قبل أيام قليلة هاتفنى زميل صحفى يعمل فى إحدى وسائل الإعلام العالمية، وفوجئت بالزميل يسألنى إن كان العبد لله يرى ثمة فارقا أو اختلافا بين «الحركة التخريبية الإخوانية» الحالية المشتعلة فى بعض جامعاتنا والحركات الطلابية الوطنية التى يغص بها التاريخ المصرى الحديث؟! إجابتى على هذا السؤال بدأتها بأن قلت لزميلى: طبعا هناك ألف فرق ومليون اختلاف يباعد بين العربدات الراهنة لقطعان الإخوان فى الجامعات، وبين الحركة الطلابية بمفهومها الراقى المستقر فى ضمير شعب مصر.. إنها يا أخى فروق واختلافات تكاد تتمدد على طول المسافة بين السماء والأرض، ولكن اسمح لى يا زميلى العزيز قبل أن أحاول رصدها وتلخيصها، أن ألفت نظرك إلى حقيقة ساطعة لا مجال للحديث فى هذا الموضوع قبل أن نعبر من بوابتها.. خلاصة هذه الحقيقة أن حراك وانتفاضات الطلاب المصريين لعبت عبر حلقات ومحطات متعددة ومتتابعة دورا خطيرا فى التاريخ المعاصر لهذا البلد، ابتداء من ثورة 1919 ومرورا بسنوات الكفاح السلمى العظيم فى حقبتى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى، من أجل نيل الاستقلال ودحر الاحتلال البريطانى، وانتهاء بالحلقة الكبرى الأخيرة التى بدأت إرهاصاتها تتفجر عقب هزيمة يونيو 1967 مباشرة «مظاهرات طلاب 1968»، لكنها اكتسبت فى حقبة السبعينيات عمقا ونضجا كبيرين ظهرا وتجليا فى الأهداف والشعارات التى رفعها الطلاب آنذاك عندما تجاوزت وتخطت حدود المسألة الوطنية «رد عدوان العدو الصهيونى وتحرير الأرض التى اغتصبها» إلى مقاومة ضارية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المتخلفة والظالمة والمعجونة بتبعية مهينة واستسلام مُذل للحلف الأمريكى الصهيونى، تلك التى أطلقها أنور السادات واستمر عليها خلفه حسنى مبارك بإصرار وإخلاص مروعين، بينما بقيت الشعارات والهتافات التى شق بها الطلبة حناجرهم بعد حرب أكتوبر المجيدة بمثابة «إنجيل التغيير الثورى» وأنشودة رائعة راحت تنتشر وتتسرب رويدا إلى وعى وألسنة مختلف فئات وطبقات الشعب وتحرضه على القيام وإنهاء صبره الطويل على الفاسدين والظالمين، حتى قام أخيرا وصنع فى أقل من ثلاث سنوات ثورتين عارمتين ومعجزتين «25 يناير و30 يونيو» وراح يطلب بإصرار وعناد حقه المشروع فى بناء وطن جديد ناهض وديمقراطى يعيش فى ربوعه متحررا من الظلم والبؤس والقهر والتخلف بكل صوره وأشكاله. لقد كان هذا التاريخ الطويل والمشرف لنضال طلاب مصر السلمى -هكذا قلت للزميل- سببا فى اختيار واحد من أيامه المجيدة «21 فبراير 1946» يوما سنويا عالميا للاحتفال بكفاح الطلبة فى كل مكان على سطح كوكبنا.. ففى هذا اليوم قبل نحو سبعة عقود خرج آلاف الطلاب المصريين مع مئات الألوف من العمال وسائر فئات الشعب فى تظاهرات غضب عارم ليس فيها من سلاح إلا الصدور العارية، وقد غصت بها شوارع مدن البلاد من أقصاها لأدناها احتجاجا على مجزرة «كوبرى عباس» التى تعرض لها مئات من شباب جامعة القاهرة، بعدما أمرت سلطات الاحتلال قوات البوليس بفتح الكوبرى عليهم، فاستشهد وأصيب العشرات منهم، فى محاولة يائسة وحمقاء لإسكات صوتهم الذى كان يهدر مطالبا بالاستقلال التام وإسقاط معاهدة 1936.. ولكن الرد على هذه المجزرة المروعة جاء بعد أقل من أسبوعين كاسحا ومذهلا، إذ انفجرت جامعات مصر ومدارسها ومصانعها وحقولها وتلاحم الجميع فى لوحة وطنية وإنسانية رائعة وبليغة ومضمخة برائحة الدم أيضا، إذ تمادى المحتلون الغزاة فى الغباوة والإجرام وفتحت قواتهم ومدرعاتهم النار على الطلبة الثوار فى ميدان الإسماعيلية «التحرير حاليا» وسقط شهداء جدد وخزت أرواحهم الطاهرة الضمائر الحية فى العالم كله شرقا وغربا. هنا بالضبط يا زميلى العزيز تستطيع أن تلمس أول أسباب الاختلاف الهائل بين نُبل ورقىّ وعظمة الحركة الطلابية المصرية فى كل حلقاتها ومراحلها، وبين تلك الجريمة الخالصة النقية التى ترتكبها هذه الأيام قطعان فتية الإخوان المهاويس المشوهين عقليا وروحيا وأخلاقيا، داخل وخارج أسوار جامعاتنا. و.. أكمل باقى الحديث غدًا.