بعد عيد الأضحى.. أسباب تأخير الإعلان عن تشكيل الحكومة.. تطبيق معايير خاصة جدا لاختيار المجموعة الاقتصادية والخدمية.. والمفاضلة بين المرشحين للنهوض بالبلد وعدم تصدير أزمات.. والاعتذارات ضمن القائمة    «التعليم» تحدد حالات الإعفاء من المصروفات الدراسية لعام 2025 الدراسي    عمرها 130 عاما، أكبر حاجة لهذا العام تصل السعودية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 12 يونيو 2024    تباين أداء مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات اليوم    «الإسكان» تتابع الموقف التنفيذي لمشروعات المرافق والطرق في العبور الجديدة    الرقابة على الصادرات تبحث مع الملحق التجاري لباكستان سبل التعاون المشترك    المجتمعات العمرانية تحذر من إعلانات عن كمبوند بيوت في المنصورة الجديدة: لم يصدر له قرار تخصيص    اندلاع عدد من الحرائق في إسرائيل بسبب صواريخ حزب الله    أ ف ب: لجنة تحقيق أممية تتهم إسرائيل و7مجموعات فلسطينية مسلحة بارتكاب جرائم حرب    الأمم المتحدة تنتقد إسرائيل وحماس بسبب انتهاكات حقوق الأطفال    رئيس الوزراء اليوناني: تيار الوسط الأوروبي لديه الزخم للتغيير بعد انتخابات البرلمان الأوروبي    ليفاندوفسكي يغيب عن بولندا أمام هولندا في اليورو    "مكافحة المنشطات" تكشف موقف رمضان صبحي ومدة إيقافه    "الحمد لله إن ده مصطفى".. تعليق ناري من ميدو عن واقعة استبدال صلاح وما فعله حسام حسن    بيراميدز يرد على مطالب نادي النجوم بقيمة صفقة محمود صابر    التأمين الصحي بالغربية: غرفة طوارئ لتلقي أي شكاوى خلال امتحانات الثانوية    تحرير 1285 مخالفة ملصق إلكتروني ورفع 47 سيارة ودراجة نارية متروكة    قبل بدء محاكمة "سفاح التجمع".. انتشار أمني مكثف في محكمة التجمع    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العمرانية    "حطوهم جوه عينيكم".. مدير أمن بورسعيد يتفقد قوات تأمين امتحانات الثانوية العامة (صور)    مناسك (6).. الوقوف بعرفات ركن الحج الأعظم    المهن السينمائية تنعي المنتج والسيناريست الكبير فاروق صبري    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    بايدن يدرس إرسال منظومة صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا    الحكومة الجديدة فى مهمة اقتصادية من الدرجة الأولى.. ماذا في انتظارها؟    رئيس جامعة المنيا يتفقد لجان امتحانات كلية الهندسة    البورصة المصرية تطلق مؤشر الشريعة EGX33 Shariah Index    تعرف على التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    رئيس إنبي: لم نحصل على أموال إعادة بيع حمدي فتحي.. وسعر زياد كمال 60 مليون جنيه    بطل ولاد رزق 3.. ماذا قال أحمد عز عن الأفلام المتنافسة معه في موسم عيد الأضحى؟    امتحانات الثانوية العامة 2024.. هدوء بمحيط لجان امتحان الاقتصاد والإحصاء بأسيوط    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    دار الإفتاء: يجوز للحاج التوجه إلى عرفات فى الثامن من ذى الحجة يوم التروية    "مقام إبراهيم"... آيةٌ بينة ومُصَلًّى للطائفين والعاكفين والركع السجود    مصر خالية من أى أوبئة    احذري تعرض طفلك لأشعة الشمس أكثر من 20 دقيقة.. تهدد بسرطان الجلد    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم إلى غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    موعد مباراة سبورتنج والترسانة في دورة الترقي للممتاز والقنوات الناقلة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    ماذا يحدث داخل للجسم عند تناول كمية كبيرة من الكافيين ؟    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    تحويلات مرورية جديدة.. غلق كلي لكوبري تقاطع محور "محمد نجيب والعين السخنة"    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    «الزمالك بيبص ورا».. تعليق ناري من حازم إمام على أزمة لقب نادي القرن    رئيس الأساقفة جاستين بادي نشكر مصر بلد الحضارة والتاريخ على استضافتها    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    رسميًا.. تنسيق الثانوية العامة 2024 في 5 محافظات    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    يوسف الحسيني: القاهرة تبذل جهودا متواصلة لوقف العدوان على غزة    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طعم الكلام «الليدي ميتسى» وخيول الأمنيات
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 02 - 2024

تحقق هذه الرواية المدهشة، التى وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، نجاحها الفنى متعدد المستويات، بذلك التوازن الدقيق بين التأثير العاطفى، وإعادة تأمل أفكار إنسانية عابرة للأزمان، بين الدراسة الممتازة لتفاصيل عالمها الخاص، وتوظيف هذه المادة فى إطار معنى وحالة ورؤية، دون أن نفتقد بصمة المكان والزمان، إذ إنها أيضا رواية عن مصر فى فترة مهمة وفاصلة.
«مقامرة على شرف الليدى ميتسى»، الصادرة عن دار دون، لمؤلفها أحمد المرسى، تفعل ذلك بحس درامى واضح، وتصلح أن تكون فيلما سينمائيا مهما، بذلك الحضور الكبير للحركة والصورة، وبإزالة الحواجز بين خيول السباق فى مضمار هليوبوليس البائد، وبين تسابق شخصياتها المهزومة، للحصول على أمنيات تعدو كالخيول.
كأننا أمام صراع مستمر، منذ البداية حتى النهاية، وكأن جوكى السباق، وخيوله الأصيلة والمهجنة، تعبر أيضا عن الشخصيات الأربعة: ضابط السوارى المفصول «سليم حقى»، وسمسار الخيول الفهلوى «مرعى المصرى»، وسائس وجوكى الخيول الصبى «فوزان الطحاوى»، والسيدة الإنجليزية الثرية «الليدى ميتسى خشاب».
هذه الشخصيات الأربعة هى كذلك عنوان للإنسانية المعذبة، بحيرتها وتمزقها بين الأوهام والحقائق، وبين الرغبة والاستطاعة، والنصر والهزيمة، والمكسب والخسارة، والفقد والامتلاك.
الحقيقة أن لدينا خمس شخصيات محورية، وليس أربع شخصيات، فالفرسة البيضاء «شمعة» هى أيضا فى قلب هذا الصراع الذى يدور بالأساس فى العام 1920، والذى أعاد إحياء عالم سباقات الخيول فى عصرها الذهبى، بعد حرب عالمية طاحنة، وثورة وطنية عظيمة، ليضبط المرسى لعبته فى لحظة فارقة، وليجعل عالم السباق مرآة تنعكس عليها آلام وآمال شخصياته، مثلما تنعكس عليها صورة مصر الثرية والفقيرة معا، بجالياتها الأجنبية، وبمواطنيها، وبحيث يصبح سباق الخيول، وتصبح رحلة «شمعة» من جزيرة سعود إلى حلبة الرهان، وكواليس المقامرة والتدليس من أجل الفوز، معادلا فنيا، لصراعات طبقية واقتصادية واجتماعية، ومجازا ممتازا لصراع الإنسان مع نفسه، ومع أقداره، وترجمة لمعركة الحياة نفسها، سعيا لتحقيق أمنيات خطرة، تستعبد أصحابها، مثلما تستعبد الرهانات أعناق المقامرين.
هنا فكرة ذهبية حقا لم يفلتها المرسى أبدا، بل جعلها تعمل بمهارة فى شتى الاتجاهات: بدأ من دائرة محلية محدودة، ليصل إلى العام والإنسانى، وانتقال فوزان البائس من جزيرة سعود إلى القاهرة، لا يفتح عينيه فقط على العاصمة المتوحشة العامرة بالأوتومبيلات وألعاب اللونابارك، ولكنه يعبر أيضا عن منهج الرواية كلها فى الانتقال من عالم الخيول الحر الطليق فى جزيرة سعود، إلى عالم السباق الإنسانى الشرس فى المضمار المؤطر بالمؤامرات والأكاذيب.
عنوان اللعبة السردية فى الانتقال من هموم كل شخصية فى حياتها المنعزلة، إلى تقاطع العواطف والمشاعر الإنسانية، متجاوزة الجنسية والدين واللغة، فتمتد جسور غير متوقعة بين سليم وفوزان، وبين عايدة زوجة سليم وفوزان، وبين الليدى ميتسى وسليم ومرعى وفوزان.
هذا هو الخاص الذى يتحول إلى إنسانى، تحت وقع سنابك الخيول المتعبة، وهذا هو الأمل والألم معا فى صورة فوتوغرافية ساكنة، تبدأ بها الرواية، ثم ينفخ فيها المرسى روح الحركة والحياة على مدى فصول الحكاية، ويعود بعدها من جديد إلى الصورة الساكنة.
لا تتوقف فنية النص عند ذلك الانتقال من الخاص إلى الإنسانى، ولا عند هذا التوازن بين حركة ظاهرة تتعدد فيها الاشتباكات والمشاجرات بين الديوك والخيول والبشر، وحركة داخلية تجعل من النفوس مراجل تغلى وتنفجر، ولا عند حضور الموت العارم، فى خلفية صورة مفعمة بالحياة، بل لعله أحد محركات السعى، لأن سليم يقامر درءا للموت عن زوجته المريضة، وفوزان تتبدل حياته بمقتل والده، والليدى ميتسى مسكونة بحلم مستحيل تستعيد به ولدها الميت، ومرعى مطارد بماضيه، وبشبح زوجته المتوفاة زينب.
ولكن البراعة أيضا فى أن كل ذلك ينشأ من داخل الحكاية، وليس من خارجها، ومن خلال مستوى واقعى، يكشف عن دراسة متقنة، وتوظيف لما يحتاجه النص، دون استطراد، وبإتقان لمستويات الحوار ومفرداته، رغم تنوعها، مع الرسم البارع لشخصيات رمادية دون تنميط، وكلها عناصر من دلائل نضج المعالجة الروائية، وتمكن الكاتب من مادته وعالمه، ومعرفة شخصياته إلى حد تقمصها، والتعبير عنها بلسانها.
وبينما نظن أن الرحلة تنتصر لمعنى الحياة كمقامرة، وكضربة حظ، وكمغامرة مجنونة، وكبشر يغتوون بالأمر المحال، ويطلبون نشوته بصرف النظر عن النتائج، ينتهى المرسى إلى العكس تماما: فالحياة عنده اختيار ومسئولية، والأمانى المستحيلة لن تتحقق، ومواجهة الحقيقة أفضل من ترويض الوهم، والحرية أهم من عبودية السعى العبثى.
وجهة نظر جديرة حقا بالتأمل، تأخذنا إليها أحداث عاصفة، وتنقلنا من الشرقية إلى مصر الجديدة والخليفة ولندن، تتحرك بنا من أسفل إلى أعلى، ومن أعلى إلى أسفل، من حلبات مصارعة الديوك، إلى سباق الخيل، ومن حانات التعساء، إلى قصر البارون إمبان، ومن جزيرة فى الصحراء، إلى مدينة وسط الرمال، ومن رهانات الأغنياء، إلى حروب الفقراء على الفتات.
نكتشف أن الرواية الذكية لا تراهن ولا تقامر إلا على عقل الإنسان، وإلا على تحرير إرادته من عبودية الوهم، لا ترى البشر من الخارج، ولكنها تراهم من الداخل، ككائنات حائرة، ومعقدة، ومثيرة للرثاء.
يطرح الإنسان أسئلة بلا إجابات، ويعيش سباقا لا يتوقف من الميلاد حتى الممات، وليست أسئلة سليم عن الشجاعة الوطنية التى أفقدته عمله، ومعركته لدفع الموت عن زوجته، وليست معركة الليدى ميتسى لاسترداد ابنها الميت، إلا عناوين على تلك الاسئلة الوجودية الصعبة، والتى تجعلنا نشعر بالرثاء تجاه كل الشخصيات، لأنها تخوض سباقا ضد نفسها بالأساس.
سعيد بأن يكون لدينا روائى شاب بمثل هذه الحرفية والموهبة، فنا وفكرا، وشكلا وموضوعا.
فانظر وتأمل كيف عندما يموت فوزان فى وضعية الجوكى، متأثرا بطبيعة مهنته، ومعبرا رمزيا عن حكايتنا كبشر. فما الإنسان إلا جوكى فوق حصان يعدو فى مضمار بلا نهاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.