نتنياهو: الادعاء بموافقتنا على وقف إطلاق النار دون تحقيق شروطنا ليس صحيحا    الإصابة تمنع فتوح من استكمال معسكر المنتخب    الصليبي يضرب نجم منتخب إيطاليا قبل يورو 2024    بعد عقد قرانها.. كل ما تريد معرفته عن عريس جميلة عوض    أبرزها «الشهادة الذهبية».. إنجازات حكومة مدبولي في المنظومة الصحية قبل استقالتها    «أونروا»: «مليون شخص فروا من رفح في ظروف لا يمكن وصفها»    موسكو تهدد واشنطن بعواقب الأضرار التي لحقت بنظام الإنذار المبكر    الرئاسة الأوكرانية: 107 دول ومنظمات دولية تشارك في قمة السلام المرتقبة بسويسرا    مثلها الأعلى مجدي يعقوب.. «نورهان» الأولى على الإعدادية ببني سويف: «نفسي أدخل الطب»    ارتفاع ودائع عملاء بنك saib إلى 63 مليار جنيه بنهاية مارس 2024    نائل نصار أمل الفروسية المصرية في أولمبياد باريس    حاول الهروب من حرارة الجو.. مصرع شاب غرقا فى مياه ترعة بالشرقية    محافظ مطروح يتابع خفض منسوب المياه الجوفية بمشروع الإسكان الاجتماعي والشباب بمنطقة حفر الباطن    انطلاق تصوير فيلم «قصر الباشا» بطولة أحمد حاتم (صور)    وزير الأوقاف يوصي حجاج بيت الله بكثرة الدعاء لمصر..صور    «بلاش نعمل هيصة ونزودها».. شوبير يحذر قبل مباراة مصر وبوركينا فاسو    محافظ الغربية: نتابع باستمرار ملف التصالح وتبسيط الإجراءات على المواطنين    تعديل تركيب وامتداد مسير عدد من القطارات على خط «القاهرة / الإسماعيلية»والعكس بدءًا من السبت المقبل    ناجى الشهابي: حكومة مدبولي قادوا البلد في ظروف صعبة بحرفية شديدة وضرورة الاهتمام بالصحة والتعليم    مجلس النواب يشكر حكومة مدبولي: بذلت جهدًا كبيرًا داخليًا وخارجيًا    رئيس حزب الاتحادى الديمقراطى: حكومة مصطفى مدبولى عملت فى صمت وحققت الكثير من الإنجازات    ثقافة الإسكندرية تقدم "قميص السعادة" ضمن عروض مسرح الطفل    نتنياهو: الحرب فى غزة ستتوقف لإعادة المحتجزين ثم ستتبعها مناقشات أخرى    "التابعى.. أمير الصحافة".. على شاشة "الوثائقية" قريبًا    رودري: اعتزال كروس يلهم الجميع    سُنن صلاة عيد الأضحى.. «الإفتاء» توضح    رئيس الوزراء يتفقد المعرض الطبي الأفريقي الثالث    إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة بالطريق الصحراوي الغربي بقنا    الأربعاء المقبل.. انطلاق مهرجان الأفلام اليابانية بالقاهرة    مي عمر عن علاقتها بمحمد سامي: «مبخافش من الحسد ومبركزش في كلام الناس»    6 قرارات للمجلس الأعلى للجامعات لشئون الدراسات العليا والبحوث    بعد الفوز على الاتحاد السكندري.. أبوقير للأسمدة يجدد الثقة في محمد عطية    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصًا    مجموعة "إي اف جي" القابضة تعتزم شراء 4.5 مليون سهم خزينة    نقيب البيطريين: حصلنا على وعد بضم أعضاء النقابة إلى تعيينات ال120 ألف فرصة عمل    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    أسامة قابيل يوضح حكم تفويض شخص آخر فى ذبح الأضحية؟    نائب رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير الامتحانات بكلية التمريض    صيادلة الإسكندرية: توزيع 4.8 ألف علبة دواء مجانا في 5 قوافل طبية (صور)    المؤهلات والأوراق المطلوبة للتقديم على وظائف المدارس المصرية اليابانية    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    برلماني يطالب الحكومة بدعم الاستثمار الزراعي والصناعي    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    حالات وإجراءات تأجيل امتحانات الثانوية العامة 2024 للدور الثانى بالدرجة الفعلية    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    للتدخلات الجراحية العاجلة.. كيف تستفيد من مبادرة إنهاء قوائم الانتظار؟    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    أفشة: ظُلمت بسبب هدفي في نهائي القرن.. و95% لا يفقهون ما يدور داخل الملعب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى عيد ميلاده ال98: نجيب محفوظ يدعو الشباب لقراءة رواياته
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 12 - 2009

تمتع الكبار بنعمة قراءة روايات نجيب محفوظ، يتوقفون تارة عند اللغة الجميلة، وتارة أخرى عند دلالتها وجمالياتها. وتارة ثالثة عند ما تحويه هذه الكتابة من أبعاد وتأملات فلسفية. تلك الكنوز من الروايات ظل محفوظ يمدنا بها منذ بدأ الكتابة وحتى العام 2004 (أى قبل وفاته بعامين... وظلت نصوصه القصيرة «أحلام فترة النقاهة» التى كانت آخر ما كتبه تحير الكتّاب والنقاد).
أما الناشئة فظلوا فى معظم الأحوال بعيدين عن «البحر المحفوظى» خوفا من عمقه وتلاطم أمواجه، ربما هذا ما دفع الأستاذ محمد المعلم مؤسس دار الشروق (رحمه الله) إلى القيام بتبسيط وتقديم أربعة أعمال روائية لمحفوظ بعد مباركته، وموافقته روايات ثلاث بطابعهما الفرعونى والرواية الرابعة هى «رحلة ابن فطومة». وقد عنى نجيب محفوظ فى هذه الروايات بمزج التاريخى بالاجتماعى والفلسفى. وكان مشروعه فى الرواية التاريخية يطمح إلى سرد تاريخ مصر وتقديمه روائيا، مستحضرا حقبة الفراعنة من التاريخ المصرى فخرجت رواياته الثلاث: «رادوبيس» و«عبث الأقدار» و«كفاح طيبة».
وهى جميعا تشير إشارات رمزية واضحة إلى الواقع الاجتماعى فى بلادنا أثناء الحكم الفرعونى. ولأن تلك صفحات فاعلة من تاريخ بلادنا، كان من الضرورى أن تصل إلى من هم يمثلون الأجيال القادمة، كما أن الأسلوب الرمزى الذى يحيط بالعمل الأدبى قد يحتاج إلى تبسيط كى يصل إلى أطفالنا أو الشباب الذين يشارفون أعتاب المراهقة، ولأن الأدب هو إحدى الركائز الأساسية لتكوين الوعى الثقافى وبناء الهوية لأى مجتمع.
لأن استيعاب الرواية الأصلية بتفاصيلها وتقنياتها المعقدة قد يصعب على البعض منهم، لذلك قامت دار الشروق بإعادة طبع هذه الروايات الميسرة للشباب علهم يتمكنون من دخول العالم الروائى السحرى لنجيب محفوظ فيستمتعون بها ويعدون أنفسهم لقراءة الروايات الكبيرة. ذلك إلى جانب الأجواء الأسطورية التى غلفت بها الروايات الأربع فتجعل مخيلة الشباب الصغير متشوقة للحكاية.
فى عيد ميلاد محفوظ ال98 نهدى لذكراه هاتين الصفحتين.
عجائب الأقدار.. الفرعون يقاتل طفلًا رضيعًا
رواية «عبث الأقدار» أو «عجائب الأقدار» هى رواية نجيب محفوظ الأولى ونشرها له المفكر سلامة موسى سنة 1939. تتجلى خلالها قضية رئيسية هى قضية الصراع بين القوة والقدر، بين الإرادة الفردية والحتمية القدرية تلك القدرية التى شغلت كاتب نوبل كثيرا وكأنها ظلال لأدبه وفكره، ولعلها أيضا تقع داخل أغوار رؤيتنا الأصيلة نحن المصريين منذ أقدم عصور تاريخنا، ولذلك قام محفوظ بالاستدعاء التاريخى والأسطورى فى رصد حضارى وسياسى لهذه الحقبة الزمنية دون الالتزام الصارم بوقائع التاريخ الحقيقية، غير أن هناك أحداثا تاريخية أعطت مؤشرات عديدة عن الأحوال الاجتماعية والثقافية لهذا الزمن. فيرصد مثلا قصة بناء الأهرام هذه الأهرامات الذى ظلت إلى الآن خالدة تذكر دائما بعظمة الحضارة القديمة» والتى حشدت لها «ملايين من الرجال الأشداء» وكيف قسم العمل بين طائفتين من العمال: طائفة الأسرى والأغراب.. «وهؤلاء لا يدرون ما يفعلون، تحركهم العصى، ويسوقهم الجنود» والطائفة الأخرى من المصريين التى «تؤمن قلوبهم بالعمل الذين يهبونه حياتهم راضيين. فهو عندهم واجب دينى للرب».
وفى الرواية ينسج محفوظ خيوط الأحداث بعذوبة فى جو أسطورى فتجد عجائب الأقدار.. تلك التى لعبت بفرعون مصر وحاكمها خوفو العظيم عندما تلقى هذه النبوءة من الساحر «ديدى» ذائع الصيت وما «له من قدرة غريبة يتحكم بها فى الإنسان والحيوان، ويخترق بها أسرار الغيب فيعرف أسرار المستقبل» التى «يؤكد له فيها أن خليفته لن يكون منه».
وإنما سيكون ابن الكاهن الأكبر لرع. فيجرى الفرعون وراء هذه النبوءة بعسكره لإخماد أنفاس هذا الطفل الذى يهدد عرش أبنائه، ولكن عبثا. الطفل تلتقه عناية الآلهة وينقذ من طغيان فرعون وتتاح له حياة آمنة عندما أعد له والده كاهن رع عربة ليهرب فيها مع والدته «دره يديت» ووصيفتها «زايا» التى لم ترزق بأطفال وعندما يهاجمهم البدو تأخذ زايا الطفل وتهرب به فيسعدها حظها بالزواج من قائد بناة الأهرام بشاور بعد وفاة زوجها فى بناء الأهرام، التى تفتح لها الحياة ذراعيها بميلاد هذا الطفل».
وتجرى أحداث الرواية مع حركة نمو الطفل، وحركة اقترابه من تحقيق النبوءة، فتتوالى الأحداث والمصادفات التى تؤهل «دووف» الصبى لتولى عرش الفراعنة، عن طريق أخيه «نافا بن بشارو» تعلم حب الفن والرسم أما الحكمة فجاءت مع أخيه الأكبر «خنى» الذى كان له أثر كبير على عقل «دووف» فتعلم معه حب الحكمة وتعرف على الإلهيات والعلوم العالية ولأن دووف يتمتع ببنية مهيبة مبشرة بجندى عفى أخذ مأخذ الجنود وأثبت أنه قائد عظيم عندما انتصر على البدو الذين «يهددون أمن شعبهم السعيد»، وتعلق قلب «دووف» الأميرة «مرى سى عنخ» ابنة الأمير غير أنها تحبه هى الأخرى، وعندما تقترب المسافات أكثر عندما يوافق الفرعون مكافأة لهذا الجندى الباسل على شجاعته.
تأتى مصادفة أخرى تقضى على الأمل الباقى لتولى نسل الفرعون عرش مصر العظيمة عندما يخطط الأمير «خعوف» لمقتل والده الفرعون ليتربع مكانه على الحكم، فيتشكك دووف ويذهب لإنقاذ مليكه الفرعون فينقذه، يلقى الابن الخائن حتفه على يد «دووف»، وفى ذات الوقت تتكشف أمام الفرعون حقيقة والطفل النبوءة.
لتنتهى بتسليم فرعون بالمشيئة التى كتبت وعاندها فكسرته: «منذ عشرين عاما أعلنت على الأقدار حربا شعواء وتحديت بها إرادة الآلهة فجردت جيشا سرت على رأسه لقتال رضيع، وظننت، أنى نفذت إرادتى، وأعليت كلمتى وإذا بالحقيقة اليوم تهزأ بظنى وباطمئنانى. .إذا بالرب يصفع كبريائى».
«عجائب الأقدار» فى طبعتها الجديدة باللون الذهبى الذى ظلل غلافها مضفيا شعورا بالقدم، زودت الحكاية برسومات مذهلة بريشة الفنان «عبدالعال حسن» الذى جسد الشخوص وكأنها وجوه منحوتة، ومنها صورة «الكاهن رع» وهو يطعن نفسه بالخنجر لأنه لا يستطيع حتى أن يفتدى الطفل الرضيع بجسده، أما وجه الأميرة الفلاحة «مرى سى عنخ»، الذى وقع فى عشقه «دووف» بالعيون الواسعة المسحوبة إلى الخلف، تبشر رؤيتها بأن قصه حب سوف تجىء، أما لون الجلد.
فكأن الفنان التزم بنفس مجموعة الألوان «بالته واحدة» ليتخذ منها هذا الإبهار اللونى. تخصص الفنان عبدالعال حسن فى رسم البورتيريه وتصدرت رسوماته أغلفة مجلتى صباح الخير وروزاليوسف وقد رسم مجموعة ضخمة من أغلفة الكتب لأشهر دور النشر فى مصر والوطن العربى.
كفاح طيبة.. إسقاط على واقع الشعب المصرى خلال الحكم الملكى

يستعيد محفوظ فى «كفاح طيبة» ما جرى فى القرن ال17 ق.م، عندما غزا الهكسوس بر مصر وثبتوا أقدامهم فى دلتا النيل فنهض المصريون يقاومونهم، وهى إحدى أنصع صفحات البطولة والوطنية فى تاريخ مصر القديم.
وكانت «كفاح طيبة» الرواية الأخيرة فى مرحلة محفوظ التاريخية التى استقى فيها تاريخ مصر القديم مسقطا الأحداث على واقع الشعب المصرى إبان فترة الحكم الملكى.. التى رأها د.جابر عصفور لا تقصد لذاتها، وإنما لما تثيره من حماسة وطنية تدفع القارئ إلى محاولة الثورة على الأوضاع الفاسدة، حيث يشعر القارئ بأنها صورة مصر المعاصرة فى هذه الفترة بما فيها من حكام أجانب يحتقرون أبناءها وينهبون خيراتها، فمصر الفرعونية كمصر الحديثة فى فترة كتابة الرواية.
فى سلاسة تنقلنا الصفحات الأولى من الراوية إلى مدينة طيبة القديمة بأسوارها ومعابدها وقصورها تماثيلها ومسلاتها وملابس سكانها على اختلاف طبقاتهم «العامة بأجسامهم شبه العارية والضباط بمعاطفهم الطويلة والكهنة والأغنياء بعباءاتهم الواسعة والنساء بأزيائهن الجميلة».
وعندما يشعر القارئ بألفه فى هذا المكان يفاجأ بهذه المدينة وهى تستعد لدخول حرب مع الهكسوس بعد أن بعث مليكهم «أبوفيس» برسالة إلى ملك مصر «سيكننرع» يطلب فيها منه ذبح أفراس النهر المقدسة زاعما أن أصواتها تزعجه كما طلب منه تشييد معبد للإله «ست» الذى يعبده الهكسوس فى طيبة إلى جانب معبد الرب أمون. وتمادى ملك الهكسوس فى طلباته المجحفة حتى طلب من «سيكننرع» أن يخلع التاج الأبيض غطاء الرأس لحكام الجنوب.
وعندها قرر الملك «سكننرع» مع ولى عهده الأمير كاموس ورجال قصره المخلصين متفقين جميعا على أنه لا يجوز التسليم بهذه المطالب التى تمس عقيدتهم وتقاليدهم، حتى وإن كان هذا الرفض يعنى الدخول فى معركة مع قوات الهكسوس «الرعاة».
فخرج «سكننرع» على رأس قوة من حرسه ليلحق بجيشه الذى سبقه وعسكر شمالى طيبة، وظل الجيش يتحرك مدعوما بترحيب الفلاحين على جانبى الطريق، حتى وصلوا إلى بلدة «أبيدوس» التى ستصبح ميدان القتال مع قوات الغزاة.. «وبدأت معركة من أشد المعارك هولا ارتفع فيها الصراخ والصهيل وتطايرت الخوذات وتساقطت الرءوس، قاتل سكننرع قتالا مجيدا غير يائس ولا متخاذل واستمرت المعركة حتى بعد العصر وهنالك بدت الغلبة فى صف الرعاة».
على إثر هذه المعركة استشهد الملك ووقتها تفنن الرعاة فى التمثييل بجثته وأصبحت لا فائدة ترجى من القتال فقرر قائد الجيش «بيبى» أن قواته ستقاتل لتعطى الفرصة لأسرة ولى العهد «كاموس» أن أصبح ملكا.
وسقط بيبى فى المعركة الأخيرة كما سقط سكننرع عظيما فى بطولته استشهاده.
فدخل أبوفيس على رأس جيوشه الغازية إلى مدينة طيبة بعد أن استلم مفاتيحها من الوزراء والقضاة، أما أسرة المليك الجديد كاموس فحطت رحالها على أرض النوبة. حيث بدأ كاموس بناء قوة مصر العسكرية مرة أخرى وبدأت تتضح خيوط مرحلة جديدة تصور كفاح شعب مصر فى سبيل استرداد حريته وطرد الغزاة المستعمرين من أرض النيل..
وعلى أرض النوبة الطيبة يشتد عود ولى العهد الجديد الأمير أحمس ويبدأ دروه فى كفاح عائلته.
بعد مرور عشرين عاما على سقوط طيبة ينزل الأمير أحمس أرض مصر متخفيا فى شخصية أحد التجار وهدفه هو تجنيد أبناء شعبه والعودة بهم للجنوب استعدادا لتحرير الوطن من الغزاة.
وهنا تحديدا لم يفت كاتبنا الكبير نسج قصة حب على قدر رقتها على قدر حظها التعس وتعقيدها، التى رغم ذلك استطاعت اللغة التى تميز بها الكتاب تيسيرها وفقا للمتطلبات التربوية وبدون الإخلال بأسلوبها. فيتابع القارئ الأمير أحمس وهو يخوض معركته الذاتية بين الحب والواجب.
وخلال تخفيه فى زى التاجر «اسفينيس» يلتقى بالأميرة «أمنريدس» ابنة عدوه اللدود ملك الهكسوس «التى التقاه عند مرسى تلك «السفينة الضخمة الجميلة» وهى أيضا منقذته من الموت الحتمى على يد قائد جيش الأعداء حينما بارزه مبارزة ثأرية».
وعندما ينجح أحمس فى جمع الدفعة الأولى من الرجال «كتائب جيش الخلاص» ويعود إلى النوبة ويقدمهم لأبيه الملك كاموس، وتنتهى أحداث رواية كفاح طيبة الميسرة عند هذه العودة لأحمس.
كفاح أحمس.. أن تكون مسئولًا عن مصير مصر

جاءت رواية «كفاح أحمس» المبسطة للشباب بقلم محمد المعلم، فى طبعتها الثانية، لتتوج كفاح شعب طيبة العظيم على يد أحمس.
ولأن نجيب محفوظ يعتمد على الأبطال الذين يصنعون التاريخ بقدراتهم الاستثنائية، فإن أحمس تحديدا فى هذه الرواية يعد بطلا نموذجا أو مثلا أعلى يتطلع إليه القارئ.
«نباتا» النوبية كانت مهجر الأسرة الفرعونية بعد هزيمة الهكسوس وفى خلال عشر سنوات تحولت إلى مصنع كبير لصناعة السفن والعجلات الحربية والآلات الحربية بجميع أنواعها، على أرضها لم تعرف هذه الأسرة الراحة أو اليأس أو الخمول ولكنها كانت كخلية النحل. كان الملك كاموس يشرف بنفسه على تدريب الجنود وتكوين الفرق واختيار الصالحين لأسطول الكبير الذى نصحته به الأم توتيشيرى.
التى ظلت تلقى كلمات الحماس والأمل على الرجال واستمر التدريب حتى أصبح هؤلاء الرجال وحوشا كاسرة. ورأت الأم أيضا أن يحمل كاموس جماعة من النوبيين المخلصين، ليهديهم إلى غزاة طيبة فيكونوا عبيدا فى الظاهر، وأعوانا فى الباطن وعندما تم إعداد جيش الخلاص.
فكان شعار «الأم توتيشيرى» عظيم الأثر فى نفس الرجال.. «وليكن شعاركم جميعا أن تحيوا حياة أمنحتب أو تموتوا ميتة سكننرع بارككم الرب أمون وثبت قلوبكم».
دقت الطبول، عزفت الموسيقى، وتحرك الجيش بعزائم تزحزح الجبال فقد دبر الملك مع رجاله خطة الغزو الأولى وأحكموا التدبير. واستطاعوا أن يحرروا «بيجة الجنوبى» ومن بيجة إلى أمبوس التى استطاع الملك كاموس بقواته السيطرة عليها وعندها شعر الملك ببأس ما هو آت.. «ستمتحن قواتانا فى معركتين شديدين: فى طيبة وهواريس» فلم يمهل كاموس القدر ليشهد هذه المعارك القاسية والفاصلة، وقبل أن يكمل كلمته أصابه سهم أطلقه أحد الغزاة فسقط بين يدى ولى العهد أحمس.
الذى شعر بالمسئولية الخطيرة التى حملها بقيادة الجيش لأول مرة فى حياته غير أنه «المسئول عن مصير مصر إلى الأبد»
ورغم ذلك أثبت أحمس براعة خارقة سواء فى ميدان القتال أو الأفكار التى اهتدى إليها بمعاونه وزرائه وجنوده المصريين فكتب له التاريخ مبارزة قاتل جده سكننرع بل والانتقام وقتله.
وهكذا ظل جيش الخلاص يتقدم بقيادة أحمس إلى أن وصل إلى المعركة الفاصلة، وعلى مشارف طيبة همس أحمس «طيبة.. طيبة يا أرض المجد.. ومثوى الآباء والأجداد. أبشرى، فغدا يطلع عليك صبح جديد».
ورغم ما قام به الهمج الهكسوس من استخدام أجساد النساء والأطفال العارية ليحتموا بها من نبال المصريين وقذائفهم وكانت من أقسى اللحظات على المصريين جميعا التى تعلقت أكبادهم بسور طيبة العظيمة ولكن، خلاص الوطن أثمن من تلك الأرواح المعلقة التى تتمنى خلاصها، فأشار القائد «بانا» على أحمس.
بضرورة الهجوم حتى لو كبدهم ذلك أرواح بعض المصريين فاقتنع أحمس رغم الألم الذى سيتعرض له هؤلاء النسوة والأطفال فى سبيل تحرير طيبة بلاد آبائهم وأجدادهم. وعندها أعلن أحمس ذلك على جنوده يأمرهم بمواصلة القتال، فالتهبت قلوبهم ومسهم شىء من الجنون لا يهدأه سوى قتل هؤلاء الرعاة وتطهير البلاد من بلائهم. واشتد الهجوم من قبل المصريين حتى خلصوا طيبة من أهمج وأقسى أهل الأرض. وبعد أن أستطاعوا دحر الرعاة ودخول طيبة، قطع أحمس على نفسه عهد ألا يدخل طيبة هو وأسرته حتى تطهر من كل الرعاة. وبالفعل استطاع أحمس أن يسترد للأجداد المصريين أرضهم وأهليهم.
الخط الرومانسى تسرب فى الرواية يمزجه نجيب محفوظ مع قصة كفاح أهل طيبة، فيترك البطل أحمس يكمل قصته مع ابنه ملك الهكسوس، ورغم حصول أحمس على النصر لم تغب عن ذهنه صورة تلك الأميرة القادمة من الصحراء (ابنة عدوه الهكسوسى) التى ظلت ملامحها محفورة فى قلبه كأول يوم رأها فيه على ظهر السفينة الفرعونية.. ومع ذلك يضحى بعاطفته فى سبيل طيبة.

عبر الفنان مصطفى حسين فى روايتى «كفاح طيبة» و«كفاح أحمس» بخطوطه المميزة عن الجو الأسطورى لهذه الأحداث، فيظهر القادة والملوك المصريين وعباءاتهم للهواء ترفرف خلفهم وكأنهم أبطال خارقين.
رحلة ابن فطومة.. الحرية قيمة مقدسة
أما «رحلة ابن فطومة» التى كتبها نجيب محفوظ (1983). فهى تنويعة أدبيه على النص التراثى رحلة ابن بطوطة «تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، وهى الرواية الرابعة التى قام الأستاذ محمد المعلم بتيسيرها للشباب فى طبعتها الأولى.
تختلف عن الروايات الثلاث أنفة الذكر فى زمانها فأحداثها لا تقع فى عصر فرعونى أو حتى عصر بعينه وإنما تعبر عن رحلة داخل أزمنة كثيرة لنفس بشرية واحدة.
وحيث إن فصولها السبعة مثلت محطات ابن فطومة فى رحلته للوصول لدار الجبل كانت أيضا بمثابة بانوراما لعرض عدة أنظمة سياسية مبسطه للأجيال الصغيرة وكأنها تمثل نظاما معينا، ديمقراطيا، شيوعيا، وثنيا، إسلاميا.
وتدور رواية «رحلة ابن فطومة» فى 66 صفحة من القطع المتوسط، تزينها رسوم الفنان وليد طاهر ورغم ذلك فهى تحوى رحلة النفس الإنسانية حينما تتملكها الرغبة فى معرفة ذاتها عبر معرفة الآخر.

تروى الحكاية على لسان الرحالة ابن فطومة يسرد مشاهداته عبر ضمير المتكلم ويقول إن اسمه الحقيقى قنديل لكن إخوته أطلقوا عليه هذا الاسم انتسابا لأمه فطومة. أنجبه والده وهو فى الثمانين من عمره، وكان له عظيم الأثر فى نفس ابن فطومة حينما تحدث إليه عن أسفاره وبحثه فى الوصول ل«دار الجبل» أو دار الكمال بلا جدوى.
وفى ذلك يعرض المؤلف صورة مؤرقة من دأب الإنسان فى البحث عن الحرية والعدل. فيبدأها برحيل ابن فطومة الذى تتجسد له صورة الظلم فى حاجب الوالى الذى يعد للزواج من حبه الأول «حليمة». بعدها يعتزم ابن فطومة الارتحال بحثا عن العدل الإنسانى كما قرأه فى نصوص الدين. فى سبيله أن يعود إلى وطنه «المريض بالدواء الشافى»، ولكن ليس قبل أن يصل إلى دار الجبل، ذلك السر المغلق، الذى يشبه «الكمال الذى ما بعده كمال».
«دار المشرق» هى محطة ابن فطومة الأولى، أرض يعلو جوانبها العشب التى شاهد فيها ابن فطوم «العرى والفراغ عادة مألوفة». بلاد يعبد فيها القمر فلا يعرفون خلودا ولا جنة أو نارا، لا طبا ولا تعليما، أما الذى يمرض منهم فيعزل حتى يبرأ أو يموت.
وتلك المشاهد أثرت جدا فى تأمل ابن فطومة للعذاب الإنسانى فى هذه الحياة ولكن الأمل ظل يتراقص أمامه فى أنه سوف يجد الدواء الشافى لكل هذا الداء بدار الجبل.
ورغم دأب ابن فطومة على تدوين ما شاهده فى كتابه رحلتى، إلا أن ذلك لم يمنع قلبه من التعلق «بعروس» عندما التقاها، وقرر الزواج منها لتكمل معه رحلته وبعد عيشة راضية مع عروس أثمرت ثلاثة أطفال. رام هو الابن الثالث لابن فطومة الذى كان حريصا على تعليمه مبادئ الإسلام سرا حتى لا يعلم أهل المشرق، وبما أن ذلك يعد خرقا لعبادة القمر أجبر ابن فطومة على ترك أولاده وزوجته.
فيذهب إلى «دار الحيرة» التى كانت تستعد للحرب ضد «دار المشرق»، كى تحرر شعبها المظلوم، غير أن دار الحيرة هذه لا تختلف عن الدار الأولى فى وثنيتها إلا أنهم يعبدون الملك بديلا عن القمر، فبحث ابن فطومة عن حكيمهم «ديزنج».
الذى رأى أنهم يقدمون مثالا للوطن السعيد، ووصف نفسه بأنه مجرد تلميذ وأن الحكيم هو مولانا، وهو مصدر الحكمة كلها، يجلس على العرش، وينزل صائما حتى يشع منه النور فنعرف أن الإله حل به، عند ذلك يمارس عمله وينشئ الجيش ويختار قواده، ويعين من أسرته المقدسة الحكام..
باقى الناس لا قداسة لهم ولا مواهب يعملون فى الأشغال اليدوية ونوفر لهم الطعام، فيردد ابن فطومة فى حوار داخلى: «عالم غريب حافل بالجنون. ستكون معجزة إذا وجدت الدواء الشافى فى دار الجبل. لم يكن ابن فطومة سعيد الحظ فى ديار الحيرة هذه، فتصادفه عروس وحينما يهم بالاقتراب منها يطمع فيها حكيم الدار «ديزنج»، وقبض على ابن فطومة ليقضى فى السجن عشرين عاما مع سجناء العقائد والسياسة الذين ثبتوا قلبه بكلامهم عن دار الكمال أو دار الجبل.
وبعد خروجه من السجن كانت «دار الحلبة» هى محطة الثالثة التى شاهد فيها احترام حرية العقائد لأن الحرية هى القيمة المقدسة عندهم وهم أيضا ينتخبون رئيس دولتهم تبعا لمواصفات علمية وسياسية وأخلاقية فيحكم لمدة عشر سنوات ثم يتنحى لتجرى انتخابات جديدة. لذلك طال عيش ابن فطومة هناك حتى تزوج للمرة الثانية من سامية الطبيبة الحلبية ومع ذلك لم ينقطع أمله فى الوصول لدار الجبل، لذلك كان عليه المرور بالمحطة قبل الأخيرة قبل أن يذهب إلى دار الجبل وهى «دار الأمان».
التى وجدها دار العدالة الكاملة لأول وهلة حيث يصفها: «العمارات متشابهة، كلها فى نمط واحد، لا توجد قصور ولا فيللات والفروق فى الأجور بسيطة» فهى بلاد تقلل من قدر الحرية على قدر ما تعلى من القانون المقدس للطبيعة، والحرية الفردية فيها عقوبتها الإعدام.
أما الحاكم فى دار الأمان «فهو رئيس منتخب من العلماء والحكماء ورجال الصناعة والزراعة والأمن فهو يحكم مدى الحياة ويهيمن على الجيش والأمن والزراعة والعلم والفن وله مستشارون من الصفوة ومن ينحرف منهم يعزلونه».
دار الغروب بلا حراس، دخلها ابن فطومة ليقابل هذا الشيخ الذى أدرك ابن فطومة من كلامه أنه بدد الكثير من الوقت وقلبه موزع بين «امرأة خلفها وراءه وأخرى يبحث عنها، ورغم ذلك ساعده الشيخ على الوصول لمبتغاة ومبتغى مريدى المعرفة، فدله على القافلة الذاهبة إلى دار الجبل تلك للمحطة الأخيرة التى طالما منى روحه بها».

ابن فطومة. مضى فى رحلته مسجلا كل غريب يراه من شئون الخاصة والعامة، من أمور الحرب والسياسة، من طقوس العادات وغرائب الأحداث. كما أنه رحل وهو أعزب فى العشرينات من عمره. وكان مدفوعا بالمغامرة فى الوصول إلى كشف معرفى. وقد تنقل فى البلدان، واحدة تلو الأخرى، بغرض الوصول إلى الغاية التى يريد. ولكن لم تتسن له العودة، فبعث بمخطوطه مع القافلة العائدة إلى وطنه.
بهذه الكلمات ختم مخطوط رحلة قنديل محمد العنابى الشهير بابن فطومة. ولم يرد فى كتاب من كتب التاريخ ذكر لصاحب الرحلة بعد ذلك. هل واصل رحلته أو هلك فى الطريق؟ هل دخل دار الجبل وأى حظ صادفه فيها؟ وهل أقام بها لآخر عمره أو رجع إلى وطنه كما نوى؟ وهل يعثر ذات يوم على مخطوط جديد لرحلته الأخيرة؟ علم ذلك كله عند عالم الغيب والشهادة فقد ترك الكاتب النهاية للمخيلة الخصبة والثرية لتنهيها كما تشاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.