الجماعة الإسلامية هى جماعة دعوية نشأت فى الجامعات المصرية، أوائل السبعينيات، عملت للدين من خلال الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد فى سبيل الله، وفى سبيل إقامة الدولة الإسلامية. وتاريخ هذه الجماعة، بغض النظر عن صواب أو خطأ الرؤية والمنهج، هو جزء لا ينفصل عن تاريخ مصر. لهم فتاوى شاذة فى تكفير أصحاب الرأى. تحولوا من الدعوة بالحسنى والموعظة الحسنة، إلى حد الدعوة إلى اغتيال رموز الفكر، ولعل أشهرها حادثة اغتيال فرج فودة، منذ نحو عشرين عاما، وبالتحديد فى 8 يونيو عام 1992. الشيخ أبو العلا محمد عبد ربه، كان أحد قتلة فرج فودة. حكم عليه بالسجن 15 عاما بتهمة الاشتراك فى القتل، ضمت إلى 40 عاما أخرى فى قضايا متفرقة، منها استهداف أوتوبيس سياحى، وقتل جنديين. خرج قاتل فرج فودة مع من خرجوا مؤخرا بعد قرار الرئيس مرسى، بالإفراج عن عدد من أعضاء الجماعة الإسلامية. «التحرير» التقت أبو العلا بعد عشرين عاما من قتله المفكر الكبير، لنرى رؤاه وطرائق تفكيره، خصوصا بعد المراجعات الفكرية لقادة الجماعة الإسلامية فى السجون، وبعد ثورة يناير، وصعود التيارات الإسلامية لتصبح فى صدارة المشهد السياسى فى مصر الآن. ■ فى البداية.. حدِّثنا عن علاقتك بالجماعة الإسلامية. - فى عام 1985 التزمت مع جماعة التبليغ والدعوة، ولم أمكث معهم إلا بضعة أشهر، ثم تركتهم، وذهبت إلى جماعة الإخوان لما يقرب من عام ونصف العام تقريبا، وفى أثناء أحداث عين شمس الأولى التزمت مع الجماعة الإسلامية، بعدما سمعت عما تعرضوا له من ظلم واضطهاد وتعذيب وقع عليهم من قبل الأمن، كل ذلك أعطانى انطباعا بأن هؤلاء على خير وأقرب من غيرهم إلى الله، إضافة إلى نشاطهم الاجتماعى والدعوى، الذى سمعت عنه فى عين شمس، فرأيت أننى سوف أخدم الدين أكثر إذا التزمت مع هذه الجماعة. ■ وما الذى رأيته فى الجماعة الإسلامية ولم تجده فى غيرها من الجماعات؟ - أنا ابن بلد بطبيعتى، وكنت عندما أرى أمرا ما خطأ بدون أن أكون ضمن جماعة كنت أحاول تصحيح هذا الخطأ بعيدا عن الدين، ولكن من باب الرجولة والشهامة، فمثلا إذا رأيت شابا يعاكس فتاة فى الشارع، أو محلات تبيع الخمور، كنت أتحدث معهم وأنهاهم عن هذا الأمر، وهو ما لم يعجب قيادات التبليغ والدعوة أو الإخوان، على الرغم من إأنى كنت أرى أن هذا هو الأصلح للدين. شعرت بأن الإخوة فى الجماعة الإسلامية يردون الحقوق إلى أصحابها، وهو ما أراحنى نفسيا. أرى أن الجماعات العاملة على الساحة الآن تشبه الجامعة، وكل جماعة تمثل كلية من الكليات، وكل شخص يدخل الكلية التى تناسب مؤهله ومجموعه وقدراته واهتماماته، والجميع يصب فى مكان واحد، والكل يكمل بعضه، فمثلا السلفية تعلِّم والتبليغ تُدخل الرجل المسجد، والإخوان تمارس السياسة، إلا أننى كنت أرى الجماعة الإسلامية هى الأقرب إلى الشمولية، فهى تدعو إلى العمل الاجتماعى، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، وقول الحق فى وجه السلطان الجائر. الجماعة الإسلامية نالت شهرة كبيرة وقاعدة شعبية عريضة بين الناس بسبب الاجتماعات والدعوة وقول الحق الذى لم تكن تخشى فيه لومة لائم، وكانت تفعل الخير دون أن تنتظر مقابلا، كانت تسافر إلى مسافات بعيدة، وتتحمل المشقة من أجل القيام بعمل سوق خيرية لا تجنى من ورائه مكاسب خاصة، أو يعمل ثلاثة أيام من أجل الإنفاق على نفسه وبيته، ويهب باقى الأسبوع للدعوة، فكنت أراهم أقرب إلى السنة وإلى الصواب، فتلك كانت صفات النبى. ■ هل صحيح أنكم أعلنتم منطقة إمبابة إمارة إسلامية مستقلة؟ - هذا كلام صنعه الأمن بالتنسيق مع الإعلام المملوك له فى ذلك الوقت، فصنع الأمن أسطورة وراح ينفخ فيها ويضع حولها الهالات، وفى النهاية يقوم بتوجيه ضربة إليها بكل سهولة، فيصنع لنفسه نجاحا مصطنعا من لا شىء، وعلى عكس ما كان يثار. إمبابة كانت منطقة هادئة تجمع كل التيارات الإسلامية، والجميع يعمل ويلتحم مع الشعب، ومعظم الأمور التى تدخلنا فيها كانت بناء على طلب من الأهالى، خصوصا أن وضع إمبابة القبلى لا يسمح بالجلسات العرفية فكانت الجماعة الإسلامية هى البديل. ■ ولماذا كان الأهالى يلجؤون إلى أعضاء الجماعة ولا يلجؤون إلى الشرطة مثلا؟ - لأن الشرطة من الممكن أن تحبس المبلغ والمبلغ عنه، أو تظلم الاثنين والناس فى رغبة لحل ناجز لمشكلاتهم دون أن توغر الصدور، وهو ما كانت تفعله الجماعة، فقد كانت تحل المشكلة وتترك الطرفين وهما على علاقة طيبة ببعضهما. وإذا كانت المشكلة متعلقة بأموال عجز أحدهم عن سدادها، كانت الجماعة تسد المبلغ، وتقسطه على المتعثر. الناس بعادتها تلجأ إلى من يساعدها ويقف بجوارها، بعيدا عن سطوة وسيطرة وجبروت رجال الشرطة فى الأقسام التى كانت تسبب لهم الإهانة والتجريح. ■ وهل معنى ذلك أن الجماعة لم تتجاوز خلال هذه الفترة؟ - أعترف بأن هناك أخطاء وتجاوزات حدثت، لكن عند النظر إلى المسألة لا بد أولا من النظر إلى الموضوع كله لا إلى جزء منه، وننظر أيضا إلى نسبة الخطأ الذى وقع ونسبة الصواب، فنجد أنها لا تتعدى 20% فقط. نعم هناك تجاوزات وقعت فى حق المسيحيين وأعترف بذلك، وأنا لا أريد أن ينسب خطأ جماعة من الجماعات إلى الإسلام ذاته. أعترف أيضا بأننا أخطأنا فى حلق شعر الراقصات فى أفراح عين شمس. من الأخطاء التى وقعنا فيها أيضا هى التعصب للرأى الواحد أو المذهب الواحد، فمثلا فى مسألة الغناء أنا آخذ بحرمة سماعها، لكن لا أنكر أن هناك علماء ثقات أباحوها ومن هنا ألزم نفسى بما أعتقد، ولكن لا ألزم غيرى بما أعتقد، كذلك موضوع النقاب البعض اعتبره فريضة والبعض الآخر اعتبره فضيلة. ■ وكيف ترى تعامل التيارات الإسلامية مع بعضها.. ومع التيارات الأخرى؟ - فى المرحلة الأولى كانت هناك مشكلة فى التيارات الإسلامية عموما، فالكل يريد جنى المحصول. ف«الإخوان» هاجمت الجماعة، والعكس حدث أيضا، وتدخل السلفيون ليتصيدوا الأخطاء للجماعتين. فالكل يريد الخير لجماعته، والكل يريد جمع أكبر عدد من المريدين. المهم الآن أن نتعلم من أخطائنا السابقة، والاصطفاف من أجل الإسلام. وأنا هنا يجب أن أقول إذا كانت التيارات الإسلامية تغضب لنقد التيارات الليبرالية أو العلمانية أو اليسارية لها، فإنه فى الأصل يجب أن لا ننسى أننا كتيار إسلامى سبب فى هذا النقد، لأننى أنقد التيارات الأخرى. ■ كيف اشتعلت أحداث إمبابة؟ - الأمن كان السبب فى تلك الأحداث، ذلك لأن الأمن ألقى القبض على كل قيادات الجماعة الإسلامية، سواء من الصف الأول أو الثانى أو الثالث أو حتى من كان يرى فيه أنه قد يتولى منصبا من المناصب فى يوم ما. سبب آخر فى اشتعال الأزمة هو غياب التوجيه الصحيح من قيادات الجماعة، الذى أدى إلى ظهور كوادر غير مؤهلة فى صفوف الجماعة، إضافة إلى وجود بعض الشباب المندفعين، دون حكمة وروية. ونضيف إلى كل هذا قيام الأمن ببعض الأعمال المستفزة مثل قيامه بإخراج الأخوات من بيوتهن بملابس النوم وأخذهن كرهائن وتعذيبهن فى مقرات أمن الدولة، هذا كله كان يستثير حفيظة الشباب، فأصبح الأمر فى ذاته انتقاميا. للأسف الأمن صنع من إحدى الشخصيات الشهيرة فى إمبابة أسطورة، على الرغم من كونه إنسانا عاديا، ولم يكن له دور حيوى فى الجماعة، وكان من السهل عليه أن يصطاده فى أى لحظة، لكنه أبقاه لعلة ما، وجعل الجميع يشعر بأن إمبابة يقودها هذا الشخص. هم اختاروه ليصنعوا منه مادة إعلامية حال القبض عليه، كما أنه اختار شخصية بطيئة ومحدودة الحركة فيسهل القبض عليه، وبطبيعة المناطق الشعبية تحب الاستماع إلى قصص البطولة ومعارضة الحكومة فكل هذا ساعد فى صناعة الرجل. الأمن أيضا كان يرغب فى القضاء على منطقتين مهمتين فى القاهرة، هما عين شمس وإمبابة، وبعد قضائه على الدعوة فى عين شمس تفرغ لإمبابة وقام بالقبض على كل الكوادر وقبلها قام الأمن بقتل أحد الإخوة فى عين شمس اسمه شريف، ولم تتخذ الجماعة أى رد فعل على قتله والذى جعل الجماعة تصحح المسار وتقوم بعمل رد فعل هو مقتل المتحدث الإعلامى للجماعة الدكتور علاء محيى الدين، ثم تلاه مقتل عرفة درويش على المنبر، وقبله شعبان راشد وقتله لماجد العطيفى أمام مستشفى الجلاء بالقاهرة، وغيرها وغيرها، فاختارت الجماعة أن ترد على قتل كل من يقتل من أعضائها، هكذا تم استدراج الجماعة إلى الصدام. ■ ألم يكن أنسب للجماعة فى تلك الفترة أن تعى الدرس ولا تدخل فى صدام مع الأمن؟ - الجماعة فعلت ذلك فى البداية، لكن الأمن استمر فى مضايقاته فكان يقتل منها ويقبض على أعضائها ومن لا يجده يأخذ زوجته أو أبناءه ويحاربه فى مصدر رزقه ويغلق مسجده ويمنعه من الدعوة، بل إنه حوَّل بعض المساجد إلى محلات تجارية، وهو ما أثار حفيظة الجماعة، التى كانت ضمن أدبياتها «من مات دون عرضه فهو شهيد.. ومن مات دون ماله فهو شهيد». الأهم أيضا ما كنا نسمعه فى الصعيد، والأحداث التى اندلعت هناك. سمعنا أن الأمن كان يذهب إلى أهل الأخ فى مسقط رأسه، ويلبسونه (طرحة) ويخرجون به إلى الناس، وكانوا أيضا يخرجون بالنساء شبه عرايا فى الشوارع. حتى إسرائيل لم تفعل ذلك فى الفلسطينيين. الأمن المصرى فعل كل ذلك مع أعضاء الجماعة، وبعد ذلك كيف تحدثنى عن الدعوة بالموعظة الحسنة؟! ■ ولماذا لم تستجب الجماعة لدعوات وقف العنف التى خرجت وقتها؟ - من كان لا بد أن يوقف القتل هو الأمن لا نحن. هم من كانوا يقتلون ويعذبون، هم كانوا الجناة، حقا لو كانوا يريدون الهدوء لفعلوا، فلا يعقل أن يقتل أخى وتبقى زوجتى رهينة ويهدم بيتى ويغلق مسجدى، ثم يطلبون منى وقف العنف، أنا فقط رد فعل لهم. ■ لكن الجماعة فعلتها بعد أعوام وأطلقت المبادرة من طرف واحد وأوقفت العمليات المسلحة دون قيد أو شرط. - عندما دخلت السجن جلست أفكر قبل المبادرة وكنت أتمنى أن توقف الجماعة عملياتها، لأننى دخلت المعركة لصد العدوان، فزاد العدوان على، فقلت الأصلح لأمر دينى ودنياى أن يتم وقف النار ونعيد ترتيب الأوراق، لأننى وجدت نفسى وقعت فى شراك لا مخرج منه، فقلت يجب أن أرجع حقنًا لدماء المسلمين من الطرفين، وهو ما فعلته الجماعة فى المبادرة. ■ كيف انتقلت من الجناح الدعوى إلى الجناح العسكرى؟ - «إلا ما اضطررتم» فأنا لم أذهب إلى معسكر تدريب ولم أكن على دراية إلا بالعمل الدعوى فقط، ومع وجودى فى وضع الاضطرار مع المضايقات والقتل والتعذيب وأخذ الرهائن دخلت العمل العسكرى، وكانت أولى عملياتى التى اشتركت فيها هى اغتيال الدكتور فرج فودة.