خلال إحدى الرحلات الحقلية المشتركة بين مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، وعلماء وزارة البيئة في الواحات البحرية، عثر فريق البحث على حفريٍة لفقرة مغطاة برواسب صلبة من الحديد والرمل، لديناصور مفترس عاش قبل نحو 98 مليون عام بالواحات البحرية في صحراء مصر الغربية، يشبه إلى حد كبير ديناصور "تي ريكس" الشهير. هذا النوع من الفقرات يتميز بجمعه ما يكفي من الصفات التشريحية، ليوضح انتمائه لعائلة من الديناصورات تسمى أبيلوصوريد (Abelisauridae) أو ديناصورات "هابيل"، نسبًة إلى العالم الأرجنتيني الذي اكتشف أولى حفريات هذه العائلة، روبرتو هابيل. "الشروق" تواصلت مع الدكتور بلال سالم، المعيد بجامعة بنها وعضو فريق سلام لاب والمبتعث لجامعة أوهايو الأمريكية والمؤلف الرئيسي لهذه الدراسة، ليروي تفاصيل أكثر عن ديناصور هابيل وعلم الحفريات بشكل عام ، نرصدها في السطور التالية. - حدثنا عن ديناصور هابيل والعائلة المنتمي إليها؟ تتميز هذه العائلة من الديناصورات بشكلها المرعب وجمجمتها المخيفة، وتخرج من فكوكها أسنان حادة أشبه بأنصال السكاكين، بينما تُظهر قدماها الخلفيتان كتلة عضلية ضخمة لتساعدها في الهجوم والافتراس، ورغم قصر طرفيها الأماميين لدرجة الضمور، فإن تلك الديناصورات كانت من بين الأشرس على الإطلاق. أما هابيل فهو ديناصور مفترس متوسط الحجم (يقدر طوله بنحو 6 أمتار) بين بقية عائلته، والأوسط حجمًا بين أبناء عشيرته من ديناصورات الواحات البحرية. كما أن ديناصورات هابيل جابت القارات الجنوبية القديمة (جندوانا) وأوروبا، إلا أن التشابه بين ديناصورات ال تي ريكس وديناصورات هابيل في القوة والشراسة جعل المجتمع العلمي يُلَقب عائلة "هابيل" ب"تي ريكس قارات العالم الجنوبية القديمة". - لماذا اخترتم منطقة الواحات بالتحديد؟ وكيف جاء اكتشاف الديناصور؟ لأن منطقة الواحات البحرية من المناطق التي لها شهرة عالمية في الحفريات الفقارية ومن أوائل الأماكن التي تم منها استخراج حفريات فقارية خاصة الديناصورات، بدايةً من القرن الماضي، وكذلك تشتهر الواحات البحرية بوجود الحفريات الفقارية، واستُخرج منها 5 ديناصورات سابقة، 4 منها تم استخراجها عن طريق العالم الألماني إرنست سترومر. لكن للأسف تم تدميرها في الحرب العالمية الثانية نتيجة القصف البريطاني لمتحف برلين، أما الديناصور الخامس فتم استخراجه في 2011 وموجود حاليا في المعهد الجيولوجي المصري، وبالتالي فإن استخراج الخمس ديناصورات جعل منطقة الواحات البحرية تسمي في الكتب العلمية "أرض الديناصورات". ولفترة كبيرة جدا لم يتم عمل تنقيب عن الحفريات في الواحات البحرية، بأيادٍ مصرية، إلا بعدما قام بذلك الدكتور هشام سلام، مؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية وأستاذي ومعلمي، وبدأنا نذهب للواحات البحرية للكشف عن الحفريات الموجوده في المنطقة، وتمكنا من الكشف عن حفرية ديناصور هابيل. - كيف يتم تحديد عمر الحيوان المكتشف والعصر المنتمي إليه؟ أجريت العديد من الدراسات الجيولوجية على منطقة الواحات البحرية، والتي أدت إلى معرفة أعمار الرواسب الموجودة في المنطقة وبالتالي هذه الرواسب تحتوي بداخلها على حفريات يكون عمرها هو نفس عمر الرواسب. وهناك عدة وسائل لتحديد العمر المطلق منها استخدام النظائر المشعة، والتي تحتوي على بعض العناصر لها فترة عمر نصف، تعطي عمر مطلق، كم مليون سنة بالتحديد بالنسبة للطبقات الرسوبية وهذا ما تم في منطقة الواحات البحرية، وتم تحديد عمر الديناصور وأنه ينتمي للعصر السيوماني الموجود في العصر الطباشيري العلوي، من 93 إلى 100 مليون سنة. - هل يتم الاستعانة بكتب التاريخ أو أساتذة تاريخ لمعرفة العصر الذي تنتمي إليه الحفرية؟ فرع الحفريات مختلف عن التاريخ البشري، ونستعين بالكتب الجيولوجية والحفريات الفقارية ولا نستعين بالتاريخ لأنه تراث بشري، أما الحفريات الفقارية فهي ضمن التراث الطبيعي. - ما أوجه استفادة البشرية من علم الحفريات؟ أوجه الاستفادة، يمكن تلخيصها في أنه بعد نشر العلوم والإعلان عن وجود كشف حفري جديد، فيمكن الاستفادة منها في مجال السياحة الجيولوجية والسياحات المتحفية وسياحة عرض التراث العالمي. - ما العلاقة بين علم الحفريات وتغير المناخ؟ علم الحفريات يفتح لنا بوابة الزمن لنري هذه الحيوانات التي كانت متواجده من زمن بعيد كيف ماتت؟ وبالتالي فإن السجل الحفري به مجموعة من الكائنات والأحداث الجيولوجية التي حدثت وأدت لانقراض بعض الكائنات منها عوامل تغير المناخ، وهو ما تم إثباته في بعض الأبحاث بمركز جامعة المنصورة. مثل البحث الخاص بسمكة القمر، فمنذ 56 مليون سنة، حدث احترار عالمي وارتفاع في درجات الحرارة أدت إلى ارتفاع درجة حرارة مياه المحيط بنسبة معينة فأدت إلى انقراض بعض الأسماك، وبواسطة علم الحفريات تم تفسير الحدث وأسبابه. - هل يفتح علم الحفريات مجالات واسعة في علم الجينات؟ وما أوجة الاستفاده؟ علم الجينات مستقل بذاته لكنه تطور قد يملي علينا بعض الأحداث التي حدثت وبالتالي نستطيع معرفتها لأن الحاضر هو مفتاح الماضي، فما نراه في العلوم الحالية يمكننا رؤيته في الماضي، لكن لا نسطيع عمل التسلسل الجيني لحفرية معينة، لأن وجود حفرية يعني أن النسيج العضلي أو نسيج DNA، حدث له تحول ولم يتبقى إلا العظام التي بدورها حدث لها تحفر وتصلب وتشرب لمواد معدنية. - هل اكتشفتم أي حيوانات فقارية سابقة في مناطق الحفريات؟ لا، ولكن مصر بها أكثر من منطقة ممثلة لأكثر من عمر جيولوجي منتج للحفريات الفقارية، ولها شهرة واسعة في إنتاج حفريات العصر الطباشيري وكذلك عصر حقبة الحياه الحديثة في الفيوم وهي منطقة جبل قطراني. لكن إذا تحدثنا عن الواحات البحرية، فهي لفترة لم تتخطى العقدين من الزمن؛ لم يتم تسجيل أية حفرية فقارية منها، وأصبح فريق سلام لاب، أول فريق مصري يسجل الحفريات بمنخفض الواحات البحرية وأنا كباحث مصري، أعد أول باحث مصري ينشر ورقة علمية عن منخفض الواحات البحرية، خاصة بدراسة الحفريات الفقارية وخاصة حفريات الديناصورات. وبالتالي فإن الواحات البحرية كما قلت سابقا تم استخراج ديناصورات منها وتماسيح وسلاحف وزواحف بحرية، لكن كان في القرن الماضي لذا أصبحت وكأنها مدينة ضائعة أو حفريات ضائعة بسبب أنها دمرت، وهدف الفريق هو إعادة اكتشاف الحيوانات السابقة وتسجيل الحيوانات التي لم يتم اكتشافها من قبل، مثل البحث الذي ننفذه حاليا. - على أي أساس تعتبر منظمة اليونسكو بعض مناطق الحفريات كمناطق تراث عالمية؟ بسبب أنها مميزة وليس لها مثيل في العالم، فالمنظمة تحاول المحافظة على التراث الطبيعي للبشرية أجمع، وبالتالي منطقة مثل منطقة وادي الحيتان معلنة كمنطقة تراث عالمي، بسبب وجود حفريات الحيتان الموجودة بها بهذا الكم وطريقة الحفظ والكثافة؛ وهو ما لا يوجد في أي مكان آخر في العالم، ولذا فإن منظمة اليونسكو أعلنتها منطقة تراث عالمي للمحافظة عليها. - بالنسبة للفريق كيف يكون التعاون في الموضوعات العلمية ومثل هذه الاكتشافات؟ أولا: عملية البحث في الحيوانات الفقارية لا تكون فقط مجرد كتابة ورقة علمية، ففي البداية نحتاج إلى نزول الجبل وعمل رحلات استكشافية تصل لفترات طويلة، وبعدها عمليات الاستخراج، وبعدها عمليات الترميم، وبعدها مرحلة البحث التي يكون لها الجزء الأكبر من الجهد، فنتاج الفريق يكون عبارة عن أن كل فرد في الفريق له خبرة في مرحلة مختلفة يقوم بها وفي آخر المطاف تتم عملية النشر. - كيف يكون التعامل مع الحيوانات التي يتم العثور عليها؟ يتم بمنتهى الحذر لأنه بسبب عوامل التعرية والتهوية، تكون حالتها هشة وبها كسور بالتالي نحاول قدر المستطاع التعامل معها بحذر، قد نقوم بعمل جواكيت لها أو تغطيتها بطبقة من الجبس قبل نقلها للمعمل، وفي داخل المعمل نتعامل معها بشيء من الحذر أيضا في عملية الترميم بداية من استخدام الفرش والمواد اللاصقة والمواد المصلبة، حتى تأخذ قدرا من الصلابة، وبعد كل هذه المراحل ندخل المرحلة الأهم وهي مرحلة الدراسة.