إخراج محمد شاكر خضير، وكتابة تامر حبيب.