د.درية شرف الدين رئيس جهاز الرقابة خلال الفترة بين عامى 1995 و1996، وهى الفترة التى شهدت صداما عنيفا مع صناع السينما، ومواجهات مع ما يعرف بموجات الإسفاف والعرى وتشويه صورة المجتمع المصرى، وعن تلك الفترة قالت إنها كانت ترى نفسها فى معركة ضد الفن الهابط، وحماية المجتمع من التعرض لأعمال فنية رديئة تسىء لسمعة الفن المصرى فى محيطه العربى، واعترفت بتلقى الرقابة اعتراضات على عرض أعمال مصرية فى الكويت والإمارات، ومنها مسرحية لراقصة شهيرة قالت فيها الرقابة الكويتية «إنها عار على الفن المصرى». الدين والجنس والسياسة ثلاثة تابوهات يحاول المبدعون كسرها، بل ويقيس البعض جودة العمل بمقدار تجرؤه على هذا الثالوث الذى يقدسه الرقيب، فكيف تعاملت درية شرف الدين مع هذا الثالوث؟ تجيب: بالنسبة للفكر سواء كان سياسيا أو دينيا أو غيره فلم يكن للرقابة أى تدخل طالما كان فى سياق عمل فنى محترم، و نفت أن تكون فترة توليها للرقابة قد شهدت أى محاذير سياسية على الأعمال الفنية.
وأشارت إلى أنها لم تقف إطلاقا ضد أى فكر احتوته الأعمال الفنية التى تمت إجازتها، وأكدت أن الاعتراضات فى هذا الاتجاه كانت محدودة للغاية، ولم تتجاوز بعض المشاهد أو الكلمات التى فيها شىء من الخروج على الآداب العامة، أما فيما يخص مشاهد الجنس فكان الفيصل فيها هو المعالجة، وكيفية تناولها فى إطار الموضوع، وقالت إن دورها كان حماية المجتمع من الابتذال، والاعتداء على ثوابت المجتمع معتقدات، والقيم الراسخة فيه مثل احترام الوالدين وكيان الأسرة.
للكبار فقط
فرضت لافتة «ممنوع لأقل من 16 عامًا» على «النوم فى العسل»
فى فترة إدارة د.درية شرف الدين للرقابة أثيرت أقاويل حول وجود شبهة مجاملة لعادل إمام، والذى عرض له فى تلك الفترة فيلمين تناولا موضوع الإرهاب والإسلام السياسى، بينما أجيز نص آخر كتبه السيناريست وحيد حامد ليلعب بطولته الزعيم، وهو فيلم «النوم فى العسل»، وهنا تؤكد د.درية أنها من البداية سارت على معايير ثابته مع الجميع، ولم يكن هناك أية امتيازات لأشخاص أو جهات فيما يخص منح تصاريح الأعمال الفنية، وأن كل الأعمال كانت تخضع لنفس القاعدة، والمعيار الأهم كان ضمير الرقيب ورؤيته الخاصة لما يمكن أن يجاز للعرض على الشاشة، واستشهدت بسيناريو «النوم فى العسل» الذى أصرت على وضع لافتة ممنوع لأقل من 16 سنة على شباك التذاكر، وذلك بعد أن وجدت أن موضوع الفيلم فى ذاك الوقت لا يناسب مع الأعمار الصغيرة، وأنه يجب منع المراهقين من مشاهدته، فيما أشارت إلى أن فيلمى «الإرهابى» و«الإرهاب والكباب» كانا قد أجيزا فى فترة سابقة، وأن عرضهما فى فترة رئاستها للرقابة، وأنه لم تعلم بأى تدخل من أى جهة لتمرير أفلام لخدمة غرض سياسى ما، ولكن الفيصل فيما كانت تجيزه الرقابة من أعمال هو المعالجة الفنية.
وعن رؤيتها لعرض افلام حملت لافتة للكبار فقط على القنوات الفضائية، قالت: «طبيعة العرض اختلفت بعد انتشار القنوات الفضائية، وما لم يكن يقبله المجتمع على شاشة السينما، ويهاجم الرقابة إذا أجازته فى سياق عمل فنى، أصبح الآن يدخل كل بيت عبر الفضائيات، ونحن كنا فى تلك الفترة نجيز الأفلام العرض السينمائى، وكانت رقابة التليفزيون هى التى تقرر ما يمكن أن يتم عرضه على الشاشة الصغيرة، ولكن يظل قرار عرض الأفلام هو مسئولية من يصدره، ويختار الوقت المناسب لعرضه، فالأعراف الإعلامية فى العالم كله تلزم القنوات بلافتة تحدد السن المناسبة للأفلام والبرامج التى تعرضها، كما تختار مواعيد متأخرة من الليل لعرضها».
قرار الأزهر
يوسف شاهين كتب بالفرنسية أنه يقدم قصة يوسف.. فاشتعلت أزمة «المهاجر»
ترى د.درية شرف الدين أن لقانون رقم 430 الذى يحكم عمل الرقابة، والصادر فى 1955، والتعليمات الرقابية الصادرة فى السبعينيات من القرن الماضى، تحمل عبارات مطاطية، من نوعية الحفاظ على الآداب العامة، والحفاظ على الامن القومى والمصلحة العليا للبلاد، ومن هنا تكون رؤية الرقيب الذى يتابع العمل وثقافته هى التى تحدد ما يجاز وما يتم حجبه. وعن المشكلة التى أثارها فيلم «المهاجر» للمخرج الراحل يوسف شاهين، قالت إنها لم تكن مشكلة رقابية بقدر ما هى مخالفة، وكان شاهين قد أضاف جملة باللغة الفرنسية على تترات الفيلم تفيد بأنه يقدم قصة النبى يوسف، وهو ما يتعارض مع تعليمات الازهر بعدم تصوير الانبياء والصحابة والعشرة والمبشرين بالجنة، بينما كان الفيلم قد أجيز رقابيا باعتباره يقدم قصة مستوحاة من التاريخ البشرى.
وأضافت أن عدم ظهور الأنبياء هو قرار خاص بعلماء الأزهر، مشيرة إلى دول إسلامية أخرى لا يمنع علماء الدين فيها تجسيد الأنبياء على الشاشة، ومنها إيران التى صدرت للعالم العربى أعمال درامية من هذه النوعية التى ظهر فيها أنبياء ومبشرون بالجنة، ووجدت نسبة مشاهدة جيدة على القنوات الفضائية، بينما وقف قرار الأزهر، أما خروج كثير من الأعمال الدينية. وعن رأيها الشخصى فى تجسيد الرسل تقول إن الأنبياء فى النهاية بشر، وأن المهم هو وصول الدعوة التى جاءوا بها، وأن الدراما أصبحت فى وسيط مهم يمكن أن تصل من خلالها القيم الدينية، خاصة أن هناك كثيرين يستقون معلوماتهم وثقافتهم عبر مشاهداتهم، وتراجع حجم محبى القراءة والكتب فى العالم العربى.
وحول الاعتراضات والانتقادات التى لاحقت ظهور الشخصيات القبطية، أو الرجل المتدين الملتحى على الشاشة، قالت: لم أقف عند هذه الاعتراضات، وفى تلك الفترة كنت أبحث عن نص جيد يقدم تلك النماذج بعمل فنى»، وتستشهد بتصديها لمحاولات الضغط على فيلم «فيلم هندى» والذى كان قد تقدم به المخرج داود عبدالسيد، وبعد أن كان هناك 13 اعتراضا على النص قامت بالموافقة علية دون أى حذف، لكنها فى نفس الوقت لفتت إلى أن الفيلم الذى تم عرض فى دور السينما كان مختلفا عن النص الذى أجازته.
خروج عن النص
مسئولون ضغطوا لإجازة أعمال رغم خروجها عن النص
عن أسباب تقدمها باستقالتها تقول إنه عندما تم اختيارها لشغل المنصب بعد أن ظل مقعد رئيس الرقابة شاغرا لمدة عام كامل، وكان الكلام الذى دار بينها وبين المسئولين فى وزارة الثقافة بأنها صاحبة القرار وأن ضميرها ورؤيتها هما الفيصل فيما قد تتعرض له الرقابة من خلاف حول أى قضية أو عمل معروض أمامها، ولكنها فوجئت خلال العام الذى قضته على رأس الرقابة بتدخلات كثيرة من جانب مسئولين كبار كان من بينهم وزير الثقافة وأمين المجلس الأعلى للثقافة، لصالح أعمال مسرحية لم تلتزم بالنص المجاز لها، وكان قرار الرقابة وقتها هو وقف عرض هذه الأعمال المخالفة، وعندما زادت الضغوط من جانب الوزارة، والحملات الإعلامية التى تم تنظيمها ضد جهاز الرقابة قررت التقدم باستقالتها.
وتضيف أنها كانت مؤمنة بان الفن فى النهاية هو إعلاء قيمة الجمال، وحتى فى معالجته للقبح والرزيلة يجب أن تكون المعالجة بشكل فنى يحقق الهدف من طرح هذا القبح من خلال العمل، أما الابتذال فى ضده وبكل قوة، وقالت: «فى تلك الفترة كانت التيارات الدينية المتشددة تتخذ مثل هذه الأعمال المُسِفة والمشاهد الخارجة للهجوم على الفن باسم الدين، ومن هنا كان مواقى ضد الابتذال بمثابة دفاع عن الفن الجاد وتعاملت مع الرقابة باعتبارها حائط صد ضد الهجوم على حرية الإبداع.
وأوضحت درية شرف الدين بأن المعارك تركزت فى مجال المسرح وسوق الكاسيت، فكان الاستعانة بالرقص فى العروض المسرحية موضة فى تلك الفترة، واستعان المسرح الخاص بالراقصات كبطلات، وكان موقف الرقابة هو الاعتراض على تحول المسارح إلى كباريهات، خاصة وأن النصوص التى كانت تقدم للرقابة هزيلة جدا، ولا يقوم عليها عمل فنى، فضلا على قيام أصحاب هذه المسرحيات كانوا يضفون على خشبة المسرح مشاهد كاملة، وفواصل من الإفيهات المسفة والحركات والإيحاءات التى تقع تحت طائلة قانون الآداب العامة، وتتذكر أن أحد النصوص الذى رفضته الرقابة كان لمسرحية قال فيها الزوج لزوجته يا جاموسة ويا بقرة باعتبار أن هذا نوع من الكوميديا، وعندما رفضت الرقابة إجازة هذا النص اشتعلت ضدها حملات الانتقاد، كذلك مسرحية «دستور يا سيادنا» التى كان فيها مشهد كامل عن أحد المرشحين للرئاسة بينما يدور الحوار كاملا عن ليلة الدخلة، وهو ما يخالف النص الذى أجازته الرقابة.
الرقباء وتابوهات السينماالدين .. السياسة ..و الجنس 1