تعرضت للمصادرة والتوقف عن الصدور فى زمن الملكية والان تتوقف على أيدى الجماعة خلال 88 عاما هى عمر المؤسسة العريقة التى قامت على أكتاف سيدة عظيمة اسمها فاطمة اليوسف، خلقت «روزاليوسف» المجلة حالة صحفية خاصة، إن صح التعبير، وتركت بصماتها على أجيال وراء أجيال من كبار الكتاب والصحفيين والفنانين المصريين طوال ما يقرب من قرن. شكَّلت «روزاليوسف» مدرسة كبيرة فى الصحافة المصرية والعربية بجرأتها وانطلاقها لآفاق لا تحدّ من حرية التعبير وإبداء الرأى والتناول المتحرر من قيود الالتزام السياسى والاجتماعى، وعُرفت بتخطيها الخطوط الحمراء وتفجيرها قضايا شغلت الرأى العام وتابعها جمهور القراء باهتمام وشغف كبير. كانت «روزاليوسف» هى نواة مدرسة الرأى والتعبير الحر فى الصحافة المصرية التى تخرَّج فيها كبار الصحفيين، وقامت على أكتاف الجيل الأول من الكبار، عباس محمود العقاد، ومحمد التابعى، ومصطفى أمين، وإحسان عبد القدوس، وغيرهم. ووفقا لهشام عبد العزيز فى كتابه «صحف مصادرة فى مصر» كان الوقت الذى أرادت «روزاليوسف» فيه أن تحول مجلتها إلى مجلة سياسية هى فترة مقتل السردار الإنجليزى، وخروج سعد زغلول من الوزارة وتولِّى زيور باشا، وهو ما يعنى أن الأمور لن تكون سهلة كما كانت، فقد حل زيور مجلس النواب الأول الذى لم يكد يكمل دورة واحدة، وكان وزير الداخلية فى حكومة زيور إسماعيل صدقى الوفدى القديم المفصول. وكان هناك بعض الشخصيات يتخفى «الوفد» خلفهم للحصول على تراخيص لأن الوزارة لم تكن ترخِّص ل«الوفد»، حينما تقدمت فاطمة اليوسف بطلب إضافة السياسة إلى ترخيص مجلتها، ظنتها وزارة الداخلية حيلة من حيل «لوفد» فرُفض الترخيص لها. فذهبت لمقابلة رئيس الوزراء الذى وافق وأعطاها الترخيص، قائلا لمدير مكتبه «أعطوها الترخيص خلّوها تاكل عيش». ويوضح عبد العزيز فى كتابه المشار إليه، أن أولى محن التضييق التى تعرضت لها «روزاليوسف» ما حدث فى أكتوبر 1927 عقب وفاة سعد زغلول، فقد حدث أن كتب التابعى مجموعة مقالات منذ أواخر سبتمبر 1927 عن ملوك وملكات أوروبا بعنوان «ملوك وملكات أوروبا تحت جنح الظلام»، وهى المقالات التى تسببت فى صدور أمر بالقبض على التابعى والتحقيق معه هو وإبراهيم خليل، وكان الاثنان هما المسؤولان عن إصدار المجلة خصوصا أن فاطمة اليوسف كانت وقتها فى باريس.. وكان نتيجة ذلك أن توقفت المجلة عن الصدور لمدة أسبوعين. كان الكاتب الصحفى عبد القادر حمزة وقتها هو رئيس تحرير جريدة «البلاغ» الوفدية فكتب مجموعة من المقالات المتعاقبة هاجم فيها الحكومة على سلوكها المشين ضد الصحفيين ووضعها الحديد فى يد تحمل القلم، وكانت هذه المقالات ذات أثر بالغ فى مساعدة التابعى وإبراهيم خليل حسب ما تروى «روزاليوسف» فى مذكراتها. أُحيلت القضية إلى المحكمة ونُظرت فى جلسات سرية وصدر الحكم على إبراهيم خليل والتابعى بالسجن ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، وغرامة مالية. أما ثانية الأزمات التى تعرضت لها «روزاليوسف»، فكانت بعد أن تولى محمد محمود رئاسة الوزراء مباشرة خلفا لمصطفى النحاس، فى 27 يونيو 1928 وظل حتى 2 أكتوبر 1929. أعلن محمد محمود تعطيل الدستور والحياة النيابية ثلاث سنوات قابلة للتجديد. هاجمت «روزاليوسف» محمد محمود والملك هجوما عنيفا، وصدر العدد 134 وفيه رسم كاريكاتيرى لرئيس الوزراء يدوس على الدستور وهو صاعد إلى مقعد الوزارة. تروى فاطمة اليوسف فى مذكراتها تفاصيل هذا اليوم قائلة: «بعد أن تم طبع نسخ المجلة كلها دق التليفون ينبئنى بأن المطبعة محاصرة وأن البوليس قد جاء لمصادرة العدد وأسرعتُ إلى المطبعة لأرى بعينى مأمور قسم عابدين وضباط البوليس السياسى واثنين من الكونستبلات الإنجليز يطيحون بأعداد المجلة المتراصة فى أعمدة طويلة يمنعونها من الخروج.. وأسرعت إلى بيت الأمة بغير سابق موعد ولا استعداد وهناك كان يجلس مصطفى النحاس ومكرم عبيد وحولهما بقية أعضاء الوفد الكبار. والتفّ الجميع حولى يتأملوننى لأول مرة والدهشة ملء عيونهم.. ولم أنتظر حتى تنتهى دهشتهم، فقلت لمصطفى النحاس: - يا باشا صادَروا المجلة.. وأنا عاوزه الإفراج عنها. وقال النحاس: - اقعدى يا بنتى.. إيه اللى حصل؟ ورويت القصة كلها. وقدمت له نسخة كنت أحملها من العدد الصادر.. وقال مكرم عبيد فى لهجة خطابية: - لكِ الفخار يا سيدتى! وقد سارت هذه الكلمة بعد ذلك مثلا. ولم يأمر النحاس طبعا بالإفراج عن العدد كما كنت أتوهم، ولكنه استدعى عددا من المحامين الشبان فى ذلك الوقت منهم محمد صلاح الدين وصبرى أبو علم وسليمان غنام، وكلفهم برفع دعوى مستعجلة بطلب الإفراج، ولكن الدعوى رُفضت. وعدت فرفعت دعوى مدنية طالبة التعويض وحكمت لى المحكمة على الحكومة بمئتى جنيه تعويضا.. وتبين بعد ذلك أن القاضى حسب ثمن بيع العدد 20 ألف نسخة بسعر النسخة قرش صاغ فيكون المجموع 200 جنيه، ولم يحسب إيراد الإعلانات أو الضرر الأدبى أو أى شىء آخر». فى ظل هذا العداء المستحكم بين «روزاليوسف» ووزارة محمد محمود اضطرت فاطمة اليوسف إلى إصدار مجلتها بأسماء مختلفة لمجلات أخرى يملك ترخيصها أناس آخرون، فأصدرت مجلة «الرقيب» التى كان يملكها جورج طنوس، وعطلتها الوزارة بعد أربعة أشهر، بعدها صدر من «روزاليوسف» عددان فصدر قرار بتعطيلها نهائيا، فأصدرت فاطمة اليوسف مجلة «صدى الحق» فصودر عددها الأول، ثم مجلة «الشرق الأدنى» وصدرت لنحو ثلاثة أشهر، ثم مجلة «مصر الحرة»، وكانت كل مجلة تصدر يُكتب على صدرها «تشترك فى التحرير السيدة روز اليوسف».. و«هكذا اضطررنا إلى الصدور بأربعة أسماء مختلفة فى أقل من عام». المرة الثالثة الشهيرة لمصادرة «روزاليوسف» كانت فى وزارة صدقى فى قضية عُرفت بقضية «الحصاينة» وهى إحدى قرى مركز السنبلاوين. المرة الرابعة الشهيرة التى توقفت فيها «روزاليوسف» عن الصدور نتيجة المصادرة كانت مع تولى إسماعيل صدقى رئاسة الحكومة فى منتصف 1930، حين ألغى الدستور، وقيَّد الحريات العامة، فقامت المظاهرات ضد حكومته فى كل مكان، فواجه صدقى الجماهير بالعنف الشديد، وكان شعار إسماعيل صدقى وقتها أنه سيحكم مصر بالعناصر الرشيدة!!