«سيموت كبارهم وينسى صغارهم»، هكذا عبر واحد من زعماء إسرائيل عن استخفافه بالهوية الفلسطينية وقدرة المقاومة على الصمود ممنيا نفسه بأن الحق سيموت بالتقادم، ومرت سنوات ولم تمت المقاومة، مات الكبار لكن لم ينس الصغار، الحكاية، بالرغم من جرائم التهجير والتطهير العرقى والقذف اليومى والتعتيم على ما يحدث فى فلسطين، ظلت القرى ماثلة أمامنا. لا يرجع الفضل فى هذا الصمود إلى المقاومة فقط، كان لرواية الحكاية فضل أكبر فى ذلك تمثل فى الأعمال الأدبية التى حفظت حكايات الشهداء وأعادت القرى التى طهرت عرقيا من أصحابها إلى الحياة على صفحات الكتب تستطيع أن تراها حين تقرأ ماثلة أمام عينيك، فكتب التاريخ معنية أكثر بالأرقام والأحداث، لكن حكاية الإنسان وملامح الزمن الذى عاش فيه والعادات والتقاليد يرصدها الأدب المعنى بالتجربة الإنسانية، وفيما يخص فلسطين أنتج الأدب العديد من الأقلام التى لم تقتصر على كتاب فلسطين فقط، لكن بطبيعة الأمر كان لهم النصيب الأكبر فى هذا المشروع، وفى الأسطر التالية نلقى بالضوء على بعض هذه الأعمال الأدبية. وفي الحلقة المقبلة نستعرض بقية الأعمال، خاصة الفكرية وكتب الأطفال وغيرها التي تناولت القضية الفلسطينية ودعم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. مشروع الملهاة الفلسطينية هو مشروع أدبى اتخذه الكاتب إبراهيم نصر الله على عاتقه منذ أن استمع إلى تصريح بن غوريون، عزم فى البداية على أن يكتب رواية واحدة وإذا بالمشروع يمتد ويكتشف أن تاريخ فلسطين ما قبل النكبة وبعدها أكبر من أن تحتويه رواية فأصبحت الرواية الواحدة مشروعا روائيا يضم 13 رواية تغطى أكثر من 250 عاما من التاريخ الفلسطينى، كان أحدثهم ثلاثية الأجراس التى تتكون من ثلاثة أجزاء منفصلة، الجزء الأول بعنوان ظلال المفاتيح يتناول من خلالها فكرة احتفاظ الفلسطينى بمفتاح المنزل الذى طرد منه، والجزء الثانى سيرة عين الذى يتناول فيه قصة حياة كريمة عبود أول مصورة فى الشرق الأوسط والتى قررت قبل سنوات النكبة أن توثق بالصور معالم فلسطين وأهلها، لتتحول صورها إلى أرشيف يدحض أكذوبة أن فلسطين أرض خاوية من أهلها. وفى الجزء الثالث، دبابة تحت شجرة عيد الميلاد يتناول المقاومة وأهم أعضائها منذ ثورة 1936 وصولا إلى الانتفاضة الأولى والانتصارات التى حققتها ضد هذا الكيان الصهيونى. الطنطورية هى أشهر أعمال الكاتبة رضوى عاشور، صدرت عام 2010 عن دار الشروق، تدور أحداث الرواية حول تاريخ عائلة فلسطينية منذ عام التهجير 1948 وحتى عام 2010، تروى الحكاية على لسان رقية وتنطلق من قرية الطنطورة إحدى القرى التى استولت عليها العصابات الصهيونية وقامت بتطهيرها عرقيا أى قتل جميع أهلها ودفنهم فى مقابر جماعية. تشهد رقية على هذه المجزرة وتهجر قريتها إلى لبنان فتعيش أجواء الحرب اللبنانية، ومنها إلى مصر والإمارات ومحاولات العودة مرة أخرى، رقية شاهد على حياة المهاجرين بين البلدان العربية والصعوبات النفسية والمادية التى يواجهونها، كما أنها رمز للمرأة الفلسطينية التى تحملت الكثير فى مراحل عمرها المختلفة. عائد إلى حيفا من يافا إلى بيروت رحلة قصيرة استطاع كنفانى أن يخلق منها رمزا لقضية شعب بأكمله؛ حين سخر حياته للتعبير عنها من خلال مئات المقالات، بالإضافة إلى ثمانية عشر كتابا ترجمت إلى العديد من اللغات، كانت رواية عائد إلى حيفا من أهم هذه الأعمال الأدبية، فقد أصابت القراء والواقع الثقافى بحالة من الارتباك عقب صدورها عام 1969. فقد انطلق كنفانى بالأحداث من نقطة السماح للاجئين الفلسطينيين بزيارة المدن التى هجروا منها فكانت زيارة سعيد وصفية إلى منزلهم فى حيفا، وهنا كانت المفاجأة فلم يطردوا من المنزل فقط، بل سرق ابنهم وتبنته الأسرة الصهيونية حتى أصبح جنديا فى صفوف جيش الاحتلال وهنا تبدأ المناقشة بين جميع الأطراف. البحث عن وليد مسعود رواية للكاتب جبرا إبراهيم جبرا، صدرت عام 1978، لتحتل المركز الثانى فيما بعد ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية، حيث يلقى بالضوء على جانب آخر فى القضية الفلسطينية حين يناقش مسألة افتقاد الوطن على الشخصية مهما حققت من نجاحات، كان وليد مسعود نموذجا لهولاء الذين يحصلون على حظ وافر من التعليم والثقافة والقدرة على مناقشة أصعب مسائل الحياة وأشدها تعقيدا، لكنه يقف عاجزا أمام مسألة الهوية التى تشكل أزمة نفسية لا يستطيع تجاوزها وتنعكس على جوانب شتى من حياته، فيظل فى تساول وبحث دائم عن نفسه من خلال حياته وحياة الكثيرين من حوله، وكيف استطاع أن يعيش بعيد عن التاريخ والصراع داخل وطنه الأم وكيف انعكس عليه ذلك وما هو سبيله للعودة؟! رأيت رام الله تعتبر الرواية لدى بعض النقاد والقراء جزءا من سيرة ذاتية للكاتب مريد البرغوثي، لكنك حين تمعن النظر فى الأحداث تكتشف أنها تعبر عن تجربة الكثيرين، تجربة السفر والهجرة من أجل الدراسة والعمل، فتأتى ظروف الحرب تمنعهم من العودة مرة ثانية، وحين يأتى يوم العودة الذى تمثل فى ليلة قضاها بطل الرواية فى انتظار عبور الجسر إلى مدينته يظهر التساؤل الذى أثاره الكاتب فى عنوان الرواية، فحين تطأ قدمه مدينته ماذا يرى؟! هل يرى ما تركه خلفه وما احتفظت به ذاكرته لسنوات أم تحولت إلى مدينة أخرى بملامح جديدة؟ أم أنه الشوف للبلاد يتحول إلى أمنية بسيطة تتلخص فقط فى الرؤية ولو نظرة إلى رام الله. وارث الشواهد يخترق الكاتب وليد الشرفا، أسوار سجن الدامون إحدى أقوى سجون الاحتلال الإسرائيلى كى نلتقى بصالح بطل أحداث الرواية، الذى كان السجن بمثابة فرصة أخيرة لمراجعة مواقفه السياسية من قضية هذا الوطن، مستخدما تقنية الفلاش باك يعود بنا الكاتب إلى طفولته بين حكايات الجد عن أصولهم التى تعود إلى قرية عين حوض، وحكاية استشهاد والده على يد قوات الاحتلال، بالإضافة إلى بطولات المقاومة التى ما زلنا نذكرها حتى الآن، لكن صالح كره تلك الشواهد؛ فكل حكاية تحمل نهاية مأساوية وموتا محققا، بالإضافة إلى أنها تذكرة بالهزيمة والوقوع فى قبضة الاحتلال.