صرح المهندس طارق زيدان خبير إدارة وتطوير المشروعات، أن المرحلة التي تمر بها مصر الفترة الحالية تتطلب جهد من الحكومة لإيجاد حلول تمكن من إنعاش الاقتصاد المصري، حتى تتعافى من الركود الاقتصادي الحالي، إضافة إلى تسديد قرض صندوق النقد الدولي الذي منح لمصر منذ أيام، وأول تلك الحلول هي إشراك كل الجهات الرسمية والمؤسسية في اتخاذ القرارات وإقرار المشروعات الجديدة. وأكد "زيدان" اليوم الاثنين، أن مصر تمتلك من الموارد ما يمكنها من اللحاق بقاطرة التقدم الاقتصادي، ومن أهم تلك الموارد (الاقتصاد الموازي أو غير الرسمي)، ونظرًا لصعوبة الاتفاق حول حجم الاقتصاد الموازي اختلفت التقديرات التي تعبر عنه، فبحسب الإحصائية التي أجراها الاقتصادي الشهير فرناندو دوستو، تقدر نسبة الاقتصاد غير الرسمي بمصر بنحو 395 مليار دولار، أي ما يعادل 2.6 تريليون جنيه، أما عن آخر الإحصاءات الحديثة لاتحاد الصناعات المصرية والتي اعتمدت فقط على رؤس الأموال المتداولة في السوق المصري وغير مشتملة العقارات غير المسجلة، فقد أظهرت أن حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر بلغ نحو تريليون جنيه والذي يمثل 60% من الاقتصاد الكلي مما يعكس حجم الثروة المهدرة من النهوض بالاقتصاد المصري، والمتمثل في المصانع الصغيرة وبعض العقارات غير المسجلة والتي تصل نسبتها إلى 80%، وكذلك المشروعات التي يقوم بها المواطنين في المحافظات المختلفة.
وأضاف أن الدولة انتبهت لقيمة الاقتصاد غير الرسمي في الفترة الأخيرة ودوره في إنعاش السوق، حيث قررت لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب عقد جلسات استماع لعدد من الجهات على رأسها رئيس اتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية واتحاد المقاولين والصندوق الاجتماعي للتنمية والجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ومصلحة الضرائب ووزارة المالية ومركز تحديث الصناعة ووزارة التنمية المحلية والاتحاد التعاوني الإنتاجي لمناقشة آليات دمجه للاقتصاد الرسمي للدولة.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الاقتصاد غير الرسمي في تزايد مستمر مع غياب الرقابة من قبل الأجهزة والمؤسسات الرقابية في مصر، وعدم استقرار الأوضاع في السنوات الماضية، وزيادة نسبة البطالة بين المواطنين، الأمر الذي أدى إغلاق العديد من الأعمال والمصانع مما أدى إلى قيامهم بعمل مشروعات خاصة بهم دون ترخيصها مما يحرم الاقتصاد الكلي من الاستفادة من عائدات تلك المشروعات سواء من خلال رسوم التراخيص أو الضرائب المفروضة، بالإضافة إلى إضعاف منافسة الاقتصاد الرسمي، مشددًا على أهمية إدراج الدولة للاقتصاد غير الرسمي حتى لا يتم الاعتماد فقط على الاستيراد، حيث أن هناك نماذج اقتصادية ناجحة تمكنت من الاعتماد على الاقتصاد غير الرسمي في النهوض باقتصادها الكلي.
واستشهد زيدان بتقديرات الاقتصاد الموازي في المملكة العربية السعودية والتي وصل فيها إلى 565 مليار ريال، بنسبة 20% من الناتج القومي وفقًا لآخر تقديرات البنك الدولي، وأن أعداد العمالة غير النظامية تزيد بمعدل متوسط بلغ نحو 1.2 مليون عامل سنوياً، موضحًا أن الاقتصاد الخفي في المملكة يأخذ أشكالاً بعينها بشكل مغاير لأشكاله وصفاته في الدول الأخرى، فالتستر وغسل الأموال والتهرب الزكوي وتجارة المخدرات هي الأشكال الرئيسة التي تسيطر على تعاملات الاقتصاد الخفي، مستشهدًا أيضًا بتجربة الإمارات في النمو باقتصادها وتحقيق التنمية المستدامة، فالإمارات تعتمد على تشجيع برنامج المشروعات الصغيرة والمتوسطة المنبثق عن القانون والتي تمثل 60% حاليًا، الأمر الذي يجعل من الاقتصاد غير الرسمي ظاهرة ليس لها وجود هناك، مع خطة الدولة لخفض الاعتماد على النفط كمصدر للناتج المحلي الذي يشكل 50% منه الآن والعمل على وصوله إلى 10% من خلال دعم قطاع الابتكار وزيادة نمو الصناعة، ونمو قطاعي العقارات والاستثمارات الأجنبية، فوصل حجم الناتج المحلي الإجمالي للدولة إلى 1.8 تريليون درهم خلال عام 2016، مما يجعل الإمارات نموذجًا يُحتذى به لرفع كفاءة الاقتصاد الكلي.
وشدد على ضرورة أن يكون للمحليات دور مهم في حصر كل ما له علاقة بالاقتصاد غير الرسمي في مصر والمنتشر في ربوع الجمهورية؛ حتى تتم عملية الإدراج بشكل أسهل، خاصة أن آخر حصر قامت به مصلحة الضرائب لمعرفة عدد المطالبين بدفع الضرائب بشكل كامل تم عام 1980، ووصل إجمالى حالات التهرب الضريبى التى تمت خلال ال3 أشهر الأولى من السنة المالية الحالية 2016 – 2017 بلغ نحو مليار جنيه - مما يعرض اقتصاد مصر للتدهور أكثر مما يسبب تعطيل المشروعات التي تقوم بها الدولة والمعتمدة بشكل أساسي على الضرائب في تنفيذها، وأن إدراج الاقتصاد غير الرسمي ضمن المطبق عليهم دفع الضرائب سيساهم بشكل كبير في قيام الدولة ونهوض اقتصادها، ولكن عليها مسؤلية كبيرة في عمل تسهيلات لأصحاب المشروعات الصغيرة سواء من حيث تخفيض هوامش الضرائب أو تيسير اجراءات الترخيص؛ حتى يكون هناك استعداد لتقبل إدراج اقتصادهم ضمن الاقتصاد الكلي، مما يضمن توفير فرص عمل أكثر وحماية العمالة من أي استغلال قد يتعرضون له من أصحاب المشروعات وكذلك استغلال الأطفال، مؤكدًا على ضرورة وأهمية تقنين الاقتصاد الموازي وليس تجريمه بشكل كامل.