عالم «سليمان السيوفى» ثرى جدا.. وربما نقابله فى مغامرات أخرى الغلاف يورّط القارئ فى رؤية «المكرونة الاسباجتى» بعينى البطل وضلالاته الرواية عمل أدبى ليس هدفه معرفة «الجانى» ولكن «ماذا سيفعل سليمان؟» أصدرت دار الشروق، يوم 10 أكتوبر الجارى، رواية الكاتب والسيناريست أحمد مراد الجديدة «أبو الهول»، الثامنة فى مسيرته الأدبية، والتى فاجأت القراء كونها مغامرة جديدة من مغامرات المصور والخبير الجنائى «سليمان أفندى السيوفى»، وقد قابلناه سابقا فى رواية «لوكاندة بير الوطاويط». تدور أحداث «أبو الهول» خلال فترة تَفشِّى وباء الطاعون فى القرن التاسع عشر بالقاهرة، بعد ظهور جثة عائمة فى مياه النيل، تحمل الكثير من الأسرار. وهى المرة الأولى التى يعود فيها أحمد مراد لكتابة رواية فى عالم كتب عنه من قبل، فى هذا الحوار نعرف سبب عودته، وما سر مسخ «المكرونة الاسباجتى» على الغلاف، وتفاصيل المرض العقلى الذى يكاد يعصف بحياة سليمان، وغيرها من الجوانب المثيرة عن هذا العمل الأدبى الجديد. ما سبب العودة إلى عالم سليمان السيوفى؟ بعد «لوكاندة بير الوطاويط»، شعرت أن هذا العالم لم ينته بعد، سليمان لديه المزيد ليكتبه، وقد كتبت سابقا عن يومياته: «المذكرات الصالحة للنشر»، ثم تساءلت: «كيف ستكون المذكرات غير الصالحة للنشر؟»، ومن هنا جاءت الفكرة. هو عالم ثرى جدا، تدور أحداثه فى حقبة زمنية مثيرة وفاصلة ما بين العصور القديمة وبدايات عصور التكنولوجيا التالية، المصباح الكهربائى والجرامافون والتليفون على وشك الظهور، عالم لا يعرف كلمة «فيروس»، و«الطب السياسى/ الشرعى» حديث العهد، بالتالى لا يوجد من يفحص مسرح الجريمة ويحل ألغاز جرائم القتل المُعقدة، كل ذلك مثل لى تحديا كبيرا للبحث والغوص فى التفاصيل لتقديم عالم جديد لم يقابله القارئ من قبل. أثار الغلاف جدلا واسعا عقب الإعلان عنه، ماذا عنه؟ الغلاف هو أول خطوة لدخول عالم هذه الرواية، وجود المكرونة على الغلاف وداخل الرواية ضرورى جدا لتوضيح حالة سليمان العقلية المضطربة والتأكيد عليها، هى طبق طعام فى نظرنا، لكن سليمان يراها مسخا يحمل مؤامرة معقدة خيوطها متشابكة. أى أن الغلاف يورط القارئ فى الرؤية بعينى سليمان السيوفى، يرى المكرونة كما يراها، وبالمناسبة أنا أحب المكرونة الاسباجتى. لم تُكرر أبطالك فى الروايات من قبل، لماذا سليمان؟ سليمان شخصية مركبة جدا، لديه مرض عقلي خطير، استطاع الأطباء المعاصرين من خلال يومياته أن يشخصوه بفِصام بارانويدي الشديد، جنون الارتياب المصحوب بجنون العظمة، بسبب خلل في خلايا وكيمياء المخ يؤدي إلى ضلالات فكرية راسخة في عقله ولا يمكن تغييرها، وهلاوس سمعية وبصرية، سواء منفردة أو جميعها معا، يمكن التحكم فيها عن طريق الأدوية أو العقاقير، وفي القرن التاسع عشر لم يكن هذا المرض معروفا ولم يشخصه الطب النفسي وقتها بعد، لذا كان يتم التعامل مع أصحاب هذا المرض كمجاذيب وكان أطباء (حكماء) هذه الفترة يحاولون التخفيف من حدة الأعراض عن طريق عقاقير مثل "عُشبة يوحنا". هذا المرض قابل للعلاج "المؤقت"، حيث يعود بشراسة إذا لم يتناوله، وهو يتشكك في كل شيء، حتى في الدواء الذي يعالجه فيرفضه وتتفاقم حالته. لديه إحساس بالاضطهاد؛ لشعوره أنه عظيم. يظن أنه فقير لأن أعداءه يمنعون عنه المال أو يسرقونه، يتزايد إحساسه بالعظمة حتى يتخيل أنه نبي، ويؤيد ذلك ما يراه ويؤمن به من هلاوس وضلالات، ويعتقد المصابون بمرض سليمان، في بعض الأحيان أنهم أنبياء أو مبشرين بالنبوة، وتوجد حالات مشابهة كثيرة في مجتمعنا وغيره، حيث يسمع المريض أصواتا تحدثه، ويظن أنها أصوات الله أو الملائكة. كذلك من الأعراض الجانبية لهذه الأمراض المجتمعة، الهوس الجنسي المفرط، فكرة الجنس عنده وسواسية جدا، يؤديها بشكل لا إرادي نتيجة لاضطرابه العقلي، وهذا الهوس جزء من الشخصية، دونه ستكون ناقصة دراميا، في كل الأحوال فإن الرواية تعطينا فرصة لفهم تفكير الشخصية المصابة بهذا المرض وقراءتها من الداخل. كيف لشخص مصاب بمرض مثل هذا، أن يكون عبقريا فى حل الجرائم؟ يتميز بعض أصحاب الأمراض والاضطرابات العقلية بالذكاء والعبقرية، سليمان لديه عبقرية شديدة جدا فى حل الجرائم وقراءة مسرح الجريمة وتشريح الجثث، وفى عالم الواقع لدينا أمثلة كثيرة لمبدعين عانوا من أمراض عقلية ونفسية شديدة الوطأة وهم من أكثر الناس إبداعا، كما أنه أصبح عندى بطلان، أحدهما يحل الجرائم والألغاز ببراعة، والآخر يقاوم مرضا عقليا شديدا يؤثر على كل شىء فى حياته. كيف يمكن للقارئ أن يفرق بين الواقع والضلالات فى يوميات سليمان؟ سليمان السيوفى راوٍ غير موثوق فيه، لا تستطيع فرز الكذب من الحقيقة فى يومياته، وليس الهدف هو التأكد من حقيقة ما حدث، بل إن أضع على وجه القارئ قناع الرواية، ليرى الحكاية من وجهة نظر سليمان. الهدف هو توريط القارئ فى العمل لفك اللغز مع سليمان غير المتزن، الذى يحكى أو يرى أمورا غير حقيقية. استُخدم هذا الأسلوب فى فيلم Father لأنتونى هوبكنز، حيث رأى المتفرج الأحداث من داخل عقل رجل مصاب بالألزهايمر، وهذا ما فعلته، اخترت أن تكون الأحداث هى يوميات نقرأها من داخل عقل سليمان. وفى النهاية هو يمثلنا، كلنا نروى قصصا عنّا ولا نستطيع التحقق 100% من حقيقتها. هل يتعاطف القارئ مع سليمان السيوفى أم ينفر منه؟ لا يمكن للقارئ أن يكمل الرحلة مع بطل رواية إلا إذا كان يتعاطف معه، نحن لا نشاهد الأبطال الذين يشبهوننا، بل الحالة العقلية التى لا نتمنى التعرض لها أو قصة الحب العنيفة التى نخشى خوضها. واليوميات المكتوبة بقلم مريض مثل سليمان لابد أن تكون مكتوبة بهذه الصورة، هو شخصية قادرة على الاعتراض على أى جملة أكتبها ولا تمثلها، له لغته الخاصة جدا، كما أنه يبحث عن الحقيقة، يطمح للاتصال بالملكوت الأعلى ويصدق ذلك، فى أعماقه هو مؤمن جدا ويكنّ احتراما شديدا لله والرسل والأنبياء، إنسان عالمى يجمع ما بين كل الأديان ويؤمن بها بشكل ما، وتجسد ذلك فى اعتقاده الشديد بأنه نبى له كرامات، رغم عدم تحقق جميع معجزاته، ألا يوجد أولياء يؤمن مريديهم بأن لهم كرامات تقف على حافة المعجزات؟ فما المانع أن يشعر سليمان بالتميز الخارق حتى لو كان السبب هو مرضه العقلى؟ لماذا ازداد أسلوب سليمان سخرية وكوميديا عن مغامرته السابقة؟ عنصر السخرية داخل الرواية، مهم جدا، فهى مظلمة تدور وسط أجواء مرعبة ملوثة بوباء الطاعون، لذلك هو تنفيس للقارئ وتخفيف من حدة الأحداث، مع استخدام السجع الذى أعطى يومياته بعدا زمنيا أشبه بكتابات القرن التاسع عشر وألف ليلة وليلة. كما أن كتابة سليمان لأبيات شعرية مكملة لأبيات شعراء كبار، هى عرض من أعراض مرضه، فهو يرى أنه قادر على كتابة الشعر مثلهم، بل ويكمل على قصائدهم تأكيدا لمعنى «أنا زيى زيك وأحسن منك». هل يجيد أحمد مراد كتابة الشعر؟ كل رواية تضع تحديا لما بعدها يفرض وجود تطور ما، ولابد أن أبحث عن مناطق جديدة فى الكتابة، ووجدت أن كتابة الشعر ممكنة بالتدريب، هكذا تدربت يوميا، فى البداية كتبت ببطء ثم صرت أسرع، وهى رحلة لذيذة فى استكشاف الشعر والكوميديا بطريقة مختلفة، واستخدام السجع على مدار الرواية وضع القارئ فى قالب «الشخصية» وليس الجريمة، لا يبحث عن القاتل فقط بل يبحر فى عقل سليمان، وهكذا تصبح الرواية عملا أدبيا هدفه «ماذا سيفعل البطل؟»، وليس فقط «من القاتل؟». هناك جهد بحثى واضح فى «أبو الهول».. حدثنا عنه. استغرق التفكير فى الأحداث والبحث 6 شهور، بينما استمرت الكتابة على مدار 9 شهور، وبالمناسبة، نهاية الرواية مبنية على بحث علمى حقيقى موجود بالفعل. هل يمكن مقابلة سليمان السيوفى مرة أخرى؟ سليمان بطل قابل للتجديد ويمكن أن نقابله مرة ثالثة ورابعة، ليس شرطا أن يكون ذلك فى الرواية القادمة، لكنه بطل يحمل قماشة كبيرة وواسعة ومسيطر علىّ بشكل شخصى.
محمد طه: هذه بعض أعراض مرض البارانويد سكيزوفرينيا قال الدكتور محمد طه، استشارى وأستاذ مساعد الطب النفسى، ومؤلف عدة كتب من الأكثر مبيعا فى مجال الطب النفسى، فى تصريحات خاصة ل«الشروق»، إن السكيزوفرينيا هو مرض عقلى، و«سكيز» باللاتينية يعنى «ينفصم»، وتشير إلى أن عقل المريض انفصم وأنشأ واقعا آخر يعيش فيه. وأضاف: «السكيزوفرينيا له عدة أنواع، منها البارانويد سكيزوفرينيا، «بارانويد» باللاتينية تتكون من مقطعين، «بارا» وتعنى «بجوار»، و«نويد» وهى مشتقة من كلمة تعنى «العقل»، أى إن العقل انحرف ولم يعد فى مساره السوى. له سمات محددة ومعروفة، أهمها ضلالات الاضطهاد Delusion of Persecution، والضلالات بوجه عام هى أفكار خاطئة وثابتة، يؤمن بها المريض وغير قابل لتغييرها. إلى جانب الشعور بالاضطهاد، يشك فى نوايا من حوله ويظن أنهم يكيدون له، بناء على ذلك، يربط أحداثا لا علاقة لبعضها ببعض ويتوصل إلى استنتاج يدعم نظرية المؤامرة الوهمية». وتابع: «تصاحب ضلالات الاضطهاد، ما نسميها ضلالات العظمة Delusion of Grandiosity، والصلة بينهما وثيقة، فالشعور بالاضطهاد مبنى على شعوره بالعظمة، يؤمن أنه متفرد ومميز ولديه قدرات خاصة كقراءة الأفكار، ربما يؤمن أنه سيخترع علاجا للسرطان ولذلك هناك من يطارده، أو أنه المهدى المنتظر، وبعض الحالات تصل إلى ادعاء النبوة، وهى ادعاءات ترتبط بأمراض عقلية ونفسية أخرى إلى جانب ضلالات العظمة»، وأكمل: «أحيانا تصاحب تلك الضلالات مجموعة من الهلاوس البصرية تقوده لرؤية أشياء غير موجودة، أو هلاوس سمعية أو هلاوس حسية كأن يشم رائحة أو يتذوق طعما وهميا.