«لا تشغل البال بماضي الزمان.. ولا بآت العيش قبل الأوان.. وأغنم من الحاضر لذّاته.. فليس في طبع الليالي الأمان». صاحب هذه الرباعيات، هو الشاعر الفارسي عمر الخيام، عالم الرياضيات والفلك الذي قدم للعلوم الإنسانية الكثير، قبل أن يمنحها شعره الفلسفي، والتي ما تزال أشعاره وآراؤه محل جدل حتى وقتنا هذا لكل من قرأ له أو كتب عنه. وفي ذكرى رحيله التي توافق اليوم 4 ديسمبر، لعام 1131م، تستعيد "الشروق" أهم محطات في حياة عمر الخيام: • الخيام بين «الرياضة والطب» وُلد عمرالخيام في 18 مايو لعام 1048 بمدينة «نيسابور»، شمالي شرق إيران، وسعى والده إلى تعليمه الرياضيات، على يد الطبيب والعالم «باهمانيارين مرزيان»، تلميذ الفيلسوف ابن سينا، وقد قدم هذا الرجل ل«الخيام» تعليمًا شاملًا في العلوم والفلسفة والرياضيات، كما قام الخواجى الأنباري بتدريسه علم الفلك، وقد عمل «الخيام» في مطلع شبابه مع والده في عملياته الجراحية وتعلم كل شيء عن الطب. • «الخيام» بين «نيسابور وسمرقند» وعندما أكمل «الخيام» عامه ال18 توفي والده، ثم معلمه «باهمانيار» أيضًا، وحزن لفراقهما حزنًا شديدًا، حتى أنه انضم الى إحدى القوافل الراحلة إلى «سمرقند» مركز المنح الدراسية وقتها، وهناك تواصل مع صديق والده أبو الطاهر، حاكم وقاضي المدينة، والذي سرعان ما اكتشف لدي الخيام موهبهٌ غير عادية في علم الأرقام، فوظفه في مكتبه، وقد أحرز «الخيام» تقدمًا كبيرًا في علم الجبر. • الخيام بين «الهندسة اليونانية والحلول الهندسية للمعادلات التكعيبية» وجد الخيام صعوبة في حل المعادلات التكعيبية باستخدام أدوات الهندسة اليونانية القديمة ك«البوصلة والمسطرة» فعمل على إيجاد البديل، وفي عمر ال22، قدم رسالته حول إظهار مشاكل الجبر والموازنة، وأظهر فيها أن المعادلة التكعيبية يمكن أن يكون لها أكثر من حل واحد، وأوضح فيها كيف يمكن استخدام القطوع كالقطع المكافئ والدوائر لإعطاء حلول هندسية للمعادلات التكعيبية، وكانت هذه واحدة من أعظم أعماله في الجبر والهندسة. • الخيام بين «الرباعيات» و«المرصد الفلكي» وفي عام 1073م، تلقى «الخيام» دعوة من قبل الرجلين الأكثر سلطة في الإمبراطورية السلجوقية، وهما «ملك شاه» سلطان الإمبراطورية، ووزيره «نظام الملك»، لزيارة مدينة «أصفهان»، والعمل على إعداد جدول زمني من شأنه أن يعمل بطريقة دقيقة إلى الأبد، فوافق وأخذ معه مجموعة من العلماء الموهوبين، وهنأك أقام «الخيام» مشروع إنشاء مرصدٍ فلكي لمراقبة السماء خلال 30 عامًا، وخلال هذه المدة كان زحل «الكوكب الأبعد المعروف وقتها» سيكمل مداره خلال فترة عمله في أصفهان، ووجد الخيام أن طول السنة الاستوائية هو 365,2422 يوم، وبهذا قدم السلطان «مالك شاه» تقويم عمر الخيام الجديد للامبراطورية السلجوقية في 15 مايو، ولا يزال هذا التقويم مستخدمًا حتى الأن. تمتع «الخيام» في أصفهان بأسلوب حياة مميز، وقضى أغلب سنوات عمره، بعيدًا عن الصراعات، متفرغا للدراسة والشعر، يميل إلى التأمل والتفكير، وللخيام بعض الرسائل الفلسفية، منها: «رسالة في الكون والتكليف»، و«الرسالة الأولى في الوجود»، و«مختصر في الطبيعيات»، و«شرح ما أشكل من مصادرات كتاب أقليدس»، و«الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسم مركب منهما»، و«رسالة في الموسيقى». • الخيام بين «الحقيقة والخيال» لازالت تفاصيل الحياة الشخصية لعمر الخيام عامضة، لكن بحسب ما ورد عنه في رواية بعنوان «سمرقند» للكاتب والباحث اللبناني وعميد الأدب الفرنسي أمين معلوف، فقد تزوج الخيام من مطربة فارسية جميلة اسمها جيهان، كان يحبها بشدة، وله منها ابن وابنة. • الخيام بين «الخمر والصوفية» تعرض الخيام للهجوم والنقد بسبب رباعياته، التي كان يرددها أثناء قيامه بأموره العلمية، وقام من حوله بجمعها، وظل موضع تقدير من أبناء عصره ومن تلاهم ممن تعمق في موروثه، وتبع المنهج الصوفي فى سنواته الأخيرة ورأى فيها أنها ترد على التشدد الإسلامي، وأدى فريضة الحج، وأقام مدة في بغداد، ثم عاد إلى نيسابور يتقي الناس بالتقوى، وسد الباب دون مريديه، كما أحب الخمر ووصفها في شعره عامة وفي الرباعيات خاصة، لكن الدارسين اختلفوا حول طبيعة هذه الخمر، أهي من عصير العنب أم هي خمر روحية صوفية. • الخيام بين «الشرق والغرب» نال «الخيام» شهرته الواسعة بعدما ترجم السير «إدوارد فيتزجيرال» رباعياته إلى اللغة الإنجليزية، فعرفها الأوروبيون قبل العرب، وقد لعبت «الرباعيات» دورًا كبيرًا في الاستشراق وانتشاره بين أوساط الباحثين الأوروبيين، الذين بدؤوا يتطلعون بشغفٍ نحو شرق التي كان مجهولًا بالنسبة لهم، خاصة بلاد فارس. وداعًا عمر الخيام عاش الخيام سنوات عمره الأخيرة في عزلة، وتوفي عن عمر ناهز ال83 عامًا في بلدته «نيسابور»، ودُفن في قبر كان قد اختار موقعه مسبقًا ضمن بستان حيث تتساقط الزهور مرتين في العام.