ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الأربعاء 12 يونيو    أسعار اللحوم والأسماك اليوم 12 يونية    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 112 يونيو 2024    وصول صناديق أسئلة امتحان مادتي الاقتصاد والإحصاء لمراكز التوزيع بحراسة أمنية مشددة    حبس شقيق كهربا في واقعة التعدي علي رضا البحراوي    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    الأصعب لم يأت بعد.. الأرصاد تحذر من ارتفاع الحرارة اليوم    هل يشترط صيام يوم عرفة بصوم ما قبله من أيام.. الإفتاء توضح    ماذا يحدث داخل للجسم عند تناول كمية كبيرة من الكافيين ؟    جدول مباريات اليوم الأربعاء.. الجولة الرابعة من الدورة الرباعية المؤهلة إلى الدوري المصري    ارتفاع أسعار النفط وسط تفاؤل بزيادة الطلب    محاكمة عصام صاصا في اتهامه بتعاطي المخدرات ودهس عامل.. اليوم    دون إصابات.. إخماد حريق عقار سكني بالعياط    ET بالعربي: "خطوبة شيرين عبد الوهاب على رجل أعمال.. وحسام حبيب يهنئها    الجيش الأمريكي: تدمير منصتي إطلاق صواريخ للحوثيين في اليمن    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    «مشكلتنا إننا شعب بزرميط».. مصطفى الفقي يعلق على «نقاء العنصر المصري»    شولتس ينتقد مقاطعة البديل وتحالف سارا فاجنكنشت لكلمة زيلينسكي في البرلمان    تتخطى ال 12%، الإحصاء يكشف حجم نمو مبيعات السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي    حكم الشرع في خروج المرأة لصلاة العيد فى المساجد والساحات    اتحاد الكرة يحسم مشاركة محمد صلاح في أولمبياد باريس 2024    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    تأثير التوتر والاكتئاب على قلوب النساء    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    فيديو صام.. عريس يسحل عروسته في حفل زفافهما بالشرقية    رئيس الأساقفة جاستين بادي نشكر مصر بلد الحضارة والتاريخ على استضافتها    رئيس لجنة المنشطات يفجر مفاجأة صادمة عن رمضان صبحي    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها في الأضحية والمضحي    أيمن يونس: أحلم بإنشاء شركة لكرة القدم في الزمالك    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    أوروبا تعتزم تأجيل تطبيق أجزاء من القواعد الدولية الجديدة لرسملة البنوك    هذا ما يحدث لجسمك عند تناول طبق من الفول بالطماطم    "بولتيكو": ماكرون يواجه تحديًا بشأن قيادة البرلمان الأوروبي بعد فوز أحزاب اليمين    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج ب عيد الأضحى: كل عام وأنتم بخير    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    رسميًا.. تنسيق الثانوية العامة 2024 في 5 محافظات    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    هل الأضحية فرض أم سنة؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    البنك المركزي المصري يحسم إجازة عيد الأضحى للبنوك.. كم يوم؟    ظهور حيوانات نافقة بمحمية "أبو نحاس" : تهدد بقروش مفترسة بالغردقة والبحر الأحمر    والد طالب الثانوية العامة المنتحر يروي تفاصيل الواقعة: نظرات الناس قاتلة    تحرك جديد من الحكومة بشأن السكر.. ماذا حدث؟    يوسف الحسيني: القاهرة تبذل جهودا متواصلة لوقف العدوان على غزة    حازم إمام: نسخة إمام عاشور فى الزمالك أفضل من الأهلي.. وزيزو أفيد للفريق    برلماني: مطالب الرئيس ال4 بمؤتمر غزة وضعت العالم أمام مسؤولياته    رئيس جامعة الأقصر يشارك لجنة اختيار القيادات الجامعية ب«جنوب الوادي»    63.9 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    رمضان السيد: ناصر ماهر موهبة كان يستحق البقاء في الأهلي.. وتصريحات حسام حسن غير مناسبة    تريزيجية: "كل مباراة لمنتخب مصر حياة أو موت"    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    رويترز عن مسئول إسرائيلي: حماس رفضت المقترح وغيّرت بنوده الرئيسية    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية بلة المستجدة ببني مزار    شيخ الأزهر لطلاب غزة: علّمتم العالم الصمود والمثابرة    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



افتتاح القناة من الخديو إسماعيل والسادات إلى السيسى
نشر في التحرير يوم 05 - 08 - 2015


كتب: حمدي عبد الرحيم ومنة حسام الدين
3 احتفالات رسمية وشعبية شهدها مجرى قناة السويس، وعلى الرغم من اختلاف الرؤساء أو الزعماء المصريين الذين يحملون على عاتقهم مهمة الإشراف على ذلك الحفل الذى يحمل طابعا دوليا فى كل مرة يتم تنظيمه فإن هناك مشاهد مشتركة لا تغيب عن كل احتفال.
«يخت المحروسة» كان ولا يزال حاضرا ليعلن عن بداية مراسم الاحتفالات، ففى عهد الخديو إسماعيل كان يخت «المحروسة» الملكى هو أول سفينة تعبر قناة السويس عام 1865، وكان حينها يحمل اسم «إيجل»، وتم بناؤه بتكليف من الخديو إسماعيل نفسه.
الخديو إسماعيل.. شهريار المفلس
عندما تولى إسماعيل حكم مصر كان مُحمّلا بتراث جده محمد على وأبيه إبراهيم باشا، وكان تواقا لأن يحفر اسمه بجوارهما فى سجل حكام مصر المتميزين.
مجىء إسماعيل كان بعد وفاة عمه الوالى محمد سعيد، وكان ذلك فى عام 1863، وكان قد مضى على بدء حفر القناة نحو أربع سنوات، لم يكن بيد إسماعيل تعديل الامتيازات التى منحها عمه سعيد إلى ديليسبس، وهى تلك الامتيازات التى جعلت من شركة قناة السويس دولة داخل الدولة أو جعلت مصر تعمل لدى القناة وليس العكس.
رجل مثل إسماعيل كان لا بد له من أن يضع بصمته على المشروع، فقام بإنشاء المدينة التى ستحمل اسمه «الإسماعيلية» على غرار مدينة عمه «بورسعيد».
الإحصاء المبدئى للمشروع وتكاليفه، يقول إنه قد استخرج 74 مليون متر مكعب من الرمال.
وبلغت تكاليف الحفر 369 مليون فرنك فرنسى، وبلغ عدد العمال مليون عامل، وكان عدد الذين توفوا فى أثناء الحفر أكثر من مئة وعشرين ألف عامل مصرى.
وأخيرا أصبحت القناة بعد شقاء عشر سنوات جاهزة للعمل، ولكن إسماعيل رأى أن يكون الافتتاح أسطوريا يليق بأحلامه ويليق بمشروع سيكون الأهم فى تاريخ الملاحة والتجارة العالمية.
سافر إسماعيل إلى أوروبا فى مايو 1869 لدعوة الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن لحضور حفل افتتاح القناة الذى عزم أن يقيمه فى 17 نوفمبر 1869.
بعد عودته بدأ فى الإعداد للحفل الكبير، فاستخدم 500 طاهٍ و1000 خادم ليكونوا فى خدمة الضيوف، الذين بلغ عددهم نحو 6 آلاف مدعو.
هذه الترتيبات كان قد سبقها إقامة مبنى الأوبرا وتجهيز شوارع العاصمة الرئيسية فى لفتة من إسماعيل الذى أراد أن يثبت لضيوفه أن مصر دولة عصرية وتأخذ بأسباب المدنية والتحضر.
ظهر يوم 16 نوفمبر 1869، بدأت الحفلة التاريخية، القادة من كل جنس ولون كانوا حاضرين، الموسيقى تصدع والمدافع تطلق طلقات الترحيب بملوك العالم، وثمانون سفينة بعضها حربى كانت تصطف على الشاطئ متخذة شكل قوس فى منظر مهيب يثير الإعجاب، ليلة تاريخية استمرت حتى شروق صباح السابع عشر من نوفمبر من عام 1869، مع شمس ذلك اليوم بدأت السفن تمر فى قناة السويس.
حفل الافتتاح هكذا سيكون نكبة على إسماعيل، وذلك لأن إسراف إسماعيل زاد من الديون التى كبلت إرادة مصر واستقلالها، كما أن إسماعيل كان يرسل بدعوات حفل الافتتاح باسمه هو وليس باسم الخليفة العثمانى، وهو الأمر الذى سيجعل علاقته بالدولة العثمانية تبدأ فى التوتر حتى انتهى الأمر بصدور فرمان من السلطان العثمانى بعزله بعد مرور عشر سنوات على افتتاح القناة.
سيموت إسماعيل فى أرض منفاه بتركيا بعد عزله، وسيكون رحيله بعد عام واحد من رحيل المنفذ ديليسبس، ولن ينعم إسماعيل بجنى ثمار القناة التى أنفق على حفل افتتاحها كما لم ينفق أحد.
ديليسبس.. كلمة السر فى رخاء مصر وخرابها

يظن البعض أن فرديناند ديليسبس هبط فوق الأرض المصرية من السماء.
الحقيقة التاريخية تؤكد أن ديليسبس كان يعرف مصر جيدا، حتى يجوز لنا القول بأنه عرفها قبل أن يولد وذلك بحكم «الجين»، فوالده ماتيو ديليسبس كان المبعوث الشخصى لنابليون إلى مصر، وكانت بعثته فى عام 1803، أى قبل ميلاد ديليسبس بعامين فقط، فى مصر تقرب ماتيو من شيوخ الأزهر الذين كانت لهم اليد الطولى أيامها فى رسم السياسة المصرية، ثم تعرف إلى شخص الزعيم القادم وهو محمد على باشا، وسرعان ما أصبح من أصدقائه المقربين.
تلك الصداقة ستجعل من الابن فرديناند ديليسبس صديقا مقربا من أولاد محمد على، خصوصا من ابنه سعيد باشا أصغر أولاد الأسرة العلوية.
فى بدايات شبابه عمل ديليسبس مساعدا لقنصل فرنسا فى تونس، كان القنصل العام هو والده ماتيو، وكان الأمر طبيعيا، لأن عائلة ديليسبس كانت من أعرق العائلات العاملة فى السلك الدبلوماسى الفرنسى.
ومن تونس جاء إلى الإسكندرية ليكون مساعد قنصل، وكان ذلك فى عام 1832. بعدها بسنة واحدة جرى تعيينه قنصلا فى القاهرة، وبعدها بفترة وجيزة أصبح قنصلا عاما لفرنسا فى مصر، وظل كذلك حتى عام 1837.
ثم عاد إلى بلاده وبقى بها سنوات إلى أن عاد إلى مصر مرة ثانية، فى عودته الجديدة كان صديقه القديم محمد سعيد باشا قد أصبح واليا على مصر، هنا جاءته الفرصة التى من الواضح أنه كان يحلم بها ليل نهار، مشروع قناة السويس.
المشروع قديم جدا بدأ مع الفراعنة، ثم العرب الذين فتحوا مصر، وتواصل مع أمراء البندقية الإيطاليين، حتى وصل إلى نابليون الذى أمر بحفر القناة التى ستضمن له السيطرة على التجارة العالمية، المهندس الذى كلفه نابليون بالدراسات الهندسية أكد أن المشروع سيؤدى إلى غرق مصر، لأن منسوب البحر الأحمر أعلى من المتوسط، هذا تأكيد لم يجعل الفرنسيين ييأسون، فقد عادوا لدراسة المشروع، وتبين لهم خطأ تقديرات مهندس نابليون، وعلى ذلك فقد تسلم ديليسبس الفكرة مكتملة من ناحية الدراسات والجدوى الاقتصادية، ديليسبس لم يكن أفاكا، لقد كان صاحب طموح مبنى على دراسات علمية، ولذا فلم يبذل مجهودا سوى فى إقناع الوالى محمد سعيد بالفكرة، اقتنع سعيد بالمشروع، وفى 25 أبريل 1859 بدأ العمل فى إنشاء القناة تحت الإشراف المباشر من ديليسبس الذى ضمن لشركته أن تكون لها كل المغانم على أن تكون كل المغارم على مصر، يكفى أن نذكر أن أكثر من مئة وعشرين ألف مصرى سيروحون ضحايا القناة فى السنوات العشر التى استغرقها الحفر.
سيظل ديليسبس ملكا متوجا إلى أن يموت موته الأول فى عام 1894، أما موته الثانى فكان يوم أعلن ناصر استرجاع مصر للقناة، ولسوف يموت ديليسبس ميتة الأبد عندما يهدم المصريون تمثاله الذى كان يتحدى فى غطرسة أحلامهم فى الحرية والاستقلال.
عبد الناصر.. هنا القاهرة.. نحن مصر

ثم جاء أبو خالد أميرا للفقراء، ضابط من أولاد «المستورين»، يقرأ كثيرا ويحلم كثيرا، ولديه استعداد دائم لحب هذا البلد حتى النزف.
جاء ناصر وكان قد مضى على حفل إسماعيل الأسطورى سبعة وثمانون عاما، كانت القناة خلال عمرها الماضى كلمة السر فى احتلال مصر من الإنجليز، كانت خنجرا فى الخاصرة المصرية وشوكة فى الحلق، ومن يدرى ربما كان واحد من أجداد ناصر الصعايدة قد انطرح شهيدا على أرضها فى أثناء الحفر أو بعده.
شركة القناة العالمية، شركة القناة الأوروبية، شركة القناة التى تكاد تكون إلهية، لا تملك مصر التى هى أم القناة حق رفع لو أصغر أصابعها فى وجه مدير من مديريها.
المتفق عليه فى كتابات المؤرخين والسياسيين هو أن عبد الناصر كان يبحث عن تمويل لبناء السد العالى، أمريكا والبنك الدولى وكل أوروبا الغربية الثرية رفضت منحه التمويل، فما كان من عبد الناصر إلا أن رد الصاع صاعين وقام بتأميم القناة لكى يستخدم إيرادها فى بناء السد.
لا أنا ولا غيرى نملك تكذيب هذا الإجماع، ولكن أين غيرة الأسد على حرمة عرينه؟ أين حلم الحرية والاستقلال؟ أين زهو المظلوم باسترجاع حقه بيديه؟
لن أقول على التاريخ كذبا، ولكن عبد الناصر كان سيفعلها حتى لو مولوا السد، لم تكن ثورته ستكتمل دون تلك الخطوة، لم تكن جمهورية مصر العربية ستعلن عن ميلادها الحقيقى دون تأميم القناة.
جاء يوم 26 يوليو 1956 وقف ناصر خطيبا فى حشد خرافى من جماهير الشعب، وكان قد اتفق مع مساعديه على أنه فور نطقه بكلمة «ديليسبس» ينطلقون ليستعيدوا قناتهم من يدى غاصبيها، خاف ناصر من حدوث أى سوء فهم، فظل يردد بين جملة وأخرى كلمة «ديليسبس».
كان البطل «محمود يونس» يقود كتيبة من الجنود المجهولين الذين سيطروا على مجرى القناة وعلى الشركة تمام السيطرة، لحظتها جاء صوت ناصر واضحا واثقا صارخا: «باسم الأمة، تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية».
ليس لدى أدنى درجة من الشك، أن الأرض لحظتها قد كفت عن دورانها، وأن الزمان قد تجمد، مصرى أسمر يتحدى العالم ويستعيد حق بلاده.
ستجتمع على مصر كل الحراب، فرنسا وبريطانيا ومعهما إسرائيل، ستشن عدوانها الثلاثى بقصد استعادة القناة وتركيع القاهرة.
من جراء الغارات سينقطع بث الإذاعة المصرية، سيأتى المدد العروبى من دمشق الشام، سيقول مذيعها: «هنا القاهرة».
لم تركع مصر سوى لخالقها، وسيقف ناصر فوق منبر الأزهر هاتفا: سنحارب ولن نستسلم.
خرجت مصر من المعركتين منتصرة، وسيموت عبد الناصر ولن يحتفل بمئوية القناة، لأن عدوان يونيو كان قد أغلقها.
السادات.. الانتصار في يوم الهزيمة
غنى عبد الحليم: «عاش اللى قال للرجال عدوا القناة».
كان يقصد السادات، وكانت أغنيته جميلة، لكنها كانت أضعف من أن تصف الموقف وتوفيه حقه.
لم يكن الأمر مجرد «تعدية» كما لم يكن «عبورا» لقد كان اقتحاما، رجالنا أسود جيشنا اقتحموا القناة.
ماء القناة كان مشبعا بالنابالم، على ضفة القناة كان خط بارليف الحصين، فوق الخط كان قناصة الموت، من داخل الخط كانت تبرز فوهات المدافع، قرار الاقتحام كان مصريا، كان من تلك القرارات، التى تجود بها مصر على الإنسانية، كان السادات شجاعا، تحمّل عبء القرار المصيرى وأمر الرجال بالاقتحام.
بعد تدريب مميت واستعانة بكل العلم المتوفر ووضع الخطط الناجحة وتجهيز مسرح العمليات اقتحم الرجال قناة السويس ودكوا خط بارليف.
لم تكن معجزة مصرية، كانت المعركة إنجازا مصريا، والفرق بين الإعجاز والإنجاز جلى لا يحتاج إلى توضيح.
بعد أن هدأ غبار المعارك، فكر السادات فى رد الصاع صاعين، ولكن بطريقته هو، لقد أمر بتطهير مجرى القناة من مخلفات الحرب، كان العمل قاسيا جدا وفق الآلات التى كانت متاحة أيامها، ثم إن القناة كانت شاهدة على كل حروب مصر فى العصر الحديث، بل كانت دائما مسرح العمليات، بل كانت هى المكافأة التى يبحث عنها العدو، العالم كله يحلم بامتلاك القناة ونزعها من بين أيدى المصريين، ولكن هيهات، هذه ليست قناة ماء، إنها قناة دم، دماء الأجداد والآباء تجرى بين ضفتيها، القناة مصرية هكذا بدأت وهكذا ستستمر بإذن الله.
الرجال الذين اقتحموا كانوا هم الذين طهروا القناة من مخلفات العدوان عليها، ثم فى لفتة سياسية ومعنوية رائعة قرر السادات أن يكون تاريخ إعادة القناة إلى العمل هو تاريخ يوم النكسة الخامس من يونيو.
لقد اعتدوا علينا فى هذا اليوم، ونحن سنرد على عدوانهم بتحضرنا، وسنعيد إلى العالم خير القناة لكى تتدفق التجارة العالمية من أقصى الأرض إلى أدناها.
صباح الخامس من يونيو من العام 1975 ارتدى السادات زى البحرية المصرية وفى مظاهرة من السفن واللنشات التى ترفع علم جمهورية مصر العربية، وأعاد افتتاح القناة، لتنعم مصر بخيراتها، ولتبدأ جولة جديدة من جولات تعميق القناة وتوسعتها، لتكون دائما جاهزة لاستقبال أعظم الناقلات والسفن.
ولقد مات السادات غدرا وهو يفكر فى تنمية محور قناة السويس لتكون المنطقة كلها بؤرة تقدم وقاطرة رخاء يستحقه وعن جدارة هذا الشعب الصابر المقاوم.
السيسى.. نحن نستطيع


لا بد للحاكم أى حاكم من مشروعية، وقد حاز السيسى مشروعيته يوم وقف بجوار شعبه فى معركته المصيرية مع عصابات الظلام.
ثم أضاف لنفسه مشروعية جديدة يوم هبطت الملايين إلى الميادين والساحات لكى تفوضه فى تصديه لعصابات الإرهاب.
ثم كانت مشروعية صناديق الانتخابات الرئاسية التى اكتسح نتائجها، ولكن كان لا بد من مشروع إن لم يقدم المال فورا فهو يقدم الأمل وينشر الحلم فوق الأرض المصرية.
قبل عام من عامنا هذا عثر السيسى على مشروعه الذى سيرسل من خلاله رسائله إلى المصريين والعرب والعالم أجمع.
كان المشروع هو البدء بتنمية محور القناة، على أن تكون نقطة الانطلاق إقامة قناة جديدة.
فى زمن عبد الناصر أو السادات كان كل عمل يتعلق بالقناة يستوجب بطريقة مباشرة مواجهة من نوع ما مع الأعداء الذين يتربصون بالقناة، ويريدون السيطرة عليها، اختلف الأمر مع زمن السيسى، المواجهة الآن هى مع اليأس والفقر.
رسالة المشروع الأولى كانت إننا نستطيع.
ولكن كيف نستطيع فى أجواء مضطربة وفى ظل عجز فاضح فى الموازنة العامة.
تمسك السيسى برسالته واستصرخ شهامة المصريين، فلبى المصريون النداء، وانهالت على المشروع عشرات المليارات، أكثر من ستين مليار جنيه مصرى فى تسعة أيام لا تزيد يوما.
كان المخطط أن يستغرق حفر القناة الجديدة ثلاث سنوات، وهنا جاءت رسالة المشروع الثانية، سيتم الحفر وستتم كافة الأعمال، وسيجرى الافتتاح فى عام واحد لا يزيد شهرا.
الأرض مصرية والعمال مصريون والمال مصرى، وتلكم كانت الرسالة الأهم من رسائل المشروع.
من حق الخبراء والمتخصصين مناقشة تفاصيل المشروع، ولهم كامل الحق فى تسمية «قناة جديدة أو تفريعة جديدة»، لكن أحدا لن يستطيع إنكار الإنجاز الهندسى المصرى، نحن أمام عمل جبار وقائد وملهم، نحن نستطيع شق قناة فى بيئة صحراوية فى أقل من عام، كل ما يشنع به البعض على المصريين الكسالى يكذبه نجاحهم فى هذا المشروع.
لسنا كسالى، وليست البلادة طبعا أصيلا لنا، نحن فقط نحتاج إلى مشروع جامع نصدق أنه سيعود علينا بالخير، وساعتها لن يقف شىء فى وجهنا، ولن يمنعنا شىء من المضى قدما لكى ينتهى المشروع على أكمل وأحسن وجه.
لقد تعرض مشروع بناء السد العالى لهجوم أشرس مئات المرات من الهجوم الذى يتعرض له مشروع القناة، ثم أحق الله الحق وأبطل الباطل، وظل السد قائما ونافعا، وستأتى الأيام بما يؤكد أن القناة الجديدة هى فى الحد الأدنى بوابة من بوابات الأمل وساحة من ساحات الحلم.
على المصريين جميعا أن يستوعبوا رسائل المشروع ويقبضوا عليها لكى لا تتسرب اللحظة، لحظة القدرة والاستطاعة.
الحفلات الفنية سمة الاحتفالات الثلاثة.. ومدة الاحتفالات بدأت من 3 أيام حتى 3 ساعات فقط
استخدام «المحروسة» كواحدة من أوائل السفن التى عن طريقها يتم إعلان بداية أى احتفال فى مجرى القناة، حرص عليه الرئيس محمد أنور السادات، عندما طلب إبحار اليخت الملكى من بورسعيد إلى الإسماعيلية فى الخامس من يونيو 1975، ليعلن إعادة فتح حركة العبور بقناة السويس بعد غلقها لمدة 8 سنوات، وهو الإجراء ذاته الذى حرص عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى سيستقل اليخت الملكى صباح السادس من أغسطس للإعلان عن بدء حركة الملاحة فى مجرى القناة الجديدة.
خلف «المحروسة» عادة ما تسير قافلة من أشهر السفن، ففى عهد الخديو إسماعيل تحركت قافلة تضم عددا من أساطيل دول العالم، لتبحر من مدينة بورسعيد إلى الإسماعيلية، من أجل بدء احتفالية افتتاح القناة، أما خلال حفل الافتتاح الذى كان فى عهد الرئيس السادات عام 1975 فبدأ السادات رحلته على «المدمرة 6 أكتوبر»، على أن تسير «المحروسة» ثم سفينة القيادة «ليتل روك» من الأسطول السادس الأمريكى الذى أسهم فى تطهير القناة من الألغام.
من أبرز السفن التى شاركت فى الإبحار الأول للرئيس السادات خلال حفل يونيو 1975 سفينتا الركاب «سوريا» و«عايدة»، ثم 3 من السفن الحربية المصرية، علما بأن القافلة انتهت بالسفينة القطرية «غزال».
أما بالنسبة إلى احتفال الرئيس السيسى فمن المقرر أن يقود الرئيس، وهو على متن «المحروسة»، قافلة ستشارك فيها 12 قطعة حربية من القوات البحرية المصرية، و15 وحدة بحرية من هيئة القناة، فضلا عن 12 مركب صيد جر مزينة بشعار «تحيا مصر» و«هيئة قناة السويس»، تصنيع ترسانة بورسعيد البحرية التابعة لهيئة قناة السويس، ويصل حجمها إلى 25 مترا طولا، و8 أمتار عرضا، تسع استخدام 5 عائلات، وسيتم تسليمها إلى عدد من الصيادين من مختلف أنحاء الجمهورية.
مدة الاحتفال، من التفاصيل التى عادة ما تميز احتفالات افتتاح قناة السويس، فالخديو إسماعيل حرص على استمرار الاحتفال لمدة 3 أيام، بينما احتفل الرئيس السادات على مدار يومين بإعادة افتتاح القناة عام 1975، بينما سيقتصر افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسى بإقامة احتفال نهارى مدته 3 ساعات، واحتفال آخر ليلى مدته لن تستمر أكثر من 3 ساعات أيضا.
طبيعة الاحتفالات التى أعقبت مراسم الافتتاح الرسمية، تشابهت عند الخديو والرئيسين المصريين لاهتمامهم بالفن الغنائى.
خلال عهد الخديو إسماعيل استمرت الموسيقى والغناء على مدار أيام الاحتفال، وتم إنشاد النشيد الوطنى، فضلا عن إنشاد التابعين للدين المسيحى نشيد الشكر اللاتينى، كما أنه فى المساء مدت الموائد وبها شتى أنواع الأطعمة والمشروبات، وانطلقت الألعاب النارية والتى تم استيرادها خصيصا لهذا الغرض، وتلألأت بورسعيد تحديدا بالأضواء وأنغام الموسيقى.
الفنان عبد الحليم حافظ كان أيضا الرمز الفنى لمشروع إعادة حفر القناة عام 1975، وهو ما يشابه دعوة الفنان محمد منير لإحياء الحفل الفنى الرسمى الذى يتبع افتتاح حركة العبور فى القناة الجديدة، بالإضافة إلى الاستعانة بأكثر من 900 فنان وفنانة لتقديم عروض الأوبرا خلال الحفل الليلى للملوك والرؤساء والشخصيات العامة.
الاهتمام بإنشاء مشروعات جديدة تزامنا مع افتتاح القناة، ظهر بوضوح فى عهد الخديو إسماعيل والرئيس السيسى، فالأول أمر بإنشاء قصر خاص لاستقبال الإمبراطورة أوجينى، كما أمر بإنشاء حى الإسماعيلية، وبناء مسرح الأوبرا، وتنسيق حديقة الأزبكية، فضلا عن إنشاء «شارع الأهرام» بمسماه الحالى، ورصفه بالحجارة، لاستقبال الإمبراطورة أوجينى.
أما فى عهد السادات فكان المشروع الأهم هو تطهير مجرى القناة من الألغام وتطويره، ليكون آمنا أمام حركة السفن بعد انتهاء حرب أكتوبر والعدوان الثلاثى، فتم الإشارة إلى عدة مشروعات هدفها تنمية منطقة القناة الجديدة، منها إنشاء منطقة سكنية وميناء ونادٍ لليخوت، و5 موان، وغيرها من المشروعات التنموية التى من المقرر إنشاؤها تباعا بعد الافتتاح، لتوفير أكثر من مليون فرصة عمل، وفقا لتصريحات رئيس هيئة قناة السويس، الفريق مهاب مميش.
وبمقارنة الافتتاحات الثلاثة لقناة السويس نجد أن أبرز مدعوى الخديو إسماعيل كانوا الإمبراطورة أوجينى إمبراطورة فرنسا وفرنسوا جوزيف إمبراطور النمسا وملك المجر وولى عهد بروسيا والأمير هنرى شقيق ملك هولندا وسفيرا إنجلترا وروسيا بالأستانة والأمير محمد توفيق ولى العهد والأمير طوسون نجل محمد سعيد باشا وشريف باشا ونوبار باشا والأمير عبد القادر الجزائرى، بينما كان أبرز مدعوى الرئيس السادات شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوى، الذى تنزه فى مدينة الإسماعيلية حينها بسيارة مكشوفة، برفقة الرئيس السادات لتحية الجماهير التى خرجت لاستقباله.
أما فى ما يتعلق بحفل الرئيس «السيسى» فمن المنتظر حضور كل من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، والرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند، والملك سلمان آل سعود خادم الحرمين الشريفين، ورئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزى، والرئيس السودانى عمر البشير، والرئيس العراقى محمد فؤاد معصوم، والشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت، والرئيس الصينى شى جين بينج، ورئيس وزراء اليونان أليكسيس تسيبراس، ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، ورئيس جنوب السودان سيلفا كير، وغيرهم من ملوك وزعماء الدول، إذ إنه من المقرر حضور أكثر من 43 رئيسا وملكا، فضلا عن 7 آلاف مواطن يمثلون مختلف فئات الشعب المصرى.
الصولى: الفضل فى حفر القناة يعود إلى المهندس النمساوى نيجريللى.. والفرنسى «سرق» المشروع
الشهرة الكبيرة التى يحظى بها الفرنسى فرديناند ديليسبس، وإرجاع الفضل فى حفر قناة السويس إلى عقليته الفذة ومشروعه الهندسى، كلها «موروثات تاريخية غير صحيحة»، وذلك وفقًا لمدير إدارة الاستراحات بهيئة قناة السويس، والمسؤول الأول عن فيلا «ديليسبس» فى الإسماعيلية، عادل الصولى، الذى شدد على أن ديليسبس نال شهرته ب«الواسطة والتزوير وسرقة مجهود الغير»، ومن المخزى تخليد اسمه مع كل إنجاز جديد يرتبط بقناة السويس.
معايشة الصولى لتاريخ حفر قناة السويس بفضل وظيفته جعلته يستكشف المكانة الحقيقية لمن حصل على امتياز حفر قناة السويس من سعيد باشا عام 1854، ويقول الصولى: «فرديناند ديليسبس كان حاصلا على شهادة البكالوريا فقط، ولم يكن مهندسا من الأساس، لكن علاقة القرابة بينه وبين الإمبراطورة الفرنسية أوجينى وعلاقات الصدقة التى بناها مع أسرة محمد على هى السبب فى شهرته، وفى حصوله على امتياز حفر القناة».
وفقًا للوثائق التاريخية، تعد الإمبراطورة أوجينى، ابنة عمة ديليسبس، وبفضل مكانتها الرفيعة، حصل ديليسبس عام 1832 على وظيفة نائب القنصل فى القنصلية الفرنسية بالإسكندرية حينها، ويضيف الصولى: «مشروع حفر القناة مجهود المهندس النمساوى نيجريللى، ديليسبس سرق مجهوده ونسبه لنفسه، خصوصا أن نيجريللى توفى قبل البدء فى حفر القناة، وتحديدا فى أكتوبر عام 1858».
علاقة نيجريللى بمشروع حفر قناة السويس، بدأت حسبما أوضح الصولى بعد حصول ديليسبس على امتياز الحفر، فاضطر إلى الاستعانة بعدد من المهندسين المهرة لوضع تخطيط هندسى للمشروع، والبدء فى تصميم الرسومات لعرضها على سعيد باشا حينذاك.
الويس نيجريللى مات مجهولا، كما قال الصولى، ولم يتم تخليده سوى بشارع فرعى فى مدينة الإسماعيلية خلف منزل ديليسبس، وتم تغييره بعد ثورة 1952 إلى شارع الجيش، «الإسماعلاوية الأصليين يعرفوا شارع نيجريللى، وفى فيلا ديليسبس فى صورة تجمع ديليسبس بنيجريللى قبل وفاته بسبب اضطراب فى الكليتين»، ويطالب الصولى المعنيين بالحفاظ على التاريخ، قائلا: «لا بد من تكريم ذلك المهندس النمساوى، خصوصا فى ظل الحفاوة التى يتم التعامل بها مع ديليسبس تزامنا مع مشروع القناة الجديد».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.