رئيس جامعة العريش يناقش خطة الأنشطة الطلابية الصيفية ويكرم المتميزين    رئيس جامعة بني سويف يرأس عددا من الاجتماعات    وزارة العمل : ملتقى توظيف "لذوي الهمم" بالتعاون مع 9 شركات قطاع خاص بالأسكندرية    رئيس جامعة كفر الشيخ: يجب تعظيم الاستفادة من الأجهزة والمعامل البحثية بالكليات والوحدات    «التعليم»: فتح باب التحويلات بين المدارس أول يوليو.. تعرف على الضوابط    محافظ القاهرة يوجه بتبسيط إجراءات طلبات التصالح على مخالفات البناء    إقبال شديد على منافذ التموين بجنوب سيناء لشراء اللحوم السودانية    رئيس الوزراء يلتقي رئيسة بنك التنمية الجديد التابع ل «تجمع البريكس»    «الضرائب»: نتواصل مع مجتمع الأعمال الخارجي لتحفيز بيئة الاستثمار محليًا    الرئيس السيسى من الأردن: مصر حذرت مرارًا من الحرب على غزة وتداعيات العمليات العسكرية على رفح الفلسطينية.. ويؤكد: نطالب باتخاذ خطوات فورية وفعالة وملموسة بالوقف الفوري والشامل والمستدام لإطلاق النار    المستشار الألماني يطالب بمزيد من الدفاع الجوي لأوكرانيا    مواعيد مباريات منتخب مصر المقبلة فى تصفيات كأس العالم.. إنفو جراف    حدث في اليورو.. منتخب فرنسا الناجي الوحيد من النسخة الأولى    «قلبي معاه».. شوبير يكشف تطورات جديدة في أزمة رمضان صبحي مع المنشطات    «الداخلية»: ضبط 502 مخالفة عدم ارتداء خوذة وسحب 1210 رخصة خلال 24 ساعة    مواصفات امتحان الاقتصاد والإحصاء للثانوية العامة 2024.. اطلع على الأسئلة المهمة    للمرة الأولى بالحج..السعودية تدشّن مركز التحكم والمراقبة لمتابعة حركة مركبات بمكة المكرمة    كان عايز يديله التحية.. القصة الكاملة لخناقة شقيق كهرباء ورضا البحراوي    مجد القاسم يطرح ألبوم "بشواتي" في عيد الأضحى    عزاء الفنانة مها عطية الخميس فى مسجد عمر مكرم بميدان التحرير    مع ارتفاع درجة الحرارة.. طبيب يقدم نصائح مهمة لحجاج بيت الله    رئيس هيئة الدواء: نواقص الأدوية موجودة في كل دول العالم ونعمل على توفير الأساسيات    «الصحة» إدراج 45 مستشفى ضمن البرنامج القومي لمكافحة المقاومة لمضادات الميكروبات    «الدفاع الروسية»: بدء المرحلة الثانية من مناورات القوات النووية غير الاستراتيجية    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    ضبط 7 مليون جنية حصيلة الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    رونالدو يقود تشكيل البرتعال المتوقع أمام أيرلندا في البروفة الأخيرة قبل يورو 2024    تقارير: تشيزني على بعد خطوات من الانضمام للنصر    القباج تؤكد دور الفن التشكيلي في دعم التنمية المستدامة وتمكين المرأة    «العقرب» لا يعرف كلمة آسف.. رجال هذه الأبراج الفلكية يرفضون الاعتذار    هل على الغنى الذى لا يضحى عقوبة؟.. أمين الفتوى يجيب    ما هو يوم الحج الأكبر ولماذا سمي بهذا الاسم؟.. الإفتاء تُجيب    تقرير يكشف مسارات الهجرة السرية من المغرب إلى أوروبا    من 15 إلى 20 يونيو إجازة عيد الأضحى للعاملين بالقطاع الخاص    محافظ مطروح يشدد على استمرار الجهود لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار    «صحة المنيا» تقدم الخدمات العلاجية ل 1473 مواطنا في قافلة طبية مجانية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 11-6-2024في المنيا    تراجع كبير في أسعار السيارات والحديد والهواتف المحمولة في السوق المصري    محاولات للبحث عن الخلود في "شجرة الحياة" لقومية الأقصر    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    سحب عينات من القمح والدقيق بمطاحن الوادي الجديد للتأكد من صلاحيتها ومطابقة المواصفات    أدعية مستحبة فى اليوم الخامس من ذى الحجة    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    استخدام الأقمار الصناعية.. وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة توزيع المياه في مصر    ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    مكون يمنع اسمرار اللحم ويحافظ على لونها ورديا عند التخزين.. تستخدمه محلات الجزارة    طائرته اختفت كأنها سراب.. من هو نائب رئيس مالاوي؟    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    الخضري يشيد بدعم الجماهير لمنتخب مصر ويطالب بوضوح الخطة الفنية لكأس العالم    صلاح لحسام حسن: شيلنا من دماغك.. محدش جه جنبك    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    إبراهيم عيسى: طريقة تشكيل الحكومة يظهر منهج غير صائب سياسيا    سيد معوض يتساءل: ماذا سيفعل حسام حسن ومنتخب مصر في كأس العالم؟    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد السيد إسماعيل: بيت من زخرف رواية معرفية تطرح الكثير من القضايا الهامة
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 02 - 2024

قال الكاتب محمد السيد إسماعيل، إن رواية إبراهيم فرغلي "بيت من زخرف – عشيقة ابن رشد" الصادرة عن دار الشروق، تضم سرد تاريخي كبير من حياة ابن رشد، ووصفها بأنها رواية معرفية تطرح قضايا هامة تتعلق بثنائية العقل والنقل.
جاء ذلك في مقال مطول له بموقع أندبندت عربية، قال فيه: كثيرة هي الشخصيات الإشكالية في الثقافة الإسلامية، ومنها ابن رشد بما أثاره وما زال يثيره من قضايا كانت ولا تزال موضع عداوات، وصلت إلى حد التكفير الذي أشهره أبو حامد الغزالي في وجهه في كتابه الشهير "تهافت الفلاسفة"، ورد ابن رشد عليه بكتاب "تهافت التهافت".
وإذا كان من الممكن وصف رواية إبراهيم فرغلي "بيت من زخرف – عشيقة ابن رشد" (دار الشروق) بأنها تاريخية تسرد جانباً كبيراً من حياة ابن رشد، يظل من الممكن أيضاً وصفها بأنها رواية معرفية من خلال طرحها لقضايا من قبيل العقل والنقل، والعقل المفارق والعقل الفاعل، أو لنقل العقل الموجود بالقوة الذي يشترك فيه ملايين البشر، والعقل الموجود بالفعل الذي يمتاز به بعض ممن يعملون عقولهم في تأويل النصوص الدينية لفض التعارض الظاهري بين النص والعقل، والتقريب بين الحكمة (الفلسفة) والشريعة، مما رفضه فقهاء النقل حين تعاملوا فحسب مع ظاهر النص، وتوقفوا أمام دلالاته السطحية المباشرة.
من البداهة أن نقول إن إبراهيم فرغلي لا يعود إلى ابن رشد لاستعادة فترة تاريخية فحسب، بل من أجل إسقاط هذا التاريخ على الواقع الراهن بتوظيف بنية التوازي بين محنة ابن رشد ومحنة أستاذ الجامعة المصري "سعد الدين إسكندر" الذي حكم القضاء بالتفريق بينه وزوجته "جليلة" التي أصيبت بجلطة دماغية ماتت على إثرها، إذ اعتبرت حكم التفريق بمثابة حكم بالإعدام. والحق أن محنة هذا الأستاذ الجامعي تقترب كثيراً من خلال بعض الإشارات السردية من محنة نصر حامد أبوزيد، فقد طلب من الاثنين النطق بالشهادة وهذا يعني أنهم تدخلوا في نيتيهما وحكموا بأنهما كافران، والنطق بالشهادة أمام المحكمة طريقة غرضها "الاستتابة".
وعندما يحكي "سعد الدين إسكندر" عن نفسه، يبدو وكأنه يتحدث عن حياة نصر أبوزيد التي نعرفها حين يقول، "أنا ابن عامل بسيط، عشت حياة بسيطة، ودرست دراسة عادية في أحد المعاهد، ولم أبدأ الدراسة الأكاديمية في مجال تخصصي إلا بعد زمن، وبعد معاناة مع الحياة"، وهكذا يبدو وكأننا أمام بنيتين متوازيتين، الأولى معلنة بين "إسكندر" وابن رشد، والثانية ضمنية يمكن استنتاجها بين "إسكندر" ونصر أبوزيد. تقول "إيليا" التي وقعت في غرام "إسكندر" واصفة التشابهات بينه وابن رشد، "اندهشت من شدة تشابه الصراع على السلطة المعرفية الذي راح ضحيته إسكندر كما راح ضحيته أفيرويس، أحد أسماء ابن رشد في الغرب، من قبل". واللافت هو ملاحظتها أن "إسكندر" ينتمي إلى المدرسة الرشدية وأن ما جعله يرى ضرورة الخروج من مصر هو شعوره بأنه وحيد في مواجهة قوى ظلامية يمكنها أن تغتال أي شخص معنوياً بالتشكيك في تدينه. وهذا ما يجمع بين الشخصيات الثلاث المشار إليهم.
يقول فرغلي إنه "مدين أولاً بالشكر لقائمة طويلة من المؤلفين والمفكرين الذين أتيحت لي قراءة ما كتبوه حول سيرة وأفكار ابن رشد وحول تاريخ الأندلس، وقد تضمنت الرواية بعضاً من فقرات اجتزأتها من تلك النصوص، وبعضها من كتب ابن رشد". هذا المقتبس من هامش الرواية يؤكد ما أشرتُ إليه من أن الرواية تتضمن جانباً معرفياً مباشراً. وقد اتضح هذا تحت عنوان "النسّاخ" حين يورد ما ذكره ابن رشد عن "التكلم بين الشريعة والحكمة"، وأنه "يجب بالشرع النظر في القياس العقلي وأنواعه"، وإثباته لعدد من الآيات الكريمة الداعية إلى إعمال العقل والتدبر في الآيات الكونية، وعليه "فمن الواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي".
تنقسم الرواية إلى ستة أقسام تحمل العناوين الآتية، الخبيئة وأفيرويس وكتاب مانويلا ولبنى القرطبية وكتاب إسكندر، ثم يأتي القسم السادس بلا عنوان لكنه مروي من خلال "ماريا إيلينا". وأدى هذا التقسيم إلى تعدد الأصوات الساردة ما بين ماريا وإسكندر ولبنى القرطبية والراوي الخارجي العليم، صانعاً بذلك ما سماه باختين "البوليفونية" وتعدد الرؤى ورسم لوحة سردية كبيرة تكمل كل حكاية فيها الأخرى. كما تتشابك الشخصيات، فماريا التي تعد رسالة دكتوراه عن فلسفة الفن تقع في غرام سعد الدين إسكندر المصري المهاجر إلى قرطبة والمهتم بالفلسفة الإسلامية، بخاصة فلسفة ابن رشد، بعد إقامته لفترة في موسكو ومعرفته بمارغريت، واهتمام مانويلا، صديقة ماريا، بمجموعة أوراق منسوبة لابن رشد الذي بدا بوصفه خيطاً رئيساً جامعاً لهذه الشخصيات القديمة والمعاصرة على نحو ما ظهر في علاقة لبنى القرطبية، تلميذته وعاشقته، وكأنها صورة قديمة لعلاقة ماريا بإسكندر الذي حولته من أستاذ فلسفة إلى نابش قبور لاستخراج أوراق مانويلا التي اضطرت ماريا إلى دفنها معها.
وفي هذا السياق تأتي قصة عاصي الذي ترجم أحد أعمال ابن رشد إلى العربية وشارك في نحت تمثاله في قرطبة والذي أراد أن ينقذ منحوتاته "فحفر لها عميقاً في باطن الأرض في سوريا، وأردتُ، أي إسكندر، أن أستخرج مخطوط مانويلا من باطن الأرض". ويبدو أن المكان له تأثيره البالغ في المواقف والرؤى، فيذكر إسكندر أن مارغريت قد ذكرتنا "بمواقف وشخصيات وأساتذة درّسوا لنا، واستدعت طرائف ومفارقات من حياتنا في موسكو التي جسّدت لنا حلماً كبيراً آنذاك، وانحيازات عاطفية للاشتراكية والشيوعية والانبهار بالدفء الذي يسيطر على علاقات الناس الذين لا تفرق بينهم فوارق الطبقات". إننا أمام عولمة واضحة تجمع موسكو وقرطبة ومصر وسوريا، واتضح هذا من اختلاف جنسيات وأديان أصدقاء مارغريت الذين قدمتهم لإسكندر، بتول ولويس ومصطفى وكارمن وعاصي.
الكتب الطائرة
وظف إبراهيم فرغلي في كثير من المواضع الأحلام التي قد تتحول أحياناً إلى كوابيس. تقول لبنى القرطبية تحت عنوان "رؤيا"، "رأيتني ليلة أمس مع أبي الوليد. كنا نتحدث حديثاً هامساً كالذي يدور بين العشاق، ثم سمعنا أصواتاً وجلبة وقبل أن ندرك ما حدث، رأينا ملثميْن على جوادين يقتربان منا في هرولة". وهكذا تبدأ الرؤيا بحلم هامس جميل بين عاشقين ثم تتحول فجأة إلى كابوس بظهور هذين الملثمين. وربما تكون هذه الرؤيا على إيجازها تعبيراً عن حياة ابن رشد الذي وصل إلى منصب "قاضي القضاة" في زمن السلطان أبو يعقوب يوسف بن عبدالمؤمن المحب للفلسفة، ثم انتهى به الأمر إلى النفي في عهد المنصور الذي عادى الفلاسفة وأمر بإحراق كتب ابن رشد.
وقد يوظف الكاتب الخيال الفانتازي كما في رؤية إسكندر لتلك المرأة الغجرية التي رأى عينها تجحظ وتقع أمامها وتركض مثل كرة. ويمتد هذا الخيال الفانتازي في رؤية ابن أبي الوليد ابن رشد لكتب أبيه "التي غدت غرانيق محلقة في السماء مؤثرة أن تغدو حرة مثل أفكار صاحبها". هذه الأفكار التي استقاها ابن رشد من صباه وجعلت من الأندلس يوتوبيا تجمع بين أصحاب الديانات الثلاث حين يقول، "لم نكن نبالي إن كان العيد يخصنا نحن المسلمين أو عيداً للنصارى أو اليهود، فالعيد عيد والصبية من اليهود والنصارى ممن يشاركوننا احتفالات العيد يترقبون مشاركتنا لهم مرح عيدي الميلاد والفصح وسواهما". لكن هذا الحلم سرعان ما يتبدد تحت وطأة العقلية النقلية التي لم تفعل شيئاً سوى إعادة إنتاج الوثنية ولكن بأدوات جديدة، حيث "استخدم الدين نفسه الذي جاء ليثور على الوثنية ليغدو وثناً جديداً بواسطة تلك العقليات الجامدة". وتجسّد هذا العقل الجامد في "زياد" ابن كمال وبيلار شقيقة مانويلا الذي استباح قتل الأبرياء، ظناً منه أن ذلك جهاد في سبيل الدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.