قصة لوحة ام تاريخ عالم بأكمله؟! أسئلة كثيرة تثيرها لوحة السنغالى "ايوبا سليمان ديالو" القادمة من القرن الثامن عشر إلى بؤرة الاهتمام الثقافى فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين على الأقل فى اللحظات الراهنة ببريطانيا التى تتحدث عن أول لوحة تكرم أفريقيا مسلما لعبد انعتق وجرى تكريمه باعتباره فردا يتمتع بحقوق مساوية للآخرين. واللوحة التى تصور ايوبا سليمان ديالو مرتديا الزى الوطنى السنغالى واضعا حول رقبته مصحفا كانت ملكية خاصة لأحد الأشخاص ثم عرضت للبيع فى مزاد "دار كريستيز" عام 2009 لتعرض للجمهور للمرة الأولى منذ قرون.
ويوصف ايوبا ديالو بأنه كان رجلا ورعا وواسع الاطلاع بقدر مايبدو أحيانا شخصية معقدة ومتعددة الأبعاد والسمات فيما قالت لوسى بيلتز مشرفة أعمال القرن الثامن عشر بمؤسسة "ناشيونال بورتريه جاليرى" فى تصريحات صحفية :"لم نكن نعلم بوجود هذه اللوحة الزيتية" .
وأضافت :"لم يعرف أحد اى شىء عن هذه اللوحة منذ القرن الثامن عشر ولم يكن هناك اى توثيق لها" معتبرة اكتشافها بمثابة "كشف مثير ينطوى على فرصة عظيمة" .. اما ساندى نايرن مديرة "ناشيونال بورتريه جاليرى" فتقول:"اضافت هذه اللوحة الجذابة لديالو بعدا آخر للقرن الثامن عشر".
وتتضمن مهام "ناشيونال بورتريه جاليرى" قيام متحفها بجمع اللوحات التى تصور شخصيات كان لها تأثير كبير على التاريخ البريطانى فيما تعرض لوحة ديالو فى وقت تهب فيه عواصف الجدل حول تأثير الوجود المتصاعد للمهاجرين من الجنوب على الهوية البريطانية دون أن يخلو هذا الجدل من نزعات عنصرية وكراهية زاعقة للغرباء الوافدين.
ومن ثم فإن عرض لوحة ديالو لايهدف فقط إلى تعزيز المعرفة بتاريخ الرق والغاء العبودية وانما يرمى أيضا من وجهة نظر مؤسسة "ناشيونال بورتريه جاليرى" إلى توطيد المعرفة بالجاليات المختلفة فى بريطانيا فيما يأمل القائمون على هذه المؤسسة أن يحوز العمل إعجاب الجميع ويكون بمثابة مصدر إلهام دائم ومتجدد للكرامة والإيمان من خلال المتحف والموقع الالكترونى.
واختطف السنغالى ايوبا سليمان ديالو عام 1731 وبيع كعبد فى سوق الرقيق لتؤول ملكيته الى حارس مزرعة فى ولاية ميريلاند الأمريكية عندما كانت خاضعة للاستعمار البريطانى وهناك قضى الكثير من الوقت يتحدث مع بقية رفاقه من العبيد ويروى لهم بعض القصص ويشاركهم معارفه.
وتسامع بعض المثقفين البيض فى محيط المزرعة ومن بينهم المحامى الانجليزى توماس بلويت بثقافة ومعارف ايوبا ديالو ليرتب هذا المحامى لعودته لوطنه السنغال عبر انجلترا.
ولدى وصوله الى انجلترا-اختلط بصفوة المجتمع وقيل انه ترك بصمة على مفهوم النخبة البريطانية للثقافة الأفريقية والهوية والدين فيما التقى بالفنان ويليام هوار باث الذى رسم له لوحة شخصية.
وهاهى لوحة ايوبا ديالو تتحول بعد نحو 300 عام إلى مصدر الهام فتشتريها هيئة المتاحف القطرية غير أن قانون بريطانيا حال دون نقل اللوحة لقطر ومن هنا قررت الهيئة القطرية أن تبقى اللوحة المملوكة لها معروضة للجمهور البريطانى فى "ناشيونال بورتريه جاليرى".
وفيما لم يكن بمقدور هيئة المتاحف القطرية سوى الرضوخ للقانون البريطانى- يقول روبرت مانديل الذى يعمل كمدير تنفيذى فى هذه الهيئة القطرية بدبلوماسية واضحة:"اشعر بسعادة بالغة لأننا نستطيع عرض لوحة بهذا القدر من الأهمية للجمهور".
واضاف :"إن العمل مع ناشيونال بورتريه جاليرى سيمنحنا الفرصة للبحث عن الأهمية الثقافية والتاريخية والدينية لتلك اللوحة ومراكمة مادة علمية يمكن نشرها على نطاق عالمى".
وتقرر أن تبدأ لوحة ديالو جولة داخلية فى بريطانيا بثلاثة متاحف ولمدة ثلاثة أشهر فى كل متحف بهدف تعريف البريطانيين بجوانب ثقافية متعددة فى تاريخهم عبر هذه اللوحة التى ستكون محطتها الأولى فى تلك الجولة بليستر حيث تقيم اكبر جالية اسيوية فى انجلترا.
وبعد ذلك تنتقل لوحة ايوبا سليمان ديالو إلى "متحف العبودية" بليفربول ثم تتجه فى محطتها الثالثة والأخيرة إلى ساوث شيلدز وهى المدينة الانجليزية الشمالية الشرقية التى تضم اقدم مسجد فى انجلترا ويعتقد انه تأسس بواسطة بحارة يمنيين فى القرن التاسع عشر.
ووسط اهتمام واضح من الصحافة البريطانية والصحف العربية التى تصدر من لندن مثل صحيفة الشرق الأوسط-تقول لوسى بيتلز:"ستختلف الرسالة التى توصلها اللوحة فى كل محطة تتوقف بها".
واردفت قائلة:"نعمل بشكل بناء على ثلاثة محاور للاستفادة القصوى من وجود اللوحة التى تصور ديالو هنا فى كل مكان".
ونوهت ساندى نايرن بأنه سيتم تخصيص جزء كبير من الأموال التى ستجمع بفضل وجود هذه اللوحة فى بريطانيا للبحث الذى من شأنه أن يكشف عن بعد أكثر شمولا للتاريخ المرتبط بتلك القطعة الفنية ، فيما أوضحت زميلتها لوسى بيتلز :"أن البحث لايزال جاريا عن قصة ديالو وتاريخ رسم اللوحة كجزء لايتجزأ من التاريخ والانفتاح الثقافى فى القرن الثامن عشر".