تحل اليوم 28 أكتوبر، الذكرى ال45 لرحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، المولود في 15 نوفمبر عام 1889، صاحب الأثر العظيم في الحركة العربية الأدبية الحديثة للعالم العربي، والذي لاتزال أفكاره التنويرية، ومواقفه الثقافية تثير الجدل حتى اليوم. كان لطه حسين جهود كبيرة للنهوض بالأدب العربي، بالإضافة إلى إسهاماته في تطور الرواية العربية، وكذلك في مجال أدب السيرة الذاتية، ومن أشهر كتبه في هذا المجال كتاب «الأيام»، والذي يتناول فيه جوانب مختلفة من حياته الشخصية، تبدأ منذ الطفولة وحتى لحظة كتابة السيرة. • الشيخ طه حسين: نشأ طه حسين في قرية الكيلو بمغاغة بمحافظة المنيا، وكان ترتيبه السابع بين إخوته، أصيب في عمر الرابعة بالرمد؛ مما أدى إلى إصابته بالعمى تماما، وأرسله والده إلى كُتاب القرية؛ ليتعلم القرآن الكريم والحساب واللغة العربية، وتمكن الطفل بذكائه من حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب خلال فترة وجيزة، الأمر الذي أصاب أساتذته والمحيطين به بالاندهاش. • من كُتاب القرية إلى جامعة الأزهر: انتقل طه حسين للدراسة في الأزهر وتمكن من إتمام دراسته، ونال شهادة فتحت أمامه الطريق لدخول الجامعة، ولكنّه عانى كثيراً خلال دراسته؛ نظرا لقدم أساليب التدريس، ولأن المناهج كانت رتيبة وعقيمة، بحسب وصفه في كتاب «الأيام». ولما فتحت الجامعة المصرية أبوابها سنة 1908، كان طه حسين أول المنتسبين إليها، فدرس العلوم العصرية والحضارة الإسلامية والتاريخ والجغرافيا، وعددا من اللغات الشرقية، مثل: (الحبشية، والعبرية، والسريانية)، وكان يحافظ على حضور دروس الأزهر والمشاركة في ندواته اللغوية والدينية والإسلامية. حصل طه حسين في عام 1914 على شهادة الدكتوراه، وموضوعها كان عن «ذكرى أبي العلاء»؛ ما أثار ضجة في الأوساط الدينية، جعلت أحد أعضاء البرلمان يتهمه بالمروق والزندقة والخروج على مبادئ الدين الحنيف. • الدراسة في فرنسا والمعارك الفكرية: وفي العام نفسه، أوفدته الجامعة المصرية إلى «مونبلييه» بفرنسا، لمتابعة التخصص والاستذادة من فروع المعرفة والعلوم العصرية، فواصل دراسته باللغة الفرنسية وأدابها، ودرس علم النفس والتاريخ الحديث، وعاد في عام 1915. منذ عاد طه حسين إلى مصر أثار العديد من المعارك الثقافية، كان محورها الأكبر هو: بين تدريس الأزهر وتدريس الجامعات الغربية، الأمر الذي أدى بالمسؤولين إلى اتخاذ قرار بحرمانه من المنحة المعطاة له، لتغطية نفقات دراسته في الخارج، لكن تدخل السلطان حسين كامل وحال دون تطبيق هذا القرار، فعاد إلى فرنسا من جديد لمتابعة التحصيل العلمي، وفي العاصمة باريس درس هناك مختلف الاتجاهات العلمية في علوم (الاجتماع، والتاريخ اليوناني والروماني، والتاريخ الحديث)، وأعد خلالها أطروحة الدكتوراة الثانية وعنوانها: «الفلسفة الاجتماعية عند بن خلدون»، إضافة إلى إنجازه دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني، والنجاح فيه بدرجة الامتياز. • سوزان بريسو: في هذه الفترة تعرف «حسين» على زوجته «سوزان بريسو»، الفرنسية السويسرية التي ساعدته كثيرًا على الاطلاع أكثر فأكثر على الفرنسية واللاتينية، فأصبح بارعا في الثقافة الغربية إلى حد بعيد. كان ل«بريسو» السيدة عظيم الأثر في حياته، فقامت له بدور القارئ فقرأت عليه الكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التي تمت كتابتها بطريقة «برايل» حتى تساعده على القراءة بنفسه، كما كانت الزوجة والصديقة التي دفعته للتقدم دائما وقد أحبها طه حسين حبا جما، ومما قاله فيها إنه «منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم»، وكان لطه حسين اثنان من الأبناء هما: «أمينة، ومؤنس». • طه حسين داعيًا إلى التجديد: كان طه حسين من الكتاب المنادين بالنهضة الأدبية واستخدام أسلوب الكتابة الواضحة والمفردات والتراكيب السهلة، مع الحفاظ على قواعد اللغة العربية ومفرداتها السليمة، ولكن هذه الدعاوى أثارت حوله موجة من الانتقادات والاتهامات، لكنه لم يلق لها بالاً، وواصل حثه في التجديد والتحديث، وقدم آراء وُصِفَتْ بأنها «جريئة جدا». حث طه حسين على ضرورة تفسير النصوص الأدبية العربية للطلاب في المدارس والجامعات، وأثار كتابه «في الشعر الجاهلي» موجة جديدة من الغضب حوله بعد صدوره، وقد عمل فيه بمبدأ «ديكارت» وخلص في استنتاجاته وتحليلاته إلى أن الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين، فتصدى له العديد من علماء الفلسفة واللغة ومنهم، كما قاضى عدد من علماء الأزهر طه حسين إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين أو للقرآن، فعدل اسم كتابه إلى «في الأدب الجاهلي»، وحذف منه المقاطع الأربعة التي أخذت عليه. • طه حسين بين «الرواية وكتب النقد والتراث والسيرة»: ترك طه حسين العديد من المؤلفات، منها: (على هامش السيرة - الشيخان - الفتنة الكبرى عثمان - الفتنة الكبرى علي وبنوه - مستقبل الثقافة في مصر - مرآة الإسلام - فلسفة بن خلدون الاجتماعية - نظام الأثينيين - من آثار مصطفى عبدالرزاق - حديث المساء - غرابيل - الحياة الأدبية في جزيرة العرب - فصول في الأدب والنقد - حديث الأربعاء - حافظ وشوقي - صوت أبي العلاء - مع أبي العلاء في سجنه - المعذبون في الأرض - الأيام - أحلام شهرزاد - رحلة الربيع - أيام العمر - دعاء الكروان - شجرة البؤس - الحب الضائع) وغيرهم. حاز الكثير من المناصب والجوائز التقديرية، منها (تمثيله مصر في مؤتمر الحضارة المسيحية الإسلامية، وانتخابه عضوا في المجلس الهندي المصري الثقافي، والإشراف على معهد الدراسات العربية العليا، واختياره عضوا محكما في الهيئة الأدبية الطليانية والسويسرية، ورشحته الحكومة لنيل جائزة نوبل، ومنحته جامعتي الجزائر وجامعة بالرمو بصقلية الإيطالية الدكتوراة الفخرية، وظفر بقلادة النيل، ورئاسة مجمع اللغة العربية، كما منحته جامعة مدريد شهادة الدكتوراة الفخرية، ورأس مجلس اتحاد المجامع اللغوية في العالم العربي، كما أقامت منظمة اليونسكو الدولية في أورجواي حفلا تكريميا أدبيا له، كما كان وزيرا للتربية والتعليم في مصر).