سباكة الدرب الأحمر: «محدش عاجبه شغلانتى هكمل لحد ما أحج» منذ الفراعنة كانت المرأة المصرية مضرب الأمثال، فى الشجاعة والمثابرة، والتصدى لظروف وشروط الحياة القاسية. وطالما أفلحت المرأة، أو أفلح الرجل بمساندة وشراكة المرأة فى تطويع وتحسين تلك الظروف. وفى الكثيرٍ من الأحيان التى كانت تجد المرأة نفسها وحدها فى مقابل هذه الحياة كانت تواجهها بعزيمة من لا يملكون رفاهية الفشل، حتى لو اضطرت العمل كرجل أو حتى كحصان! ولهذا فإن «فتاة الإسنكدرية» منى السيد، التى التفت إليها الإعلام وحظيت بمقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسى، لا يمكن اعتبارها «نادرة»، بل نموذجا يمثل حالاتٍ كثيرة، اضطرت النساء خلالها النزول إلى ساحات الرجال، و«الشروق» تعرض هنا ل3 حالات منها: «تفاحة» هو اسم الشهرة لسيدة خمسينية، توفى زوجها وترك لها 8 أبناء، اعتبرتهم ثروتها، التى عليها تنميتها. كل صباحٍ تخرج تفاحة قاطعة مسافات طويلة على قدميها، ما بين منطقة العتبة والموسكى والجمالية والحسين، تدفع أمامها عربةً حديديةً، عليها جميع الجرائد الورقية وعدد من المطبوعات وبعض المسليات. صوتها المميز وهى تنادى: «أخبار، أهرام، جمهورية، معايا كل الجرايد، معايا كل الأخبار»، يعرفه سكان ورواد هذه المناطق، كما يعرفون أن ضعف حالها لم يحملها يومًا على قبول أية مساعدات من أحد. تقول تفاحة ل«الشروق»: «أنا معروفه باسمى من سنين فى كل المناطق اللى بمشى فيها، جوزى كان عربجى كارو ومات، وساب 5 بنات و3 أولاد، بمشى بالعربية الحديد كل يوم من الصبح لبعد المغرب ابيع الجرائد، بستلم 400 جرنال مكسبى فيهم 10 جنيه، وعلشان الفلوس مش مكفية بييع فول سودانى ومناديل، بروح العتبة والموسكى وألف شوارع الحسين، علشان البضاعة تخلص واروح لعيالى». وتضيف: «انا انتخبت السيسى وهو قال إحنا نور عينيه، لكن أنا عايزه أقول للريس مش «منى» بتاعة إسنكدرية لوحدها اللى محتاجة مساندة؛ البلد مليانة غلابة». الحالة الثانية، ل«أم باسم» 64 سنة، التى اختارت العمل بمهنة، معروف حصرها على الرجال، وهى السباكة. أم باسم ربما تكون بدأت فى وقت متأخر إلى حد ما، فبعد انفصالها عن زوجها فى العقد الخامس من عمرها، اضطرت لأن تكون الوالدين معا. تروى سباكة الدرب الأحمر: «كان عندى 47 سنة وانفصلت عن زوجى ومكنش معايا فلوس، اشترك فى مشروع أغاخان، لتعليم المهن ومكنش فى مهن للسيدات كان موجود برنامج تعليم السباكة، طبعا كانوا مستغربين إن فى ست بتقدم فى مشروع بيشغل رجالة ومكنوش هيقبلونى». «الأمور لم تكن أبدًا سهلة»، تضيف أم باسم، موضحةً: «الأهالى بيقولولى إيه إلى بتهببيه دا، وناس كتير من أهلى مش عاجبهم شغلانتى، بس فى العادى الست بتتعب وتستحمل أكتر من الراجل، وانا عندى 3 ولاد كان لازم أوفرلهم فلوس تعليم». أكملت أم باسم مسيرتها مع أبنائها، لكنها لاتزال تواصل عملها، رغم تقدم السن على أمل وحيد «الظروف صعبة ولسة مكملة شغل لغاية أجمع فلوس الحج». أما الحالة الثالثة، فربما تفوق كل هؤلاء جرأة وغرابة، حيث إنها لفتاة فى الثانوية العامة، اختارت أو اضطرت مهنة قد تصعب حتى على كثير من الرجال؛ هيام صلاح، الفتاة الصعيدية طالبة الثانوى، تعمل منذ 6 سنوات فى ورشة «كاوتش» لمساعدة أسرتها على العيش فى ظل ارتفاع الأسعار. تقول هيام: « بشتغل بقالى 6 سنين علشان الشغل مش عيب، وأخويا اللى علمنى الشغل وأنا لسه صغيرة». 12 ساعة كاملة هى مدة عمل هيام، الذى ذابت مشقته بفعل التعود، رغم كونه على النقيض من المهنة التى حلمت بها فى طفولتها: «وأنا صغيرة كان نفسى افتح كوافير بس اخترت الطريق الصعب وبقيت متحمسة للورشة، احنا على باب الله ولازم اشتغل علشان أساعد ابويا واخويا». لكن المدهش بشأن الفتاة التى تتعرض كأغلب الفتيات فى مصر لمضايقات تصعِّب الحياة أكثر، أنها استطاعت الحفاظ على تفوقها الدراسى، ونحت اسمها ضمن المراكز المتقدمة فى دراستها الثانوية».