عبد الحافظ: كان يدعوني للجلوس في مكتبه لسماع قطعة موسيقي.. وشعير: حكّاء مبهر يجيد الإصغاء منذ أن بدأت جريدة أخبار الأدب في الصدور قبل عشرين عامًا من الآن، حرص مؤسسها ورئيس تحريرها الكاتب الكبير جمال الغيطاني على أن تكون نافذة لجيل كامل من الكتاب الشبان.. في السطور القادمة ننشر شهادات بعض أبرز الشُبَّان الذين عملوا وتعلموا في مدرسة الغيطاني الصحفية. وقال الكاتب ياسر عبد الحافظ، "جمال الغيطاني بالنسبة لي كاتب كبير، صاحب أحد أهم المشروعات الأدبية في العالم العربي، وهو أحد الكُتَّاب الذين استطاعوا عمل نقلة في مسيرة الرواية من خلال استلهام التاريخ، وتحديدًا التاريخ المصري، فلم يكتب الغيطاني رواية تاريخية بقدر ما كتب رواية معاصرة تتطلع للتاريخ كحيلة فنية للإسقاط على الواقع، وربما كان أحد أهم الدروس في كتابة الرواية للغيطاني أنّ التاريخ لحظة واحدة ممتدة". وأضاف، "تعرض الغيطاني لمسألة القهر والقمع كمسألة متجزرة في التاريخ والأرض المصرية، وأنها تتكرر من زمن لآخر، ولا يختلف فيها غير الوجوه، واستطاع الغيطاني أن يضع بصمة هامة جدًا على اللغة، واستطاع من خلال أعماله أن يرسخ للمشروع اللغوي الذي يدفع بأن اللغة ليست آداة ثابتة طوال الوقت، لكنها يمكن تطويعها، وتختلف من عمل لآخر، ولديه من الشجاعة أن يخلق لغة خاصة جدا ضفَّر من خلالها اللغة العامية المصرية البسيطة وباللغة الفصحى، ساعده في ذلك قناعاته بأن اللغة وسيلة لتوصيل الفكرة وان الروائي ليس مشروعا لغويًا". وتابع "من الأمور المبهرة لي في أعمال الغيطاني قدرته على الانتماء لعوالم ورؤى مختلفة، فهو يستطيع ثقافيًا أن يكون بوذي أو صوفي أو فرعوني أو غيره، فهو يقرأ عند المتصوفة كما يقرأ نتاج الرهبان، ويقرأ للحضارة العربية مثل الغربية، ويجد في ذلك ما يمتعه وما يستطيع التعبير عنه، وفي تقديري هذا هو المثقف الحقيقي الذي يكون لديه القدرة على أن يكون ابن لجميع الثقافات، خصوصًا أن الوقوف عند ثقافة بعينها موت لمن يقف". وأضاف "تزاملت مع الغيطاني، وكنت أحد تلاميذه في عالم الصحافة الأدبية، وأذكر أنني كنت أدخل مكتبه صباحًا لنتناقش في موضوع، فيدعوني للجلوس، ويشغِّل مقطوعة موسيقية، ويبدأ بشرح من صاحب المقطوعة، وما هو الفن الذي يقدمه، ولأنه كان دائم السفر، فكان دائمًا ما يعود بألبومات فنية لفنانيين لم نكن نعرفهم، وكان لدينا في أخبار الأدب مكتبة ضخمة جدًا من انتقاءاته واختياراته، وهذا الأمر أحببته جدًا فيه، وتأكدت لدي فكرة الانفتاح على كل الثقافات من خلال مرافقتي له". وتابع عبد الحافظ "أعمل مع الغيطاني منذ أكثر من 15 عامًا، وكنت ما زلت في مرحلة الدراسة الجامعية، وتعايشنا حياة متكاملة لمدة طويلة، تحول دون أن أطرح موقفًا بعينه جمعني به، خصوصًا أننا جمعتنا مواقف إنسانية كأديب وصديق وإنسان وزميل". فيما تابع الكاتب محمد شعير، "من الصعب وضع جمال الغيطاني في إطار ضيق، هو ليس فقط الروائي، الصحفي، المفكر، السياسي، المثقف الكبير، عاشق الموسيقى، والفن التشكيلي، هو كل هؤلاء، عجينة متفردة، كان الغيطاني أصغر أبناء جيل الستينيات عندما بدأ الكتابة، كان أكثرهم جرأة إبداعية، استطاع أن يعثر على صوته الخاص، ونبرته التي لا تشبه أحدًا غيره، ولم يكتفى بهذا، إذ ما كان يدخل في مغامرة إلا ليغادرها إلى مغامرة أخرى، كل عمل له مغامرة مستقلة، فيها ثوابت الغيطاني، وفيها متغيرات التجربة، رحلة من التجريب الدائم، عرفته كمبدع قبل أن التقيه شخصيًا، وعندما دخلت أخبار الأدب للعمل معه، بدأت رحلتي الشخصية معه التي استمرت ما يقارب 20 عامًا". وأشار شعير، إلى أنه "من خلاله عرفت أسماء كبيرة وجالستها وما كان لي لولاه أنه دائمًا يقدمنا للكثيرين كأننا مكانه، كنا مجرد محررين، ولكنه يقدمنا باعتبارنا نواب رئيس التحرير.. كانت أخبار الأدب هي الجريدة الوحيدة التي تضم رئيس تحرير وبقية الصحفيين فيها "ذو مناصب كبرى" عندما يتم تقديمهم في الخارج". وتابع شعير، "في اجتماعات التحرير، فى الثانية عشر ظهر كل خميس، على مدى 14عامًا، كنا نكتشف جانبًا مهمًا لا يعرفه الكثيرون عنه، جانب الحكاء المبهر، بإمكانه (عندما يكون مزاجه مناسبًا لذلك) أن يحكي لساعات حكيًا متواصلًا، كان لديه موهبة أخرى هي قدرته على التشبيه، تشبيه الشخصيات والأماكن والأحداث بتشبيها غير متوقعه، تكون غالبًا مستقاه من البيئة الجنوبية". وقال الكاتب أحمد عبد اللطيف "جمال الغيطاني أهم كاتب عربي بعد نجيب محفوظ، وصاحب مشروع أدبي كبير، وشيخ طريقة في كتابة الروايات، وأنا بشكل شخصي أحب كتاباته جميعها بداية من الزيني بركات مرورًا بأوراق شاب عاش ألف عام، وسطح المدينة، ومؤخرًا بالطبع المجموعة القصصية الجديدة "دفاتر التدوين وحكايات هائمة"، وأرى أن مشروع الغيطاني فارق ومؤثر جدًا في الرواية العربية". وتابع عبد اللطيف، "يكفي أنه أول المشروعات التي انتبهت بالتراث العربي والتعامل معه، وهذا كان طريقه الذي حدد أن يسير فيه بداية من الزيني بركات، وكان ملفت جدا بالنسبة لي أنه يكون صديق قريب جدا لنجيب محفوظ ولم يتأثر به في أي شيء، فمحفوظ كتب روايات ما بين الفلسفية والواقعية، وله مراحل متعددة، لكن حسب كل مراحله لم يقترب الغيطاني منه وقرّر أن يكون له طريقة يتفرد بها، وأسلوب كتابي ولُغوي خاص به، وتقنية في إعادة التراث العربي وتجديده، بالإضافة إلى الانشغال الدائم بفكرة الموت والزمن كأسئلة كبيرة يطرحها باستمرار في كتاباته". وتابع عبد اللطيف، "علاقتي الشخصية بالغيطاني بدأت سنة 2000، وكانت بداية تعاوني مع جريدة أخبار الأدب من الخارج، فكنت أكتب وأترجم، والتقيت به شخصيًا في هذه الفترة، وبعدها بنحو ثمان سنوات قرّر الغيطاني أن انضم إليهم بشكل دائم، وأن أعمل معهم في أخبار الأدب بشكل ثابت، وطلبني لأجلس معه". وأضاف، "في 2008 اقترح عليَّ أن أعمل معهم في أخبار الأدب وأكون موجود، وتكررت لقاءاتي به من منطلق أني محرر في جريدة هو رئيس تحريرها، وهو أحد أكثر رؤساء التحرير ديمقراطية، فهو يسمع جيدًا ويدرس اقتراحات الآخرين ويوافق عليها، وحتى أفكار الموضوعات الصحفية التي كان يرغب في عملها لم يكن يفرضها على أحد، بل يطرحها ولا يفرضها على أحد، ويترك لمن يرغب في تنفيذ فكرة أن يقوم بها". وعن اهتمام الغيطاني بعمله قال عبد اللطيف "هو كصحفي له ثِقل وصاحب رؤية، ويكفي أنه مؤسس جريدة أخبار الأدب، وبدونه لم يكن من الممكن أن تتأسس جريدة مثلها، خصوصًا داخل مؤسسة أخبار اليوم، لا سيما وأنّ العمل في الأدب غير مربح نهائيًا، وهو شخص محايد جدًا مع الجميع، رغم أنه صاحب رأي ورؤية في كل شئ، حتى أنّ جريدة أخبار الأدب تقريبًا منذ التسعينيات وحتى تركها ظلت جريدة ثقافية لا علاقة لها بالسلطة، حتى أنه كان ينتقد وزارة الثقافة بحرية مطلقة دون أن يكون لديه أزمة في ذلك". وأكد عبد اللطيف، "كان لديه اهتمام بكل قضايا الحريات، ومناهضة الرقابة كانت فكرة أساسية لديه ولدى الجريدة طوال الفترة التي كان يرأسها خلالها، وكان أيضًا دائم الاهتمام بالعالم الآخر، وبما يكتبه الكًتَّاب في الخارج، إنطلاقا من اهتمامه بتطوير الكاتب في مصر" وتابع "أما عن علاقتي الشخصية به، فأنا أحمل له الكثير من التقدير ككاتب وصحفي كبير، وإن كنت أعشق فكرة الكاتب صاحب الأسلوب المختلف والطريقة الخاصة أكثر من أي شيء آخر، ودائمًا يجمعنا الحديث في الأدب والثقافة، وكنت قبل نحو شهر في جولة معه، بصحبة أربعة كُتَّاب أسبان في القاهرة القديمة، وأنا على علم بحبه للعمارة وللقاهرة الإسلامية، لكن لفت انتباهي أيضًا تعمقه في دراسة المعمار، وأنه له وجهة نظر خاصة وتفسيرات خاصة ربما لم ترد في كتب المؤرخين والمتخصصين في الآثار من قبل، خصوصًا في تفسيرات الأشكال داخل المساجد، والطريق الذي نسير فيه حتى الوصول للقِبلة في النهاية، وهي أشياء نادر أن يهتم بها أحد، لكن هذا الأمر يظهر في كتابته لما له من تأثير عليه".